مخاوف الركود تلوح في الأفق مع انعكاس منحنى العائد وارتفاع الفائدة

لوحة تشير إلى «وول ستريت» خارج بورصة نيويورك في مدينة نيويورك الولايات المتحدة (رويترز)
لوحة تشير إلى «وول ستريت» خارج بورصة نيويورك في مدينة نيويورك الولايات المتحدة (رويترز)
TT

مخاوف الركود تلوح في الأفق مع انعكاس منحنى العائد وارتفاع الفائدة

لوحة تشير إلى «وول ستريت» خارج بورصة نيويورك في مدينة نيويورك الولايات المتحدة (رويترز)
لوحة تشير إلى «وول ستريت» خارج بورصة نيويورك في مدينة نيويورك الولايات المتحدة (رويترز)

قد يعود مؤشر انعكاس سوق السندات، الذي لطالما تنبأ بدقة بحدوث ركود في الولايات المتحدة، ليظهر هذا العام بشكل غير متوقع، مما يثير قلق المستثمرين.

فقد انقلبت إشارة السوق، التي تسمى «منحنى العائد»، رأساً على عقب منذ أوائل يوليو (تموز) 2022، حيث حصل المستثمرون على أموال أقل مقابل إيداع أموالهم لفترات أطول مما يحصلون عليه للفترات الأقصر. ويُظهر منحنى سندات الخزانة الأميركية القياسي أن عائدات سندات الخزانة لأجل سنتين أعلى بنحو 30 نقطة أساس عن سندات الخزانة لأجل عشر سنوات، وفق «رويترز».

في الماضي، كان «منحنى العائد» يتخذ عادةً شكلاً مستقيماً خلال فترات التباطؤ الاقتصادي، حيث كان ينتج عن ذلك قيام مجلس الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة. وبالتالي، كان ينخفض العائد على السندات قصيرة الأجل، التي تتأثر بشكل مباشر بأسعار الفائدة، مما يُعرف بظاهرة «الانحدار الصعودي».

ومع ذلك، تشير المؤشرات إلى احتمال عودة منحنى العائد إلى مساره الطبيعي، حيث من المتوقع أن ترتفع عوائد السندات طويلة الأجل في ظل الانحدار الحاد، وفقاً لما ذكره ستة مستثمرين وخبراء في السوق خلال مقابلات أجريت معهم. ويعود ذلك إلى الضغوط التي تواجهها أسعار الفائدة طويلة الأجل من جراء ازدياد ديون الحكومة الأميركية، بينما يمنع الاقتصاد القوي بشكل مفاجئ واستمرار التضخم مجلس الاحتياطي الفيدرالي من خفض أسعار الفائدة.

وقد يعود «الانحدار الهبوطي» الذي ظهر لفترة وجيزة في أكتوبر (تشرين الأول)، إلى الظهور في وقت لاحق من هذا العام، مما قد يُعيد منحنى العائد إلى مساره الطبيعي عبر مسار غير مألوف.

عودة منحنى العائد

وأوضح مدير المحفظة لدى «يانوس هندرسون»، دان سيلوك، أن ما حدث في أواخر عام 2023 كان بمثابة مقدمة لتقويم منحنى العائد، ويتوقع استمرار هذا الاتجاه حتى نهاية عام 2024.

ويُعد كل من شكل منحنى العائد وأسباب ارتفاعه ذا أهمية كبيرة للاقتصاد الحقيقي و«وول ستريت». ويعتقد المستثمرون أن عائد سندات الخزانة الأميركية لأجل عشر سنوات بحاجة إلى أن يتجاوز 5 في المائة لكي يعود المنحنى إلى مساره الطبيعي، مما سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض على الشركات والمستهلكين. بينما في سيناريو الانحدار الهبوطي، من المتوقع أن يظل التضخم ثابتاً.

وفي حين أن منحنى العائد الطبيعي يعد جيداً للمصارف، إلا أن الانحدار سيكون صعب التداول وسيضغط على الأسهم، مما يؤدي ربما إلى تقلبات السوق.

ومع ذلك، لا تُشير عودة منحنى العائد إلى مساره الطبيعي بالضرورة إلى تجنب الاقتصاد للركود. بل على العكس من ذلك، يمكن أن تُؤدي أسعار الفائدة طويلة الأجل المرتفعة إلى زيادة احتمالية حدوث تباطؤ اقتصادي، بينما قد يُعيق عبء الدين الكبير قدرة الحكومة على الاستجابة لمثل هذه الظروف.

وأشار أستاذ الاقتصاد في جامعة «ديوك»، كامبل هارفي، الذي يُعد أول من اقترح منحنى العائد المقلوب مؤشراً للركود، إلى أنه «من المبكر» اعتبار عودة منحنى العائد إلى مساره الطبيعي إشارة كاذبة، مُضيفاً: «أن ارتفاع أسعار الفائدة طويلة الأجل أمر سلبي».

وقال إن المدة التي يستغرقها الانكماش الاقتصادي للظهور بعد انقلاب منحنى العائد تختلف، وأنه في آخر أربع حالات انقلاب، عاد المنحنى إلى الوضع الإيجابي قبل بدء الركود.

مخاوف الركود تُلوح في الأفق

مع ذلك، لا يزال «الانحدار الصعودي» احتمالاً قائماً. فمن الممكن أن تُؤدي أسعار الفائدة المرتفعة الناتجة عن السياسات النقدية إلى تباطؤ الاقتصاد، وإضعاف سوق العمل وإلحاق الضرر بالمستهلكين، مما قد يجبر مجلس الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة. كما يمكن أن تتسبب أسعار الفائدة المرتفعة في اضطرابات بالسوق، مثل أزمة مصرفية، تجبر مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» على خفض أسعار الفائدة.

ومع ذلك، حذّر المستثمرون من أن عدم حدوث انخفاض في أسعار الفائدة قد يُؤدي إلى تراكم الظروف لحدوث «انحدار هبوطي». ففي حال استمرار النمو والتضخم، فهذا يعني ارتفاع سعر الفائدة المتوازن على المدى الطويل للاقتصاد، أو ما يُعرف بالسعر المحايد، مما يضع ضغطاً على العائدات. كما أن حجم الدين الهائل المتراكم على حكومة الولايات المتحدة سيجبر المستثمرين في النهاية على المطالبة بمزيد من العائد على استثماراتهم.

وهناك بعض الدلائل على مخاوف المستثمرين في الأسواق. فوفقاً لنموذج صادر عن «الاحتياطي الفيدرالي» في نيويورك يحلل مكونات عوائد سندات الخزانة، فقد شهدت العلاوة التي يفرضها المستثمرون مقابل إقراض الأموال على المدى الطويل ارتفاعاً طفيفاً مرة أخرى.

وخلال «الانحدار الهبوطي» الذي حدث في أكتوبر، تحولت العلاوة على آجل السندات إلى منطقة إيجابية. ولكن مع تحول مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» نحو سياسة خفض أسعار الفائدة في وقت لاحق من ذلك العام، انخفضت العلاوة مجدداً إلى منطقة سلبية. وقد شهد هذا الشهر عودة العلاوة إلى منطقة إيجابية، حيث بلغت آخر قراءة لها في 24 أبريل (نيسان).

وهناك مؤشر آخر على المخاوف المتنامية تتمثل في سعر الذهب والبتكوين. وعزا رئيس إدارة محافظ الاستثمار في الأسواق الناشئة لدى «بيامكو»، برامول دهاوان، ارتفاع سعر الذهب عن قيمته العادلة إلى زيادة الطلب من المؤسسات الرسمية على الأصول الآمنة. ويُرجح أن يؤدي هذا الاتجاه إلى تناقص عدد الراغبين بشراء سندات الخزانة، حتى مع ازدياد المعروض منها.

صعوبة التنبؤ

ومع ذلك، ما زال من غير الواضح متى ستصبح هذه المخاوف محورية بالنسبة للأسواق. ففي الوقت الحالي، ينصب تركيزها بشكل أكبر على توقعات أسعار الفائدة التي يحددها مجلس «الاحتياطي الفيدرالي».

ويُعد التنبؤ بحدث مثل أزمة ديون المملكة المتحدة التي حدثت في خريف عام 2022 أمراً صعباً. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن المستثمرين، كما أفادوا، يراقبون من كثب خطط الإنفاق لكل من الحزبين السياسيين الأميركيين مع اقتراب موعد انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني).

وأعرب استراتيجي في بنك «نيويورك ميلون»، جون فيليس، عن قلقه بشأن إعلان وزارة الخزانة الأميركية عن إعادة تمويل الديون في أغسطس (آب)، الذي سيحدد احتياجات الاقتراض للربع الحالي. ويرجع ذلك إلى أن هذا الإعلان يأتي في وقت حرج، حيث من المتوقع أن تكون احتياجات الاقتراض مرتفعة بسبب ضعف الإيرادات الضريبية.

في المقابل، يعد حدث إعادة تمويل الديون في الأول من مايو (أيار) أقل إثارة للقلق. وذلك لأن إيرادات الضرائب في ذلك الوقت من العام تكون قد قللت من الحاجة إلى الاقتراض خلال فصل الصيف.

وعلى الأرجح، سيكون «الانحدار الهبوطي» عملية بطيئة ذات توقيت غير مؤكد. ومع ذلك، فإن هذا يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للمتداولين.

وأوضح رئيس فريق السندات السيادية العالمية في «دوبل لاين كابيتال»، بيل كامبل، أن التوقيت يصبح عاملًا حاسماً في ظل هذه الظروف.

ويُشير كامبل إلى أن هذه الظروف تجبر صناديق التحوط على اتباع استراتيجيات دخول وخروج متقلبة من الصفقات. ويلجأ المستثمرون إلى طرق بديلة، مثل استخدام أحجام تداول أصغر، للتكيف مع التحديات التي يفرضها «الانحدار الهبوطي».

وأضاف: «إنك تحاول فقط إيجاد طرق ذكية لتنفيذ ذلك. وفي سيناريو الانحدار الهبوطي، نعتقد أنه سيكون أكثر ارتفاعاً تدريجياً».


مقالات ذات صلة

رغم أزمتها الاقتصادية... ألمانيا تبقى أكبر ممول صافٍ للاتحاد الأوروبي

الاقتصاد علما الاتحاد الأوروبي وألمانيا يرفرفان أمام مبنى الرايخستاغ (رويترز)

رغم أزمتها الاقتصادية... ألمانيا تبقى أكبر ممول صافٍ للاتحاد الأوروبي

أظهرت دراسة حديثة أن ألمانيا لا تزال أكبر مساهم صافٍ في ميزانية الاتحاد الأوروبي خلال عام 2024، رغم استمرار ركودها الاقتصادي.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد صورة تُظهر مصنعاً لإنتاج الصلب في جورغسمارينهوته بألمانيا (رويترز)

ركود نشاط التصنيع بمنطقة اليورو مع استمرار ضعف الطلب والتوظيف

أظهر مسح نُشر يوم الاثنين، أن نشاط التصنيع في منطقة اليورو شهد ركوداً خلال أكتوبر؛ حيث استقرت الطلبات الجديدة وانخفض عدد الموظفين.

«الشرق الأوسط» (عواصم)
الاقتصاد مبانٍ على ضفاف نهر شبري وبرج التلفزيون في برلين (رويترز)

الاقتصاد الألماني يسجّل ركوداً في الربع الثالث مع تراجع الصادرات

أظهرت بيانات، يوم الخميس، ركود الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا في الرُّبع الثالث، ما يبرز الصعوبات التي يواجهها أكبر اقتصاد في أوروبا لاستعادة زخمه.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد لافتة «نحن نوظف» على متجر في إنسينيتاس (رويترز)

ارتفاع البطالة طويلة الأمد يهدّد الاقتصاد الأميركي بعد الجائحة

تشهد البطالة طويلة الأمد ارتفاعاً غير مسبوق في أعقاب الجائحة، ما يلقي بظلاله الثقيلة على العمال والاقتصاد الأميركي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد فلاديمير بوتين يلقي كلمة في الجلسة العامة لمنتدى الشرق الاقتصادي لعام 2025 (د.ب.أ)

بوتين ينفي ركود الاقتصاد الروسي... ويؤكد ضرورة الفائدة المرتفعة

نفى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم الجمعة، أن يكون اقتصاد بلاده في حالة ركود، مؤكداً أن هذا الرأي يعكس استياءً من أسعار الفائدة المرتفعة.

«الشرق الأوسط» (فلاديفوستوك )

«سبيس إكس» تطرح أسهماً داخلية بتقييم تاريخي يقترب من 800 مليار دولار

إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركات «سبيس إكس» و«تويتر» وصانع السيارات الكهربائية «تسلا» (أ.ف.ب)
إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركات «سبيس إكس» و«تويتر» وصانع السيارات الكهربائية «تسلا» (أ.ف.ب)
TT

«سبيس إكس» تطرح أسهماً داخلية بتقييم تاريخي يقترب من 800 مليار دولار

إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركات «سبيس إكس» و«تويتر» وصانع السيارات الكهربائية «تسلا» (أ.ف.ب)
إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركات «سبيس إكس» و«تويتر» وصانع السيارات الكهربائية «تسلا» (أ.ف.ب)

تستعد شركة «سبيس إكس» (SpaceX)، عملاق الصواريخ والأقمار الاصطناعية المملوكة لإيلون ماسك، لإجراء صفقة داخلية لبيع حصص من أسهمها، وهي الصفقة التي قد تدفع بتقييم الشركة إلى مستوى تاريخي غير مسبوق.

ووفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر، قد يصل تقييم «سبيس إكس» إلى ما يناهز 800 مليار دولار، متجاوزة بذلك الرقم القياسي السابق الذي سجلته شركة «أوبن إيه آي» المالكة لـ«تشات جي بي تي» والذي بلغ 500 مليار دولار في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

هذا التقييم، الذي ناقشه مجلس إدارة الشركة مؤخراً، من شأنه أن يعيد «سبيس إكس» إلى صدارة الشركات الخاصة الأعلى قيمة عالمياً.

قفزة هائلة نحو التريليون وانتظار الطرح العام

يُتوقع أن يتم بيع الأسهم بسعر يزيد عن 400 دولار للسهم الواحد، مما يضع تقييم الشركة بين 750 و800 مليار دولار. ويمثل هذا التقييم زيادة هائلة، ومضاعفة للتقييم السابق للشركة الذي بلغ 400 مليار دولار في يوليو (تموز)، عندما باعت أسهماً بسعر 212 دولاراً للسهم.

وفي حال تأكيد هذا الرقم، فإن «سبيس إكس» ستنضم إلى مجموعة نادرة من أكبر 20 شركة عامة في العالم، متفوقة على العديد من عمالقة السوق، ومحتلة مرتبة أدنى بقليل من «تسلا»، الشركة الأخرى التي يملكها ماسك.

وتشير التكهنات إلى أن «سبيس إكس» قد تتجه نحو طرح عام أولي بحلول أواخر العام المقبل، وإذا تم الطرح بقيمة 800 مليار دولار، وبيع 5 في المائة من أسهمها، فإنه سيكون أكبر طرح عام على الإطلاق.

ريادة الفضاء والإنترنت

يعود هذا التقييم القياسي إلى هيمنة «سبيس إكس» على قطاع الفضاء، حيث تُعد الشركة الأكثر إطلاقاً للصواريخ في العالم بفضل صاروخها «فالكون 9» الذي ينقل الأقمار الاصطناعية والأشخاص إلى المدار. كما تُعد الشركة رائدة في توفير خدمات الإنترنت من المدار الأرضي المنخفض عبر مشروع «ستارلينك»، الذي يضم أكثر من 9000 قمر اصطناعي، متفوقة بفارق كبير على منافسيها، مثل مشروع «أمازون ليو» التابع لشركة «أمازون». وقد أدت هذه الأخبار إلى ارتفاع أسهم الشركات الشريكة، مثل «إيكو ستار»، بنسبة وصلت إلى 18 في المائة.

خيارات الطرح العام والتحول الاستراتيجي

رغم قدرة «سبيس إكس» على جمع التمويل بتقييمات تتجاوز 100 مليار دولار، مع تأجيل خطط الطرح العام، فإن فكرة الانفصال لا تزال قائمة. فقد طفت على السطح مجدداً مقترحات لفصل نشاط «ستارلينك» في شركة مطروحة للاكتتاب العام بشكل منفصل، وهي فكرة سبق أن اقترحتها الرئيسة جوين شوتويل في عام 2020. ومع ذلك، شكك ماسك علناً في هذا الاحتمال على مر السنين، بينما أشار المدير المالي بريت جونسن في عام 2024 إلى أن طرح «ستارلينك» سيكون شيئاً يحدث على الأرجح «في السنوات القادمة». وفي الوقت نفسه، تستمر «سبيس إكس» في تطوير مركبة «ستارشيب»، الصاروخ الأقوى على الإطلاق، والمصمم لحمل أعداد هائلة من أقمار «ستارلينك»، ونقل البضائع والأشخاص إلى القمر، ثم إلى المريخ في نهاية المطاف.


حرب الاستوديوهات... «نتفليكس» تُسقط «وارنر براذرز» في أكبر صفقة إعلامية

شعار شركة «وارنر براذرز ديسكفري» في أحد مكاتبها في كولفر سيتي كاليفورنيا (أ.ف.ب)
شعار شركة «وارنر براذرز ديسكفري» في أحد مكاتبها في كولفر سيتي كاليفورنيا (أ.ف.ب)
TT

حرب الاستوديوهات... «نتفليكس» تُسقط «وارنر براذرز» في أكبر صفقة إعلامية

شعار شركة «وارنر براذرز ديسكفري» في أحد مكاتبها في كولفر سيتي كاليفورنيا (أ.ف.ب)
شعار شركة «وارنر براذرز ديسكفري» في أحد مكاتبها في كولفر سيتي كاليفورنيا (أ.ف.ب)

شهدت هوليوود واحدة من أهم لحظات التحول الاستراتيجي في تاريخها، بعد أن أعلنت شركة «نتفليكس» يوم الجمعة عن إبرام صفقة ضخمة للاستحواذ على استوديوهات الأفلام، والتلفزيون، ووحدة البث التدفقي التابعة لـ«وارنر براذرز ديسكفري» (WBD) بقيمة بلغت 72 مليار دولار.

هذه الصفقة، التي بدأت بمجرد «مهمة استطلاعية»، لم تكن متوقعة علناً من عملاق البث التدفقي الذي كان يقلل من شائعات شراء استوديو كبير في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لتنتهي بـ«نتفليكس» وهي تفوز بأثمن جائزة في هوليوود، متفوقة على منافسين عمالقة، مثل «باراماونت» و«كومكاست».

صورة جوية لشعار «وارنر براذرز» معروض على برج المياه في استوديو «وارنر براذرز» في باربنك كاليفورنيا (أ.ف.ب)

من الفضول إلى الاستحواذ

بدأت مساعي «نتفليكس» نحو «وارنر براذرز» بدافع الفضول لمعرفة المزيد عن أعمالها، لكن التنفيذيين سرعان ما أدركوا الفرصة الاستراتيجية الهائلة التي يوفرها الاستوديو.

تتجاوز الصفقة مجرد إضافة مكتبة محتوى عمرها قرن من الزمان إلى منصة «نتفليكس» (وهي مكتبة تشكل 80 في المائة من مشاهدات البث التدفقي)، حيث أدركت «نتفليكس» أن وحدات أعمال «وارنر براذرز»، خاصة التوزيع المسرحي، والوحدة الإنتاجية، تُعد مكمّلة بشكل مثالي لنماذج أعمالها.

وقد تصاعد الاهتمام بالاستحواذ بعد أن أعلنت «وارنر براذرز ديسكفري» في يونيو (حزيران) عن خططها للانقسام إلى شركتين عامتين، فصلت بموجبها الشبكات التلفزيونية التقليدية عن الأصول الرئيسة، مثل استوديوهات «وارنر براذرز» و«HBO» وخدمة «HBO Max».

سباق المزايدة يشتد

دخلت «نتفليكس» منافسة شرسة للاستحواذ على الأصول، واضعة نفسها في مواجهة مباشرة مع «باراماونت» وشركة «إن بي سي يونيفرسال» الأم «كومكاست». وقد بدأ المزاد علنياً في أكتوبر بعدما قدمت «باراماونت» أول عرض غير مرغوب فيه في سبتمبر (أيلول)، بهدف استباق الانقسام المخطط له.

تواصل العمل بوتيرة محمومة، حيث عقد فريق «نتفليكس» الاستشاري، الذي ضم بنوكاً استثمارية، مثل «مويلس آند كومباني»، و«ويلز فارغو»، مكالمات يومية صباحية على مدى الشهرين الماضيين، بل وعقدوا مكالمات متعددة في يوم عيد الشكر ذاته للتحضير للعرض النهائي في الأول من ديسمبر (كانون الأول).

على الجانب الآخر، اجتمع مجلس إدارة «وارنر براذرز» يومياً خلال الأيام الثمانية الأخيرة التي سبقت اتخاذ القرار. وفضّل المجلس عرض «نتفليكس»، لأنه كان الوحيد الذي وُصف بأنه «ملزم وكامل»، كما أنه سيحقق فوائد فورية للشركة.

وعلى النقيض، تم رفض عرض «كومكاست» لدمج قسم الترفيه الخاص بها مع «وارنر براذرز»، لكونه سيستغرق سنوات عديدة للتنفيذ. ورغم أن «باراماونت» رفعت عرضها لتبلغ القيمة الإجمالية للشركة 78 مليار دولار، فقد أعرب مجلس إدارة «وارنر براذرز» عن قلقه بشأن تمويل هذا العرض.

صورة جوية لشعار «نتفليكس» معروض في استوديوهات «نتفليكس» مع لافتة هوليوود في الأفق (أ.ف.ب)

ثقة «نتفليكس» في اجتياز العقبات التنظيمية

لتأكيد إيمانها بنجاح الصفقة، خاصة في ظل توقعات مراجعة تنظيمية كبيرة، أرفقت «نتفليكس» عرضها بواحد من أكبر رسوم الإنهاء في تاريخ صفقات الاندماج والاستحواذ، بلغ 5.8 مليار دولار.

وقد وصف أحد المستشارين هذا الضمان بأنه دليل على قناعة «نتفليكس» المطلقة بقدرتها على الحصول على الموافقات اللازمة، قائلاً: «لا أحد يحرق 6 مليارات دولار دون اقتناع».

لم تكن «نتفليكس» متأكدة من الفوز حتى اللحظات الأخيرة، حيث اعترف أحد التنفيذيين بأنهم كانوا يعتقدون أن فرصتهم لا تتجاوز 50/50. لكن مع إعلان قبول العرض في وقت متأخر من ليلة الخميس، ساد التصفيق والتهليل على مكالمة جماعية بين فريق «نتفليكس»، إيذاناً ببدء عصر جديد سيعيد تشكيل المشهد الترفيهي العالمي بالكامل.


العقار السعودي ينتقل من الانتعاش «الظرفي» إلى النضج التشغيلي

مشاريع عقارية في الرياض (واس)
مشاريع عقارية في الرياض (واس)
TT

العقار السعودي ينتقل من الانتعاش «الظرفي» إلى النضج التشغيلي

مشاريع عقارية في الرياض (واس)
مشاريع عقارية في الرياض (واس)

شهد القطاع العقاري المُدرج في السوق المالية السعودية (تداول) تحولاً استثنائياً وغير مسبوق في الربع الثالث من عام 2025. فقد تضاعفت أرباح الشركات العقارية بأكثر من ستة أضعاف، مسجلة نمواً تجاوزت نسبته 633.6 في المائة لتبلغ 496 مليون دولار (1.86 مليار ريال).

هذا الارتفاع الصارخ، مقارنة بأرباح بلغت 67.5 مليون دولار في الربع المماثل من العام السابق، يؤكد أن القطاع العقاري السعودي قد دخل مرحلة نضج تشغيلي مستدام، متجاوزاً مرحلة الانتعاش «الظرفي» المؤقت.

كما تعكس هذه القفزة الكبيرة نجاح الشركات في إعادة هيكلة منتجاتها، وتعزيز تدفقاتها النقدية، والانتقال من مجرد النمو «الورقي» إلى نمو حقيقي مدعوم بالإيرادات التشغيلية، والتسليم الفعلي

للمشاريع.

المحركات التشغيلية

وأرجع خبراء ومختصون عقاريون تسجيل الشركات العقارية المُدرجة في السوق هذه القفزة الكبيرة إلى بداية جني الأرباح من إيرادات المشاريع العقارية المحورية في المدن الكبرى، وارتفاع جودة المشاريع العقارية، وتحسن البيئة التمويلية، ومستويات السيولة في القطاع العقاري.

وأشاروا إلى أن هذه القفزة تتواكب مع نمو الاقتصاد غير النفطي في السعودية، ومساهمته بنحو 56 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ما ساهم بشكل كبير في دعم الطلب على العقار بأنواعه: السكني، والتجاري، والصناعي، والمكتبي، وفي نمو أرباح شركات القطاع العقاري، بالإضافة إلى الإصلاحات الرئيسة التي شهدها القطاع العقاري في السنوات الأخيرة.

العاصمة السعودية الرياض (واس)

تفاصيل أداء الشركات

وكانت أرباح الشركات العقارية المُدرجة في السوق المالية السعودية «تداول» قد تضاعفت لأكثر من 6 أضعاف، خلال الربع الثالث من 2025، لتسجل 496 مليون دولار (1.86 مليار ريال)، بنسبة نمو وصلت إلى 633.67 في المائة، مقارنةً بأرباح بلغت 67.5 مليون دولار (253.32 مليون ريال) في الربع المماثل من العام السابق.

كما بلغت أرباح شركات القطاع خلال الأرباع الثلاثة من 2025 نحو 1.44 مليار دولار (5.4 مليار ريال)، بصدارة من «سينومي سنترز» و«جبل عمر» و«مسار»، وبنسبة نمو 244.2 في المائة عن الفترة ذاتها من العام، والتي حققت خلالها أرباحاً صافية وصلت إلى 419 مليون دولار (1.57 مليار ريال)، وبزيادة قدرها 1.02 مليار دولار (3.83 مليار ريال).

ووفق إعلانات نتائجها المالية في السوق المالية السعودية، حققت 9 شركات ارتفاعاً في أرباحها، من بين 16 شركة تعمل بالقطاع، في حين تحولت 4 شركات للربحية. وتصدرت شركة «أم القرى للتنمية والإعمار» (مسار) أعلى شركات القطاع ربحيةً، خلال الربع الثالث، بعد تحقيقها أرباحاً بلغت 516.57 مليون ريال، بنسبة نمو وصلت إلى 341.9 في المائة عن الربع المماثل من العام السابق. وحلّت شركة المراكز العربية «سينومي سنترز» ثانيةً في أعلى شركات القطاع ربحيةً بعد تحقيقها أرباحاً بنحو 499.8 مليون ريال خلال الربع الثالث من 2025، لتسجل نمواً عن الربع المماثل من العام السابق بنسبة 52.2 في المائة، في حين حلت شركة «دار الأركان» ثالثاً، بنسبة نمو تجاوزت 89 في المائة، بعد أن بلغت أرباحها نحو 255.6 مليون ريال في الربع الثالث من 2025.

صورة محاكية لمشروع «مسار» الذي تقوم بتطويره شركة «أم القرى للتنمية والإعمار» (الشركة)

القطاع أكثر كفاءة

وفي تعليق على نتائج شركات القطاع، قال الخبير والمهتم بالشأن العقاري، عبد الله الموسى لـ«الشرق الأوسط» إن القفزة التاريخية في أرباح شركات العقار المدرجة تؤكد أن السوق دخلت مرحلة نضج تشغيلي، وليس مجرد انتعاش ظرفي، وإن هذه الأرقام تعكس قدرة الشركات على إعادة هيكلة منتجاتها، وتحسين تدفقاتها النقدية، والتحول من النمو الورقي إلى النمو الحقيقي المدعوم بالتسليم، والتشغيل، والإيرادات المتكررة.

وزاد أن القطاع أصبح أكثر كفاءة وربحية من أي وقت مضى، ما ينسجم مع اتجاهات الاقتصاد السعودي، وتطور أدوات التنظيم، والتمويل.

وحدد الموسى ثلاثة محركات رئيسة للقفزة الكبيرة في أرباح شركات القطاع، وهي:

- ارتفاع جودة المشاريع، والتحول للنماذج التشغيلية، كما حدث مع شركات «سينومي سنترز» و«مسار» و«جبل عمر»، والتي بدأت تجني ثمار الاستثمار طويل الأجل في تشغيل الأصول، وزيادة الإشغال، ونمو العوائد الإيجارية، ما انعكس مباشرة على الربحية.

- تحسن البيئة التمويلية، وتقليل الأعباء عبر استقرار أسعار الفائدة، وبداية انخفاضها، وتحسن مستويات السيولة، وهو ما ساعد الشركات على إدارة مديونياتها بكفاءة أكبر، خصوصاً تلك التي كانت تعاني سابقاً من أعباء مالية مرتفعة.

- اكتمال مشاريع محورية، ودخولها مرحلة تحقيق الإيرادات، حيث شهدت شركات عدة تحوّلاً للربحية نتيجة تحسن ملحوظ في عمليات البيع والتطوير في المدن الكبرى، وخاصة في الرياض، ومكة.

ويتوقع الموسى أن تستمر شركات القطاع في أدائها الإيجابي خلال الأرباع القادمة، واستمرار المسار الصاعد، لكن بوتيرة أكثر توازناً، وذلك لوجود عوامل داعمة، أبرزها دخول مشاريع استراتيجية جديدة مرحلة التشغيل، واستمرار الطلب القوي على الإسكان، والمشاريع التجارية في ظل توسع الرياض، وتحولها لوجهة استثمارية عالمية، وتحسن الأداء المالي لشركات كانت تواجه خسائر لسنوات، وهو ما يرفع مستوى المنافسة داخل القطاع، وكذلك استمرار مبادرات التنظيم العقاري التي تقلّل المخاطر، وتزيد من جاذبية الاستثمار المؤسسي، مضيفاً أنه في حال حافظت الشركات على هذا النهج، فمن المتوقع أن تتحول أرباح 2025 إلى نقطة مرجعية جديدة لمستوى ربحية أعلى، وأكثر استدامة خلال السنوات المقبلة.

أحد المراكز التجارية التابعة لشركة «سينومي سنترز» في الرياض (الشركة)

دور الاقتصاد غير النفطي

من جهته، قال المهتم بالشأن العقاري سلمان السعيد، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن نمو الاقتصاد غير النفطي في السعودية، ومساهمته بنحو 56 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ساهما بشكل كبير في دعم الطلب على العقار بأنواعه: السكني، والتجاري، والصناعي، والمكتبي، مما ساهم في نمو أرباح شركات القطاع العقاري، بالإضافة إلى الإصلاحات الرئيسة التي شهدها القطاع العقاري في السنوات الأخيرة، والتي ساهمت في جذب الاستثمارات، مثل توسيع ضريبة الأراضي البيضاء، وخطوات ضبط الإيجارات، مما عزز من المشاريع التنموية، ومن جدوى المشاريع العقارية، وكذلك الدعم الحكومي الكبير لتملك المواطنين للإسكان، والسياسات الداعمة لذلك، ما ساهم في ارتفاع نسبة المواطنين المتملكين للإسكان.

وأضاف أن ارتفاع الطلب على العقار التجاري والمكتبي ساهم في زيادة أرباح الشركات العقارية، خصوصاً في مدينة الرياض، وتحديداً مع تدفق الشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات إلى السعودية، وارتفاع الطلب على المكاتب، وزيادة إشغالها بنسب مرتفعة. كما ساعد ذلك شركات التطوير العقاري التي تعمل في العقارات متعددة الاستخدامات على الاستفادة من تنويع مصادر الدخل، وليس الاعتماد فقط على العقارات السكنية في تحقيق الأرباح، وأشار إلى أن بعض الشركات حققت نمواً في أرباحها من المعاملات الاستثمارية في بيع الأراضي، والأصول غير الاستراتيجية، مما أدى إلى تحسين النتائج، والكفاءة التشغيلية.