ليبيون يتساءلون عن مدى قدرة «داخلية» الدبيبة على التصدي لـ«الميليشيات»

وسط «تشكيك» في حديث الطرابلسي عن وجود 420 ألف منتسب

الطرابلسي وزير الداخلية المكلف بحكومة الوحدة الليبية «المؤقتة» (وزارة الداخلية)
الطرابلسي وزير الداخلية المكلف بحكومة الوحدة الليبية «المؤقتة» (وزارة الداخلية)
TT

ليبيون يتساءلون عن مدى قدرة «داخلية» الدبيبة على التصدي لـ«الميليشيات»

الطرابلسي وزير الداخلية المكلف بحكومة الوحدة الليبية «المؤقتة» (وزارة الداخلية)
الطرابلسي وزير الداخلية المكلف بحكومة الوحدة الليبية «المؤقتة» (وزارة الداخلية)

شكّك سياسيون ليبيون في عدد أفراد وزارة الداخلية بحكومة «الوحدة» الوطنية المؤقتة في الوقت الراهن، وذلك عقب حديث الوزير المكلف، عماد الطرابلسي، عن وجود 420 ألف منتسب في قطاع الأمن، متسائلين عن مدى قدرة هذا العدد على التصدي للتشكيلات المسلحة بغرب البلاد، إن وجد بالفعل.

نشر قوات الشرطة بكثافة لتعزيز الأمن في طرابلس (رويترز)

وعلى الرغم من أن المحلل السياسي، محمد محفوظ، وصف عدد منتسبي وزارة الداخلية بـ«المبالغ فيه وغير المتكافئ» مع الحالة الأمنية غرب البلاد، لفت إلى أن «شريحة كبيرة من الشباب الليبي التحق بقطاعات الشرطة والجيش والتشكيلات المسلحة في السنوات الأولى لـ(ثورة 17 فبراير) بسبب محدودية فرص العمل حينذاك».

ورأى محفوظ، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «اهتمام الشارع الليبي الآن ليس منصباً حول عدد منتسبي الداخلية، بقدر ما هو منصبّ على مدى قوتها على ضبط حركة التشكيلات المسلحة، وقمع من يتمرد منها على سلطة الدولة وقراراتها»، مبرزاً أن وضع الشرطة حالياً «أفضل من السابق، حيث توجد عناصر الأمن بالشوارع، وتلاحق الجناة، وتكشف عن جرائم تمت منذ سنوات، بالإضافة إلى تفعيل إدارات مختلفة، كالشرطة النسائية بالمنافذ الجوية والسجون».

صورة أرشيفية لاشتباكات بين قوات مسلحة في طرابلس (أ.ف.ب)

وخلافاً لانتقادات عدد من المراقبين للطرابلسي، واتهامه بصبغ وزارة الداخلية بطابع ميليشياوي، من خلال التركيز على كثافة العدد دون الاهتمام بالتدريب والتأهيل، لفت محفوظ إلى «ضرورة تمتع وزير الداخلية بذات الدعم القبلي والاجتماعي، وذات التأثير السياسي، وغيرها من عوامل القوة التي يتمتع بها قادة التشكيلات المسلحة ليستطيع التعاطي معهم، ومع الواقع الراهن».

وكان تعيين الطرابلسي على رأس وزارة الداخلية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 قد أثار جدلاً كبيراً في ليبيا، بعدّه قائداً سابقاً لتشكيل مسلح. وفي هذا السياق، حرص محفوظ على التذكير بتأثير مناخ الصراعات السياسية والمسلحة، التي مرت بالبلاد خلال العقد الماضي، وما تخللها من سيطرة جماعات متطرفة على بعض المدن.

كما استبعد محفوظ أن يتمكن الطرابلسي من تنفيذ تعهده المتكرر بإخراج التشكيلات المسلحة من العاصمة، مشدداً على أن الأمر «لا يتوقف على قوة الداخلية، أو على قوة التشكيلات، وإنما على القرار السياسي للحكومة، وأيضاً على بعض التدخلات الخارجية». مرجحاً أن تكون زيارات الوزير الأخيرة لتركيا في إطار التمهيد لخروج بعض التشكيلات الكبيرة من بعض المواقع الاستراتيجية التي تحتلها، وذلك عبر اتفاق سلمي، ودون اللجوء لصراع مسلح قد يدمر العاصمة.

بعض مخلفات اشتباكات بين تشكيلات مسلحة في طرابلس (أ.ف.ب)

بدوره، شكّك عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، هو الآخر في القوة العددية لوزارة الداخلية، التي تحدث عنها الطرابلسي، وقال: «هذا رقم كبير بالنسبة لعدد السكان في ليبيا، فضلاً عن أنه يمثل عناصر لوزارة داخلية حكومة تسيطر على المنطقة الغربية فقط». وتشير التقديرات إلى أن تعداد ليبيا يقارب 8 ملايين نسمة.

وتساءل التكبالي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، عن «عدم توقف أي من الجهات الرقابية عند هذا الرقم الكبير من الأفراد، الذين تصرف لهم رواتب من ميزانية الدولة، وهل يتناسب ذلك مع احتياجات الأمن بالمنطقة الغربية؟».

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان؛ الأولى تسمى «الوحدة الوطنية» المؤقتة، وتتمركز في غرب البلاد، ومقرها طرابلس، ويرأسها عبد الحميد الدبيبة، والثانية تسمى حكومة «الاستقرار» الموازية، التي تسيطر على شرق البلاد، وهي مكلفة من البرلمان، ويرأسها أسامة حماد.

وتحدى التكبالي وزير الداخلية «بأن يعلن عن مؤشرات نسب الجريمة بمنطقة نفوذ حكومته، في ظل وجود هذا العدد، الذي يفترض معه استتباب الأمن بدرجة كبيرة، بحيث لا تقع جريمة واحدة».

ويعتقد التكبالي أن سكان طرابلس «يفتقدون للشعور بالأمان في ظل استمرار اندلاع الاشتباكات بين التشكيلات المسلحة المتمركزة بها»، لافتاً إلى أن «الوزارة دائماً تكون غائبة في أغلب الاشتباكات التي تندلع بغرب البلاد، حيث لم تتدخل لفضّها أو التعليق عليها».

وانضم الناشط السياسي الليبي، حسام القماطي، للمشككين في ما ذكره الطرابلسي حول عدد منتسبي وزارة الداخلية، «رغم توسع أغلب الحكومات التي تعاقبت على السلطة بعد (ثورة فبراير) في سياسة التوظيف الحكومي».

وقلّل القماطي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، من حديث بعض المسؤولين، ومنهم الطرابلسي، عن جاهزية عناصر وزارته للتصدي لكل من يخرج عن إرادة الدولة، مشيراً في هذا السياق إلى «عدم تمكن وزير الداخلية من إزاحة كتائب أمنية من مكون الأمازيغ، تابعة لمدينة زوارة، من السيطرة على معبر (رأس جدير) الحدودي مع تونس، رغم تعهده بذلك، ما تسبب في صراع أدى إلى توقف حركة العبور منذ منتصف مارس (آذار) الماضي».

ويعتقد القماطي أنه «تم إهمال القيادات المهنية صاحبة الخبرة الطويلة بجهاز الشرطة»، وقال إن بعض قيادات التشكيلات المسلحة التي تتبع الداخلية راهناً «باتت صاحبة الكلمة الفعلية في الوزارة، نظراً لحرص الطرابلسي على إرضائهم، والجميع شاهده، وهو يمنحهم وغيرهم من قادة تشكيلات المنطقة الغربية (نوط أصدقاء الشرطة)، دون التفاف للقيادات المهنية».


مقالات ذات صلة

رئيس «الوحدة» الليبية يطالب مجدداً بـ«قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات

شمال افريقيا الدبيبة خلال لقائه عدداً من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)

رئيس «الوحدة» الليبية يطالب مجدداً بـ«قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات

تمسك عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، مجدداً بضرورة وجود «قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية المؤجلة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
خاص تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)

خاص دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

بعد إعلان السلطة في غرب ليبيا عن إجراءات واسعة ضد النساء من بينها "فرض الحجاب الإلزامي"، بدت الأوضاع متجه إلى التصعيد ضد "المتبرجات"، في ظل صراع مجتمعي محتدم.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا الحويج و«الوزير الغيني» (وزارة الخارجية بحكومة حماد)

زيارة «وزير غيني» لحكومة حمّاد تفجر جدلاً في ليبيا

بعد أكثر من أسبوعين أحدثت زيارة أجراها «وزير دولة في غينيا بيساو» لحكومة شرق ليبيا حالة من الجدل بعد وصفه بأنه شخص «مزيف».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وقفة احتجاجية سابقة لمتضررين من حرق السجل العقاري في عهد النظام السابق (لقطة من مقطع فيديو)

بعد 39 عاماً... مطالبة بالتحقيق في «إحراق» أرشيف السجل العقاري الليبي

بعد 39 عاماً على «إحراق» أرشيف السجل العقاري خلال عهد الرئيس الراحل معمر القذافي، يطالب ليبيون بفتح تحقيق في هذه القضية لـ«تضررهم من الحادثة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا عدد من رؤساء منظمات المجتمع المدني من ليبيا ومن خارجها (البعثة الأممية)

ليبيا: الأمم المتحدة تبحث فرص نزع سلاح الميليشيات و«تفكيكها»

رعت البعثة الأممية اجتماعاً يضم رؤساء منظمات مجتمع مدني ومسؤولين حكوميين لمناقشة قضية نزع سلاح التشكيلات المسلحة وإعادة إدماجها في مؤسسات الدولة.

جمال جوهر (القاهرة)

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
TT

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

تأكيدات مصرية على لسان وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، بشأن «الدور النبيل» الذي تقوم به القوات المصرية ضمن بعثات حفظ السلام عبر «تعزيز السلم والأمن» في أفريقيا، وأنها تعكس «الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في القارة السمراء».

تصريحات وزير الخارجية جاءت خلال زيارته للكتيبة المصرية ضمن قوات حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية، التي تأتي أيضاً قبيل أسابيع من مشاركة جديدة مرتقبة مطلع العام المقبل في الصومال ضمن قوات حفظ سلام أفريقية، وسط تحفظات إثيوبية التي أعلنت مقديشو استبعاد قواتها رسمياً، وأرجعت ذلك إلى «انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الزيارة المصرية للقوات التي يمر على وجودها نحو 25 عاماً، تعد بحسب خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، تأكيداً على «الحضور المتنامي للقاهرة، وتعزيزاً لمشاركاتها بالقارة السمراء»، مستبعدين أن تتحول أي تحفظات إثيوبية تجاه الوجود المصري بمقديشو لمواجهات أو تصعيد عسكري.

وبحسب ما كشفته «الخارجية المصرية» في أواخر مايو (أيار) 2024، «فمنذ عام 1960، عندما أرسلت مصر قواتها إلى عمليات الأمم المتحدة في الكونغو، خدم ما يزيد على 30 ألفاً من حفظة السلام المصريين في 37 بعثة لحفظ السلام في 24 دولة، وبصفتها واحدة من كبريات الدول التي تسهم بقوات نظامية في عمليات حفظ السلام، تنشُر مصر حالياً 1602 من حفظة السلام من النساء والرجال المصريين في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في الكونغو الديمقراطية والسودان وجنوب السودان والصحراء الغربية».

ووفق تقديرات نقلتها «هيئة الاستعلامات» المصرية الرسمية، منتصف يونيو (حزيران) 2022، تسترشد مصر في عمليات حفظ السلام بثلاثة مبادئ أممية أساسية، وهي «موافقة الأطراف والحياد، وعدم استعمال القوة إلا دفاعاً عن النفس، ودفاعاً عن الولاية».

بدر عبد العاطي يصافح كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

وتاريخياً، شاركت مصر في قوات حفظ السلام بأفريقيا في «الكونغو أثناء فترة الحرب الأهلية من 1960 إلى 1961، ثم من نوفمبر (تشرين الثاني) 1999، وكوت ديفوار لمساعدة الأطراف الإيفوارية على تنفيذ اتفاق السلام الموقع بينهما في يناير (كانون الثاني) 2003، والصومال في الفترة من ديسمبر (كانون الأول) 1992 إلى فبراير (شباط) 1995، وأفريقيا الوسطى من يونيو 1998 إلى مارس (آذار) 2000، وأنغولا من 1991 وحتى 1999، وموزمبيق من فبراير 1993 إلى يونيو 1995، وجزر القمر من 1997 وحتى 1999، وبوروندي منذ سبتمبر (أيلول) 2004، وإقليم دارفور بالسودان منذ أغسطس (آب) 2004».

وضمن متابعة مصرية لقواتها، التقى بدر عبد العاطي، الجمعة، مع أعضاء كتيبة الشرطة المصرية المُشاركة في مهام حفظ السلام ضمن بعثة الأمم المتحدة لحفظ الاستقرار في الكونغو الديمقراطية خلال زيارته التي بدأت الخميس، واستمرت ليومين إلى العاصمة كينشاسا، لتعزيز التعاون بكل المجالات، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وقال عبد العاطي إن «مصر إحدى كبرى الدول المساهمة في قوات حفظ السلام الأممية»، مؤكداً أن «وجود الكتيبة المصرية في الكونغو الديمقراطية يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين وأهمية الشراكة الاستراتيجية مع دول حوض النيل الجنوبي». كما نقل وزير الخارجية، رسالة إلى رئيس الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسيكيدي، من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تتضمن سبل تعزيز العلاقات، وإحاطة بما تم توقيعه من اتفاقيات تعاون خلال زيارته وتدشين «مجلس أعمال مشترك».

ووفق الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، فإن كلمة السر في مشاركة مصر بشكل معتاد ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا بشكل عام هي «طبيعة القوات المصرية حيث تتجلى الإمكانات العالية والخبرات التاريخية المتراكمة، ما جعل مصر دائمة المشاركة والحضور ضمن قوات حفظ السلام منذ أزمان بعيدة»، مؤكداً أن لمصر تجارب عدة في العمل ضمن بعثات حفظ السلام في كثير من دول أفريقيا التي شهدت نزاعات وأوضاع أمنية بالغة التعقيد، مثل ساحل العاج، والكونغو، وأفريقيا الوسطى، وأنغولا، وموزمبيق، وليبيريا، ورواندا، وجزر القمر، ومالي وغيرها.

جانب من كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في مهام حفظ السلام بالكونغو الديمقراطية (الخارجية المصرية)

الحاج أشار إلى أنه رغم أن الاضطرابات السياسية التي تشهدها كثير من دول أفريقيا «تزيد من تعقيد» عمل بعثات الأمم المتحدة الخاصة بحفظ السلام في أفريقيا، وعدم قدرة هذه البعثات على إحراز أي تقدم في ظل نقص المؤسسات الديمقراطية الفعالة في عدد من البلدان الأفريقية؛ فإن مصر تدرك جيداً مدى أهمية تكثيف حضورها الأمني في القارة السمراء، باعتبار أن «العدول عن المشاركة المصرية ضمن بعثات حفظ السلام، سوف يترك فراغاً عريضاً» ربما تستغله دول أخرى تنافس مصر في خارطة التمركز الفاعل في أفريقيا.

الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، أوضح أن هناك قوات لحفظ السلام تتبع الأمم المتحدة، وأخرى تتبع الاتحاد الأفريقي، وكل له ميزانية منفصلة؛ لكن يتعاونان في هذا المسار الأمني لحفظ الاستقرار بالدول التي تشهد اضطرابات ومصر لها حضور واسع بالاثنين، مؤكداً أن مشاركة القاهرة بتلك القوات يتنامى ويتعزز في القارة الأفريقية بهدف استعادة الحضور الذي عرف في الستينات بقوته، وكان دافعاً ومساهماً لتأسيس الاتحاد الأفريقي والحفاظ على استقرار واستقلال دوله.

وهو ما أكده وزير الخارجية المصري خلال زيارته للكتيبة المصرية بالكونغو الديمقراطية بالقول إن «المشاركة في بعثات حفظ السلام تعكس الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في أفريقيا، والمساهمة الفاعلة في صون السلم والأمن الدوليين».

هذا التأكيد المصري يأتي قبل نحو شهر من المشاركة المصرية في قوات حفظ السلام الأفريقية، بالصومال، حيث أكد سفير مقديشو لدى مصر، علي عبدي أواري، في إفادة، أغسطس الماضي، أن «القاهرة في إطار اتفاقية الدفاع المشترك مع الصومال ستكون أولى الدول التي تنشر قوات لدعم الجيش الصومالي من يناير 2025 وتستمر حتى عام 2029. بعد انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي الحالية»، قبل أن تعلن مقديشو، أخيراً «استبعاد القوات الإثيوبية رسمياً من المشاركة في عمليات البعثة الجديدة؛ بسبب انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً في يناير الماضي يُبطل مذكرة تفاهم «أرض الصومال» وإثيوبيا (حساب الرئيس الصومالي على «إكس»)

ولم تعلق أديس أبابا رسمياً على هذا الاستبعاد، لكن تحدّث وزير الخارجية الإثيوبي السابق، تاي أصقي سيلاسي، في أغسطس الماضي، عن الموقف الإثيوبي بشأن البعثة الجديدة لقوات حفظ السلام في الصومال، حيث طالب بـ«ألا تشكّل تهديداً لأمننا القومي، هذا ليس خوفاً، لكنه تجنّب لإشعال صراعات أخرى بالمنطقة»، مؤكداً أن بلاده «أصبحت قوة كبرى قادرة على حماية مصالحها».

وعدَّ الخبير الاستراتيجي المصري أن استمرار الوجود المصري في قوات حفظ السلام على مدار السنوات الماضية والمقبلة، لاسيما بالصومال له دلالة على قوة مصر وقدرتها على الدعم الأمني والعسكري وتقديم كل الإمكانات، لاسيما التدريب وتحقيق الاستقرار، مستبعداً حدوث أي تحرك إثيوبي ضد الوجود المصري في الصومال العام المقبل.

فيما يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أن الاستعداد القوي الذي أظهرته مصر للمشاركة ضمن بعثة حفظ السلام في الصومال، يأتي من واقع الحرص المصري على استتباب الأمن في هذه البقعة الاستراتيجية في القرن الأفريقي؛ لأن استتباب الأمن في الصومال يعني تلقائياً تأمين حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، ومن ثم ضمان انسياب الحركة التجارية الدولية عبر قناة السويس. فضلاً عن أن مصر لن تنزوي بعيداً وتترك الصومال ملعباً مميزاً للقوات الإثيوبية، خصوصاً بعدما أبرمت إثيوبيا اتفاقاً مطلع العام مع إقليم «أرض الصومال» لاستغلال منفذ «بربرة» البحري المطل على ساحل البحر الأحمر.

وفي تقدير عبد الناصر الحاج فإن نجاح مصر في أي مشاركة فاعلة ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا، يتوقف في المقام الأول، على مدى قدرة مصر في انتزاع تفويضات واسعة من مجلس السلم والأمن الأفريقي لطبيعة عمل هذه البعثات، بحسبان أن إحدى المشكلات التي ظلت تسهم في إعاقة عمل بعثات حفظ السلام، هي نوعية التفويض الممنوح لها؛ وهو الذي ما يكون دائماً تفويضاً محدوداً وقاصراً يضع هذه البعثات وكأنها مُقيدة بـ«سلاسل».

وأوضح أنه ينبغي على مصر الاجتهاد في تقديم نماذج استثنائية في أساليب عمل قواتها ضمن بعثات حفظ السلام، بحيث يصبح الرهان على مشاركة القوات المصرية، هو خط الدفاع الأول لمدى جدواها في تحقيق غاية حفظ السلام.