مكتبة نجيب محفوظ الخاصة للعرض الجماهيري لأول مرة

تتضمن 1500 كتاب وشهادات ووثائق وصوراً نادرة

وفد مكتبة الإسكندرية داخل مكتبة نجيب محفوظ (مكتبة الإسكندرية)
وفد مكتبة الإسكندرية داخل مكتبة نجيب محفوظ (مكتبة الإسكندرية)
TT

مكتبة نجيب محفوظ الخاصة للعرض الجماهيري لأول مرة

وفد مكتبة الإسكندرية داخل مكتبة نجيب محفوظ (مكتبة الإسكندرية)
وفد مكتبة الإسكندرية داخل مكتبة نجيب محفوظ (مكتبة الإسكندرية)

أصبحت المكتبة الخاصة بالأديب المصري الراحل نجيب محفوظ، الحائز جائزة «نوبل» في الأدب عام 1988، متاحة للعرض الجماهيري لأول مرة، بعد أن أهدتها ابنته أم كلثوم لمكتبة الإسكندرية، الأحد.

وتحوي المكتبة المهداة -حسب التقديرات الأولية- نحو 1500 كتاب من مختلف الأحجام والأشكال، في تخصصات شتى، وبلُغات مختلفة، وتتنوع بين أعماله الروائية والكتب والقواميس والموسوعات التي اقتناها محفوظ أو تلقَّاها في شكل هدايا.

ومن بين المقتنيات كتب تحمل توقيعه الخاص، بينما يأتي بعضها بتوقيعات كبار الأدباء والمفكرين في مصر والعالم، إضافة إلى أوسمة، كوسام الاستحقاق من رئيس الجمهورية الأسبق جمال عبد الناصر، وشهادات ووثائق، وصور شخصية محفوظة بين طيات الكتب، وشرائط فيديو لأعمال روائية استندت إلى رواياته وكتاباته.

جانب من مكتبة محفوظ قبل تجهيزها للنقل (مكتبة الإسكندرية)

وقال الدكتور أحمد زايد، مدير مكتبة الإسكندرية، إنه لشدة اهتمامه وفرحه برسالة أم كلثوم التي طلبت تسليم المكتبة مقتنيات محفوظ «ذهبت بنفسي لتسلُّمها، وكانت معي مجموعة من الخبراء المتخصصين للتعامل مع الكتب، ووضعها في صناديق ونقلها، لتصل بسلامة كاملة، وتجهيزها بما يليق بصاحب (نوبل)».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «كنت حريصاً على تسجيل لحظات وجودنا في رحابه، لذا كان معنا مصور لتسجيل عملية تسلُّم المكتبة».

وأوضح: «كانت كتب نجيب محفوظ موجودة في غرفة مكتبه، ومحفوظة بشكل جيد، ولفت نظري أنه كتب اسمه على كل كتاب فيها بالقلم الرصاص، وهناك كثير من الكتب المهداة له، وكتاب ضخم مكتوب باللغة الإنجليزية عن أعماله، مصحوب برسومات للفنانة نازلي مدكور، وبمقدمة لمحمد سلماوي، ويُعد من الكتب النادرة في مكتبة محفوظ، وهناك كتاب ضخم جمعت فيه عائلته كل التلغرافات التي وصلتها للتعزية في وفاته».

كريمة نجيب محفوظ تعرض صورة لها مع والدها (مكتبة الإسكندرية)

ولفت زايد إلى أنهم «خلال عمليات النقل وجدنا نحو مائة شريط فيديو، في شرفة المكتبة محفوظة في دولاب، تتضمن أفلامه، والمسلسلات المأخوذة عن أعماله، ولقاء لمحفوظ مع طه حسين، وعدداً كبيراً من الصور بين طيات الكتب، سيتم التعامل معها وتنسيقها بطريقة خاصة، توضح محتواها وتواريخ وأماكن التقاطها، وأسماء من فيها».

وذكر مدير مكتبة الإسكندرية أن «الخطاب الذي وصل للمكتبة من كريمة نجيب محفوظ تعبِّر فيه عن رغبتها في إهداء مكتبة والدها لمكتبة الإسكندرية، لم يتضمن سوى 3 سطور، قالت: (أرجو التكرم بأخذ الكتب)، كان يتسم بالبساطة، وتم التعامل مع رغبتها بما يليق بمكانة والدها».

وأكد أنهم سوف يعرضون المقتنيات «ضمن رؤية تبرز خصوصية نجيب محفوظ في الأدب العربي والعالمي، ونصنع له تمثالاً، وفيلماً يحكي مسيرته، وسوف يتم الافتتاح خلال احتفالية خاصة ندعو فيها كريمته أم كلثوم، والنقاد والمتخصصين في أدبه».

وسام الاستحقاق من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر (مكتبة الإسكندرية)

تحمل مقتنيات نجيب محفوظ التي أهدتها كريمته أم كلثوم لمكتبة الإسكندرية، رقم 57، ضمن قائمة المجموعات الخاصة بالمكتبة، ومن بين تلك القائمة مقتنيات لأسماء بارزة في مجالات السياسة والأدب والفن، أمثال: الفقيه القانوني عبد الرزاق السنهوري، والكاتب محمد حسنين هيكل، والفنان نور الشريف، والسلطان قابوس بن سعيد، والدكتور أحمد زويل، رفيق محفوظ في قائمة حائزي «نوبل».

من جانبه، قال الدكتور محمد سليمان، رئيس قطاع التواصل الثقافي بمكتبة الإسكندرية لـ«الشرق الأوسط»، إن «مكتبة محفوظ تزخر بكثير من أمهات الكتب باللغة العربية، ولكبار الشعراء، فضلاً عن الكتب الموسوعية الضخمة مثل (الأغاني) للأصفهاني، وجميعها بطبعات قديمة، وذات قيمة تاريخية خاصة».

كل الكتب التي وقعت في يد سليمان كانت تتضمن ملاحظات وهوامش تشير إلى طريقة محفوظ في القراءة، وكيف كان يخطط لأعماله، ويتجهز لكتابتها، وفق قوله.

وأضاف: «كانت الكتب مرتبة، وكانت هناك مجلة (ناشيونال غيوغرافي) إلى جانب الأطالس وكتب الخرائط. وجدنا كل أعماله مترجمة بكثير من اللغات، كان يحتفظ بها في قسم خاص، وجميعها وضعت في صناديق تتميز بالإحكام لضمان سلامتها، سعة كل منها نحو 60 كتاباً».

مدير مكتبة الإسكندرية ومدير قطاع التواصل الثقافي يستعرضان مع كريمة نجيب محفوظ كتاباً جمعت فيه عائلته تلغرافات التعزية في وفاته (مكتبة الإسكندرية)

وأشار سليمان إلى أن «الكتب بمجرد نقلها تم وضعها في مكان عزل، ولدى المكتبة غرفتان لهذا الغرض، يتم خلالهما تعقيم الكتب وقتل ما بها من حشرات، وتستغرق عملية التعقيم 21 يوماً، وهناك نوع معين من الغاز مخصوص لذلك، بعدها تبدأ عملية تنظيف ميكانيكي، للتخلص من بقايا الآفات من كل كتاب على حدة، ليكون جاهزاً لدخول المكتبة، ويبدأ تسجيل الكتب تمهيداً لعمليات التصنيف والفهرسة وغيرها».

ونبّه سليمان إلى أن «الكتب التي تحتاج إلى ترميم سوف تخضع لعمليات أخرى لحفظها ومعالجتها كيميائياً حماية لأوراقها، وسوف تتم رقمنة كل الكتب، ووضعها على مستودع الأصول الرقمية لإتاحتها للباحثين، وسوف يحمل كل كتاب ما يشير إلى أنه من بين مجموعة نجيب محفوظ، وبيانات إهدائه، وتاريخه، ومن كان وراء وصول المجموعة للمكتبة، وهنا بالطبع يأتي اسم أم كلثوم كريمة الأديب الراحل».

وطبقاً لكلام سليمان: «الكتب ذات الطبيعة الخاصة والنادرة سوف يتم حفظها بعد رقمنتها حفظاً مخزنياً، وفقاً لضوابط بيئية معينة، تحميها من الحرارة والرطوبة، وفي إضاءة مناسبة تحافظ عليها».

وأضاف: «سوف يدرس الباحثون كلمات الإهداء الموجودة على كل كتاب وصل إلى نجيب محفوظ، مثل العبارات التي كتبها الدكتور زويل له. والهدف من دراستها التأريخ للمجموعة، ومعرفة ظروف كل إهداء تلقاه نجيب محفوظ، وسوف نرفق كل هذه الإهداءات في (كتالوج) خاص، نوضح فيه نوعية الخطوط التي حملت توقيعات الكُتاب والمبدعين».

من جهتها، قالت أم كلثوم كريمة نجيب محفوظ، في تصريحات صحافية، الأحد، إنها سعت إلى مكتبة الإسكندرية بعد أن زارت مقرها، ورأت كيف يتم التعامل مع الكتب بأسلوب احترافي، وذكرت أن هدفها من إهداء المكتبة إتاحة تراث والدها لكل قرائه.

وأُنشئت مكتبة الإسكندرية بدعوة من منظمة «اليونيسكو» لإحياء المكتبة القديمة، وتم افتتاحها في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2002، ويبلغ ارتفاعها 10 طوابق، وضمت وقت افتتاحها مائتي ألف كتاب، وبها ألفان و500 قسم للقراءة، بالإضافة إلى أقسام للكتب والمجلات الإلكترونية.


مقالات ذات صلة

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

كتب لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

ضمن سلسلة «الفلسفة» التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، صدرت طبعة جديدة من كتاب «لودفيغ فتجنشتاين» للباحث المصري الراحل د. عزمي إسلام.

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

يقدم كتاب «وجوه لا تغيب: بورتريهات في محبة مبدعين» للناقد المصري الدكتور علاء الجابري حالة من القراءة التحليلية الممزوجة بالمعلومات وبالتأمل.

عمر شهريار
كتب صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

عن دار «صفصافة» للنشر في القاهرة، صدرت حديثاً رواية «الروزنامجي» للروائي المصري هشام البواردي، وتطرح تساؤلات جذرية عن الأرض والمرض.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون «هيئة الكتاب» المصرية تنشر أعمال شكري عياد وشاكر عبد الحميد وعبد الحكيم راضي

«هيئة الكتاب» المصرية تنشر أعمال شكري عياد وشاكر عبد الحميد وعبد الحكيم راضي

تعاقدت «الهيئة المصرية العامة للكتاب» مع أسرة الناقد والأديب الراحل الدكتور شكري عيّاد؛ لإصدار وإتاحة مؤلفاته الكاملة ضمن خطط الهيئة لإحياء التراث النقدي العربي

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون «لا مفاتيح هناك»... المدينة حين تتحول إلى مسرح عبثي

«لا مفاتيح هناك»... المدينة حين تتحول إلى مسرح عبثي

تتخذ رواية «لا مفاتيح هناك»، للروائي المصري أشرف الصباغ، من السخرية نهجاً لها، سخرية من الذات ومن العالم، ومن المدينة الكبيرة التي لا ترحم.

عمر شهريار

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.