أوساط عسكرية تتهم نتنياهو بالتحريض على تمرد داخل الجيش

الشريط الذي شارك نجله في ترويجه دعا إلى إبادة أهل غزة

يائير نتنياهو ووالده رئيس الوزراء الإسرائيلي (حساب إنستغرام)
يائير نتنياهو ووالده رئيس الوزراء الإسرائيلي (حساب إنستغرام)
TT

أوساط عسكرية تتهم نتنياهو بالتحريض على تمرد داخل الجيش

يائير نتنياهو ووالده رئيس الوزراء الإسرائيلي (حساب إنستغرام)
يائير نتنياهو ووالده رئيس الوزراء الإسرائيلي (حساب إنستغرام)

وجّهت مصادر عسكرية في تل أبيب اتهاماً مباشراً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ونجله يائير، بالتحريض على التمرد في صفوف الجيش، واستخدام السلاح لأغراض تُعارض أهداف الجيش، بالترويج، على حساباته، لفيديو لجندي احتياط في قطاع غزة طالب فيه بقتل كل الغزيين؛ بمن فيهم الأطفال، وتجاهل أوامر وزير الجيش ورئيس الأركان.

وحذرت هذه الأوساط من أن «يائير نتنياهو، الذي يعيش في شواطئ ميامي محاطاً بحراس من المخابرات الإسرائيلية، يستغل انتماءه العائلي ليُحدث فوضى في البلاد تمنع المسارات الديمقراطية فيها».

ولفت رئيس الحكومة الأسبق ورئيس المعارضة الحالي، يائير لبيد، إلى أن فيديو الجندي ليس مجرد شريط، إذ تقف وراءه «النواة الصلبة في الحكومة». كما هاجم بيني غانتس، عضو مجلس قيادة الحرب، الفيديو المتداول وقال إن على نتنياهو أن يستنكره بشدة، خصوصاً أن ابنه أقحم نفسه فيه، مضيفاً: «هذا تحريض على التمرد في الجيش، ولا يجوز لرئيس حكومة أن يتغاضى عنه».

صورة متداولة من فيديو لجندي الاحتياط الإسرائيلي في قطاع غزة

وكان يائير نتنياهو، والصحافي يانون مجال، صديق العائلة، قد شاركا، كلٌّ على حسابه الخاص في منصة «تلغرام»، مقطع فيديو لجندي في قوات الاحتياط، التابعة للجيش الإسرائيلي في الحرب المتواصلة على قطاع غزة، يدعو فيها إلى التمرد العسكري، وعدم الانصياع لقيادة الجيش، ورفض «تسليم» القطاع لأي جهة فلسطينية، متوعداً بإبادة الفلسطينيين؛ كباراً وصغاراً. وظهر، في الفيديو، جندي ملثم عرّف نفسه على أنه مقاتل في قوات الاحتياط ويشارك في الحرب على غزة، منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتحدَّث مخاطباً رئيس الحكومة نتنياهو، قائلاً: «نحن، مقاتلي الاحتياط، لا نعتزم تسليم مفاتيح غزة لأية سلطة فلسطينية أو لأية جهة عربية، لا (حماس) ولا (فتح) ولا غيرها».

ووقف المقاتل الإسرائيلي الملثم أمام جدار كُتبت عليه شعارات الحاخام مئير كهانا التي تدعو إلى ترحيل الفلسطينيين، وقال مخاطباً نتنياهو: «مقاتلو الاحتياط خلفك، ونحن نريد الانتصار، لدينا فرصة لن تتكرر، هناك 100 ألف مقاتل في قوات الاحتياط مستعدون لبذل أرواحهم. سنبقى هنا حتى النهاية».

رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي هرتسي هليفي مع قادة الجيش في مخيم جباليا وسط قطاع غزة (حساب «إكس»)

وبعد أن طالب باستقالة وزير الدفاع، يوآف غالانت، لأنه «غير مؤهل للانتصار في الحرب»، قال: «100 ألف مقاتل سيظلون على الجدار (الفاصل بين إسرائيل وغزة)، ولن يغادروا غزة وسيدعون الإسرائيليين للقدوم إلى القطاع، سنستجيب فقط لقائد واحد لن يكون وزير الدفاع، ولا حتى رئيس الأركان هرتسي هليفي. نحن نقاتل منذ 7 أكتوبر، ونريد أن نمزق كل من بقي هنا (في إشارة إلى أهالي قطاع غزة)، كل من احتفل بذبحنا، وجميع الأطفال الصغار الذين داسوا على رؤوس إخوتنا الجنود عندما وطئت أقدامهم أرض غزة، نحن نريد أن نقتل جميع هؤلاء؛ لن يظل أحد منهم على قيد الحياة. نريد إبادتهم، وأنت، سيد غالانت، غير قادر على فعل ذلك».

فلسطينيون يتفقدون أنقاض منزلهم الذي دمره قصف إسرائيلي على مخيم النصيرات في غزة السبت (أ.ف.ب)

وأضاف الجندي، الذي سجل المقطع داخل ما بدا أنه منزل مهدَّم بقطاع غزة، مهدداً وزير الدفاع الإسرائيلي: «إما أن تُغيّر الأسطوانة، وتفهم أننا نريد الانتصار، أو أننا سنستجيب فقط لرئيس الحكومة؛ أردتم انقلاباً عسكرياً؟ نحن سنريكم كيف يكون الحسم والنصر».

وبعد أن شارك يائير نتنياهو مقطع الفيديو، جرى رصد عشرات الآلاف من المشاهدات. وفي حين لم يؤكد الجيش الإسرائيلي ما إذا كان الشخص الذي يظهر في المقطع جندياً فعلاً، قال إن شرطة التحقيق العسكرية فتحت تحقيقاً في القضية، وفق صحيفة «هآرتس». الصحيفة لفتت إلى أن الأقوال الواردة في الفيديو ومشاركة نجل نتنياهو إياه «قد تشكلان جريمة جنائية تشمل التمرد والدعوة إلى التمرد»، قد تصل عقوبتها إلى السجن خمس سنوات. ونقلت عن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي قوله: «السلوك الموثق في الفيديو انتهاك خطير لأوامر وقيم الجيش الإسرائيلي، ويشكل شبهة ارتكاب جرائم جنائية».

نتنياهو أصدر بياناً تجاهل فيه تماماً تصرف نجله، وقال إنه يعارض التمرد على الجيش الإسرائيلي. وقالت مصادر مقرَّبة منه إنه لا يستبعد أن يكون الملثم «مجرد ممثل يعرض قصة كاذبة تستهدف الإثارة». لكن الشرطة العسكرية أعلنت اعتقال مشتبَه بالظهور في هذا الشريط، وتبيَّن أنه فعلاً جندي في الاحتياط من نشطاء اليمين المتطرف البارزين، وكان قد كتب، في منشور على الشبكات الاجتماعية، أن «الوزير غالانت خائن»، وهدّد المتظاهرين ضد الحكومة بالقتل.

وقال مصدر عسكري إن عدداً من الجنود في الجيش الإسرائيلي تصرفوا بشكل شبيه خلال الحرب، وإن الجيش اتخذ سياسة الاحتواء والتثقيف، ومعالجة هذه الظواهر داخل الوحدات العسكرية، لكنه بعد هذا الفيديو قرر تغيير سياسته وسيفتح تحقيقاً مع الجنود الذين نشروا صور إحراق كتب في جامعة بغزة.


مقالات ذات صلة

اليمين الإسرائيلي يعتبر الحرب في غزة فشلاً ذريعاً

شؤون إقليمية دبابة للجيش الإسرائيلي خلال معارك غزة (الجيش الإسرائيلي - أ.ف.ب)

اليمين الإسرائيلي يعتبر الحرب في غزة فشلاً ذريعاً

تنشر وسائل إعلام يمينية متطرفة وصحافيون عسكريون في إسرائيل تقارير تعتبر عمليات الجيش، منذ بداية حرب غزة، فاشلة.

العالم مطار رفيق الحريري في بيروت 24 يونيو 2024 (إ.ب.أ)

كندا تجدد دعوة مواطنيها لمغادرة لبنان بسبب الوضع الأمني

كندا تجدد دعوة مواطنيها لمغادرة لبنان، وتقول إن الوضع الأمني متوتر بشكل كبير، ولا يمكن التنبؤ به.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
المشرق العربي وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت خلال لقائه بكبير مستشاري الرئيس الأميركي آموس هوكستين (د.ب.أ)

إسرائيل تُبلغ أميركا بـ«مرحلة جديدة» في غزة

أبلغ وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، المبعوث الأميركي الخاص آموس هوكستين، (الاثنين) بأن الانتقال إلى «مرحلة جديدة» في حرب غزة سيؤثر على جميع الجبهات.

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي فلسطينيون يتفقدون أنقاض مبنى في مدينة غزة بعد قصفه في غارة إسرائيلية في اليوم السابق... الصورة في 24 يونيو 2024 (أ.ف.ب)

غزة على شفير المجاعة... كيف يتضور الأطفال جوعاً؟

تشير تقديرات مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي إلى أن نحو 166 مليون شخص في أنحاء العالم في حاجة إلى إجراءات عاجلة لمكافحة الجوع، بما فيهم سكان غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال جلسة بالكنيست في 10 يونيو الحالي (إ.ب.أ)

غضب من حديث نتنياهو عن «صفقة جزئية»: قدم هدية لـ«حماس»

من حيث لا يدري، أكد بنيامين نتنياهو، اتهامات حركة «حماس» له بأنه يسعى لاستئناف القتال في غزة بعد انتهاء المرحلة الأولى من صفقة أميركية محتملة لإنهاء الحرب.

كفاح زبون (رام الله)

ماذا بعد الحكم بتجنيد طلاب «الحريديم» في إسرائيل؟

يهود من «الحريديم» يصطفون لمعالجة إعفاءاتهم من الخدمة العسكرية الإلزامية بقاعدة تجنيد في «كريات أونو» بإسرائيل يوم 28 مارس 2024 (رويترز)
يهود من «الحريديم» يصطفون لمعالجة إعفاءاتهم من الخدمة العسكرية الإلزامية بقاعدة تجنيد في «كريات أونو» بإسرائيل يوم 28 مارس 2024 (رويترز)
TT

ماذا بعد الحكم بتجنيد طلاب «الحريديم» في إسرائيل؟

يهود من «الحريديم» يصطفون لمعالجة إعفاءاتهم من الخدمة العسكرية الإلزامية بقاعدة تجنيد في «كريات أونو» بإسرائيل يوم 28 مارس 2024 (رويترز)
يهود من «الحريديم» يصطفون لمعالجة إعفاءاتهم من الخدمة العسكرية الإلزامية بقاعدة تجنيد في «كريات أونو» بإسرائيل يوم 28 مارس 2024 (رويترز)

قضت المحكمة العليا في إسرائيل بأنه يتعين على الحكومة بدء تجنيد طلاب المعاهد اليهودية المتزمتين دينياً (الحريديم) في الجيش، في قرار ينهي إعفاء هذه الفئة منذ مدة طويلة من الخدمة العسكرية، ومن المرجح أن يقوض ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

ومع وجود فرصة أمام نتنياهو للسعي إلى التوصل لحل وسط يحافظ على تماسك الائتلاف الحاكم، قال النائب العام الإسرائيلي إنه يتعين البدء على الفور في تجنيد نحو 3 آلاف من طلاب المعاهد الدينية المتزمتين دينياً، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وصار الإعفاء، المعمول به منذ عقود والذي أعفى على مر السنين عدداً كبيراً من الأشخاص، نقطة شائكة بشدة في إسرائيل مع انخراط الجيش في الحرب بقطاع غزة وازدياد حدة الصراع على الحدود مع لبنان.

* ماذا يحدث الآن؟

يستعد اليهود المتزمتون دينياً لاحتجاج في القدس الساعة 16:00 بتوقيت غرينيتش اليوم الأربعاء، للتعبير عن غضبهم إزاء الحكم الذي يشمل أيضاً قطع التمويل الحكومي عن المعاهد التي لا يمتثل طلابها للتجنيد.

ويعول نتنياهو في تماسك حكومته على دعم اثنين من الأحزاب المتزمتة دينياً. وتحاول الحكومة بالفعل صياغة قانون يتوافق مع قرار المحكمة العليا دون إثارة غضب شركائه في الائتلاف.

ولا يزال مشروع القانون قيد المناقشة في الكنيست، ومن الممكن أن يقضي بتجنيد تدريجي لعدد مُزداد من «الحريديم» في الجيش.

ويمكن للحكومة أن تروج لهذا القانون حال موافقة الكنيست عليه في دليل على أنها تنفذ حكم المحكمة مع توفير تعديلات قانونية من شأنها تخفيف التأثير على طلاب المعاهد الدينية من «الحريديم».

ولكن إذا تعثر مشروع القانون ولم يبق سوى الحكم القضائي، فقد يضع ضغوطاً إضافية على ائتلاف نتنياهو، مما قد يدفع بإسرائيل نحو إجراء انتخابات جديدة.

* ماذا يكمن وراء الخلاف؟

يعود إعفاء «الحريديم» إلى الأيام الأولى بعد إعلان قيام دولة إسرائيل في 1948 حينما أعفى الاشتراكي ديفيد بن غوريون، الذي كان أول رئيس للوزراء، نحو 400 طالب من الخدمة العسكرية ليتسنى لهم تكريس أنفسهم للدراسة الدينية. وكان بن غوريون يأمل من خلال ذلك في حماية المعرفة والتقاليد اليهودية بعد أن كادت تُمحى خلال المحرقة النازية (الهولوكوست).

ومنذ ذلك الحين، صارت الإعفاءات مصدر إزعاج كبيراً مع توسع الطائفة سريعة النمو لتشكل أكثر من 13 في المائة من سكان إسرائيل، وهي نسبة من المتوقع أن ترتفع إلى نحو ثلث السكان في غضون 40 عاماً بسبب ارتفاع معدل المواليد بينهم.

وترتكز معارضة «الحريديم» للانضمام إلى الجيش على إحساسهم القوي بالهوية الدينية، وهو شعور يخشى كثير من الأسر أن يضعف بفعل الخدمة في الجيش.

ويؤدي بعض رجال «الحريديم» الخدمة العسكرية، لكن معظمهم لا يؤدونها، وهو شيء يشعر كثير من العلمانيين الإسرائيليين بأنه يفاقم الانقسامات الاجتماعية.

ولا يعمل كثير من رجال «الحريديم» لكسب المال؛ بل يعيشون على التبرعات والمعونات الحكومية وعلى أجور زوجاتهم اللائي تعمل كثيرات منهن بأجور زهيدة غالباً. ويعيش اليهود «الحريديم» في الغالب داخل أحياء معظم سكانها من المتدينين ويكرسون حياتهم لدراسة الدين.

وبالنسبة إلى العلمانيين الإسرائيليين الملزمين بالخدمة في الجيش والذين تسهم ضرائبهم في دعم «الحريديم»، فإن الإعفاءات تثير لديهم شعوراً بالاستياء منذ مدة طويلة. وازداد هذا الاستياء منذ اندلاع الحرب في غزة.

وينظر كثير من الإسرائيليين إلى الحرب على حركة «حماس» على أنها معركة وجودية من أجل مستقبل الدولة. وانضم نحو 300 ألف من قوات الاحتياط إلى القتال.

وتشير استطلاعات الرأي إلى وجود تأييد شعبي واسع للغاية لإلغاء إعفاء «الحريديم» من التجنيد.

* ما المخاطر بالنسبة إلى نتنياهو؟

بالنسبة إلى نتنياهو، فالمخاطر كبيرة. فمع أن الرأي العام يبدو مؤيداً لإلغاء الإعفاء، فإن حكومته تضم حزبين دينيين يمكن أن يؤدي انسحابهما من الائتلاف إلى إجراء انتخابات جديدة تشير استطلاعات الرأي إلى أن نتنياهو سيخسرها.

وفي السابق، تعهد الحزبان المتزمتان دينياً؛ حزب «يهودية التوراة المتحدة» وحزب «شاس»، بالتصدي لأي محاولات لإلغاء الإعفاء.

وأظهر البعض داخل حزب «الليكود»؛ الذي يتزعمه نتنياهو، عدم الارتياح أو المعارضة للإعفاء؛ منهم وزير الدفاع يوآف غالانت، وهو جنرال سابق وعضو بارز في حزب «الليكود».