انطلقت في العاصمة الكازاخية أستانا، الأربعاء، أعمال جولة المفاوضات الـ21 في إطار المسار الذي يحمل اسم عاصمة البلد المضيف.
ومع استبعاد تحقيق اختراقات أو تقدم ملموس على صعيد الملفات المطروحة، خصوصاً فيما يتعلق بمساعي استئناف عمل اللجنة الدستورية، أو تسوية بعض الملفات الإنسانية العالقة على مدار جولات التفاوض السابقة، وعلى رأسها ملف المعتقلين والمغيبين، فإن التركيز بدا متجهاً نحو تثبيت قرارات وقف النار السابقة والسعي إلى تأكيد المحافظة على «مسار أستانا» رغم الظروف الإقليمية والدولية المتوترة حول سوريا.
وبدأت أعمال الجولة الجديدة التي تنعقد بمبادرة من المبعوث الدولي إلى سوريا، غير بيدرسن، ومن دون إبداء حماسة كبيرة لها من جانب موسكو، بترتيب لقاءات ثنائية بين الوفود الحاضرة.
وعقد المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف، الذي يترأس عادة وفد بلاده إلى جولات الحوار، لقاءات مع الوفد الحكومي السوري الذي يرأسه نائب وزير الخارجية بسام صباغ. كما التقى الوفدين التركي والإيراني كلٌّ على حدة. بينما بات معلوماً أنه سوف يلتقي وفد المعارضة السورية صباح الخميس.
واستهل لافرينتيف نشاطه في العاصمة الكازاخية، بتأكيد «أهمية صيغة أستانا للتسوية في سوريا في ظل تفاقم التوتر في منطقة الشرق الأوسط».
وقال إن «أهمية اجتماعات صيغة أستانا تزداد في ظل الأحداث المثيرة للقلق في العالم، وتصاعد التوتر في الشرق الأوسط». وزاد: «العالم يراقب المأساة التي تحدث في قطاع غزة، ومدى تفاقم النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وما يحيط باليمن».
وأضاف: «لقد شهدتم هجمات التحالف البريطاني الأميركي على الأراضي اليمنية، والوضع المضطرب أيضاً على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، ولذلك تزداد الآن أهمية عقد اجتماع دولي حول سوريا، وهناك إجماع كبير على مفاوضات ثنائية وثلاثية معمقة، ليس فقط بين الدول الراعية، ولكن أيضاً مع جميع المعنيين بالأزمة».
وأكد لافرينتيف أن المحافظة على «منصة أستانا» تأتي بناءً على التزام الدول الضامنة لدفع مسار التسوية، مشيراً إلى أن «هذه الجولة أيضاً فرصة لمناقشة عدد من القضايا، ومنها التوتر على الحدود السورية الأردنية والسورية العراقية، لا سيما مع عودة نشاط تنظيم (داعش) الإرهابي».
وشدد على أن «الوجود العسكري الأميركي غير الشرعي في سوريا، يعرقل التسوية، لا سيما في ظل الأوضاع الحالية في الشرق الأوسط».
غزة والتسوية السورية
على الصعيد الفلسطيني، جدد لافرينتيف، التأكيد على تمسّك روسيا بضرورة التوصل لوقف فوري وشامل لإطلاق النار في غزة والعودة لمسار حل الدولتين وتأسيس دولة فلسطينية مستقلة.
وأضاف: «الأوضاع في قطاع غزة تؤثر على مسار التسوية السورية، لا سيما في ظل الهجمات الإسرائيلية المستمرة على الأراضي السورية واستهداف مصالح إيران هناك. هذه الهجمات يجب أن تتوقف فوراً».
اللافت أن هذه الجولة تنعقد وسط تراجع الاهتمام بالملف السوري على الصعيدين السياسي والإعلامي، على خلفية انشغال العالم بتطورات الحرب على غزة والمخاوف من اتساع رقعة الصراع، ويعد هذا أحد العناصر الرئيسية التي دفعت إلى التركيز على مبدأ «تثبيت وقف النار في سوريا»، في إطار رفض أي انزلاقات يمكن أن تسفر عن دخول الوضع السوري مرحلة جديدة من الفوضى، وفقاً لتأكيد دبلوماسي روسي تحدثت إليه «الشرق الأوسط».
وقال الدبلوماسي إنه «من الواضح أنه في ظروف الوضع الراهن في سوريا، لن يحدث أي تقدم في أي ملف، سواء على صعيد اللجنة الدستورية، أو من حيث إحراز تقدم ملموس في العلاقات التركية السورية، أو فيما يخص ملف المعتقلين أو الوضع في إدلب بشكل عام»..
تعثر التطبيع بين أنقرة ودمشق
اللافت في إطار الحديث عن تعثر الجهود الروسية لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، أن مؤشرات برزت خلال أعمال اليوم الأول من هذه الجولة، حول صعوبة استئناف عمل الصيغة «الرباعية» التي كانت موسكو تأمل في دفعها (الأطراف الثلاثة الضامنة والوفد الحكومي السوري)، وهي الصيغة التي باشرت بعقد لقاءات خلال الجولة السابقة. وقالت مصادر في أستانا، إن المشكلات الداخلية خصوصاً الموقف المتشدد للوفد الحكومي تجاه تركيا، أسهمت في عرقلة نشاط هذه الصيغة.
في الوقت ذاته، رأى الدبلوماسي الروسي أن صعوبة تحقيق اختراقات على مستوى المفاوضات السورية حالياً «تعود لحقيقة أن كل هذه القضايا والملفات مرتبطة بالدرجة الأولى بالسوريين أنفسهم، سواء بالنظام في دمشق أو بالمعارضة السورية، ومن الواضح أن العامل السوري الذاتي الداخلي لم ينضج بما فيه الكفاية حتى اللحظة، وهو ما يؤكد على أهمية لقاء أستانا الحالي من أجل الحفاظ على وقف الاقتتال بين السوريين، وعلى نظام التهدئة الذي يسود غالبية الأراضي السورية. إلا أن الأهمية الكبرى لهذا اللقاء الآن هي الحفاظ على السيادة ووحدة الأراضي وكيان الدولة السورية».
وشدد الدبلوماسي على أهمية مواصلة العمل ضمن «محور أستانا»، رغم التوقعات بحدوث اختراقات متواضعة للغاية، وقال إن «علينا أن نتخيل الأحوال في سوريا من دون جهود هذه المجموعة».
وزاد: «الحرب الأهلية قد تشتعل مجدداً وستؤدي في نهاية المطاف إلى تقسيم سوريا ودمارها (...)، لذلك أكرر أن مسار أستانا بحدّ ذاته هو الذي أنقذ سوريا وشعبها، واستمرار اللقاءات يعد إنجازاً وهو الضامن للحفاظ على قرار مجلس الأمن رقم 2254، ودور الأمم المتحدة في مساعدة السوريين على تجاوز أزمتهم، والحفاظ على دولتهم حتى تنضج الأوضاع الذاتية الداخلية، وتتوفر الإرادة الوطنية الصادقة والمسؤولية لدى السوريين سواء عند المعارضة أو النظام، بما يسمح بتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 بحذافيره».
وتابع أنه «فقط عندئذ يمكن أن تزال جميع العراقيل المرتبطة بكل الملفات المطروحة، بما في ذلك لتسهيل خروج جميع القوات الأجنبية الموجودة اليوم على الأراضي السورية».
إدلب أولوية
بدوره، قال رئيس وفد المعارضة أحمد طعمة لـ«الشرق الأوسط» إن الوفد ركز في هذه الجولة على 3 ملفات أساسية؛ أولها موضوع تثبيت وقف النار، ومنع الانتهاكات المتواصلة من جانب النظام والجانب الإيراني في منطقة إدلب. ولفت إلى أهمية هذا الملف في إطار مواجهة المعطيات التي أشارت إلى تحضيرات يقوم بها النظام مع الحليف الإيراني لتوسيع الهجوم على إدلب، مؤكداً أن اللقاءات التي أجراها الوفد حملت إشارات مطمئنة في هذا الاتجاه.
الملف الثاني يركز على «استكمال تبريد الواقع العسكري من خلال الدفع لاستئناف عمل اللجنة الدستورية، والسعي لإزالة العراقيل التي وضعها النظام»، وفي هذا الإطار أكد أن «تقديرنا أن الظروف حالياً أفضل لجهة أن عوامل العرقلة تراجعت».
وأشار إلى أنه خلال لقاءات المعارضة مع بيدرسن، أشار الأخير بوضوح إلى أن «أسباب العرقلة لم تعد تتعلق بجوهر الملفات المطروحة بقدر ما هي مرتبطة بالإرادة السياسية. وهذا الموضوع سوف يكون إلى جانب موضوع تثبيت وقف النار ومنع تدهور عسكري باتجاه عسكري على رأس الاهتمام خلال الاجتماع مع لافرينتيف».
والملف الثالث، وفقاً للمعارض السوري، يتعلق بالوضع الإنساني وموضوع المعتقلين، وكشف طعمة عن أن النظام يواصل الامتناع عن مناقشة هذا الموضوع، في إطار لجنة العمل الخاصة بالملف، ما تسبب في عرقلة جهود تم تنسيقها مع الصليب الأحمر الدولي بهدف الإفراج المتزامن عن معتقلين خلال هذه الجولة.