أزمة السيولة تهز كيان المصارف التجارية في مناطق سيطرة الحوثيين

بنوك توقفت عن الصرف للمودعين... وسرّحت موظفيها

بوابة مقر البنك المركزي في صنعاء الخاضع للحوثيين (رويترز)
بوابة مقر البنك المركزي في صنعاء الخاضع للحوثيين (رويترز)
TT
20

أزمة السيولة تهز كيان المصارف التجارية في مناطق سيطرة الحوثيين

بوابة مقر البنك المركزي في صنعاء الخاضع للحوثيين (رويترز)
بوابة مقر البنك المركزي في صنعاء الخاضع للحوثيين (رويترز)

تواجه البنوك التجارية اليمنية، في مناطق سيطرة الحوثيين، أزمة سيولة غير مسبوقة باتت تهددها بالإفلاس مع استمرار قبضة الجماعة على العمل المصرفي، ومصادرة أرباح الودائع وفوائد أذون الخزانة والدين العام بحجة تحريم الربا، حيث اضطرت هذه البنوك إلى وقف السحب من أموال المودعين، وسرّحت أعداداً كبيرة من الموظفين.

وذكرت مصادر في القطاع التجاري في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن كثيراً من البنوك التجارية مهدد بالتوقف عن العمل وسط مخاوف المودعين من إفلاسها؛ بسبب مصادرة الحوثيين عوائد أذون الخزانة والدين المحلي، التي كانت تستثمر فيها البنوك التجارية أموالها.

عامل يمني يعد النقود في أحد محلات الصرافة (رويترز)
عامل يمني يعد النقود في أحد محلات الصرافة (رويترز)

ومن ضمن الأسباب - وفق المصادر- أن الجماعة الحوثية أتبعت ذلك بقرار مصادرة الأرباح كافة على الودائع، ومنع العمل المصرفي بحجة تحريم الربا، إلى جانب احتجاز نسبة 30 في المائة من أموال البنوك التجارية في فرع البنك المركزي بصنعاء.

ووفق هذه المصادر، فإن الحوثيين يقايضون البنوك بالحصول على جزء من أموالها لدى فرع البنك المركزي اليمني بصنعاء، ولكن بسعر للدولار الأميركي الواحد يصل إلى 3 آلاف ريال يمني، في حين أن الحوثيين يفرضون على البنوك وشركات الصرافة بيع الدولار بمبلغ 500 ريال فقط، ولهذا ستؤدي أي خطوة من البنوك لاستعادة جزء من أموالها إلى خسارة كبيرة نتيجة الفارق الكبير في سعر الدولار داخل البنك المركزي وفي السوق.

وتعاني مجموعة من البنوك التجارية في صنعاء - بحسب المصادر- من أزمة سيولة خانقة، ناتجة عن مصادرة عائدات أذون الخزانة والدين الداخلي للحكومة، واستيلاء فرع البنك المركزي الذي يديره الحوثيون على تلك العائدات ابتداءً بخفض أرباحها إلى الصفر، ومن ثم تحويل الودائع إلى حسابات جارية، واعتماد الأرباح التي صُرفت في السابق عن تلك الودائع على أنها أموال غير شرعية، ولهذا يتم احتسابها من القيمة الأصلية للوديعة.

أزمة خانقة

أفادت لـ«الشرق الأوسط» 3 مصادر عاملة في البنوك التجارية الخاضعة للحوثيين بأن غالبية البنوك قامت بتسريح جزء كبير من موظفيها؛ نتيجة الأزمة المالية التي تواجهها، وبأنها خفّضت مقدار المبلغ الشهري الذي كان يُعطى للمودعين من 20 دولاراً إلى نحو 20 دولاراً.

وذكرت المصادر أن بعض البنوك أوقفت صرف هذا المبلغ المتدني خلال الأيام الأخيرة؛ بسبب العجز الكبير في السيولة، مع استمرار الحوثيين في منع تداول الطبعة الجديدة من العملة المحلية، وتهالك الطبعة القديمة المتداولة هناك.

الجماعة الحوثية تمنع تداول الأوراق النقدية التي أصدرها البنك المركزي اليمني (أ.ف.ب)
الجماعة الحوثية تمنع تداول الأوراق النقدية التي أصدرها البنك المركزي اليمني (أ.ف.ب)

إلى ذلك، أكدت مصادر مصرفية أن منظمات إغاثية أممية ودولية تواجه تحدياً كبيراً في التصرف بأرصدتها البنكية نتيجة الأزمة التي تواجهها البنوك التجارية، وأن كثيراً من البنوك لجأت إلى إنشاء إدارات إقليمية في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية منفصلة عن مناطق سيطرة الحوثيين، في مسعى لاستئناف العمل المصرفي في تلك المناطق، حيث ازدهر عدد من البنوك التجارية التي افتُتحت أخيراً، أو تلك التي استبقت إجراءات الحوثيين وأقامت إدارات مستقلة في مناطق سيطرة الحكومة.

ويرى مطهر العباسي، وهو نائب وزير التخطيط والتعاون الدولي السابق في الحكومة اليمنية، أنه مع إصدار الحوثيين بداية عام 2023، قانوناً بمنع التعاملات الربوية «تعمّق التقسيم النقدي والمصرفي»، وأُصيب قطاع البنوك بالشلل التام في مناطق نفوذهم، حيث قضى على المصداقية والثقة بين البنوك وكل من المدّخرين والمستثمرين.

ويذكر العباسي، وهو أيضاً أستاذ للاقتصاد في جامعة صنعاء، أن البيانات والتقارير تشير إلى أن معظم البنوك في مناطق سيطرة الحوثيين «في حالة إفلاس»، وتواجه أزمة حقيقية في السيولة من النقدَين المحلي والأجنبي، على حد سواء.

وأضاف المسؤول اليمني والأستاذ الجامعي: «يمكن القول إن القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين يكاد يكون معاقاً وعاجزاً عن المساهمة في تمويل الأنشطة التجارية والاقتصادية».

مخاطر الإفلاس

كانت ورقة بحثية اقتصادية نبّهت إلى ارتفاع مخاطر التعثر وإفلاس البنوك التجارية في مناطق سيطرة الحوثيين؛ بسبب أزمة السيولة الحادة؛ نتيجة عديد من الممارسات المُقوّضة للعمل المصرفي.

وبيّنت الورقة، التي نشرها «مركز اليمن والخليج للدراسات»، أن كثيراً من البنوك، أغلقت عديداً من الأقسام والأعمال، حيث لم تعد تقدم أي خدمات، في حين اقتصر العمل في بعض الأقسام على عدد لا يزيد على 5 موظفين في الفرع الواحد.

مودعون يتجمهرون أمام بوابة أحد المصارف الخاضعة للحوثيين في صنعاء (إعلام محلي)
مودعون يتجمهرون أمام بوابة أحد المصارف الخاضعة للحوثيين في صنعاء (إعلام محلي)

وأعادت الورقة البحثية سبب أزمة السيولة إلى احتجاز أرصدة البنوك، من قبل فرع البنك المركزي بصنعاء الذي يديره الحوثيون، حيث استفحلت مأساة البنوك، مع ضخامة المبالغ المحتجَزة من قبله، في حين أن البنوك التجارية كانت تستثمر أغلب أرصدتها، إضافة إلى ودائع العملاء، في أذون الخزانة، وأدوات الدين العام بالبنك المركزي بصنعاء، منذ ما قبل سيطرة الحوثيين على البنك في نهاية عام 2014.

وطبقاً لما ذكره الصحافي الاقتصادي وفيق صالح، فإن الإجراءات التي اتخذها الحوثيون جعلت بنوكاً تجارية تدفع رواتب موظفيها بشكل جزئي، وعلى فترات طويلة، كما جعلت السحب وفقاً لحجم السيولة المتوفرة.

ورأى صالح أن البنوك تلقت خلال هذه الأزمة «الضربة الأعنف»، التي تمثلت بالشلل الكبير الذي أصابها في التعامل مع القطاع التجاري، وهو في تقديره مؤشر على «انعدام الثقة، وهشاشة الوضع» القائم في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية.


مقالات ذات صلة

ميزانية حوثية لكبار القادة وعائلاتهم لتعزيز طرق التخفي والحماية

العالم العربي القيادي محمد علي الحوثي في اجتماع سابق مع كيان استحدثه للسيطرة على العقارات (إكس)

ميزانية حوثية لكبار القادة وعائلاتهم لتعزيز طرق التخفي والحماية

خصصت الجماعة الحوثية ميزانية مالية ضخمة لمصلحة كبار قادتها وعائلاتهم؛ لمساعدتهم على تعزيز طرق الحماية والتخفي من الضربات الأميركية.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الخيواني والحوثي يفتتحان مرحلة جديدة من القمع (إعلام حوثي)

الحوثيون يبدأون حملة قمع جديدة بتهمة «العمل مع أميركا»

بدأ الحوثيون في اليمن حملة اعتقالات جديدة في مناطق سيطرتهم، بحجة «العمل مع الولايات المتحدة في تحديد مواقعهم» كما قرروا البدء في محاكمة عشرات من المعتقلين.

محمد ناصر (تعز)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

​العليمي يؤكد جهوزية القوات المسلحة لخوض معركة الخلاص

تحدث الدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني عن عناصر مشجعة لتعديل موازين القوى على الأرض في مقدمتها توافق المكونات الوطنية

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي مقاتلة أميركية تقلع من فوق متن حاملة طائرات لضرب الحوثيين في اليمن (الجيش الأميركي)

الضربات الأميركية تنهك خطوط التماس الحوثية في الحديدة ومأرب

تركزت الضربات الأميركية على الحوثيين خلال اليومين الأخيرين على خطوط تماس الجماعة مع القوات اليمنية الحكومية في مأرب والحديدة، وامتدت إلى صنعاء وضواحيها.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي القيادي في «حزب الله» أبو صالح سرور عندما كان يقاتل إلى جانب الحوثيين (إعلام حوثي)

الحوثيون يتخبَّطون أمنياً عقب انكشاف مخابئهم للطيران الأميركي

مع مرور نحو ستة أسابيع على بدء الضربات الأميركية الجديدة على مواقع الحوثيين ومخابئهم، أظهرت تصرفات الجماعة حالة من التخبط الأمني إثر كشف بعض مخابئها.

محمد ناصر (تعز)

ميزانية حوثية لكبار القادة وعائلاتهم لتعزيز طرق التخفي والحماية

القيادي محمد علي الحوثي في اجتماع سابق مع كيان استحدثه للسيطرة على العقارات (إكس)
القيادي محمد علي الحوثي في اجتماع سابق مع كيان استحدثه للسيطرة على العقارات (إكس)
TT
20

ميزانية حوثية لكبار القادة وعائلاتهم لتعزيز طرق التخفي والحماية

القيادي محمد علي الحوثي في اجتماع سابق مع كيان استحدثه للسيطرة على العقارات (إكس)
القيادي محمد علي الحوثي في اجتماع سابق مع كيان استحدثه للسيطرة على العقارات (إكس)

أفادت مصادر يمنية مطلعة في صنعاء بأن الجماعة الحوثية خصصت ميزانية مالية ضخمة من موارد المؤسسات الحكومية المختطفة، على هيئة نفقات يومية لكبار القادة وأُسرهم، وذلك منذ انتقالهم من صنعاء إلى وجهات غير معلومة ضمن إجراءات احترازية لتجنب الاستهداف المباشر من المقاتلات الأميركية.

وكشفت المصادر لـ«الشرق الأوسط» عن أن مكتب زعيم الجماعة الحوثية أصدر في أواخر مارس (آذار) الماضي توجيهات إلى وزارة المالية في الحكومة غير المعترف بها، وهيئتي «الزكاة» و«الأوقاف» المستحدثتين، إلى جانب مؤسسات مالية أخرى تُدير أموال الجماعة المنهوبة، بتخصيص مليارات الريالات اليمنية لصالح قادة الصفين الأول والثاني ولأسرهم، لتغطية نفقات فترة اختفائهم عن الأنظار. (الدولار بنحو 535 ريالاً في مناطق سيطرة الجماعة).

ووفق المصادر ذاتها، فقد شددت التوجيهات على أن يُقتطع جزء من هذه الميزانية من التبرعات الشعبية التي جمعتها الجماعة سابقاً في مناطق سيطرتها تحت لافتة دعم القضية الفلسطينية.

وفي وقت تستمر فيه الجماعة في رفضها صرف رواتب الموظفين الحكوميين منذ سنوات، اتهمت مصادر عاملة في وزارة مالية الانقلاب تورط ثلاث قيادات حوثية بارزة هم: محمد علي الحوثي، ومهدي المشاط، وأحمد حامد، في الاستحواذ على النصيب الأكبر من تلك المبالغ المخصصة لكبار القادة.

ضربات أميركية دمّرت ميناء رأس عيسى اليمني الخاضع للحوثيين (رويترز)
ضربات أميركية دمّرت ميناء رأس عيسى اليمني الخاضع للحوثيين (رويترز)

وأكدت المصادر أن القيادي محمد علي الحوثي، ابن عم زعيم الجماعة، ومهدي المشاط، رئيس مجلس حكمها الانقلابي ومدير مكتبه أحمد حامد، حصلوا على الجزء الأكبر من تلك النفقات، رغم الأوضاع الإنسانية المتدهورة في البلاد.

نهب للموارد

في ظل هذا النهب المنظم للموارد، يعيش أكثر من ثلثي السكان في مناطق سيطرة الحوثيين على حافة الفقر والمجاعة، بينما تستمر الجماعة في التوسع في مشروعها المالي الخاص عبر استغلال الموارد العامة وتوظيفها لصالح القادة وأُسرهم.

كان ناشطون موالون للحوثيين قد كشفوا عن أن مصروفات أحد قادة الجماعة من الصف الرابع بلغت خلال عام واحد فقط أكثر من ملياري ريال يمني، وهو ما يعكس حجم الفساد المالي في صفوف الجماعة حتى في المستويات الدنيا من القيادة.

وتزامناً مع الإنفاق السخيّ على القيادات، كثّفت الجماعة من فرض الإتاوات والجبايات غير القانونية على المواطنين والتجار في مختلف المناطق الخاضعة لها، لتعويض النفقات المتزايدة للقادة المختفين عن الأنظار.

ومنذ بدء الغارات الأمريكية ضد الحوثيين في 15 مارس الماضي، نفَّذت قيادات حوثية عمليات نهب واسعة شملت مؤسسات حكومية ومقرات رسمية في صنعاء ومدناً أخرى، كما باعت أراضي وعقارات تعود ملكيتها إلى الدولة أو صودرت سابقاً من مواطنين.

تلاعُب بالمساعدات

في موازاة ذلك، اتهمت مصادر حقوقية الجماعة الحوثية بمحاولة وقف صرف المساعدات النقدية التي تقدمها منظمات أممية ودولية ضمن المرحلة الـ19 المخصصة للحالات الفقيرة في صنعاء وريفها، ومحافظات إب، وعمران، وذمار، وريمة، والحديدة.

نازح يحمل مساعدات غذائية على أطراف صنعاء (إ.ب.أ)
نازح يحمل مساعدات غذائية على أطراف صنعاء (إ.ب.أ)

وتستمر الجماعة الحوثية في وضع العراقيل أمام صرف هذه المساعدات، مما تسبب في حرمان مئات الأسر المستحقة في مديريات صنعاء مثل معين وبني الحارث وصنعاء القديمة وبني مطر وأرحب، إضافة إلى مناطق ريفية أخرى.

واشتكى عدد من المستفيدين في صنعاء ومحافظات أخرى لـ«الشرق الأوسط» من ممارسات حوثية تهدف إلى عرقلة عملية صرف المساعدات في بعض مراكز التوزيع، مما فاقم من معاناتهم في ظل أوضاع معيشية متدهورة.