العود يُزيّن السهرات الرمضانية في مقاهي لبنان ومطاعمه

«سلطان الآلات العربية» يرافق مواعيد الإفطار والسحور

آلة العود ترافق الأمسيات الرمضانية (الشرق الأوسط)
آلة العود ترافق الأمسيات الرمضانية (الشرق الأوسط)
TT

العود يُزيّن السهرات الرمضانية في مقاهي لبنان ومطاعمه

آلة العود ترافق الأمسيات الرمضانية (الشرق الأوسط)
آلة العود ترافق الأمسيات الرمضانية (الشرق الأوسط)

تنشغل معظم المطاعم والمقاهي في لبنان بشهر رمضان والتحضيرات اللائقة به، فتُخصّص، إضافة إلى لوائح موائد الإفطار والسحور، برامج ترفيهية.

ويأتي العزف على العود ليواكب الأمسيات الرمضانية ويضفي أجواء موسيقية تُميز جلساته عن بقية أيام السنة.

إذا ما تجوّلتَ بين فنادق بيروت ومطاعمها ومقاهيها، لا بدّ أن يلفتك حضور آلة العود في برنامجها الرمضاني، فمعظم الفنادق الفخمة يواكب بعزف العود ساعات الإفطار في مطاعمه الرئيسية.

وفي بعض المقاهي البيروتية، يُخصَّص مساء كل جمعة لعازف عود. تنتشر هذه الظاهرة في مجموعة أماكن يختلف مزاج روّادها، لكن يبقى حبّ العود هو الجامع بين السهرات.

محمود المغربي يغنّي ويعزف على العود في الشهر الفضيل (الشرق الأوسط)

وبرأي عازف العود محمود المغربي، يتوارث اللبنانيون هذا التقليد في الشهر الفضيل منذ زمن. فهذه الآلة الموسيقية كما القانون، من آلات العزف التي تلائم أجواء رمضان. وفي ظلّ قلّة انتشار موسيقيين يجيدون العزف على الأخيرة، احتلّ العود المساحة الأكبر في الساحة الرمضانية.

ويشير المغربي الذي يغنّي ويعزف على العود، إلى أنّ أول ما يتعلّمه الطلاب في المعهد الموسيقي هو العزف على هذه الآلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «الغناء المتزامن مع عزف العود، يُسهم في تحفيز الفنان على تقديم الأداء الطربي. تربّيتُ على موسيقى هذه الآلة التي أجاد والدي العزف عليها. لذلك أحببتُها منذ صغري، ولا أزال متمسّكاً بها حتى اليوم».

لماذا تواكب موسيقى العود الشهر الفضيل؟ يردّ بأنّ ذلك يعود إلى موسيقاه الراقية التي تُرخي حالات صفاء عند سامعها. وعادة ما تُعزَف وتُغنَّى مقطوعات طربية وقدود حلبية، لأنّ أجواء رمضان تفرض هذا النوع من الموسيقى.

تتبع المعارض والقرى الرمضانية في رمضان برنامجاً يرتكز على موسيقى العود أيضاً. وابتداءً من 19 مارس (آذار) الحالي، تُقام حلقات عزف دائمة في معرض «ليالي زمان» بمركز «فوروم دو بيروت» للمعارض. كذلك الأمر بالنسبة إلى قرية رمضان «بيروت العيد» التي تتزيَّن سهراتها الممتدة حتى الثانية فجراً بموسيقى العود.

المغنّي وعازف العود جوزيف عيسى يشيد برقيّ هذه الآلة (الشرق الأوسط)

من جانبه، يرى العازف جوزيف عيسى أنّ لأوتار العود سحرها على سامعها، فهي تنقله إلى عالم هادئ عنوانه الطرب الأصيل. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «في مناسبة الشهر الكريم، تنتشر ظاهرة العزف والغناء على العود، فالأجواء تتطلّب الابتعاد عن الموسيقى الصاخبة. تلوِّن هذه الآلة الأقدم بين غيرها، أمسيات رمضان، وترتبط بها ارتباطاً وثيقاً. بعض المطاعم اعتمدها خلال ساعات الإفطار والسحور. ومطاعم أخرى تقيم حفلات عزف على العود بقية أيام السنة بشكل متواصل. الناس اليوم بحاجة إلى ما يحاكي أحلامهم ولحظات راحتهم بعيداً عن ضغوط العمل. العود يزودهم بهذه المساحة مع أداء أغنيات طربية لراحلين، أمثال وردة الجزائرية، وأم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب. مرات، يلبّي المغنّي عازف العود طلبات الحضور بأداء ما يرغبون في سماعه من أغنيات موسيقى للرحابنة».

وفي نبذة تاريخية سريعة، يتبيّن أنّ أقدم أثر تاريخي لآلة العود يعود إلى 5 آلاف عام. وجده الباحثون في شمال سوريا، كما وُجدت نقوش حجرية تمثّل نساءً يعزفن عليه. اشتهر العود في التاريخ القديم والمعاصر، وأبدع فنانون في صنع آلاته، منهم الدمشقي، والبغدادي، والمصري، وغيرهم.

زار العود قصور الملوك والأمراء في ألمانيا، وإيطاليا، وإنجلترا، وفرنسا، وإسبانيا، فأضافوا إليه نغمة جديدة يخلو منها العود الشرقي حالياً. ووضع المؤلّفون الموسيقيون قطعاً موسيقية للعود طُبعت في إيطاليا للمرة الأولى عام 1507، وفي إنجلترا عام 1574؛ ومن هؤلاء جان سيبستيان باخ، وهاندل. وإذ اختفى العود من التداول الأوروبي بعد انتشار الغيتار والبيانو، تحضُر مَشاهد أثرية كثيرة للعود في مختلف البلدان الأوروبية تعود إلى مراحل مختلفة. أما تاريخ صناعة آلة العود العربي، فيعود إلى القرن السادس الميلادي عندما احتكّ العرب بالفرس وأخذوا عنهم هذه الصناعة، وطوّروها حتى صارت الآلة الأولى في التخت الموسيقي العربي، وتبوّأت مكانة كبيرة لتصبح «سلطان الآلات العربية».


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».