ملابسات اغتيال أحفاد هنية تكشف تراجع هيبة الدولة العبرية

تعزيز نهج «الاغتيال» الذي برز بشكل واضح في هذه الحرب

جنود إسرائيليون يستمعون إلى إحاطة بالقرب من الحدود بين إسرائيل وغزة الأربعاء (رويترز)
جنود إسرائيليون يستمعون إلى إحاطة بالقرب من الحدود بين إسرائيل وغزة الأربعاء (رويترز)
TT

ملابسات اغتيال أحفاد هنية تكشف تراجع هيبة الدولة العبرية

جنود إسرائيليون يستمعون إلى إحاطة بالقرب من الحدود بين إسرائيل وغزة الأربعاء (رويترز)
جنود إسرائيليون يستمعون إلى إحاطة بالقرب من الحدود بين إسرائيل وغزة الأربعاء (رويترز)

إذا كان الجيش الإسرائيلي استهدف إظهار قدراته الاستخبارية والحربية العالية بعد تمكنه من اغتيال الجيلين القادمين من عائلة رئيس «حماس»، إسماعيل هنية، وأشفى غليل كثيرين ممن ما زالوا يفتشون عن الانتقام لهجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول)، فإنه في الواقع أظهر تراجعاً غير عادي في هيبة الدولة.

وبغض النظر عن المأساة الإنسانية في الموضوع، وهي مأساة كبيرة حقاً، فإن ملابسات هذا الاغتيال قد تكون أكبر منه، خطورة وتبعات، وتكمن فيما لا يتحدث عنه هذا الجيش، وتجاهله في بيانه حولها. فقد كشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن قرار اغتيال أفراد عائلة هنية اتخذه ضابط في الجيش برتبة عقيد، من دون أن يرجع إلى القيادة السياسية، أو رئاسة الأركان، أو حتى قائد اللواء الجنوبي للجيش.

بقايا السيارة التي كان يستقلها 3 من أبناء هنية واستهدفتها غارة جوية غربي غزة الأربعاء (أ.ف.ب)

هذا التصرف يعني أشياء كثيرة. فمثل هذه المعلومة لا يمكن أن تعرف من دون تسريب مقصود من أحد المعنيين. والاعتقاد السائد هو أن القيادة السياسية الإسرائيلية تخشى أن يؤدي هذا الاغتيال إلى اتهامها بالتخريب على المفاوضات التي ترعاها الولايات المتحدة بنفسها بين إسرائيل و«حماس». ومعروف أن واشنطن غاضبة من طريقة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو في إدارة هذه المفاوضات، وتتهمه بالمسؤولية عن عرقلتها، وتقول إن نتنياهو يتعمد إفشالها ليواصل الحرب، وبذلك يضمن استمرار حكمه.

ومع أن نتنياهو يرى في هذا الاغتيال الذي لم يصادق عليه وسيلة لإرضاء حلفائه في اليمين المتطرف، يريد أيضاً تبرئة نفسه من الاتهامات الأميركية.

رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية (د.ب.أ)

لكن هذه الحقيقة تكشف عن عورات أخرى في إدارة الحرب. فاغتيال أبناء وأحفاد هنية هو إجراء ذو أبعاد سياسية، وربما استراتيجية، وينطوي على مغامرة كبيرة. ولذلك، فإنه في دولة سليمة لا يمكن أن يتم من دون مصادقة عليا. فأي دولة هذه هي التي يتخذ فيها قرار كهذا بهذه الطريقة. أين هيبة الدولة والحكومة؟ وماذا لو قررت «حماس» أن تعتبر الاغتيال محاولة استفزاز مهين؟ وماذا لو قررت تجميد المفاوضات بسببه؟

الجيش من جهته، أصدر بياناً يعج بالأكاذيب لتبرير العملية. قال إن «شعبة الاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن العام (الشاباك)» قضيا على ثلاثة عناصر في الجناح العسكري لـ«حماس» وسط قطاع غزة، العناصر الثلاثة هم من أبناء إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لـ«حماس». وادعى في بيانه الرسمي أن «النشطاء الثلاثة الذين استهدفوا هم أمير هنية، قائد خلية في الذراع العسكري لحركة «حماس»، ومحمد هنية، ناشط عسكري في التنظيم الإرهابي، وحازم هنية، ناشط عسكري آخر في التنظيم الإرهابي. وأن «الثلاثة كانوا في طريقهم لتنفيذ نشاط إرهابي في وسط قطاع غزة».

تخريب إسرائيلي في مبنى قبل الانسحاب من خان يونس 7 أبريل (أ.ف.ب)

وتساءلت صحيفة «هآرتس»: كيف يستوي هذا الادعاء مع الحملة التي أدارتها إسرائيل مؤخراً على قادة «حماس» «الذين يبعدون أولادهم عن ساحات القتال بالعيش في الخارج مترفين في القصور، والفنادق الفخمة، فيما أبناء قطاع غزة يعانون الدمار والقتل». وأظهرت الحملة صوراً ووثائق تدل على أن أبناء إسماعيل هنية بالذات يبذرون أموالاً طائلة على اقتناء المجوهرات.

وتطرق الجيش في بيانه إلى وجود أربعة أحفاد لهنية، منى، وآمال، وخالد، ورزان، بشكل عابر، قائلاً إن بينهم قاصراً واحداً.

هذا التوجه يثير العديد من التساؤلات حول ما يجري هنا. فهل أولاد هنية مقاتلون مسلحون أم مرفهون ترفون؟ وإذا كانوا فعلا «إرهابيين»، فهل من يذهب لتنفيذ عملية مسلحة يأخذ أولاده معه؟ وهل إسرائيل قررت إبادة عائلات قادة «حماس» كجزء من هذه الحرب؟

إسرائيلي في تل أبيب الخميس يعبر جداراً يحمل أسماء رهائن اختطفتهم حماس في 7 أكتوبر (رويترز)

لقد بدا واضحاً من البيان أن الجيش أخذ على عاتقه تحمل مسؤولية الاغتيال، وتبريرها، للتغطية على قرار ذلك العقيد في الجيش. فالعقداء في الجيش الإسرائيلي هم القادة المدللون الذين يدخلون إلى مكانة «مليونير». هم جيل الانتقال من القيادات الميدانية إلى القيادات العليا، فإما يصبح عميداً ثم لواء، وإما يخرج إلى التقاعد ويحصل على راتب سمين (نحو 8000 دولار في الشهر حتى آخر حياته، مع راتب لزوجته بعد وفاته)، ومنحة بقيمة 1.5 – 2.5 مليون شيكل (400 – 650 ألف دولار)، فيتحول بذلك إلى مليونير.

والعقيد الذي اتخذ القرار يستطيع أن يبرر فعلته بالقول إن «الجيش قطع على نفسه تعهداً علنياً باغتيال كل قادة (حماس)»، و«بالنسبة لعائلة هنية، سبق وأن تعرضت لضربات أدت إلى مقتل أحد أشقائه»، أي إن الاغتيال الأخير لا يبتعد عن السياسة العامة.

كما أن المخابرات الإسرائيلية داهمت في الشهر الماضي، فقط، بيت إحدى شقيقات هنية الثلاث، المتزوجات من مواطنين عرب في إسرائيل (فلسطينيي 48)، وأجرت تفتيشاً، وعاثت فساداً في البيت، وصادرت أموالاً، ومجوهرات، واعتقلت شقيقته «للاشتباه بأنها تقوم بعمليات تخريب».

القصد أن الاغتيال يندرج في مخططات الجيش، ولا حاجة به للرجوع إلى القيادة. وبدلاً من إفهامه بأن الانتماء العائلي لهؤلاء الأحفاد والأبناء يجعل الاغتيال بالغ الحساسية، خصوصاً في ظروف المفاوضات، ويوجب التشاور مع جهة عليا سياسيا، يقوم الجيش بمنح التصرف غطاء شرعياً.

القادة السياسيون في إسرائيل، من جهتهم، راحوا يمتدحون الاغتيال بنصف لسان، فمن جهة يعتبرونه خطوة انتقامية مهمة تضاف إلى «إنجازات الحرب»، ومن ناحية ثانية تظهر إسرائيل للعالم أنها تدير حرب انتقام بلا أهداف سياسية، أو استراتيجية. لذلك انقسم المنتقدون إلى فئات: قادة سياسيون أمنيون يطرحون تساؤلات تجعلهم يتهربون من المسؤولية، وقادة آخرون يعتبرون الحادث جزءاً من الحرب، وقادة من اليمين المتطرف يعبرون عن فرحتهم الشديدة، ويعتبرون الاغتيال «جزءاً من صورة النصر»، كما فعل الوزيران ايتمار بن غفير، وبتسلئيل سموترتش.

آليات إسرائيلية تهدم منزلاً فلسطينياً في حي سلوان بالقدس الشرقية (أرشيفية - أ.ف.ب)

في جميع الحالات، يعتبر الاغتيال تعزيزاً لنهج ظهر بشكل بارز في هذه الحرب، أكثر من كل الحروب السابقة، وهو أن ضباط الجيش الإسرائيلي على مختلف الدرجات باتوا أكثر حرية في إقرار العمليات الحربية الفتاكة. وأن هناك انفلاتاً لدى العديد منهم. إذ يمكن لضابط برتبة مقدم أن يقرر تدمير جامعة من دون أن يرجع لقادته. ويمكن لضابط برتبة ملازم أن يقرر تدمير بيت يقتل فيه خاطفو رهائن إسرائيليين من دون الرجوع لأي مسؤول. كما يمكن لأي ضابط ارتكاب أي جريمة حرب، بلا حسيب، ولا رقيب. وهذه أساليب لا تلائم دولة.


مقالات ذات صلة

هدنة غزة: «انفراجة» تقرّب الاتفاق

تحليل إخباري أشخاص يحملون جثة ضحية من تحت أنقاض مبنى دمر في غارات جوية إسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

هدنة غزة: «انفراجة» تقرّب الاتفاق

انفراجة تشهدها المفاوضات التي تستضيفها الدوحة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وإطلاق سراح الرهائن، وسط توقعات بصفقة وشيكة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي جانب من الدمار جراء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة (أ.ف.ب)

«القسام»: الخسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي تفوق ما يجري الإعلان عنه

أكد أبو عبيدة، الناطق باسم «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، اليوم الاثنين، أن خسائر الجيش الإسرائيلي تفوق بكثير ما يعلن عنه رسمياً.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي جانب من الدمار جراء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ف.ب) play-circle 00:38

قطر تسلم إسرائيل و«حماس» مسودة «نهائية» لاتفاق وقف النار

قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، الاثنين، إن بلاده تبذل جهوداً «مكثفة» من أجل التوصل إلى اتفاق يضمن إطلاق سراح العشرات من الرهائن في غزة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش (أرشيفية - د.ب.أ)

إسرائيل ستستخدم عوائد الضرائب الفلسطينية لسداد ديون شركة الكهرباء

قال وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، اليوم الأحد، إن إسرائيل تخطط لاستخدام عوائد الضرائب التي تجمعها نيابة عن السلطة الفلسطينية لسداد ديونها.

«الشرق الأوسط» (القدس)
المشرق العربي طفل يُطْعم طفلاً آخر بينما هما جالسان في مقبرة لجأت إليها عائلات نازحة في دير البلح وسط قطاع غزة الأحد (أ.ف.ب)

نتنياهو يعزل وزراءه عن مباحثات «صفقة غزة»

عزل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وزراءه، عن مفاوضات صفقة وقف إطلاق النار في قطاع غزة، التي دخلت مرحلتها الحاسمة الأخيرة، في مؤشر على تقدُّم مهم…

كفاح زبون (رام الله)

هدنة غزة: «انفراجة» تقرّب الاتفاق

أشخاص يحملون جثة ضحية من تحت أنقاض مبنى دمر في غارات جوية إسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
أشخاص يحملون جثة ضحية من تحت أنقاض مبنى دمر في غارات جوية إسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
TT

هدنة غزة: «انفراجة» تقرّب الاتفاق

أشخاص يحملون جثة ضحية من تحت أنقاض مبنى دمر في غارات جوية إسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
أشخاص يحملون جثة ضحية من تحت أنقاض مبنى دمر في غارات جوية إسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

انفراجة تشهدها المفاوضات التي تستضيفها الدوحة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وإطلاق سراح الرهائن، وسط توقعات بصفقة وشيكة، مع تسريبات إعلامية إسرائيلية عن الاتفاق تتحدث عن ساعات «حاسمة»، وحديث أميركي حول أن الوسطاء «قريبون منه للغاية».

ذلك الاختراق الذي شهدته المفاوضات، بعد حديث لأيام عن شروط إسرائيلية تعرقل الاتفاق، يشي وفق حديث خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، بأن هناك «ضغوطاً تمت لإنجاز الصفقة، وخلال ساعات أو قبل نهاية الأسبوع بحد أقصى الأربعاء أو الخميس، سنرى إعلاناً عن الاتفاق المحتمل، على أن يبدأ تنفيذه قبل وصول الرئيس الأميركي دونالد ترمب في 20 يناير (كانون الثاني) الحالي».

وأفادت مصادر لـ«رويترز» الاثنين، بحدوث «اختراق في المفاوضات تم التوصل إليه في الدوحة عقب اجتماع رئيس وزراء قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني مع ممثلي (حماس) ومبعوث ترمب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف (الموجود منذ أيام بالمنطقة) مع الوفد الإسرائيلي، لدفع الطرفين نحو التوصل إلى اتفاق، وتم إرسال المسودة النهائية للاتفاق إلى إسرائيل و(حماس) للموافقة عليها».

طفل يقف بجوار مركبة محملة بجثث الضحايا الذين قتلوا في غارات جوية إسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

وناقش نتنياهو والرئيس الأميركي جو بايدن هاتفياً الأحد، «التقدم بالصفقة»، وفق ما كشفه البيت الأبيض في بيان صحافي الأحد، بينما قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان لشبكة «CNN» يوم الأحد، إن الأطراف المتفاوضة «قريبة للغاية».

وإزاء تلك التطورات، يرى الخبير الاستراتيجي والعسكري المصري، اللواء سمير فرج، أنه «بكل تأكيد هناك اتفاق تبلور وينتظر تحديد موعد الإعلان وإنهاء المشاورات الأخيرة».

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، نجاح الوسطاء في ظل حضور مبعوث ترمب في التوصل إلى انفراجة ستعجل من إعلان الاتفاق قبل نهاية الأسبوع بحد أقصى، مشيراً إلى أن الاتصال الأول من نوعه من شهور بين نتنياهو وبايدن يؤكد ذلك أيضاً، خصوصاً أنه جاء بعد شروط إسرائيلية متعلقة بالأسرى والانسحابات كانت سبباً في تأخير الصفقة.

وهو ما يراه أيضاً المحلل السياسي الفلسطيني المختص بشؤون «حماس»، إبراهيم المدهون، قائلاً: «نحن أقرب من أي وقت مضى، والضغط الأميركي من جانب ترمب أثمر».

وبينما لم تعلق إسرائيل أو «حماس» رسمياً، قال وزير المالية الإسرائيلي المتطرف، بتسلئيل سموتريتش الاثنين، إن «صفقة التبادل التي تتبلور كارثة وإذعان»، بينما أكد مسؤول من «حماس» لشبكة «CNN»، الاثنين، أن الحركة «تقترب جداً من التوصل إلى اتفاق».

ونقلت القناة 12 عن مسؤولين إسرائيليين كبار قولهم إن «الساعات المقبلة في الدوحة ستكون حاسمة في فهم ما إذا كان من الممكن التوصل إلى اتفاق»، أم لا، وبالمثل، أفادت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية الأحد، بأن المفاوضين الإسرائيليين يعتقدون أنه ستكون هناك انفراجة في الأيام المقبلة.

وبحسب الرقب، فإن التسريبات الإسرائيلية وكذلك الصادرة عن قادة من «حماس»، «تؤكد أننا أقرب من أي وقت مضى، وأننا أمام أمتار أخيرة لإعلان الصفقة»، مرجحاً أن أي خلافات بشأن الانسحابات الإسرائيلية من القطاع ستؤجل للمرحلة التالية للصفقة التي تشمل مرحلتها الأولى التي تمتد إلى نحو 42 أو 84 يوماً، إطلاق ما بين 33 و34 من فئة النساء والأطفال وكبار السن.

كما يتوقع المدهون احتمال إعلان الاتفاق بين الثلاثاء وما قبل الجمعة، لحين حسم باقي التفاصيل بالمفاوضات وإنهاء المشاورات بإسرائيل، لافتاً إلى أن سموتريتش «لن يعطل الاتفاق في ظل ضغوط إدارة ترمب».

ويذهب الرقب إلى ذلك أيضاً قائلاً: «قد نرى بين الأربعاء والخميس، إن لم يكن في الساعات المقبلة، إعلاناً عن الصفقة، على أن يتم بدء التنفيذ الذي يستغرق نحو 48 ساعة أو 72 ساعة، مما يجعل ترمب ينفذ وعده» الذي أطلقه مؤخراً بدخوله للبيت الأبيض في 20 يناير، وقد أطلق سراح رهائن.