مسرحية «جريمة بيضاء» تطرح معاني فلسفية في قالب بوليسي

مُعالجة مصرية جديدة لرواية «العُطل» لفردريش دورينمات

لعبة المحاكمة كشفت أسراراً مجهولة (مخرج المسرحية)
لعبة المحاكمة كشفت أسراراً مجهولة (مخرج المسرحية)
TT

مسرحية «جريمة بيضاء» تطرح معاني فلسفية في قالب بوليسي

لعبة المحاكمة كشفت أسراراً مجهولة (مخرج المسرحية)
لعبة المحاكمة كشفت أسراراً مجهولة (مخرج المسرحية)

يبدو أن رواية «العطل» القصيرة للكاتب السويسري الشهير فردريش دورنيمات تحوّلت إلى عنصر جذب شديد وقع صناع المسرح المصري في غرامه مجدداً، فبعد مرور أقل من شهر على انتهاء عرض مسرحية «النقطة العميا» على مسرح «الغد» المأخوذة عن الرواية نفسها، تُعرض راهناً مسرحية «جريمة بيضاء» على مسرح «الهوسابير» بوسط القاهرة.

تبدأ القصة الأصلية بتاجر أقمشة يدعى «ألفريدو ترابس» تتعطل سيارته في إحدى المدن الصغيرة النائية، ويبدو أن إصلاحها سيستغرق وقتاً أطول ممّا كان يُعتقد. يذهب الرجل لقضاء ليلته في الفندق فلا يجد غرفة شاغرة، لكن مدير الفندق ينصحه بالتوجه إلى بيت القاضي المتقاعد «فيرجين» الذي بات معروفاً في المنطقة بترحيبه بالغرباء حتى أنه لا يتوانى عن استضافتهم ببيته.

أداء مميز للفنان ناصر سيف (مخرج المسرحية)

ينتظر «ترابس» مفاجأة تتمثل في وجود عدد من أصدقاء القاضي المتقاعدين، منهم وكيل نيابة وجلاد، اعتادوا ممارسة لعبة غريبة كل ليلة بأن يعقدوا «محاكمة» يتحررون فيها من قبضة القوانين البالية التي ترفع شعار «العبرة ليست بما تعرف أنه الحقيقة بل بما تستطيع أن تثبته بالدليل».

يتورط الضيف الغريب في اللعبة بسبب إصرار الآخرين على دخوله فيها وإجراء محاكمة له. تتفجر المفاجآت المذهلة تباعاً لندرك أن «ترابس» ارتكب جريمة قتل بشعة، ولو بشكل غير مباشر، لكنه أفلت من العقاب لعدم وجود نص قانوني يدين هذه النوعية من الجرائم. استغل ثقة مديره بالعمل فيه وعرف أسرار بيته وتقرب من زوجة المدير التي تحب زوجها لكنها تعاني من الفراغ والإهمال وأغواها بالخيانة. ولا يكتفي بذلك، بل يسرق عملاء المدير ويضعه على حافة الإفلاس، ومن ثَمّ يسرّب له عن طريق آخرين معلومة خيانة زوجته له فيلقى المدير حتفه نتيجة أزمة قلبية.

العرض لم يخلُ من بعض المشاهد الكوميدية (مخرج المسرحية)

تصدر المحكمة حكمها بإعدام «ترابس» الذي يستيقظ من نومه في نهاية العمل ليجد أنه لا يزال في بيت القاضي وعلى قيد الحياة، ويعود لممارسة حياته بشكلها المعتاد من دون أن يتّخذ من تلك الواقعة عبرةً أو عظةً.

في معالجة الشاعر والمسرحي يسري حسان الجديدة، حافظت مسرحية «جريمة بيضاء» على روح النص الأصلي مع إضافة العديد من علامات الاستفهام ذات الطابع الفلسفي في العدالة الغائبة وقصور القوانين ومفهوم الجريمة، وكيف أنّ الفعل الإجرامي يحمل أشكالاً عديدة، فقد تكون الكلمة على سبيل المثال أقوى تأثيراً من السكين أو الرصاص.

العرض ترجمة سمير جريس، وإخراج سامح بسيوني، وبطولة ناصر سيف، وخالد محمود، وعلاء قوقة، وأيمن الشيوي، ورضا إدريس. ديكور حازم شبل، وملابس سماح نبيل، وإضاءة إبراهيم الفرن، وموسيقى محمد علام.

بوستر المسرحية (مخرج المسرحية)

وقال حسان لـ«الشرق الأوسط» إنه قرأ رواية دورينمات منذ فترة طويلة، وكان متيماً بها، وعندما طلب منه المخرج سامح بسيوني إعدادها مسرحية، تحمّس للغاية لكنه عندما علم أن النص سيكون بالفصحى، وعبر إنتاج خاص أيضاً، تردّد للحظات لأن الأمر سيكون بمنزلة مغامرة، لكنه في النهاية أنجز المطلوب بشغف وحب.

المسرحية تطرح مفهوماً جديداً للخيانة (مخرج المسرحية)

وعن أبرز التغييرات التي أجراها حسان على النص الأصلي، أوضح أنه حاول تقديم معالجة مختلفة وأضاف أحداثاً وشخصيات جديدة وغيّر كثيراً في النهايات بالنسبة للشخصيات الرئيسية، كما أضاف بعض الملامح الكوميدية، ليس لأن العمل ينتمي إلى مسرح قطاع خاص، لكن لأن الأحداث نفسها استدعت بعض المواقف الفكاهية، فضلاً عن حرصه على أن تكون اللغة بسيطة بقدر الإمكان، كما أضاف العديد من المونولوجات.

وفيما يتعلق بوجود مسرحية أخرى تتناول العمل نفسه في التوقيت نفسه تقريباً، أشار إلى أنه بعد الانتهاء من كتابة النص فوجئ بوجود عرض آخر هو «النقطة العميا» مأخوذ عن القصة نفسها فذهب لمشاهدته واحتفى به، وكتب عنه مقالاً نقدياً مطولاً لأنه يستحق ذلك ولأنه مؤمن بفكرة التجاور لا الصراع أو الإزاحة، معداً أن كل ذلك يصب في النهاية في صالح المسرح.

الديكور لعب دوراً مهما في العرض (مخرج المسرحية)

من جانبه، قال مخرج العرض سامح بسيوني لـ«الشرق الأوسط»: «من الممكن إيجاز العمل في جملة واحدة وهي أن (الرقابة يجب أن تنبع أخلاقياً من داخل الفرد فلا ينتظر تطبيق القوانين الخارجية)»، مشيراً إلى أن «المسرحية تحمل كذلك رسالة في خطورة الكلمة، وكيف يمكن أن تقتل شخصاً من دون أن نعي».


مقالات ذات صلة

«ما بين بين» لجنى بو مطر... خسارات عالقة بين المبهم والمحسوس

يوميات الشرق تُعرض المسرحية ابتداء من 18 الحالي (مسرح زقاق)

«ما بين بين» لجنى بو مطر... خسارات عالقة بين المبهم والمحسوس

يبدأ عرض المسرحية في 18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي على خشبة مسرح «زقاق» في بيروت، ويستمرّ حتى 21 منه...

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق ريم أحمد في لقطة من مسرحية «كارمن»  (البيت الفني للمسرح)

القاهرة تستضيف 16 عرضاً بمهرجان «المسرح العربي»

أعلنت الهيئة العربية للمسرح عن مشاركة 16 عرضاً مسرحياً من مختلف الدول العربية، في الدورة الـ16 من مهرجان «المسرح العربي» التي تنظمها الهيئة.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق تضمن العرض بعضاً من أغاني أم كلثوم خصوصاً عن فلسطين (وزارة الثقافة المصرية)

«سيرة في حب أم كلثوم»... مسرحية للعرائس تستعيد رحلة «الست»

في إطار استعادة مصر لسيرة أم كلثوم بالتزامن مع مرور 50 عاماً على رحيلها، استضاف «مسرح نهاد صليحة» بأكاديمية الفنون المصرية عرضاً مسرحياً للعرائس.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق الفنان التونسي لمين النهدي (الشرق الأوسط)

لمين النهدي لـ«الشرق الأوسط»: أنحاز للمسرح لأنه يمنحني الحرية

أكد الممثل التونسي لمين النهدي أنه انحاز للمسرح منذ بداية مسيرته الفنية لأنه يجد حريته في مواجهة الجمهور أكثر من السينما والدراما التلفزيونية.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق نحو 24 ممثلاً يشاركون في مسرحية «أبو الزوس»

«أبو الزوس»... ضربة معلّم في الإبهار والعمق والكوميديا

تمثّل مسرحية «أبو الزوس» للمخرجة لينا خوري عودة مفرحة للمسرح اللبناني الأصيل، إذ تلتقي في العمل جميع العناصر الفنية المطلوبة لتقديم مسرحية متكاملة.

فيفيان حداد (بيروت)

تسهيلات ائتمانية لدعم منشآت ثقافية سعودية بـ17 مليون دولار

5 اتفاقيات تسهيلات ائتمانية وقَّعها الصندوق الثقافي خلال «مؤتمر التمويل التنموي» الأربعاء (واس)
5 اتفاقيات تسهيلات ائتمانية وقَّعها الصندوق الثقافي خلال «مؤتمر التمويل التنموي» الأربعاء (واس)
TT

تسهيلات ائتمانية لدعم منشآت ثقافية سعودية بـ17 مليون دولار

5 اتفاقيات تسهيلات ائتمانية وقَّعها الصندوق الثقافي خلال «مؤتمر التمويل التنموي» الأربعاء (واس)
5 اتفاقيات تسهيلات ائتمانية وقَّعها الصندوق الثقافي خلال «مؤتمر التمويل التنموي» الأربعاء (واس)

وقّع الصندوق الثقافي السعودي، الأربعاء، 5 اتفاقيات تسهيلات ائتمانية ضمن «التمويل الثقافي» بقيمة تتجاوز 63 مليون ريال (16.8 مليون دولار) لتمويل عدة مشاريع ثقافية.

جاء ذلك خلال «مؤتمر التمويل التنموي» الذي ينظمه صندوق التنمية الوطني بمركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات في الرياض، تحت رعاية الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي.

وتهدف هذه التسهيلات إلى دعم نمو مجموعة مشاريع مميزة تستهدف 4 قطاعات ثقافية فرعية تشمل: فنون العمارة والتصميم، والمسرح والفنون الأدائية، والموسيقى، والفنون البصرية.

تهدف الاتفاقيات دعم نمو مجموعة مشاريع مميزة تستهدف 4 قطاعات ثقافية فرعية (واس)

وتركَّز هذه المشاريع على عدة مجالات بينها: دعم البنى التحتية للقطاعات الثقافية كتأسيس معهد للموسيقى، وإنشاء مجمع إبداعي، إضافة إلى خدمات مساندة، وتطوير المواهب والكفاءات الوطنية.

وجاء ضمن المشاريع التي شملتها التسهيلات الائتمانية مجمع «صِفْر» الإبداعي؛ وهو وجهة ثقافية مبتكرة تحتضن المبدعين، وتوفر لهم بيئة متكاملة للإنتاج والتطوير.

ويُسهم المجمع في تعزيز البنية التحتية الثقافية عبر منظومة متكاملة تدعم العمل الإبداعي، وبرامج تُعنى بتمكين المواهب والقطاع، ليكون منصة تُثري المشهد الثقافي، وتفتح آفاقاً أوسع للابتكار والإنتاج المحلي.

شملت التسهيلات الائتمانية مجمع «صِفْر» الإبداعي الذي يوفر بيئة متكاملة للإنتاج والتطوير (واس)

ويأتي توقيع الصندوق لهذه التسهيلات الائتمانية ضمن دوره باعتباره مركزاً للتميز والتمكين المالي في القطاع الثقافي، وجزءاً من دعمه للمنشآت متناهية الصغر، والصغيرة، والمتوسطة، لتعزيز دورها في تنويع الاقتصاد الوطني، وتنمية المواهب الثقافية، ورفع جودة الحياة؛ إسهاماً في تحقيق أهداف التنمية المستدامة تحت مظلة «رؤية السعودية 2030».


عمره 415 ألف سنة... علماء يعثرون على أقدم دليل لإشعال الإنسان النار

موقع تنقيب عن رواسب بركة عمرها 400 ألف عام في بارنهام يظهر فيه أقدم موقد (أ.ب)
موقع تنقيب عن رواسب بركة عمرها 400 ألف عام في بارنهام يظهر فيه أقدم موقد (أ.ب)
TT

عمره 415 ألف سنة... علماء يعثرون على أقدم دليل لإشعال الإنسان النار

موقع تنقيب عن رواسب بركة عمرها 400 ألف عام في بارنهام يظهر فيه أقدم موقد (أ.ب)
موقع تنقيب عن رواسب بركة عمرها 400 ألف عام في بارنهام يظهر فيه أقدم موقد (أ.ب)

اكتشف علماء أقدم دليل معروف حتى الآن على إشعال النار على يد إنسان ما قبل التاريخ في مقاطعة سوفوك الإنجليزية، حيث عثروا على موقد يبدو أن إنسان نياندرتال صنعه منذ نحو 415 ألف سنة، مما يكشف عن أن هذا الحدث المفصلي في سلالتنا التطورية حدث قبل وقت كبير من المعروف سابقاً، وفق «رويترز».

وفي حفرة طينية قديمة لصنع الطوب قرب قرية بارنهام، عثر الباحثون على قطعة من الطين المتفحم وبعض الفؤوس المصنوعة من الحجر الصوان والمحطمة بفعل الحرارة وقطعتين من البيريت الحديدي، وهو معدن يحدث شرارات عند ضربه بالحجر الصوان لإشعال المواد القابلة للاشتعال، ووصفوا ذلك الاكتشاف بأنه موقد نار استخدم مراراً.

ويقع الموقد قرب مسطح مائي صغير كان أولئك البشر يخيمون عنده. وقال عالم الآثار نيك أشتون، القيم على مجموعات العصر الحجري القديم في المتحف البريطاني في لندن وقائد فريق البحث المنشور اليوم (الأربعاء) في دورية (نيتشر) العلمية: «نعتقد أن البشر جلبوا البيريت إلى الموقع بقصد إشعال النار. وهذا له تبعات هائلة، إذ يدفع إلى الوراء تاريخ أقدم إشعال متعمد للنار».

موقد نار قديم في موقع أثري بالقرب من قرية بارنهام في إنجلترا (رويترز)

وحتى الآن، فإن أقدم دليل معروف على إشعال النار يعود إلى نحو 50 ألف سنة مضت في موقع في شمال فرنسا، وينسب أيضاً إلى إنسان نياندرتال.

وكان استخدام النار بشكل يخضع للسيطرة حدثاً مفصلياً في تاريخ السلالة البشرية، ليس فقط من أجل الطهي والحماية من الحيوانات المفترسة، بل أيضاً لتوفير الدفء الذي مكن الصيادين من العيش في البيئات الأكثر برودة. وقال روب ديفيس عالم الآثار في المتحف البريطاني وأحد المشاركين في الدراسة: «في أماكن مثل بريطانيا، على سبيل المثال»، مشيراً إلى أنها من المناطق ذات البيئات الباردة.

ومن خلال الطهي، تمكن أسلافنا من القضاء على مسببات الأمراض في اللحوم والسموم في الجذور والدرنات الصالحة للأكل. وجعل الطهي هذه الأطعمة أكثر طراوة وأسهل هضماً، ما أتاح للجسم توفير قدر من الطاقة في الجهاز الهضمي لتغذية تطور الدماغ.

ويعود تاريخ موقع بارنهام المنتمي للعصر الحجري القديم إلى ما قبل أقدم الحفريات المعروفة للإنسان العاقل (هومو سابينز) في أفريقيا. ويعتقد الباحثون أن أفراد إنسان نياندرتال، الأقرب تطورياً للبشر المعاصرين، هم من أشعلوا النار وهو دليل آخر يظهر ذكاء وبراعة هؤلاء البشر القدماء خلافاً للصورة النمطية المشوهة عنهم في الثقافة الشعبية.

وقال كريس سترينجر المتخصص في علم دراسة الإنسان القديم والباحث المشارك في الدراسة إنهم لم يعثروا على بقايا أحافير بشرية في موقع بارنهام.

لكن سترينجر أشار إلى العثور في منتصف القرن العشرين على أجزاء من جمجمة بشرية عمرها نحو 400 ألف سنة تحمل سمات إنسان نياندرتال على بعد أقل من 160 كيلومتراً إلى الجنوب.

وقال سترينجر إن أجزاء الجمجمة المكتشفة تتطابق مع أحافير إنسان نياندرتال من موقع يسمى سيما دي لوس هويسوس، أي «حفرة العظام»، قرب بورجوس في إسبانيا، ويعود تاريخها إلى نحو 430 ألف سنة. وأضاف سترينجر: «لذا فمن المرجح جداً أن مشعلي النار في بارنهام كانوا من أوائل إنسان نياندرتال، مثل سكان سوانسكومب وسيما».

وانقرض إنسان نياندرتال منذ ما يقرب من 39 ألف عام بعد فترة ليست طويلة من اجتياح الإنسان العاقل للأراضي الأوروبية التي كانوا يعدونها وطناً لهم. لكن إرثه باق في الجينات الوراثية لمعظم البشر على الأرض، بفضل التزاوج بين الإنسان العاقل وإنسان نياندرتال قبل انقراضه.


«اﻟﻮﻟﻴﻤﺔ» في الرياض... الاحتفاء بهوية اﻟﻤﺎﺋﺪة اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ

موروث ﺛﻘﺎفي ﻣﺘﻨوع ﻳﻤﺜﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻨﺎطق السعودية الـ13 (هيئة فنون الطهي)
موروث ﺛﻘﺎفي ﻣﺘﻨوع ﻳﻤﺜﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻨﺎطق السعودية الـ13 (هيئة فنون الطهي)
TT

«اﻟﻮﻟﻴﻤﺔ» في الرياض... الاحتفاء بهوية اﻟﻤﺎﺋﺪة اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ

موروث ﺛﻘﺎفي ﻣﺘﻨوع ﻳﻤﺜﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻨﺎطق السعودية الـ13 (هيئة فنون الطهي)
موروث ﺛﻘﺎفي ﻣﺘﻨوع ﻳﻤﺜﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻨﺎطق السعودية الـ13 (هيئة فنون الطهي)

يحتفي ﻣﻬﺮﺟﺎن اﻟﻮﻟﻴﻤﺔ، الذي احتضنه مدينة الرياض، بهوية اﻟﻤﺎﺋﺪة اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ، ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ موروثاً ﺛﻘﺎﻓﻴاً ﻣﺘﻨﻮﻋاً ﻳﻤﺜﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻨﺎﻃﻖ السعودية اﻟـ13، وبتجارب رواد ورائدات أعمال سعوديين، حوّلوا قصصهم الخاصة إلى مشاريع ناجحة وفريدة في حكاياتها ومنتجاتها.

احتضنت جامعة الملك سعود النسخة الخامسة من مهرجان الوليمة للطعام السعودي، الذي هو من تنظيم هيئة فنون الطهي التابعة لوزارة الثقافة، ويهدف إلى إبراز تنوع المائدة السعودية، حيث ضمّت فعاليات المهرجان 13 قسماً رئيسياً للأطباق المحلية، بمشاركة أكثر من 200 جهة دولية، وجاءت دولة تايلاند ضيفاً رئيسياً، ضمن جناح مخصص يعكس هوية وثقافة المطبخ التايلاندي التقليدي.

تحتضن جامعة الملك سعود النسخة الخامسة من مهرجان الوليمة للطعام السعودي (هيئة فنون الطهي)

من مزرعة عائلية إلى مصنع يصدّر العطور

وضمن المهرجان، استعرض مشروع «بيت الورد الطائفي» حكاية سعودية، امتدت من أرض زراعية محدودة إلى مشروع صناعي متكامل، ينتج أحد أغلى الزيوت العطرية في العالم، حيث يصل سعر لتر دهن الورد الطائفي إلى 120 ألف ريال.

بدأت الحكاية عند سفوح مدينة الطائف، حيث نشأ نايف الخالدي وأسرته في مزرعة عريقة اشتهرت بزراعة الورد الطائفي، وتحدث الخالدي لصحيفة «الشرق الأوسط» عن ملامح رحلة نجاح «بيت الورد الطائفي»، وقال: «كنا نملك مزرعة تقليدية في الطائف، نهتم بزراعة الورد الطائفي، ومنذ ولادتي وأنا أرى والدي يزرع الورد ويعتني به»، ويمثل ذلك للخالدي هويته وإرثه العائلي؛ إذ تربت الأسرة على هذه الأرض منذ الصغر، واصفاً المشروع بأنه «مسؤولية تجاه إرث عائلي، وليس مجرد تجارة»، مستحضراً جانباً من بداياته: «وُلدت في المزرعة وفي ظروف بسيطة، حيث كانت الأسرة تقضي معظم وقتها في العمل بالأرض».

«بيت الورد الطائفي» حكاية سعودية امتدت من أرض زراعية محدودة إلى مشروع صناعي متكامل (الشرق الأوسط)

وأضاف الخالدي: «مع مرور الوقت طوّرنا آليات العمل في المزرعة، وتوسع نشاطنا لنؤسس مصنع التقطير لاستخراج الزيوت العطرية والمياه المركزة المخصصة لمستحضرات التجميل، وذلك عام 2018. ثم انتقلنا إلى استخراج زيت بذور التين الشوكي، إلى أن أصبح لدينا مصنع لمستحضرات التجميل ومصنع للعطور داخل المزرعة نفسها».

وأكد الخالدي أن الجهات الحكومية قدّمت دعماً كبيراً، أسهم في انتقال المشروع من مزرعة إلى مصنع متكامل، موضحاً: «وزارة الصناعة وقفت معنا وقدمت تسهيلات مهمة، إلى جانب الدعم المقدم من هيئة الدواء والغذاء بمعايير صارمة، ويمثل وجود مختبرات معتمدة داخل المزرعة مصدر ثقة وفخر لنا».

ويمتد عمر المزرعة لأكثر من 50 عاماً، بينما تمتد خبرة العائلة في زراعة الورد الطائفي لأكثر من 100 عام، ويعدّ تأسيس المصنع عام 2018 استثماراً للتسهيلات الحكومية وبداية مرحلة جديدة من التصنيع الاحترافي.

وأشار الخالدي إلى أن نقطة التحول بدأت مع «رؤية السعودية 2030»، حيث كانت المصانع تتركز في المدن، لكن المزرعة حصلت على تصريح خاص لتصبح أول مصنع في الطائف يحصل على اعتماد إنتاج مستحضرات التجميل، تحت إشراف وزارة الصناعة وهيئة الدواء والغذاء، داخل الأرض نفسها.

وأضاف: «وصلنا اليوم إلى مرحلة التصدير لدول الخليج، وسنبدأ التوجه نحو أوروبا الشرقية وآسيا والولايات المتحدة، فهناك اهتمام لافت بالعطر السعودي، وتركيزنا الأول حالياً على الأسواق الخليجية، إلى جانب سعينا نحو المشاركة في (إكسبو 2030)».

مهرجان الوليمة للطعام السعودي منصة تجمع بين التراث والابتكار في المطبخ المحلي (هيئة فنون الطهي)

من طلب مريض السكري إلى مصنع شوكولاتة

قصة أخرى تبرز وسط أجنحة «مهرجان الوليمة» للطعام السعودي؛ إذ لفتت فاطمة السالم، صانعة الشوكولاتة وخريجة حاضنة «كون» لفنون الطهي والأكاديمية العالمية لفنون الطهي، الأنظار بعلامتها «سمراء شوكولاتة» ومشروعها الذي بدأ من مطبخ المنزل، قبل أن يتحول إلى مصنع متكامل، مخصص لإنتاج شوكولاتة صحية مصنوعة من الصفر، وجاءت البداية حين طلب أحد أفراد عائلتها، الذي يعاني من السكري، شوكولاتة مناسبة لحالته الصحية، في وقت تمتلئ فيه السوق بمنتجات عالية بالسكر المكرر والمواد الحافظة.

ووجّهت فاطمة السالم تساؤلاتها في التعلم والتجربة، مشيرةً إلى أن تحول المادة السائلة إلى شوكولاتة صلبة أثار فضولها، وفي ذلك الوقت صنعت أول وصفة مخصصة لمرضى السكري، واصفةً بأنها «فرحة لا تقدر... وزادت ثقتي بنفسي وبقدراتي»، وبدأت صناعة الشوكولاتة من بداية حبوب ثمرة الكاكاو باستخدام بدائل صحية مثل سكر التمر، وموضحةً صعوبة البدايات ومراحل التعلم حتى طوّرت عملها من آلة إذابة بسيطة إلى معدات طحن وتعديل حرارة الشوكولاتة متخصصة داخل طابق كامل في منزلها، لتؤسس مصنعاً صغيراً يلبي الطلب المتزايد.

«سمراء شوكولاتة» مشروع بدأ من مطبخ المنزل قبل أن يتحول إلى مصنع متكامل لإنتاج شوكولاتة صحية (الشرق الأوسط)

وكشفت السالم، خلال حديثها لصحيفة «الشرق الأوسط»، عن أن «الإقبال نحو الشوكولاتة الصحية جعلني أدرك تجاوز مرحلة التجربة ليكون نشاطاً تجارياً حقيقياً، حيث شريحة واسعة من مرضى السكري والمهتمين بالخيارات الصحية ظلوا يشكلون جزءاً كبيراً من عملائي».

ونتيجةً للوعي المتنامي، صارت المنتجات الصحية عاملاً مهماً في توسع المشروع، وخاصةً بعد مشاركتها في نسخة سابقة من مهرجان الوليمة.

وأضافت: «أهدف إلى رفع الوعي والذائقة بالشوكولاتة الحرفية، من المهم أن يتعرف المستهلك على الشوكولاتة الحقيقية المصنوعة من الصفر، حيث سعيتُ لإنتاجها بنكهات سعودية لاقت إعجاب الزوار، مثل الورد الطائفي مع جناش الفانيليا، ونكهة الكليجة المميزة».

ويعدّ مهرجان الوليمة للطعام السعودي منصة تجمع بين التراث والابتكار في المطبخ المحلي، يمنح رواده تجربة متنوعة تشمل الأطعمة التقليدية، والأسواق التراثية، والحرف اليدوية، والعروض الموسيقية والفلكلورية، ومتحف العسل، ويسهم في تمكين الهوية الوطنية وإبراز الموروث الغذائي السعودي، كما يعزز التبادل الثقافي مع ضيوف الدول المختلفة، ويُعرّف بالمطبخ السعودي على الخريطة الدولية، من خلال إقامة ورش تعليمية وتفاعلية لجميع الفئات العمرية.