الأشغال الشاقة 68 عاماً للبناني اغتصب أطفاله الثلاثة

رئيس المحكمة بكى خلال قراءته الحكم... وعلاجهم الطبي والنفسي يستغرق سنوات

حذرت «اليونيسف» عام 2021 من ازدياد العنف والاستغلال الجسدي أو العاطفي أو الجنسي ضد الأطفال والشباب في لبنان (أرشيفية)
حذرت «اليونيسف» عام 2021 من ازدياد العنف والاستغلال الجسدي أو العاطفي أو الجنسي ضد الأطفال والشباب في لبنان (أرشيفية)
TT

الأشغال الشاقة 68 عاماً للبناني اغتصب أطفاله الثلاثة

حذرت «اليونيسف» عام 2021 من ازدياد العنف والاستغلال الجسدي أو العاطفي أو الجنسي ضد الأطفال والشباب في لبنان (أرشيفية)
حذرت «اليونيسف» عام 2021 من ازدياد العنف والاستغلال الجسدي أو العاطفي أو الجنسي ضد الأطفال والشباب في لبنان (أرشيفية)

قضت محكمة لبنانية بالسجن 68 عاماً على رجلٍ أقدم على اغتصاب أطفاله الثلاثة، وممارسة العنف عليهم، وتعريض حياتهم للخطر.

ودانت محكمة الجنايات في شمال لبنان، برئاسة القاضي داني شبلي، وعضوية المستشارين القاضيين لطيف نصر وطارق صادق، الأب «ن. ر» (لبناني الجنسية) البالغ من العمر 51 عاماً، بالاستناد إلى 4 جرائم جنائية هي «الاغتصاب، وممارسة الأفعال المنافية للحشمة، ومجامعة قاصرين بالقوة، وتهديدهم بالقتل».

وبلغ مجموع العقوبات التي أُنزلت به 68 عاماً سجناً، وهي المرّة الوحيدة التي لم تدغم فيها المحكمة عقوبات جنائية (أي تقضي بتنفيذ العقوبة الأشد بينها). وأوضح مصدر مطلع على مجريات هذه القضية لـ«الشرق الأوسط» أن «الغاية من عدم إدغام العقوبات، قطع الطريق على المحكوم عليه للاستفادة من تخفيض السنة السجنية، أو نيله عفواً عاماً أو خاصاً يكون ذلك سبباً لخروجه من السجن بعد سنوات». وقال: «عندما يكبر هؤلاء الأطفال ويقرأون مضامين هذا الحكم، سيجدون أن العدالة انتصرت لهم وعملت على حمايتهم وحماية المجتمع من والدهم وأمثاله».

وقائع قاسية

وتضمّنت حيثيات الحكم وقائع قاسية للغاية، فكشفت أن الأب أقدم على مدى أكثر من سنة على اغتصاب طفلته «ن. ر.» (12 سنة) وطفليه «خ. ر» (11 سنة) و«ع. ر.» (9 سنوات)، وذلك بعد أن تركتهم والدتهم «ي. أ» في عهدته وذهبت للعمل والسكن في مكان آخر. وقد برر الوالد المحكوم عليه أفعاله الجرمية أمام المحكمة بأنها جاءت نتيجة خلافه مع زوجته وبدافع «الانتقام منها».

وأفادت حيثيات الحكم بأن المحكمة رفضت منح الأب أسباباً تخفيفيةً، ورأت أن اجتهادها «استقر على اعتبار أن مقتضيات العدالة تستند إلى أن مفهوم العقاب المنزل بمن يرتكب جرماً معيناً لا يشكل انتقاماً من هذا الأخير، أو ثأراً للمصلحة العامة التي أضر بها، كما لا يؤلف رادعاً لمن يمكن أن تسول له نفسه مخالفة القانون، أو ناظماً للحقوق العامة والخاصة، الناجمة عن الفعل الجرمي فحسب، وإنما يهدف إلى إصلاح سيرة هذا الشخص، وتقويم مسيرته في الحياة، وذلك تبريراً لإعمال سلطتها التقديرية في منح المحكوم عليه الأسباب المخففة».

وأضاف الحكم: «في المقابل، إن الأطفال الذين يأتون إلى الحياة، ثمرة للحب وللتفاهم بين الزوجين، لا يمكن أن يتحولوا بفعل خلاف بين هذين الأخيرين إلى ساحة لتصفية الحساب بينهما، كما أن معاينة (رمز الأمان) الذي يمثله الوالد، رب العائلة، والذي يُسرع الأولاد للاختباء في كنفه، عند كل خطر أو خوف، انقلب مع الضحايا الثلاثة، الذين لم يتجاوز عمر أكبرهم 12عاماً، وتحول إلى كائن متوحش أقفل باب المنزل، وانقض مراراً وتكراراً على ضحاياه، فسحب طفله الصغير (ع) من تحت السرير حيث اختبأ، ليجامعه، وضرب الطفل (خ) وهو يجامعه، وأحست الطفلة (ن) بيديه الخشنتين على جسمها البريء، في حين قام الوالد بكتم فاهها بيده وهو يغتصبها».

وسألت المحكمة: «هل للمرء أن يتخيل شعور طفلٍ لم يفقه الحياة بعد، وهو يشاهد والده منقضاً بعنف على شقيقته الصغيرة، فكتم صوته وأقفل عينيه متمنياً أن يكون مستغرقاً في كابوس، ليستفيق بعد وقت قصير، على الوالد نفسه، ينقض عليه، ويجامعه غير آبه بألمه ودهشته ودموعه الصامتة؟ وهل للمرء أن يتأمل كيف حاول الطفل أن يبعد عنه كائناً يفوقه قوة وضخامة، والذهول الذي أصابه بعد أن شاهد وشعر برمز أمانه (والده) وهو يتحول إلى مغتصب سببت له وحشيته الكثير من الآلام والأوجاع، ودفعته إلى محاولة الهرب التي أفشلها إقفال باب، أو نباح كلب، أو خوف على شقيق أو شقيقة؟».

وخلصت المحكمة في نهاية قرارها إلى التأكيد أن «ما تفرضه مقتضيات العدالة الإنسانية التي اعتمدها قانون العقوبات، نهجاً وغايةً، وصرخة المطالبة بالحق التي أطلقها الأطفال الثلاثة، وعلى الرغم من إسقاط الحق الذي نظمته والدتهم، ترى المحكمة أن الانتصار لطلب الأطفال والانتصار للعدالة التي لا تقوم قرارات هيئة المحكمة إلا على أساسها، ردّ طلب المتهم الرامي إلى منحه الأسباب التخفيفية، وبالتالي إنزال العقاب الذي أقره القانون للأفعال التي أقدم واعترف المتهم المذكور بإقدامه عليها».

دموع القاضي

وعلّق مصدر قضائي بارز على رفض المحكمة إدغام العقوبات بأن هذا الإجراء، وإن شكل سابقة، يفترض أن يكون رادعاً لكل من تسوّل له نفسه الاعتداء على الطفولة. وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أنها «المرّة الأولى التي يذرف فيها رئيس المحكمة دموعه وهو يتلو مضامين الحكم، خصوصاً عندما أتى على ذكر استغاثة الأطفال بأبيهم ليحميهم، فيما أمعن الأخير بنهش أجسادهم الطرية وأرواحهم البريئة وأمعن في اغتصابهم»، مشيراً إلى أن «المشهد الأقسى هو أن أحد الأطفال تمكن من الفرار وحاول اللجوء إلى منزل عمّه، لكنّ الكلب طارده عند باب المنزل ما اضطره إلى الهرب مجدداً إلى أبيه الذي استكمل مشروعه الإجرامي».

ومنذ أن وضعت محكمة الجنايات يدها على القضية مطلع العام الحالي، وُضع الأطفال تحت العناية الصحية والاجتماعية، وأكد المصدر القضائي أن المعتدى عليهم «بحاجة إلى علاج طبّي يستمرّ حوالي سنة كاملة، ولعلاج نفسي قد يستغرق سنوات»، مشيراً إلى أن الأطفال الضحايا «باتوا تحت عهدة قضاء الأحداث الذي فتح ملفاً لحمايتهم، وأودعهم إحدى دور العناية التي تهتمّ بهم».

وكانت قد حذرت «اليونيسف»، في تقرير لها صدر عام 2021 بعنوان «بدايات مظاهر العنف» من ازدياد حالات العنف ضد الأطفال والشباب الذين يتعرضون للعنف والاستغلال الجسدي أو العاطفي أو الجنسي في لبنان، حيث تكافح الأسر للتعامل مع الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد.


مقالات ذات صلة

مقتل رجل أعمال سوري بغارة إسرائيلية عند الحدود اللبنانية

المشرق العربي صورة نشرها «المرصد السوري» للسيارة المستهدفة

مقتل رجل أعمال سوري بغارة إسرائيلية عند الحدود اللبنانية

قُتل شخصان في غارة إسرائيلية استهدفت سيارتهما مساء الاثنين على الحدود اللبنانية - السورية، وفق ما ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي لا تزال الكتل النيابية في البرلمان اللبناني عاجزة بتوازناتها الحالية عن انتخاب رئيس للجمهورية (أرشيفية - رويترز)

تحذيرات من تصفية لبنان سياسياً بتمدد الشغور في إدارات الدولة

يطرح انسداد الأفق لانتخاب رئيس للجمهورية، مع سقوط المبادرات تباعاً، أكثر من سؤال مع تعذر التوصل إلى هدنة في غزة يفترض أن تنسحب على الجنوب.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي الدخان يتصاعد من بلدة كفركلا في جنوب لبنان نتيجة القصف الإسرائيلي أول من أمس (أ.ف.ب)

قتيلان في جنوب لبنان بغارة لمسيّرة إسرائيلية

تواصلت المواجهات في جنوب لبنان حيث سقط قتيلان في قصف إسرائيلي، في وقت عدّ فيه «حزب الله» أن خيار الحرب الواسعة تراجع وأصبح احتمالاً ضعيفاً ومستبعداً

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون (غيتي)

قلق من الشغور في قيادة الجيش... وتلميح لتمديد ثانٍ لولاية جوزف عون

المجلس النيابي اللبناني قد يجد نفسه مضطراً للتمديد مرة جديدة لقائد الجيش ورؤساء الأجهزة الأمنية.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي وفد من المعارضة اللبنانية خلال اللقاءات التي يقوم بها لطرح مبادرته الرئاسية (الوكالة الوطنية)

الاستحقاق الرئاسي في حلقة مفرغة

لا يزال الاستحقاق الرئاسي يدور في حلقة مفرغة مع تمسك كل فريق بموقفه، وربط الأزمة بالحرب في غزة بانتظار ما ستؤول إليه المفاوضات.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

الأسد يرهن لقاء إردوغان بـ«تحقيق نتائج»

الرئيس السوري بشار الأسد (رويترز)
الرئيس السوري بشار الأسد (رويترز)
TT

الأسد يرهن لقاء إردوغان بـ«تحقيق نتائج»

الرئيس السوري بشار الأسد (رويترز)
الرئيس السوري بشار الأسد (رويترز)

رهن الرئيس السوري بشار الأسد، أمس، لقاءه المرتقب بنظيره التركي رجب طيب إردوغان بـ«تحقيق نتائج». ورداً على سؤال بهذا الشأن، قال الأسد بعد إدلائه بصوته في انتخابات المجلس التشريعي: «إذا كان اللقاء يؤدي إلى نتائج أو إذا كان العناق أو العتاب (...) يحقق مصلحة البلد، فسأقوم به». وتابع: «لكن المشكلة لا تكمن هنا (...) وإنما في مضمون اللقاء»، متسائلاً عن معنى أي اجتماع لا يناقش «انسحاب» القوات التركية من شمال سوريا.

إلى ذلك، قُتل رجل أعمال سوري مقرّب من الأسد مع مرافقه أمس بضربة إسرائيلية قرب الحدود مع لبنان. وقال مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، رامي عبد الرحمن، لـ«الشرق الأوسط» إن قاطرجي ومرافقه قُتلا في حين كانا عائدين إلى سوريا بعد اجتماع مع مسؤولين في «حزب الله» بلبنان، مشيراً إلى أن قاطرجي «مسؤول عن تمويل المقاومة السورية لتحرير الجولان» .