الرق... ظاهرة فنية تراثية تعود للحياة في السعودية بعد مئات السنين

هوية متفردة في الحفر والرسم على جذوع الأشجار لتزين المنازل بألوان الطبيعة

في القِدم اهتمت القرى والمدن بتزيين أبوابها بفن الرق (الشرق الأوسط)
في القِدم اهتمت القرى والمدن بتزيين أبوابها بفن الرق (الشرق الأوسط)
TT

الرق... ظاهرة فنية تراثية تعود للحياة في السعودية بعد مئات السنين

في القِدم اهتمت القرى والمدن بتزيين أبوابها بفن الرق (الشرق الأوسط)
في القِدم اهتمت القرى والمدن بتزيين أبوابها بفن الرق (الشرق الأوسط)

تتميز كل مدينة سعودية بهويتها التي تتفرد بها عن قريناتها. هوية ضاربة في التاريخ، تشكل جزءاً من النمط اليومي لقاطني تلك المدن والقرى في حقبٍ زمنية مختلفة، ولعلها كانت جواز العبور لكثيرٍ من القرى والمدن التي اشتهرت بمورث ما، فخرجت من حدودها لعموم الجزيرة العربية.

أصبحت أبواب «فن الرق» سمة منتشرة في كثير من القرى (الشرق الأوسط)

ومن تلك الحالات والأنماط التي اشتهرت قبل مئات السنين، خصوصاً في جنوب السعودية، ما يعرف بفن «الرق»، الذي كان رائجاً في كثير من القرى والمدن، لما يشكله من حالة جمالية في الشكل العام، ما دفع بكثيرين لتنفيذه داخل منازلهم على أيدي حرفيين مهرة لديهم القدرة على الحفر والنقش على جذوع الأشجار التي تُحسّن بآلات تقليدية قديمة، ومن ثمّ تلوينها بمواد تُستخلص من الطبيعة في عمليات الرّسم.

ورغم أن تاريخ فن «الرق» قديمٌ يتجاوز الأربعة قرون، فقد بدأ يعود تدريجياً للواجهة، وها هو اليوم يَبرزُ مع تدفّق الزائرين والسائحين من مختلف دول العالم لمنطقة الباحة. كما يسعى كثيرٌ من الباحثين والمهتمين لدراسة هذا الفن وأبعاده الجمالية والتاريخية؛ كونه من الحرف اليدوية التي تُبرز أدقّ التفاصيل في عمليتي الحفر والتلوين.

في حديث لـ«الشرق الأوسط» قتا يحيى عارف عضو جمعية التراث العمراني في السعودية، قال: «تتميّز منطقة الباحة بكثير من الفنون التّراثية الغارقة في التاريخ، ومنها ما يُعرف بفن (الرق) وهو في أصله نقش متفرد يُنفذّ على أخشاب الأشجار، خصوصاً الطلح التي تُجلب من مختلف المواقع، وتدخل هذه الأشجار في عملية إصلاح وتحسين لتكون جاهزة للاستخدام».

مزج الألوان من خصائص فن الرق (الشرق الأوسط)

وللتعريف أكثر بهذا الفن الذي يأخذ طابعي «الغائر» و«البارز» يقول عارف، إن «فن الرق عُرف بوصفه حرفة جمالية منذ مئات السنين (تزيد على 400 عام)، ويأتي كلٌ من الرسم والنقش واضحين وجليين في الأعمدة الخشبية، التي تسمى (الزافر، والمرزح)، وهي أعمدة تُوضع بشكلٍ هندسي فريد تحمل أسطح المجالس، كما أنه يوجد في المساجد والشرفات المعروفة بـ(البداية)»، لافتاً إلى أنّ فني النقش والتلوين أخذا أشكالاً ومسميات مختلفة، ومن ذلك «القمرية»، و«العراقي»، و«العيون»، و«الخط المعلق»، وكلُ نوع له شكل وأسلوب يتفرد به.

ويبرز هذا الفن والرسومات، وفقاً لعضو جمعية التراث، «بين سكان قرية المكارمة في محافظة بلجرشي، الذين نقلوا هذا الفن خلال تلك الحقب الزمنية، إلى جميع القرى والمدن المجاورة، ومنها تهامة، موضحاً أنه لجمال هذا الفن فقد انتقل من المنازل والمساجد إلى تزيين الحصون بأشكال ورسومات مختلفة، إضافة إلى أن كثيراً من إطارات الأبواب، أو ما يعرف بـ(حلق الباب)، فقد تعامل معه الحرفيون حفراً ونقشاً بشقيه وزيّنوه بالألوان الخاصة».

حاملة الأسقف تتزين بفن الرق (الشرق الأوسط)

وعن المواد المستخدمة في عمليتي الرسم والنقش، قال عارف، إن كل هذا النقش والحفر على الأشجار التي تُحسّن، ويضاف إليها مادة تسمى «القار» التي تُستخدم في عملية التلوين، كذلك «المهل»، وهي عبارة عن مادة سائلة لها خصائص عدة في إبراز الفن وتحديداً الغائر منها، إذ تُبرز تلك الثقوب من دون حشوها، كما يحدث الآن لدى استخدام «البويا» التي تُسبب في طمس ذلك النقش الذي حفره الحرفيون بعناية.

ولفت عارف إلى أن هذه النقوش ودرجاتها ومساحاتها تختلف من منزل إلى آخر. وهذا الفن مكون أساسي في تراث المنطقة، ويستحق الدراسة الكافية وإعادة توثيقه قبل اندثاره.

الأبواب واجهة المنازل أخذت حيزاً كبيراً من هذا الفن (الشرق الأوسط)

ومع تدفق السائحين والزائرين لمنطقة الباحة، أخذ هذا الفن بُعداً ترويجياً لتراث المنطقة، وتزايدت التساؤلات وبشكل تفصيلي عن تاريخه ومكوناته وخصائصه، التي تظهر على شكل لوحة فنية؛ وفق عارف، الذي دعا إلى ضرورة أن يكون هناك حراك كبير بين الجهات والمهتمين بالتراث لتصنيف هذا النقش، خصوصاً وزارة الثقافة، من خلال وضع دراسة متكاملة بهدف إدراجه في قائمة التراث العالمي على غرار فن «القط العسيري».


مقالات ذات صلة

القيادة السعودية تعزي أمير الكويت في وفاة «عميد آل الصباح»

الخليج الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان (واس)

القيادة السعودية تعزي أمير الكويت في وفاة «عميد آل الصباح»

بعث خادم الحرمين الشريفين وولي العهد برقيتي عزاء ومواساة لأمير دولة الكويت في وفاة عميد أسرة آل الصباح.

«الشرق الأوسط» (جدة)
الخليج حضور أكثر من 60 وزيراً وشخصية دينية (وزارة الشؤون الإسلامية)

«مؤتمر مكة» يؤكد ضبط الفتوى ومحاربة الغلو والتطرف والتصدي للطائفية

خرج المؤتمر التاسع لوزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية بدول العالم الإسلامي بثماني توصيات، ركزت على منهج الوسطية والاعتدال وتصحيح فهم الخطاب الديني ومحاربة الغلو.

«الشرق الأوسط» (جدة)
يوميات الشرق مباني ذي عين تحفة معمارية على أعتاب التراث العالمي (الشرق الأوسط)

49 تحفة معمارية تحكي قصة قرية على مشارف التراث العالمي

تبهرك قرية ذي عين الواقعة على مرتفعات تهامة بخصائصها ومكوناتها وأنت تجوب شوارعها وأزقتها الممهدة، وتحكي لك وأنت تناظر هذا الجمال عن تاريخها الهندسي

سعيد الأبيض (جدة)
الاقتصاد أبراج الكهرباء في محطة الوفرة بالكويت (الصندوق الكويتي للتنمية)

تعزيز منظومة الربط الكهربائي الخليجي بمحطة طاقة جديدة

لتعزيز منظومة الربط الكهربائي الخليجي، وقَّع الصندوق الكويتي للتنمية اتفاقية قرض ثانٍ مع هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون بقيمة 35 مليون دينار كويتي.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
الخليج آل الشيخ خلال ترؤسه اجتماع المجلس التنفيذي الـ14 في مكة المكرمة ـ (وزارة الشؤون الإسلامية)

تحصين المنابر والتطرف ضمن ملفات مؤتمر إسلامي في مكة المكرمة

يسعى مؤتمر وزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية في دول العالم الإسلامي، الذي تنطلق جلساته في مكة المكرمة الأحد، للخروج بجملة من التوصيات.

سعيد الأبيض (جدة)

العثور على إيصال تسوّق قديم يعود تاريخه إلى آلاف السنين

اللوح (وزارة الثقافة والسياحة التركية)
اللوح (وزارة الثقافة والسياحة التركية)
TT

العثور على إيصال تسوّق قديم يعود تاريخه إلى آلاف السنين

اللوح (وزارة الثقافة والسياحة التركية)
اللوح (وزارة الثقافة والسياحة التركية)

عثر علماء في تركيا على لوح يعود تاريخه إلى القرن الـ15 به تفاصيل عملية شراء كبيرة للأثاث، وذلك خلال تنفيذ أعمال الترميم، جراء الزلزال الذي تعرضت له تركيا خلال السنوات الماضية.

وقال المتحف البريطاني إن اللوح مصنوع من الطين ولا يحتوي على حروف، بل كُتب باللغة المسمارية، وهي طريقة للكتابة لا تعتمد على الحروف والكلمات، وفقاً لشبكة «فوكس نيوز» الأميركية.

وذكر وزير الثقافة والسياحة التركي محمد نوري إرسوي، عبر منصة «إكس»، أن اللوح الذي يزن 28 غراماً، يُظهر سجلاً لشراء كميات كبيرة من الطاولات والكراسي والمقاعد الخشبية.

وأضاف أن اللوح «سيقدم منظوراً جديداً لفهم هيكل الاقتصاد ونظام الدولة في العصر البرونزي المتأخر، وسيعمل اللغويون على معرفة التفاصيل الموجودة في اللوح».