خطة مصرية لتطوير «الثانوية العامة» تثير انقساماً

الحكومة أعلنت إعادة هيكلة النظام التعليمي

وزير التعليم المصري يعتمد نتيجة الثانوية العامة قبل أيام (وزارة التربية والتعليم)
وزير التعليم المصري يعتمد نتيجة الثانوية العامة قبل أيام (وزارة التربية والتعليم)
TT

خطة مصرية لتطوير «الثانوية العامة» تثير انقساماً

وزير التعليم المصري يعتمد نتيجة الثانوية العامة قبل أيام (وزارة التربية والتعليم)
وزير التعليم المصري يعتمد نتيجة الثانوية العامة قبل أيام (وزارة التربية والتعليم)

حالة من الانقسام أثارها إعلان الحكومة المصرية، ممثلة في وزارة التربية والتعليم، الأربعاء، عما أسمته «خطة إعادة هيكلة المرحلة الثانوية». ليتصدر «النظام الجديد» التريند، وسط تعليقات من سياسيين وطلاب وأولياء أمور، أيّد بعضها النظام الجديد، الذي يقلص المواد الدراسية، وذلك بداعي «تخفيف الأعباء عن كاهل الأسرة»، في حين رفضه آخرون واعتبروه «تدميراً للعملية التعليمية».

وبين هذا وذاك، وقفت رباب محمود، ربة منزل، حائرة بشأن مصير ابنها سيف، الذي من المنتظر أن ينهي عامه الأخير في المرحلة الثانوية العام المقبل. وقالت، الأربعينية التي تقطن في حي الدقي، لـ«الشرق الأوسط»: «لم أفهم النظام الجديد بعد، وكل همي يتركز الآن على ابني، وما إذا كانت هذه الهيكلة ستؤثر على مستقبله». لكنها في الوقت نفسه «أبدت ترحيباً بتقليل عدد المواد الدراسية»؛ كونه «سيخفف عنها عبء الدروس الخصوصية».

جانب من امتحانات الثانوية العامة هذا العام (وزارة التربية والتعليم المصرية)

وأعلن وزير التربية والتعليم المصري محمد عبد اللطيف، في مؤتمر صحافي الأربعاء، خطة الوزارة للعام الدراسي الجديد 2024 - 2025، المقرر أن ينطلق في 21 سبتمبر (أيلول) المقبل. وقال: «تمت إعادة تصميم المحتوى العلمي والمعرفي لصفوف المرحلة الثانوية وتوزيعها بشكل متوازن، بحيث لا تسبب عبئاً معرفياً على الطلاب».

تضمنت خطة إعادة الهيكلة تقليصاً لعدد المواد الدراسية، حيث «يدرس طلاب الصف الأول الثانوي في العام الجديد 6 مواد، بدلاً من 10 درسها نظراؤهم العام الماضي، بعد إلغاء الجغرافيا ودمج مادتي الكيمياء والفيزياء في منهج واحد باسم (العلوم المتكاملة)، وجعل مادة اللغة الأجنبية الثانية (مادة نجاح ورسوب خارج المجموع)».

لتقتصر المواد المقررة في الصف الأول الثانوي على «اللغة العربية - اللغة الأجنبية الأولى - التاريخ - الرياضيات - العلوم المتكاملة - الفلسفة والمنطق»، إضافة إلى المواد غير المضافة للمجموع «التربية الدينية - اللغة الأجنبية الثانية».

وبالنسبة للصفين الثاني والثالث الثانويين، أشار وزير التربية والتعليم إلى «إجراء تعديلات محدودة على المناهج لمراعاة عدم وجود تكرار في المحتوى».

وبموجب الخطة سيدرس طلاب الصف الثاني الثانوي 6 مواد دراسية بدلاً من 8، وهي «اللغة العربية - اللغة الأجنبية الأولى - الرياضيات - الأحياء - الكيمياء - الفيزياء، للشعبة العلمية في العام الدراسي المقبل 2024 - 2025، على أن تتم إضافة مادة التاريخ بدلاً من الأحياء في العامين الدراسيين المقبلين».

وزير التعليم المصري الجديد يتفقد امتحانات الثانوية (وزارة التربية والتعليم المصرية)

بينما يدرس طلاب الشعبة الأدبية مواد «اللغة العربية - اللغة الأجنبية الأولى - التاريخ - الجغرافيا - علم النفس - الرياضيات»، بحسب وزير التربية والتعليم.

وأوضح عبد اللطيف أنه «تمت إعادة تصميم محتوى الصف الثالث الثانوي بدءاً من العام الدراسي المقبل 2024 - 2025، حيث أصبحت مادتا اللغة الأجنبية الثانية، والجيولوجيا وعلوم البيئة من مواد النجاح والرسوب غير المضافة للمجموع». ووفقاً لذلك «يدرس طلاب الشعب الثلاث (علمي علوم، ورياضيات، وأدبي)، خمس مواد بدلاً من سبعة».

وحظيت خطة إعادة هيكلة الثانوية العامة بزخم إعلامي ومجتمعي مع تداول تسريبات بشأنها قبل إعلانها رسمياً، لا سيما وأن شهادة الثانوية العامة لا تزال تثير رهبة في نفوس الطلاب وتشكل عبئاً على الأسرة المصرية.

وانتقد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور مصطفى كامل السيد، إعلان وزير التربية والتعليم الجديد عن هذه التغييرات، مشيراً إلى الجدل بشأن درجاته العلمية الذي صاحب تعيينه وزيراً الشهر الماضي. وقال السيد، في منشور على «فيسبوك»: «هل يتقرر محتوى التدريس في المدارس دون أي مناقشة مع المتخصصين ومشاركة الرأي العام».

وكان تعيين عبد اللطيف وزيراً للتعليم في الحكومة المصرية الجديدة يوليو (تموز) الماضي، قد أحدث جدلاً عقب «التشكيك في صحة شهادتي الماجستير والدكتوراه التي حصل عليهما الوزير الجديد».

وعدّ حساب باسم عصام حمزة، على «فيسبوك»، «الهدف من الخطة هو الحد من عجز المعلمين، والحد من الإنفاق على التعليم، وتخفيف العبء عن الطلاب وأولياء الأمور».

بينما احتفى الإعلامي المصري أحمد موسى بالخطة الجديدة، منوهاً قبل إعلانها بقوله، عبر حسابه على «إكس»، إنها «تتضمن تقليلاً لعدد المواد وخفضاً للمواد الإجبارية في الثانوية العامة، والتي يصل عددها حالياً إلى 32 مادة، لتصبح مماثلة لنظم التعليمية العالمية».

ودافع وزير التربية والتعليم عن الخطة، مشيراً إلى أن «إعدادها تم بعد حوار مجتمعي مع متخصصين وخبراء، ومعلمين، ومديري الإدارات التعليمية، ومجلس الأمناء والآباء والمعلمين، وعدد من أساتذة الإعلام المتخصصين في ملف التعليم»، وقال إنها «حظيت بقبول لأثرها في تخفيف العبء على الأسرة المصرية، دون التقصير في المعارف التي سيدرسها الطلاب».

وأعاد الجدل للأذهان محاولات مستمرة على مدار السنوات الماضية لـ«تطوير نظام الثانوية العامة» الذي بات شبحاً يهدد استقرار الأسرة المصرية؛ نظراً لارتباط ما يتحصل عليه الطالب من درجات خلالها بمستقبلة التعليمي، حيث «يحدد المجموع، الكلية التي يحق للطالب الالتحاق بها».

وهو ما أكده الخبير التربوي، والعميد الأسبق لكليتي التربية ورياض الأطفال بجامعة القاهرة، الدكتور مصطفى النشار، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «كل وزير جديد يأتي بخطة لتطوير الثانوية العامة، ليخلق حالة من الجدل في المجتمع».

طلاب يدرسون لامتحانات الشهادة الثانوية في مكتبة الإسكندرية (إ.ب.أ)

وأضاف: «مناهج الثانوية العامة لا تحتاج إلى تعديل، حيث تم وضعها بعد مناقشات مع خبراء ومتخصصين، لكن المشكلة تكمن في آليات التطبيق مع عجز المعلمين، وانتشار ظاهرة الدروس الخصوصية». وأبدى النشار اندهاشه من «حذف مادة الفلسفة من الصفين الثاني والثالث الثانويين». وقال: إنه «كان ضمن اللجنة التي أعادت هيكلة مناهج الثانوية العامة في عام 2013، والتي تم فيه تطوير منهج الفلسفة للسنوات الثلاث».

وأكد أنه «إذا كان الهدف التخفيف على الأسر فيجب أولاً عودة المدارس لأداء دورها، واستعادة دور المعلم، ومنحه راتباً جيداً؛ لمنع الدروس الخصوصية».

بينما وصفت عبير أحمد، من «اتحاد أمهات مصر للنهوض بالتعليم»، و«ائتلاف أولياء الأمور»، الخطة بأنها «جيدة بنسبة كبيرة، لكن الأهم التطبيق على أرض الواقع». وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «خطة إعادة هيكلة الثانوية العامة ترفع العبء عن كاهل الطلاب وأولياء الأمور بنسبة كبيرة». وأشارت إلى «تباين آراء أولياء الأمور بشأن المواد خارج المجموع، وتأثير الخطة على مستقبل أولادهم».

بدوره، قال مستشار «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر، عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «اللجوء لتعديل المناهج أو دمجها هو من باب إظهار نوايا إصلاح التعليم». وأضاف أن «الأولى هو إصلاح القضايا الحقيقية، المرتبطة بالمعلم والبحث العلمي، وتكدس المدارس والدروس الخصوصية».

وأشار الباحث المختص في الإسلام السياسي ماهر فرغلي، في منشور على «فيسبوك»، إلى أن «مصر لديها أزمة في التعليم ولن تجد دولة في العالم بها تعليم خاص وعام، وأزهري وديني، ومدارس أزهرية ووزارية ودولية، وكتب وزارة رسمية وأخرى خارجية، ومدارس حكومية، ودروس خصوصية، وفصول تقوية... وغيرها».

طالب يذاكر قبيل امتحانات شهادة الثانوية العامة في مصر (إ.ب.أ)

وبحسب وزير التربية والتعليم المصري، فإن «بلاده لديها أكبر نظام للتعليم قبل الجامعي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، وقال: إن «أكثر من 25 مليون طالب التحقوا بمدارسها في العام الدراسي الأخير». ولفت الوزير، الأربعاء، إلى «احتياج الوزارة إلى ما يزيد على 250 ألف فصل جديد، وما يقرب من 469 ألف معلم لسد عجز المعلمين الذي تعانيه المدارس المصرية في مختلف الصفوف الدراسية».

وعلى مدار سنوات طويلة شهد نظام الثانوية العامة تعديلات عدة، كان من بينها اعتماد نظام «البابل شيت»، والكتاب المفتوح في الامتحانات، مع استخدام أجهزة الحاسب اللوحي (التابلت)، والتصحيح الإلكتروني لأوراق الإجابة عام 2021. وعام 2013 أعلنت وزارة التربية والتعليم المصرية، تطبيق نظام جديد للثانوية العامة، لتكون سنة واحدة بدلاً من سنتين.

وكانت الدراسة في الثانوية العامة أربع سنوات في بدايات القرن الماضي، زادت إلى خمسة لاحقاً، قبل أن يتم تقليصها إلى ثلاث سنوات عام 1977، وفي عام 1991 أدخلت المواد الاختيارية ومواد المستوى الرفيع التي تسببت في زيادة كبيرة في مجموع الطلاب ليتخطى بعضها الدرجة الكاملة للمادة. وعام 1994 تحولت الدراسة في الشهادة الثانوية إلى النظام الممتد بين العامين الثاني والثالث الثانويين.

الجدل بشأن الخطة الجديدة بدأ مع تداول تصريحات للإعلامي المصري تامر أمين تساءل فيها عن «جدوى تدريس الفلسفة والمنطق والتاريخ والجغرافيا»، لتشتعل منصات التواصل الاجتماعي بمنشورات تستعرض أهمية العلوم الاجتماعية والإنسانية في الارتقاء بالتفكير النقدي للمجتمع.

وقال عمرو الشوبكي، في منشور على «فيسبوك»: «العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية مساران متكاملان ولا توجد أمة متقدمة أو راغبة في التقدم صناعياً وتكنولوجياً وطبياً كرهت العلوم الإنسانية وهمّشتها والعكس صحيح».


مقالات ذات صلة

شراكة سعودية – أميركية لدعم تعليم اللغتين العربية والإنجليزية بين البلدين

يوميات الشرق حظي المنتدى بجلسات علمية بين الجانبين (وزارة التعليم)

شراكة سعودية – أميركية لدعم تعليم اللغتين العربية والإنجليزية بين البلدين

السفير الأميركي مايكل راتني: المنتدى هو نتيجة عامٍ من التعاون بين سفارتنا ووزارة التّعليم السعودية.

عمر البدوي (الرياض)
الاقتصاد مسؤولو الذراع الاستثمارية لشركة «إي إف جي هيرميس» ومجموعة «جي إف إتش» المالية خلال إطلاق صندوق التعليم السعودي (إكس)

«هيرميس» تطلق صندوقاً للتعليم بـ300 مليون دولار في السعودية

أطلقت شركة «إي إف جي هيرميس» صندوقاً للتعليم السعودي (SEF) بقيمة 300 مليون دولار لبناء مشغل تعليمي عالمي المستوى في السعودية

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شؤون إقليمية جانب من اجتماع الوفدين المصري والتركي في مقر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالقاهرة (من حساب رئيس مجلس العليم العالي التركي في «إكس»)

مصر وتركيا تتفقان على إنشاء جامعة مشتركة في القاهرة

تم الاتفاق على إنشاء جامعة مصرية - تركية مشتركة بالقاهرة تنفيذاً لمذكرة تفاهم وُقِّعت بين الجانبين خلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لأنقرة في سبتمبر.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي وزير التربية والتعليم يتابع انتظام العملية التعليمية بمدارس محافظة القليوبية (وزارة التربية والتعليم)

مصر: مقتل طالب يثير قلقاً من انتشار «العنف» بالمدارس

تجدد الحديث عن وقائع العنف بين طلاب المدارس في مصر، مع حادثة مقتل طالب في محافظة بورسعيد طعناً على يد زميله، ما أثار مخاوف من انتشاره.

محمد عجم (القاهرة)

الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم

شاحنة تحمل لاجئين سودانيين من مدينة رينك الحدودية في جنوب السودان (د.ب.أ)
شاحنة تحمل لاجئين سودانيين من مدينة رينك الحدودية في جنوب السودان (د.ب.أ)
TT

الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم

شاحنة تحمل لاجئين سودانيين من مدينة رينك الحدودية في جنوب السودان (د.ب.أ)
شاحنة تحمل لاجئين سودانيين من مدينة رينك الحدودية في جنوب السودان (د.ب.أ)

أفاد تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الأحد، بأن السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم، مشيراً إلى أن أكثر من 3 ملايين طفل نزحوا داخل السودان وخارجه منذ بداية الصراع.

وأضاف التقرير أن واحداً من كل ثلاثة في السودان يعاني من نقص حاد في الأمن الغذائي.

وبحسب التقرير الذي نُشر على موقع مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، أسفرت موجة العنف وانعدام الأمن الحالية عن ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين، وإلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية والمرافق الحيوية، فضلاً عن النزوح على نطاق واسع.

وجاء في التقرير: «أُجبر أكثر من 7.4 مليون شخص على مغادرة منازلهم بحثاً عن الأمان داخل السودان وخارجه، إلى جانب 3.8 مليون نازح داخلياً من الصراعات السابقة. يواجه السودان حالياً أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم وأهم أزمة نزوح للأطفال».

وأشار التقرير إلى أن النظام الصحي الهش بالفعل أصبح في حالة يرثى لها، مع تصاعد خطر تفشي الأمراض، بما في ذلك تفشي الكوليرا، فضلاً عن حمى الضنك والحصبة والملاريا.