«هدنة غزة»: استئناف مفاوضات الوسطاء ودعوات لاستغلال «الفرصة»

ترقّب لاجتماعات رئيس «الموساد» في قطر

رجال إنقاذ يبحثون عن ضحايا عقب غارة إسرائيلية أصابت مبنى سكنياً في سوق البلدة القديمة بغزة (رويترز)
رجال إنقاذ يبحثون عن ضحايا عقب غارة إسرائيلية أصابت مبنى سكنياً في سوق البلدة القديمة بغزة (رويترز)
TT

«هدنة غزة»: استئناف مفاوضات الوسطاء ودعوات لاستغلال «الفرصة»

رجال إنقاذ يبحثون عن ضحايا عقب غارة إسرائيلية أصابت مبنى سكنياً في سوق البلدة القديمة بغزة (رويترز)
رجال إنقاذ يبحثون عن ضحايا عقب غارة إسرائيلية أصابت مبنى سكنياً في سوق البلدة القديمة بغزة (رويترز)

تحركات جديدة أعادت الحياة لملف مفاوضات «هدنة غزة»، مع توجه رئيس جهاز «الموساد» ديفيد برنيع إلى قطر، لاستئناف محادثات وقف إطلاق النار، بحضور أميركي، بعد جمودٍ استمر أكثر من شهر منذ تقديم الرئيس الأميركي جو بايدن مقترحاً، نهاية مايو (أيار) الماضي.

وبعد يومين من تسلم تل أبيب رد «حماس»، ووصفه بـ«الإيجابي» من جانب إعلام إسرائيلي، زار برنيع الدوحة، الجمعة، دون بقية الوفد التفاوضي؛ بهدف «استئناف المفاوضات للتوصل إلى صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار بغزة»، وفق ما ذكرت «هيئة البث الإسرائيلية».

في حين سينضم بقية أعضاء الوفد المفاوِض إلى رئيس «الموساد» حال «إحراز تقدم»، وفقاً للهيئة، التي نقلت، عن مسؤولين إسرائيليين، أن المفاوضات «ستستغرق وقتاً طويلاً قد يصل إلى شهر». ورأى خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط» أن أمام الوسطاء «فرصة يجب استغلالها».

وفي نهاية مايو، أعلن بايدن مقترحاً لوقف إطلاق النار في غزة، وسلّمت «حماس» رداً عليه للوسطاء في 11 يونيو (حزيران) الماضي، حمل تعديلات قال عنها وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إن بعضها مقبول، والبعض الآخر مُبالَغ فيه، في حين رفضتها إسرائيل، وخصوصاً مطلب وقف إطلاق نار دائم، إذ تتمسك تل أبيب باستمرار الحرب حتى القضاء على قدرات «حماس».

فلسطيني يقوم بإجلاء طفل جريح بعد غارة إسرائيلية على الزوايدة وسط قطاع غزة (أ.ب)

وفي 24 يونيو الماضي، تحدثت «حماس» عن تلقّي تعديلات أميركية - لم يجرِ الإعلان عن تفاصيلها - على مقترح الرئيس الأميركي. وقد سلّمت الحركة، الأربعاء، ردها الجديد لإسرائيل، الذي لم تعلن تفاصيله، ولقي قبولاً على الأقل بين الأجهزة الأمنية والجيش، ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لعقد اجتماع مع مجلس الوزراء الأمني، ومن ثم الموافقة على إرسال وفد إلى قطر لاستئناف المفاوضات.

ونقلت «هيئة البث الإسرائيلية»، ووكالة «رويترز»، عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن رد «(حماس) بعث الأمل في نفوس الوسطاء»، وإن «هناك فرصة حقيقية للتوصل إلى اتفاق بعد رد (حماس) الأخير».

أستاذ العلاقات الدولية، الخبير المتخصص في الشأن الإسرائيلي، الدكتور طارق فهمي، يرى أن «الأمور تسير بشكل جيد، والجميع أمام فرصة يجب استغلالها». إلا أنه أشار إلى أن «المفاوضات عادت لحسابات أخرى لدى طرفي الأزمة»، لافتاً إلى أن إسرائيل تريد إرسال رسائل؛ وهي «التجاوب مع الإدارة الأميركية، خصوصاً قبل زيارة نتنياهو لواشنطن»، ورسالة أخرى للرأي العام الإسرائيلي الغاضب بأن الحكومة تستجيب لمطالبهم، وأخيراً عدم قطع الاتصالات مع الوسيطين؛ مصر وقطر، وكذلك تركيا التي بدأت «حماس» تتواصل معها.

أما «حماس» فتذهب لاستئناف المفاوضات، وفق فهمي، للوقوف على ما يجري من ترتيبات أمنية إسرائيلية، والحديث عن استبعادها، وخشية انشغال الوسطاء بقضايا أخرى مثل التصعيد في جنوب لبنان، وتفادي حالة الارتباك داخل مؤسسات الحركة بين رافض ومتقبل للأفكار المطروحة، ما يدعونا لـ«تفاؤل حذِر» ستتضح معالمه بعد الجلسات الاستكشافية من قِبل الطرفين.

طفل فلسطيني يبكي عقب غارة إسرائيلية بالقرب من مدرسة تديرها الأمم المتحدة لإيواء النازحين في خان يونس (رويترز)

الجولة الجديدة يراها أيضاً المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، «الأفضل» للوصول لاتفاق، خصوصاً مع تراجع «حماس» عن مطلبها بوقف الحرب من المرحلة الأولى من الصفقة، وترحيله لمرحلة تالية، وهذا يسمح بإنجاز صفقة لا تعترض عليها إسرائيل التي تتمسك باستمرار الحرب.

ولفت إلى ضغوط الوسطاء على «حماس» لإبداء مرونة في المفاوضات، والظروف الداخلية السيئة بالقطاع التي ليست في صالح الحركة، لكنه يرى أن إسرائيل تذهب للمفاوضات وأعينها على جنوب لبنان، من خلال تهدئة الوضع، ولو مؤقتاً، في غزة، لتكون لها القدرة على الانتشار عسكرياً شمالاً، في حال عدم نجاح الاتفاق مع «حزب الله»، وتوجيه ضربة ضده.

ويتبادل «حزب الله» وإسرائيل إطلاق النار، عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بالتزامن مع حرب غزة، إلا أن التوترات زادت وتيرتها أخيراً مع استهداف تل أبيب قيادات بارزة من الحزب. والجمعة، التقى الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، وفداً من حركة «حماس»؛ لبحث «آخِر مستجدّات المفاوضات والاقتراحات المطروحة».

فلسطينيون يتفقدون دراجة نارية محترقة بعد غارة للجيش الإسرائيلي في مخيم الفارعة للاجئين (إ.ب.أ)

ولا تزال الاقتراحات المطروحة دون إفصاح من تل أبيب و«حماس»، غير أن مصدراً إسرائيلياً ذكر، لوسائل إعلام عبرية، أن «حماس لم تعد تتمسك بالشرط المسبق بالتزام إسرائيل بوقف إطلاق النار بشكل دائم قبل توقيع الاتفاق، وستسمح للمفاوضات بتحقيق ذلك خلال مرحلة الأسابيع الستة الأولى». وأفاد مسؤول أميركي، وفق ما نقلت وكالة أنباء «رويترز»، بأن وفداً أميركياً سيشارك في اجتماعات الدوحة، وعدَّ أن «حماس تبنّت تعديلاً كبيراً للغاية في موقفها من الاتفاق قد يوفر الأساس لإبرام اتفاق»، موضحاً أن «القضايا العالقة تتعلق بكيفية تنفيذ الاتفاق».

ووفق تقديرات مطاوع، فإن الجولة الأولى من هذه المفاوضات ستخلو من الحديث بشأن وقف دائم لإطلاق النار والانسحاب الكامل، وستتركز على الأسرى فقط، وسط احتمال التوصل لاتفاق في نحو 3 أسابيع.

في حين يربط فهمي تحركات «حماس» والتجاوب مع استئناف المفاوضات بـ«مناورة لكشف مزيد من الأوراق»، بينما يُعدّ قبول إسرائيل بها «خديعة مع استمرارها في حربها وترتيباتها»، داعياً إلى ضمانات وإجراءات بناء ثقة من واشنطن، واستمرار ضغوط الوسطاء لنجاح المفاوضات.


مقالات ذات صلة

«من الحياة المريحة إلى الخراب»... قصة أسرة فلسطينية وعام من النزوح

المشرق العربي الفلسطيني نعمان أبو جراد وأسرته (أ.ب)

«من الحياة المريحة إلى الخراب»... قصة أسرة فلسطينية وعام من النزوح

قضى الفلسطيني نعمان أبو جراد وزوجته ماجدة وبناتهما الست العام الماضي بأكمله في نزوح على طول قطاع غزة، محاولين البقاء على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون بجوار جثث أقاربهم الذين قتلوا في غارة إسرائيلية بمستشفى شهداء الأقصى بدير البلح (أرشيفية - رويترز)

24 قتيلاً في قصف إسرائيلي على دير البلح وسط غزة

قال مكتب الإعلام الحكومي في غزة إن 24 شخصاً على الأقل لقوا حتفهم وأصيب 93 آخرون في ضربات جوية إسرائيلية على مسجد ومدرسة يؤويان مئات النازحين.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شمال افريقيا فلسطينيون يتفقدون موقع الغارات الإسرائيلية على المنازل في خان يونس بجنوب قطاع غزة (رويترز)

«وساطة غزة» في عام... هدنة واحدة وجولات «متعثرة»

تحركات واتصالات واجتماعات على مدار عام، منذ 7 أكتوبر 2023، لإنهاء الحرب في غزة، لم تسفر إلا عن هدنة واحدة لمدة أسبوع.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شؤون إقليمية البرلمان التركي (أرشيفية)

تركيا: جلسة برلمانية خاصة لحرب غزة وتطورات الشرق الأوسط

يعقد البرلمان التركي جلسة خاصة لمناقشات التطورات في منطقة الشرق الأوسط بعد عام من الحرب في غزة، وتصعيد إسرائيل عدوانها وتوسيعه إلى لبنان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي عائلات إسرائيليين محتجزين في غزة ترفع صورهم خلال احتجاج قرب مقر إقامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في القدس يوم 30 سبتمبر (إ.ب.أ)

عائلات إسرائيليين محتجزين في غزة تنفّذ إضراباً عن الطعام

بدأ أفراد في عائلات الإسرائيليين المحتجزين في أنفاق حركة «حماس» بقطاع غزة إضراباً عن الطعام، متهمين حكومة بنيامين نتنياهو بأنها أهملت قضيتهم في ظل حرب لبنان.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

الجيش السوداني يحقق انتصاراً في «جبل موية»

البرهان يحيي ضباط الجيش بقاعدة «جبيت» العسكرية في شرق السودان 31 يوليو الماضي (أ.ف.ب)
البرهان يحيي ضباط الجيش بقاعدة «جبيت» العسكرية في شرق السودان 31 يوليو الماضي (أ.ف.ب)
TT

الجيش السوداني يحقق انتصاراً في «جبل موية»

البرهان يحيي ضباط الجيش بقاعدة «جبيت» العسكرية في شرق السودان 31 يوليو الماضي (أ.ف.ب)
البرهان يحيي ضباط الجيش بقاعدة «جبيت» العسكرية في شرق السودان 31 يوليو الماضي (أ.ف.ب)

أعلن الجيش السوداني تحقيق انتصارات في منطقة «جبل موية» الاستراتيجية، بعدما كان قد فقد السيطرة عليها لصالح «قوات الدعم السريع» في أواخر يونيو (حزيران) الماضي. كما التحم الجيش مع قواته في ولاية سنار وولاية النيل الأبيض، منهياً بذلك عزلة هاتين الولايتين التي كانت مفروضة عليهما لنحو 3 أشهر. وقال مؤيدون للجيش ومواطنون إن قوات الجيش استعادت المنطقة، وسيروا مواكب احتفالية لإنهاء الحصار الذي كان مفروضاً عليهم.

وسيطرت «قوات الدعم السريع» على منطقة «جبل موية» في 25 يونيو الماضي، بعد معارك شرسة دارت بينها وبين الجيش، ما مكنها من قطع الطرق الرابطة بين ثلاث ولايات، وعزل قواعد الجيش هناك.

وتقع منطقة «جبل موية» على بعد 250 كيلومتراً جنوب العاصمة الخرطوم، وتعد موقعاً استراتيجياً تتداخل فيه ثلاث ولايات هي: الجزيرة، وسنار، والنيل الأبيض.

و«جبل موية» عبارة عن ثلاثة تلال جبلية هي «جبل موية، وجبل دود، وجبل بيوت»، وتتحكم المنطقة في الطريق البري الرابط بين مدينتي ربك حاضرة ولاية النيل الأبيض، وسنار أكبر مدن ولاية سنار، كما تتحكم في الطريق الذي يربط منطقة المناقل بمدينة سنار. وتحيط بجبل موية عدة مناطق عسكرية تابعة للجيش هي «الفرقة 17 سنجة» بولاية سنار، و«الفرقة 18 مشاة» بولاية النيل الأبيض، و«اللواء جوي 265 سنار»، وقاعدة «كنانة الجوية».

وحولت سيطرة «قوات الدعم السريع» على جبل موية تلك المناطق العسكرية إلى جزر معزولة عن بعضها، وعزلت الولايات الثلاث عن بقية أنحاء البلاد.

مسلّحون من «قوات الدعم السريع» في ولاية سنار بوسط السودان (مواقع التواصل)

وقال إعلام مجلس السيادة الانتقالي في نشرة إن نائب القائد العام للجيش الفريق شمس الدين الكباشي قدم التهاني للجيش بانتصاراته، وتعهد بـ«مواصلة الزحف حتى تطهير آخر شبر من هذا البلد، من دنس الميليشيا الإرهابية المتمردة» في إشارة إلى «قوات الدعم السريع». ونقلت صفحة الجيش على مواقع التواصل الاجتماعي أن مدينة كوستى في ولاية النيل الأبيض شهدت مسيرات جماهيرية عفوية، احتفالاً بانتصارات الجيش في محور جبل موية ومحور طريق ربك - سنار، والتقاء «قوات الفرقة ١٨ مشاة» مع قوات متقدمة ولاية سنار.

ولا تزال «قوات الدعم السريع» تسيطر على معظم ولايتي سنار والجزيرة وأجزاء من شمال ولاية النيل الأبيض، التي سيطرت عليها بعد إحكام السيطرة على «جبل موية»، بالتفاف على قوات الجيش الموجودة في مدينة سنار، وسيطرت على مقر الفرقة في مدينة سنجة بجانب مدينتي الدندر، والسوكي وعدد آخر من البلدات المهمة في الولاية.

وفيما يشبه الاعتراف بفقدان المنطقة الاستراتيجية تساءل مستشار قائد «قوات الدعم السريع» الباشا طبيق، في تغريدة ساخرة على صفحته بمنصة (إكس)، من جيش عمره أكثر من 100 عام، ويملك مشاة وطيراناً ومهندسين وبحرية ومظلات واستراتيجية وسلاح أسلحة وغيرها، وتسانده في القتال «كتائب الإسلاميين الإرهابية، وأكثر من 15 حركة مسلحة مرتزقة... وأصبح حُلمه كله عبور جسر وفتح شارع فقط»، وذلك في إشارة لخسارته لمنطقة جبل موية وفتح الطريق الرابط بين سنار وكوستى، وعبور قوات الجيش جسر «الحلفايا» في شمال الخرطوم الأسبوع الماضي.