«ذا جنتلمن»... من أقصى الكوميديا إلى أقصى الدمويّة

مسلسل غاي ريتشي الأول يحصد مشاهَداتٍ عالية على «نتفليكس»

في مسلسله التلفزيوني الأول أعاد المخرج غاي ريتشي إلى الشاشة تجربة فيلمه «The Gentlemen» (نتفليكس)
في مسلسله التلفزيوني الأول أعاد المخرج غاي ريتشي إلى الشاشة تجربة فيلمه «The Gentlemen» (نتفليكس)
TT

«ذا جنتلمن»... من أقصى الكوميديا إلى أقصى الدمويّة

في مسلسله التلفزيوني الأول أعاد المخرج غاي ريتشي إلى الشاشة تجربة فيلمه «The Gentlemen» (نتفليكس)
في مسلسله التلفزيوني الأول أعاد المخرج غاي ريتشي إلى الشاشة تجربة فيلمه «The Gentlemen» (نتفليكس)

تبدأ الحكاية على الحدود السورية – التركية. يقف هناك «إدي»، الجنديّ البريطاني في قوات حفظ السلام. يحلّ مشاكل العابرين ببرودة أعصاب. هو لا يدرك حتى الساعة حجم المشكلة الوافدة إليه على هيئة مرسالٍ، ينبئه بأنّ صحّة والده تدهورت ويستعجله العودة إلى الديار في إنجلترا.

ما إن يطأ إدي قصر العائلة الشاسع، حتى يكتشف أن المشكلة ليست وفاة الوالد، ولا الإرث الضخم الذي سلّمه إيّاه، بل شقيقه الأكبر «فريدي» المحروم من الترِكة نظراً لقلّة مسؤوليته وهفواته المدمّرة. يغرق فريدي في الديون والإدمان والمراهنات، ولا منقذ سوى إدي انطلاقاً من شهامته كأخٍ حريصٍ على أخيه.

هكذا يفتتح المخرج البريطاني غاي ريتشي مسلسله «The Gentlemen» على نتفليكس، وهذه تجربته التلفزيونية الأولى بعد مسيرة سينمائية حافلة. يتفرّع المسلسل الذي يخترق المراتب الأولى على المنصة، عن فيلم ريتشي الصادر عام 2019 والحامل العنوان ذاته. الفرق الأساسيّ ما بين النسخة الأصلية وتلك الجديدة، هي المساحة الممنوحة لريتشي كي يستفيض في هوايته المفضّلة: الكوميديا السوداء الزاخرة بالشخصيات الغريبة والأحداث الأغرب.

ليس من شروط الاستمتاع بالحلقات الـ8 أن يكون المُشاهد قد تابع الفيلم، فالمسلسل كيان مستقلّ عنه بممثّليه وحبكاته المتداخلة ومفاجآته التي لا تنتهي. هو في الواقع مسلسلٌ يسير على وقع المفاجآت، ولعلّ أكبرها وهي بمثابة المحرّك الأبرز للأحداث، اكتشاف إدي مزرعةً ومصنعاً للقنب في دهاليز القصر الشاسع.

الشخصيات الرئيسية في مسلسل «The Gentlemen» المؤلف من 8 حلقات (نتفليكس)

المزرعة التي تُديرها «سوزي»، ابنة أحد أهمّ رجال المافيا والقابع في سجنٍ مذهّب، هي كذلك من ميراث الوالد. استفاد من إيراداتها المليونيّة لتغطية مصاريف القصر، بينما كانت سوزي تتحكّم بهذا العالم السفليّ، مستفيدةً من علاقاتها مع كل رؤوس المافيا.

بصفته أخاً مرغماً لا بطلُ، يغرق إدي في عالم سوزي رغم تحفّظه على الممنوعات والجريمة، لكن لا طريق أمامه سوى هذا، إن أراد أن ينقذ حياة شقيقه ويسدّد دَينَ الأخير البالغ 8 ملايين جنيه إسترليني. من تلك اللحظة التي يضع فيها إدي يده بيَد سوزي، يبدأ استعراض الشخصيات الخارجة عن المألوف وتَلاحُقُ الأحداث الدامية.

سوزي وإدي شراكة مافياويّة وأكثر (نتفليكس)

كلّما زرع فريدي مزيداً من الفوضى، سعى إدي إلى تنظيمها ببرودة أعصابه وتحكّمت سوزي بالمخطّط بحنكتها وصلابتها. متسلّحاً بحواراتٍ لمّاحة، وصورة جذّابة، ومواقف مثيرة للضحك، وممثّلين بارعين، لا يتأخّر العمل في جذب الأنظار إليه. ما إن ينتهي عراكٌ دامٍ حتى يبدأ آخر، وما إن تتوارى شخصيّة فريدة حتى تطلّ أخرى أكثر فرادةً.

لا تُصاب العين بالملل ولا يهدأ اللهاث إلّا بدءاً من الحلقة الخامسة، حيث قد يشعر المُشاهد بأنّ الحبكة باتت متوقّعة. وما يُفقد المسلسل بعضاً من بريقه بعد نصفه الأوّل، تَكدُّس الشخصيات والحكايات المتفرّعة عنها حكاياتٌ أخرى؛ الأمر الذي ينتج عنه شعور بالضياع وفقدان للتركيز.

يراهن ريتشي في مسلسله على طابور من الشخصيات الخارجة عن المألوف (نتفليكس)

في كلّ مرة يحاول إدي الانسحاب من عالم الجريمة الذي لا ينتمي إليه أصلاً، تأتي مصيبة جديدة لتؤجّل خروجه وتنتقل معه إلى الحلقة التالية. كما أنّ سوزي تلعب الدور الأساسي في عرقلة انسحابه، وكأنّها لا تريد لتلك الورطة أن تنتهي. ورغم غياب المساحات الرومانسية عن «The Gentlemen»، فإنّ بين إدي وسوزي انجذابٌ واضح يمنح المسلسل شعاعاً خاصاً، حتى وإن لم يُترجَم بالكلمة والصورة.

في موازاة المدّ والجزر بينهما، يتطوّر لدى إدي انجذابٌ إلى هذا العالم الخطير والدامي، فيبدو كأنه يستمتع بالخبرة التي اكتسبها في وسطه، التي منحته نفوذاً. مع مرور الحلقات، يتحوّل من ضابط في قوّات حفظ السلام، إلى «جنرال» في كتيبة المخدّرات والجريمة. لكن رغم دمويّة الأحداث، الفائضة عن حدّها في معظم الأحيان، فإنّ الضحكة هي سيّدة الموقف. ولعلّ هذا الدمج بين الإثارة والجريمة والكوميديا، وهو ملعبُ ريتشي المفضّل منذ انطلاقته السينمائية عام 1998، جعل من المسلسل مادّةً تلفزيونيّة مرغوبة.

الممثلة كايا سكوديلاريو بدور «سوزي غلاس» (نتفليكس)

في الأدوار الرئيسية يتميّز كلٌ من ثيو جيمس بشخصيّة «إدي»، ودانييل إينغز «فريدي»، بينما تتقدّم كايا سكوديلاريو على جميع زملائها أداءً وجاذبيّةً بشخصيّة «سوزي». لكن ما يمنح المسلسل ألوانه الفاقعة ونكهته اللاذعة ويكثّف لحظاته المضحكة، طابورٌ من الممثلين الذين يتلاحقون ليقدّموا مجموعة من الشخصيات الخارجة عن المألوف. من مدير مزرعة القنب «جيمي» الغارق في رومانسيّته الساذجة، إلى رجل الأعمال الغامض الأرستقراطي «ستانلي جونستون» الراغب في شراء قصر إدي طمعاً بما خفيَ تحته، وليس انتهاءً بـ«غوسبيل جوني» الذي يوازي ما بين إيمانٍ صلب وإجرامٍ غير مسبوق. وبين كل هؤلاء، مجموعة من الغجر، والمصارعين، ومبيّضي الأموال، والأميرات.

على مقلب الإيجابيّات، يتميّز مسلسل ريتشي بصورته البرّاقة، وبمؤثّراته العصريّة، وبسرعة إيقاعه، إلى جانب باقة ممثّليه المميّزين. وممّا يفتح شهيّة المشاهدين على متابعته، هذه الخلطة الفريدة من «الأكشن» والجريمة والمفاجآت والكوميديا السوداء التي تُتوّج مبكراً في مشهد فريدي متنكّراً بزيّ دجاجة.

يمي مدير مزرعة القنب الغارق في أحلامه الرومانسيّة (نتفليكس)

أما على مقلب السلبيّات، فإنّ السحر لا يبلغ ذروته فلا ينجح العمل في الانتقال من مرتبة الترفيه السطحيّ إلى قمّة العرض المذهل. وما يسهم في هذا الانحدار التشويقيّ، تكرار نموذج الحبكة ذاته على امتداد الحلقات؛ صفقة مشبوهة، فعراكٌ دامٍ، ثمّ مقتل إحدى الشخصيات وهكذا دواليك.

لكن رغم ذلك، فقد حقق المسلسل أرقام مشاهدات مرتفعة على «نتفليكس»، وعلى الأرجح فإنّ عشّاق أسلوب غاي ريتشي لن يملّوا منه. فيه التشويق والعصابات والجريمة والتسلية والضحكة والأداء الآسر، وهذا يكفي لترشيحه إلى موسم ثانٍ من قِبَل المنصة التي تستثمر مؤخراً في هذه الفئة من المسلسلات.


مقالات ذات صلة

بعد توقفها... عودة خدمة «نتفليكس» لمعظم المستخدمين في أميركا

يوميات الشرق شعار منصة البث المباشر «نتفليكس» (رويترز)

بعد توقفها... عودة خدمة «نتفليكس» لمعظم المستخدمين في أميركا

كشف موقع «داون ديتيكتور» لتتبع الأعطال، عن أن منصة البث المباشر «نتفليكس» عادت إلى العمل، اليوم (السبت)، بعد انقطاع استمرّ نحو 6 ساعات.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الممثل كيليان مورفي يعود إلى شخصية تومي شلبي في فيلم «The Immortal Man» (نتفليكس)

عصابة آل شلبي عائدة... من باب السينما هذه المرة

يعود المسلسل المحبوب «Peaky Blinders» بعد 6 مواسم ناجحة، إنما هذه المرة على هيئة فيلم من بطولة كيليان مورفي المعروف بشخصية تومي شلبي.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق مسلسل «Monsters» يعيد إلى الضوء جريمة قتل جوزيه وكيتي مينينديز على يد ابنَيهما لايل وإريك (نتفليكس)

قتلا والدَيهما... هل يُطلق مسلسل «نتفليكس» سراح الأخوين مينينديز؟

أطلق الشقيقان مينينديز النار على والدَيهما حتى الموت عام 1989 في جريمة هزت الرأي العام الأميركي، وها هي القصة تعود إلى الضوء مع مسلسل «وحوش» على «نتفليكس».

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق ليلي كولينز بطلة مسلسل «إميلي في باريس» (رويترز)

لماذا تفجر «إميلي في باريس» مواجهة دبلوماسية بين فرنسا وإيطاليا؟

انفتحت جبهة جديدة في التاريخ الطويل والمتشابك والمثير للحقد في بعض الأحيان للعلاقات بين إيطاليا وفرنسا، والأمر يدور هذه المرة حول مسلسل «إميلي في باريس».

«الشرق الأوسط» (باريس- روما)
يوميات الشرق His Three Daughters فيلم درامي عائلي تميّزه بطلاته الثلاث (نتفليكس)

عندما يُطبخ موت الأب على نار صراعات بناته

يخرج فيلم «His Three Daughters» عن المألوف على مستوى المعالجة الدرامية، وبساطة التصوير، والسرد العالي الواقعية. أما أبرز نفاط قوته فنجماته الثلاث.

كريستين حبيب (بيروت)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)
معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)
TT

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)
معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

ضمن مشروع الأفلام الذي يعدّه «مركز توثيق التراث الطبيعي والحضاري» في «مكتبة الإسكندرية» بعنوان «عارف»، يروي فيلم الأقصر التسجيلي الوثائقي تاريخ واحدة من أقوى العواصم في تاريخ الحضارات القديمة، ويستدعي ما تمثّله هذه المدينة من كنز حضاري منذ أن كانت عاصمة مصر في عهد الدولة الوسطى.

في هذا السياق، قال مدير المركز التابع لـ«مكتبة الإسكندرية»، الدكتور أيمن سليمان، إنّ «سلسلة أفلام (عارف) تقدّم القصص التاريخية عن الأماكن والمدن والمعالم المهمة في مصر، بصورة أفلام قصيرة تُصدّرها المكتبة»، موضحاً أنه «صدر من هذه السلسلة عدد من الأفلام ضمن منظور غير تقليدي هدفه توعية النشء والشباب بأسلوب سهل ومبسَّط؛ ولا تتعدى الفترة الزمنية لكل فيلم 3 دقائق، وهو متاح باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «فيلم (الأقصر) يتناول قصة واحدة من أقوى عواصم العالم القديم، عاصمة الإمبراطورية المصرية. طيبة أو (واست) العصية كما عُرفت في مصر القديمة، التي استمدت قوتها من حصونها الطبيعية. فقد احتضنتها الهضاب والجبال الشاهقة من الشرق والغرب، مثل راحتَي يد تلتقيان عند مجرى نهر النيل. وكانت رمز الأقصر عصا الحكم في يد حاكمها الذي سيطر على خيرات الأرض، فقد منَّ الله عليها بنعمة سهولة الزراعة، كما وصفها الإغريق».

«بوستر» الفيلم الوثائقي عن الأقصر (مكتبة الإسكندرية)

ولم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة. فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد كلما عانت التفكك والانقسام. ومن أبنائها، خرج محاربون عظماء، مثل منتُوحتب الثاني الذي أعاد توحيد الدولة المصرية وجعل الأقصر عاصمةً لها، وأحمس الذي صدَّ عدوان الغزاة، وفق ما يشير الفيلم.

وأوضح سليمان أنه «مع استقرار البلاد، تهيّأت الظروف لازدهار الثقافة والحضارة التي تحترم الإنسان وقدراته، رجالاً ونساءً. فقد تركت حتشبسوت نماذج فريدة في العمارة والفنون والثقافة والاستكشاف. وفي ساحات معابد الكرنك، اجتمع الأمراء والطلاب للعلم والعبادة معاً، مُشكّلين بذلك طابعاً خاصاً للشخصية المصرية. وسجّل تحتمس الثالث الحياة اليومية في الإمبراطورية المصرية، جنباً إلى جنب مع الحملات العسكرية، على جدران معبد الكرنك، في حين شيّد أمنحتب الثالث نماذج معمارية مهيبة شرق النيل وغربه».

جانب من الفيلم الوثائقي عن الأقصر (مكتبة الإسكندرية)

وتابع: «الأقصر تحتفظ بدورها الثائر ضدّ المحتل عبر عصور الاضطراب والغزو، مثل حائط صدّ ثقافي حافظ على الهوية المصرية. ودفع هذا الإسكندر والبطالمة والأباطرة الرومان إلى تصوير أنفسهم بالهيئة المصرية القديمة على جدران المعابد، إجلالاً واحتراماً. وقد احتضنت معابد الأقصر الكنائس والمساجد في وحدة فريدة صاغتها الثقافة المصرية، لتشكّل جسراً جديداً من جسور التراث والفكر».

ولفت إلى أنّ «شامبليون طاف بها 6 أشهر كاملةً ليملأ عينيه بجمال آثارها. فهي قبلة الباحثين من شتى أنحاء العالم، الذين يأتون إليها آملين أن تبوح لهم أرضها بأسرار تاريخ البشر، وأن تكشف لهم مزيداً من كنوز الفنون والآداب والعلوم».

وتهدف سلسلة «عارف» إلى تقديم نحو 100 فيلم وثائقي، وأصدرت أيضاً أفلام «توت عنخ آمون»، و«بورتريهات الفيوم»، و«هيباتيا»، و«سرابيوم الإسكندرية»، و«الألعاب في مصر القديمة»، و«القاهرة التاريخية».