هل نجح الغرب في احتواء هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر؟

بين الدبلوماسية والضربات العسكرية وفرض العقوبات

سفينة شحن معرضة للغرق بعد أن هاجمها الحوثيون (الجيش الأميركي)
سفينة شحن معرضة للغرق بعد أن هاجمها الحوثيون (الجيش الأميركي)
TT

هل نجح الغرب في احتواء هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر؟

سفينة شحن معرضة للغرق بعد أن هاجمها الحوثيون (الجيش الأميركي)
سفينة شحن معرضة للغرق بعد أن هاجمها الحوثيون (الجيش الأميركي)

بعد مرور نحو ثمانية أشهر على بدء الهجمات الحوثية في البحر الأحمر واستهداف السفن التجارية، تبدو الاستراتيجية الأميركية والغربية بشكل عام «عاجزة» عن احتواء هذه الهجمات، في ظل تصاعد وتيرتها ورفع سقف الجماعة لبنك أهدافها، وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط.

ويعتقد الدكتور نجيب غلاب، وكيل وزارة الإعلام اليمنية، أن الغرب ما زال مقتنعاً بإمكانية إعادة تأهيل الجماعة الحوثية، وتوظيفها لمكافحة الإرهاب، وهي «خطيئة كبرى» على حد تعبيره.

دخان يتصاعد من السفينة اليونانية «توتور» إثر هجوم حوثي بزورق مفخخ (رويترز)

وتشنّ الجماعة الحوثية، منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، هجماتها في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي، وأعلنت أخيراً توسيع الهجمات إلى البحر المتوسط.

فيما قامت الولايات المتحدة في ديسمبر (كانون الأول) 2023 بتشكيل تحالف دولي أطلقت عليه «حارس الازدهار»؛ لحماية الملاحة في البحر الأحمر، ومن ثم حاولت إقناع الحوثيين بوقف هجماتهم عبر الدبلوماسية، قبل أن تعود لفرض عقوبات، وتستأنف الضربات العسكرية.

واعترف المبعوث الأميركي لليمن تيم ليندركينغ، في أبريل (نيسان) الماضي، بـ«استحالة الحل العسكري للمشكلة». وتابع بقوله: «من خلال ما شاهدناه يشعرون بهذا الضغط، وما آمله أن نجد إطاراً دبلوماسياً للحد من التصعيد، وتخفيف التوتر».

كما تقوم 4 سفن من الاتحاد الأوروبي ضمن مهمة «أسبيدس» بدوريات في المياه قبالة ساحل اليمن منذ فبراير (شباط) الماضي.

طائرة حوثية دون طيار أُطلقت من مكان غير معروف لمهاجمة السفن في البحر الأحمر (رويترز)

ووفق غلاب، فإن الولايات المتحدة والغرب عموماً وحتى الصين «فشلت جميعاً» في احتواء الهجمات الحوثية في البحر الأحمر وتهديد الملاحة الدولية. وقال: «الحوثية حالة انتحارية أخطر من (داعش)، و(طالبان)، و(القاعدة)، هذه الجماعات لم تهدد التجارة الدولية كما يفعل الحوثيون اليوم، ورغم كل ذلك ما زالت العواصم الغربية عاجزة عن اتخاذ قرارات صارمة».

وأضاف: «كلما تهورت الحوثية في إدارة الحرب ضد مصالح اليمنيين والعالم وحلفاء الولايات المتحدة، لا يتم توصيفها بوصفها هجمات إرهابية، بل متهورة! الأميركيون لديهم عمى استراتيجي في التعامل مع الملف اليمني، وما زالت النظرية الأوبامية في مسألة الربيع العربي وإعطاء وكلاء إيران ثقل في المنطقة جارية حتى اليوم».

وبلغ عدد الغارات الأميركية والبريطانية ضدّ الحوثيين على الأرض، منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي، نحو 530 غارة، أدَّت في مجملها، حتى الآن، إلى مقتل 58 عنصراً، وجرح 86 آخرين، وفق ما اعترفت به الجماعة.

وأصابت الهجمات الحوثية حتى الآن نحو 27 سفينة منذ بدء التصعيد، غرقت منها اثنتان، حيث أدى هجوم في 18 فبراير إلى غرق السفينة البريطانية «روبيمار» في البحر الأحمر بالتدريج، قبل غرق السفينة اليونانية «توتور» الأربعاء الماضي.

وفي تعليقه على الضربات الأميركية والبريطانية ضد جماعة الحوثي، يتساءل وكيل وزارة الإعلام اليمنية عن «عدم ضرب مراكز السيطرة والتأثير الحوثية حتى الآن؟». وقال: «الولايات المتحدة تقوم اليوم بضرب المراكز الأساسية التي تنطلق منها الصواريخ، أو أماكن تم ضربها من التحالف سابقاً، لكنها لم تضرب مراكز السيطرة والتأثير لدى الحوثيين، هذا سؤال كبير».

وتابع بقوله: «هل تمكنت القوى الغربية من إقناع الحوثيين ضمن إطار صفقة لشرعنتهم داخل صنعاء بوصفهم شريكاً محلياً مع القوى الوطنية كافة؟ قطعاً لا، ما زالت الحوثية تبتز التحالف والشرعية والمجتمع الدولي».

عناصر من القوات الأميركية تنقذ بحارة تعرضت سفينتهم لهجوم حوثي (أ.ب)

وحذّر غلاب من أن العالم أمام حالة إرهابية منظمة ومحترفة، وأن «لا أحد مستعد لدعم الشرعية اليمنية لإنهاء هذه الجريمة التي صنتعها إيران».

وفي رده على سؤال حول الطريقة المثلى لمعالجة هذا الملف، قال: «قد تبدو الإجابة عن هذا السؤال صعبة وربما مستحيلة، لكنها سهلة، لدينا قوة حقيقية داخل الجغرافيا اليمنية ليس فقط في مناطق الشرعية، بل في الحديدة وصعدة وصنعاء، الجميع يبحث عن الخلاص من الحالة الحوثية».

وتابع: «هل كل القوى الخارجية مستعدة لدعم القوة الحقيقية لكي تتولد الدولة اليمنية؟ ولن تتولد وللحوثي أدنى مراكز للنفوذ والثروة والسلطة».

ولفت غلاب إلى أن «العالم ما زال أعمى في الملف اليمني والحوثية تحقق أرباحاً، لكن مهما حققت ستخسر في النهاية».

وعدّ وكيل وزارة الإعلام الغرب عدواً لفكرة الثورة والحرية في اليمن، متسائلاً: «هل فكرة الولاية الدينية والسياسية وزكاة الخمس هي خلاصة المشروع الغربي داخل اليمن، أم الحرية؟ ولذلك أعداء فكرة الحرية والثورة داخل اليمنية هي الحالة الغربية وليست روسيا والصين، القصة ليست مؤامرة وإنما عمى استراتيجي».

مصالح القوى الكبرى

من جانبه، يرى لطفي نعمان، مستشار سياسي وإعلامي يمني، أن «القوى الكبرى عندما تتهدد مصالحها أو تستشعر خطراً على مصالحها لا تستأذن أحداً بالتدخل»، عادّاً أن «التحول إلى الدبلوماسية وفرض عقوبات واستمرار الضربات، كل ذلك سلاح تستخدمه واشنطن لعل ينفع، إنما لا يبدو أن ثمرة ناضجة ستقطف حتى الآن».

ضربة غربية استهدفت موقعاً عسكرياً للحوثيين في صنعاء (رويترز)

ويعتقد نعمان أن عملية احتواء الهجمات الحوثية في البحر الأحمر تبدو غير واضحة، وقال: «زاد الأمر سوءاً وتفاقماً، إذ بلغ التمادي الحوثي سفناً أخرى غير إسرائيلية أو لا تخدم الجانب الإسرائيلي، وبالنسبة لتقدير النجاح والفشل فإنه خاضع لتقييم الأميركيين أنفسهم».

وشدّد نعمان على أن «لغة الحوار قد تجدي نفعاً أكثر من خيار (تحالف الازدهار)، والمبالغة في استخدام واستعراض القوة من الجانبين، والتوجه نحو التركيز على دعم وتشجيع مساعي وجهود السلام الإقليمية والأممية لليمن».


مقالات ذات صلة

«الحوثيون» يعلنون مهاجمة سفينة في البحر الأحمر

العالم العربي مسلحون حوثيون يشاركون في تظاهرة باليمن (د.ب.أ)

«الحوثيون» يعلنون مهاجمة سفينة في البحر الأحمر

أعلن المتمردون الحوثيون في اليمن، الثلاثاء، استهداف سفينة شحن في البحر الأحمر، غداة تقرير من «مركز المعلومات البحرية المشترك» عن انفجارين منفصلين.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي البحر الأحمر (أرشيفية - أ.ف.ب)

هيئة بحرية: تقرير عن واقعة غرب المخا باليمن

قالت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية إنها تلقت تقريراً عن واقعة في البحر الأحمر على بعد 25 ميلاً بحرياً إلى الغرب من المخا في اليمن، حسب «رويترز».

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة سعودية هدف السباق إلى إحياء روح الإبحار السعودي (الشرق الأوسط)

ساحل أملج يتزين بسباق «البحر الأحمر كلاسيك» للإبحار الشراعي

أُقيم سباق «البحر الأحمر كلاسيك» للإبحار الشراعي، الذي نظَّمته شركة «54» العالمية للرياضة والترفيه، بالتعاون مع شركة «البحر الأحمر العالمية»، والمجتمع المحلي.

«الشرق الأوسط» (أملج)
العالم العربي الحوثيون يستهدفون حاملة طائرات أميركية ومدمرتين أميركيتين أخريين بعدد من الصواريخ والطائرات المسيَّرة (أرشيفية - د.ب.أ)

الحوثيون: استهدفنا حاملة طائرات أميركية ومدمرتين... و«البنتاغون» يؤكد

قال المتحدث العسكري باسم الحوثيين في اليمن يحيى سريع إن قوات الجماعة استهدفت حاملة طائرات أميركية ومدمرتين أميركيتين أخريين بعدد من الصواريخ والطائرات المسيّرة.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي عبور الحوض العائم «دورادو» الجمعة الماضي كأكبر وحدة عائمة تعبر قناة السويس في تاريخها (هيئة قناة السويس)

مصر: تعويض خسائر قناة السويس عبر تنويع خدماتها

تتّجه قناة السويس المصرية إلى «تنويع مصادر دخلها»، عبر التوسع في تقديم الخدمات الملاحية والبحرية للسفن المارّة بالمجرى الملاحي، في محاولة لتعويض خسائرها.

أحمد إمبابي (القاهرة)

تقرير: ترمب قد يفرض عقوبات على مدعي «الجنائية الدولية» رداً على مذكرة اعتقال نتنياهو

مقر المحكمة الجنائية في لاهاي (أ.ف.ب)
مقر المحكمة الجنائية في لاهاي (أ.ف.ب)
TT

تقرير: ترمب قد يفرض عقوبات على مدعي «الجنائية الدولية» رداً على مذكرة اعتقال نتنياهو

مقر المحكمة الجنائية في لاهاي (أ.ف.ب)
مقر المحكمة الجنائية في لاهاي (أ.ف.ب)

قالت صحيفة «تليغراف» البريطانية، إن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يفكر في فرض عقوبات على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية البريطاني، كريم خان، بسبب مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وذكرت الصحيفة أن مايك والتز، الذي سيشغل منصب مستشار الأمن القومي لترمب، قال إن المحكمة الجنائية الدولية «ليست لديها مصداقية»، ووعد «برد قوي على التحيز المعادي للسامية للمحكمة» عندما تتولى إدارة ترمب منصبها في 20 يناير (كانون الثاني).

وأضافت الصحيفة أن كريم خان قد يكون من بين المسؤولين المستهدفين بعقوبات من قبل ترمب.

ومثل إسرائيل، لا تعترف الولايات المتحدة بسلطة المحكمة التي تتخذ من لاهاي مقراً لها، ودعا كبار الجمهوريين إلى فرض عقوبات على كبار المسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية رداً على مذكرات الاعتقال.

ويجري التحقيق مع خان بشأن مزاعم سوء السلوك الجنسي وهو ينفي هذه الاتهامات.

وخلال فترة ولايته الأولى في منصبه، فرض ترمب عقوبات على المدعي العام السابق للمحكمة بسبب تحقيق في جرائم حرب مزعومة ارتكبتها القوات الأميركية في أفغانستان.

وفي ذلك الوقت، وصف مايك بومبيو، وزير الخارجية آنذاك، المحكمة بأنها «مؤسسة فاسدة تماماً».

في النهاية، ألغى الرئيس الأميركي جو بايدن العقوبات المفروضة على المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، التي تضمنت حظراً للسفر، عندما تولى منصبه في عام 2021، لكن هناك توقع بأن ترمب قد يعيد تنفيذ الاستراتيجية نفسها رداً على معاملة المحكمة الجنائية الدولية لإسرائيل.

دونالد ترمب (رويترز)

ويمكنه أيضاً سحب مشاركة الولايات المتحدة ومواردها من التحقيقات التي تقودها المحكمة الجنائية الدولية في جرائم الحرب الروسية في أوكرانيا.

وأي عقوبات تُفرض على خان وموظفيه قد تهدد العلاقة بين بريطانيا وترمب إذا اختار رئيس الوزراء البريطاني الجديد، كير ستارمر، الامتثال لأوامر الاعتقال.

وتقود الولايات المتحدة ردود فعل دولية عنيفة ضد المحكمة التي تتخذ من لاهاي مقراً لها، حتى مع تردد المملكة المتحدة بشأن ما إذا كانت ستحتجز رئيس الوزراء الإسرائيلي، وقالت بريطانيا إنها تحترم المحكمة ورفضت الإفصاح عما إذا كان سيتم اعتقال نتنياهو إذا جاء إلى المملكة المتحدة.

ودعت سفيرة إسرائيل لدى المملكة المتحدة، تسيبي هوتوفلي، جميع الدول إلى رفض الأمر «الهزلي» للمحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو.

وفي مقال لها في صحيفة «تليغراف»، اتهمت هوتوفلي المحكمة بـ«إيجاد أرضية مشتركة مع حماس»، وقالت: «نشكر الولايات المتحدة والدول الحليفة الأخرى التي رفضت القرار الهزلي للمحكمة وندعو الدول الأخرى إلى أن تحذو حذوها في رفض هذا الظلم. لقد أظهرت المحكمة الجنائية الدولية أن كل زعيم ديمقراطي يسعى إلى الدفاع عن شعبه قد يصبح هدفاً للمحكمة».

وأشارت ألمانيا إلى أنها لن تحتجز نتنياهو بسبب ماضيها النازي وعلاقتها الخاصة بالدولة اليهودية، على الرغم من كونها عضواً في المحكمة الجنائية الدولية.

وتعهد فيكتور أوربان رئيس وزراء المجر العضو في الاتحاد الأوروبي، بتحدي اعتقال نتنياهو، وبدلاً من ذلك دعاه لزيارة بلاده.

وتمثل مذكرة الاعتقال المرة الأولى في تاريخ المحكمة الجنائية الدولية الممتد 22 عاماً التي يسعى فيها قضاتها إلى اعتقال زعيم دولة مدعومة من الغرب.

والدول الأعضاء في المحكمة البالغ عددها 124 دولة، بما في ذلك بريطانيا، مسؤولة عن تنفيذ مذكرات الاعتقال التي تصدرها.

وفي إشارة إلى الانقسامات بين الدول الأوروبية، وعدت آيرلندا وإيطاليا وهولندا باعتقال نتنياهو، إذا وصل إلى أراضيها، وأكدت فرنسا موقف المحكمة لكنها لم تقل ما إذا كان نتنياهو سيواجه الاعتقال إذا عبر حدودها.

وأكد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أن الدول الأعضاء البالغ عددها 27 دولة، بما في ذلك ألمانيا والمجر، ستكون ملزمة بتنفيذ مذكرات الاعتقال.