أمن العالم والمنطقة مرتبطان وعلى العراق استعادة دوره المحوري

موظف في هيئة الانتخابات العراقية يحمل صندوقاً في مركز بالكرخ لفرز الأصوات الانتخابات المحلية في 23 ديسمبر (أ.ف.ب)
موظف في هيئة الانتخابات العراقية يحمل صندوقاً في مركز بالكرخ لفرز الأصوات الانتخابات المحلية في 23 ديسمبر (أ.ف.ب)
TT

أمن العالم والمنطقة مرتبطان وعلى العراق استعادة دوره المحوري

موظف في هيئة الانتخابات العراقية يحمل صندوقاً في مركز بالكرخ لفرز الأصوات الانتخابات المحلية في 23 ديسمبر (أ.ف.ب)
موظف في هيئة الانتخابات العراقية يحمل صندوقاً في مركز بالكرخ لفرز الأصوات الانتخابات المحلية في 23 ديسمبر (أ.ف.ب)

يطوي العالم عام 2023 في ظل هيمنة الصراعات والحروب، واستمرار الحرب الأوكرانية، وتصاعد التوتر بين روسيا والصين من جهة والولايات المتحدة من جهة ثانية، ومؤخراً الحرب على غزة، تترافق مع استمرار مؤشرات تراجع النمو الاقتصادي العالمي؛ فهو بحق عام من التحولات العنيفة والخطيرة التي تُهدد السلم والأمن الدوليين إذا تُركت دون كابح، ونتطلع إلى أن يكون العام الجديد منطلقاً لحسم هذه الأزمات.

ووسط السجالات القائمة حول نشوء نظام جديد ثنائي أو متعدد القطبية من عدمها، يقف العالم أمام مُفترق طرق في مواجهة تحديات تستدعي تحرّكاً جادا لفرض الاستقرار عبر مواثيق وتفاهمات تمنع التصعيد أولاً، وتضع مساراً للخروج من الأزمات المتعددة ثانياً.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن تصاعد الأزمات الدولية على محاور متعددة؛ من التوترات الجيوسياسية والصراعات المسلحة والحروب الاقتصادية لن تكون مطلقاً في صالح الخطر الوجودي الذي يهدد الكرة الأرضية برمتها، ألا وهو أزمة المناخ وتداعياتها على الأمن الغذائي والمائي والهجرة، حيث إن مواجهة هذا الخطر لن تتحقق من دون الأمن والاستقرار الدوليين، وإزالة هواجس الشك، لا سيما بين الدول الكبرى التي تتحمل الجزء الأكبر من مهمة مواجهة التداعيات الخطيرة للتغيرات المناخية.

وفي هذا الصدد، لا بد من الإشارة إلى النجاح الذي حققه مؤتمر المناخ «كوب 28» على مستوى التنظيم من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة، وعلى مستوى النتائج، حيث إن انعقاده في الشرق الأوسط التي هي واحدة من أكثر مناطق العالم تأثراً بتغيرات المناخ أمر جدير بالدعم، لا سيما أن مُخرجاته تُمثل انطلاقة واعدة لتحقيق هدف «صفر انبعاثات»، بحلول عام 2050، تماشياً مع العلم، والخطوات الحاسمة في زيادة دعم الطاقة المتجددة وتفعيل صندوق الخسائر والأضرار.

في منطقة الشرق الأوسط التي لا تعاني من تداعيات المناخ فحسب، بل تُعرف بمصدر قلق وتهديد دائم للسلم والأمن الدوليين، يمكن تلمُّس هواجس الخوف المتصاعدة إزاء التطورات الدولية الأخيرة، زادتها الحرب الإسرائيلية على غزة، لتؤكد أنه لا سلام ولا استقرار في هذه المنطقة التاريخية في قلب العالم من دون حل جذري وعادل للقضية الفلسطينية؛ فلقد أثبتت الحرب الإسرائيلية على غزة، وبشكل لا يقبل الشك، أن بقاء القضية الفلسطينية معلّقة، واستمرار مظلومية الشعب الفلسطيني، ومحاولة تصفية القضية بالمراهنة على عامل الوقت، أمر محكوم بالفشل، بل سيبقى يشكل تهديداً دائماً للسلم والأمن الدوليين، كما أن هذه الحرب وتداعياتها تؤكد أن الوقت قد حان لضمان الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية عبر تأسيس دولة فلسطينية مستقلة، وإنهاء معاناة شعب صبر لعقود طويلة.

دمار إثر غارة إسرائيلية على قطاع غزة (أ.ف.ب)

وإحدى نتائج هذه الحرب، مع أزمات إقليمية مترابطة، دحض السردية القائلة إن منطقة الشرق الأوسط لم تعد أولوية للولايات المتحدة والدول الكبرى، حيث إن عودة الولايات المتحدة لتعزيز وجودها العسكري بالمنطقة مجدداً يقابله انخراط لافت لقوى كبرى، كالصين وروسيا، سياسياً واقتصادياً وتجارياً، يؤكد محورية الشرق الأوسط وأهميته للعالم أجمع.

إن عودة الانخراط الأميركي في الشرق الأوسط نتيجة حرب غزة، أمنياً وسياسياً، يشير إلى تأجيل التحوّل الأميركي نحو الشرق الأقصى بعيداً عن الشرق الأوسط، حيث إن الانتشار العسكري الأميركي في المنطقة، ولو لفترة معينة، يكشف اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة، وأهمية الشرق الأوسط للولايات المتحدة والعالم أجمع. إن شرق أوسط محكوماً بأزمات متناسلة بلا آفاق استقرار دائم يؤكد أن السلم والأمن الدوليين سيبقيان مثلومين من دون حل، وهذا ليس صعب المنال.

العراق في قلب المتغيرات

وعلى بلد مثل العراق عانى لعقود طويلة من الحروب والصراعات والإرهاب، ويسعى للنهوض وتجاوز مآسي الماضي، أن يكون مستعداً لتبوؤ مكانه الطبيعي والمحوري فيه، حيث إن التحوّلات الإقليمية والدولية المتسارعة التي شهدها عام 2023 وما سيليها من تطورات مقبلة في العام الجديد تمثل اختباراً حقيقياً للعراق، فالحرب الأوكرانية وتداعياتها على العالم أجمع بما فيه العراق، ولو بشكل محدود، وأخيراً الحرب على غزة وتداعياتها الإقليمية المحتملة تُشكل عوامل ضغط قد تعوق الاستقرار الضروري للانطلاق بمشاريع اقتصادية تنموية واعدة للعراق ودول المنطقة.

انتهينا قبل أيام قليلة من انتخابات مجالس محافظات طال انتظارها، بعد 10 سنوات من التأجيل والتعطيل والتأخير كان نتيجته كسر شرعية وجودها، وأفضت إلى قرار نيابي بإلغائها، ليس لتأخر انتخاباتها فحسب، بل بسبب الإخفاق في عمل هذه المجالس حيث عدها طيف واسع من العراقيين مؤسسة غير فاعلة لم تنجُ من ظواهر سوء الإدارة والفساد.

تجب الإشارة إلى أهمية مجالس المحافظات، بوصفها مبدأ دستورياً يُقر اللامركزية الإدارية، ولضرورات الحكم الرشيد والمتطلبات الخدمية والاقتصادية المتباينة لكل محافظة، والأهم ضمان بناء توازن في السلطة وتوزيع الصلاحيات بين المركز والمحافظات يمنع خطورة تنامي نظام سلطوي مركزي على المدى البعيد.

لا بد هنا من الإشادة بجهود الحكومة في الإيفاء بإجراء الانتخابات المحلية، وتبقى مخرجات هذه الانتخابات في تشكيل مجالس محافظات تمارس مهامها بفاعلية هو الأهم، فعلى هذه المجالس تدارك الإخفاقات التي سجلتها خلال السنوات الماضية نتيجة عوامل عدة لا تتحملها فقط مجالس المحافظات، بل مرتبطة بإجراءات السلطتين التنفيذية والتشريعية، إذ إن إرث البيروقراطية المركزية المتشددة، والخشية من أن يؤدي اتساع وتشّعب الموازنات المالية إلى مفاقمة الفساد، والشحة في تشريعات ضرورية أسفرت عن عرقلة المحافظات في إدارة شؤونها.

وفي حين مضت الاستعدادات لإجراء الانتخابات بانسيابية، فإننا لا يمكن أن نتجاهل واقع عزوف العراقيين عن المشاركة في الانتخابات، وشكّلت في هذه الانتخابات أكثر من نصف الناخبين، فالأغلبية التي تقاطع الانتخابات تهدد شرعية الحكم، أُضيف إليها مقاطعة جمهور التيار الصدري المهم في المجتمع، فالانتخابات في نهاية المطاف ليست غاية بحد ذاتها، بل وسيلة ومسار سلمي يَضمنُ مشاركة العراقيين في تجديد خياراتهم وتحقيق تطلعاتهم.

إن تفعيل الدور المهم لمجالس المحافظات، ومعالجة حالة الانسداد السياسي التي تواجه البلد في أعقاب كل عملية انتخابية، وحسم الأزمة القائمة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، تستدعي إصلاحاً واسعاً يبدأ من إعادة النظر في الدستور وتعديله وفق السياقات الدستورية والقانونية؛ بالاستفادة من الإخفاقات والتعقيدات التي أفرزها التطبيق العملي، وكما اقترحت سابقاً، مثلاً يمكن إصلاح النظام النيابي والانتقال إلى نظام شبه رئاسي، وأن يكون انتخاب المحافظ بشكل مباشر من سكان محافظته، وبما يعزز المنظومة الديمقراطية والمساءلة الشعبية، وإيجاد حل جذري وبنيوي للأزمة المستدامة بين بغداد وإقليم كردستان.

اقتصادياً، يبقى العراق أمام اختبار مهم رغم الوفرة المالية المتحققة، التي هي بطبيعة المال مؤقتة؛ ففي ظل التقلبات الاقتصادية العالمية وتوقعات تراجع النمو الاقتصادي في العام الجديد، وفقاً لـ«صندوق النقد الدولي»، تترافق مع تصاعد التوترات الدولية والإقليمية، لا سيما الحرب الروسية - الأوكرانية والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والانتخابات الرئاسية الأميركية، واتفاقات المناخ، ينبغي على العراق الاستعداد لذلك جيداً.

مظاهرات احتجاجية أمام البنك المركزي في بغداد على هبوط قيمة الدينار العراقي في يناير 2023 (أ.ف.ب)

يشهد العراق في الوقت الحالي انتعاشاً اقتصادياً بفضل الوفرة المالية المتحققة نتيجة ارتفاع أسعار النفط العالمية، ويُتوقع أن يستمر ذلك لفترة قد تقصر أو تطول، ولكن لا مناص من الشروع في تحقيق التحوّل الاقتصادي، إذ من الخطير استمرار اقتصادنا الريعي غير المستدام المعتمد على النفط، في ظل تزايد سكاني من بين الأعلى عالمياً بمعدل تجاوز مليون نسمة سنوياً، الجزء الأكبر منهم من الشباب، وما يفرضه من تزايد الطلب على الوظائف وفرص العمل، حيث إن هذه الزيادة السكانية لن تُضيف إلى الازدهار الاقتصادي الكثير، رغم إيجابية الدخل القومي السنوي، من دون ترتيبات مستدامة.

كما أن تصاعد الالتزامات المناخية العالمية؛ بالتخلي عن الوقود الأحفوري والانتقال نحو الطاقات المتجددة، وانعكاس ذلك على توقعات تراجع الطلب العالمي على النفط خلال السنوات العشر المقبلة، يستوجب التخطيط المبكر لتغيير شامل في أسس اقتصادنا، ويرتبط ذلك أيضاً بضرورة مواجهة أخطر تهديد للبلاد يتمثل في التغير المناخي وآثاره الاقتصادية وأضراره البيئية الكبيرة على جميع أنحاء العراق.

إن الإسراع في إجراءات اقتصادية تُركِّز على تعظيم الموارد غير النفطية يمثل أولوية قصوى للعراق، عبر الانخراط في التجارة البينية؛ بالاستفادة من موقعنا الجغرافي وتشجيع الاستثمار الحقيقي ودعم القطاع الخاص والنهوض بقطاع الزراعة والصناعة والتجارة والسياحة وإصلاح أنظمة الضرائب والجمارك.

وبالتوازي مع هذه الترتيبات، لا بد من تعزيز برنامج مكافحة ظاهرة الفساد؛ فلا إصلاح حقيقياً من دون مكافحة الفساد، ولا اجتثاث للإرهاب إلا باستئصال الفساد الذي يمثل منبعاً أساسياً لتمويله، فلا بد من إجراءات استثنائية تقوم على استرجاع ما تم نهبه وتهريبه من أموال العراقيين إلى الخارج، عبر تشريعات جريئة وتنسيق دولي فاعل لمكافحة الفساد، على غرار التحالف الدولي في مكافحة الإرهاب.

إلا أن التحدي الأخطر والآني الذي يواجه العراق هو التجاوز على الدولة وانتهاك سيادتها واستباحة هيبتها؛ فما شهدناه من استهداف للبعثات الدبلوماسية ومؤسسات حكومية عراقية وقواعد عسكرية تستضيف مستشاري التحالف الدولي، بناء على دعوة الحكومة العراقية، مؤشر خطير يضر بمصالح العراق وشعبه. موقف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في هذه القضية موضع تقدير، وينبغي علينا دعمه ومساندته في التصدي الفاعل لهذه التجاوزات وكبح جماح الخارجين على القانون؛ فقرار السلم والحرب هو قرار الدولة ومؤسساتها الدستورية، لا قرار جماعة خارجة عن القانون غير حاسبةٍ العواقب على البلد وشعبه. القرار الوطني، ومن خلال المؤسسات الدستورية، هو المخول حصراً بإقرار الحاجة إلى التحالف الدولي من عدمه، وذلك بناء على مستلزمات مصلحة البلد وأمنه واستقراره.

تهدد أدوار الفصائل الخارجة على القانون سيادة العراق (أ.ف.ب)

إن موقع العراق الجغرافي في قلب المنطقة يحمل من المفارقات الكثير؛ إما أن يكون نقمة للعراقيين وكل المنطقة عبر حروب عبثية وساحة صراع وتناحر إقليمية ودولية، وقد اختبرنا هذا المسار لعقود خلت وكان الخاسر فيها الجميع، أو أن يكون نعمة للعراقيين والمنطقة والعالم أجمع؛ فهذا الموقع الجغرافي بثرواته الوفيرة وتنوعه الديموغرافي والبيئي يمكنه أن يجمع دول الشرق الأوسط اقتصادياً وتجارياً واجتماعياً وبيئياً، عبر ترابطات متينة تقوم على خدمة العراقيين وتبادل المصالح بين شعوب كل المنطقة التي جزعت من العنف والصراعات، وتتطلع إلى مستقبل مزدهر من التنمية الاقتصادية وفرص العمل.

يتوق العراقيون بشدة إلى معالجات جذرية للخلل البنيوي في منظومة الحكم، وتجاوز ما خلّفه العقدان الماضيان من إخفاقات، عبر حوار وطني حقيقي وإصلاح يحقِّق لهم حكماً رشيداً يضمن حقوق جميع المكونات ويحفظ خصوصياتهم، عبر إعلاء مبدأ المواطنة، وليس لنا خيار في العراق سوى تعزيزِ السياسة الخارجية القائمة على النأي عن الصراعات والمحاور المتقاطعة، والعمل على بناء علاقات متوازنة مع الجميع، والمصلحة الإقليمية اليوم مرتبطة بدعم عودة العراق إلى دوره المحوري، وإنهاء التنافسات على أرضه.


مقالات ذات صلة

نقلة نوعية للاقتصاد الرقمي السعودي في 2024

خاص السعودية تعزز ريادة الأعمال والاقتصاد الرقمي في قطاع الاتصالات والمعلومات (الشرق الأوسط)

نقلة نوعية للاقتصاد الرقمي السعودي في 2024

ما لا شك فيه أن الفرص السانحة في المملكة العربية السعودية لا تعد ولا تحصى، إلا أن التوجهات التي سترسم ملامح عام 2024، وما بعده ستتخطى التقنيات والحلول الجديدة.

إياد مرعي
خاص أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية

خاص أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية

خوارزميات الـ«بلوك تشين» يمكن استخدامها لتعزيز أمان الشبكات والمساعدة في اكتشاف مشكلات الأمان المحتملة بشكل أكثر كفاءة من المنهجيات التقليدية.

بن تشو
خاص ثورة المدفوعات الرقمية  في السعودية تعزز فرص التجارة الإلكترونية

خاص ثورة المدفوعات الرقمية في السعودية تعزز فرص التجارة الإلكترونية

يشكّل التحول نحو وسائل الدفع الرقمية محفزاً لتحول أوسع في قطاعات التجارة الإلكترونية والخدمات اللوجيستية في المملكة العربية السعودية.

إيمان الغامدي
خاص الاتصالات المعزَّزة تعد بنقلة في قطاع السيارات

خاص الاتصالات المعزَّزة تعد بنقلة في قطاع السيارات

تواجه مسألة التحضُّر المدني والنمو الاقتصادي السريع في العصر الحالي عدّة تحدّيات رئيسية، من أبرزها الازدحام المروري الخانق الذي تتسبّب به الزيادة السكانية.

لويس دي لا كروز
خاص بزوغ عصر اقتصاد التجربة مدعوماً بالذكاء الاصطناعي

خاص بزوغ عصر اقتصاد التجربة مدعوماً بالذكاء الاصطناعي

في حين يقف العالم على أبواب مرحلة اقتصادية جديدة حافلة بالفرص والتحديات على كل المستويات، بدأت ملامح «اقتصاد التجربة Experience Economy» في الاكتمال في عدد من…

نضال أبو لطيف

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
TT

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».

كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.

صبغة شامية

خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».

طوابير أمام أحد المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».

بين «العشق» و«القلق»

رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.

حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.

ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.

مجلس النواب المصري وافق على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين (الشرق الأوسط)

تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.

جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».

ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.

لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.

دعوات مقاطعة

تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».

حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.

وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.

وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».

في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».

الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».

زحام لافت على مطعم سوري بشارع فيصل بالجيزة (الشرق الأوسط)

ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».

كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».

ترحيب مشروط

كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».

ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.

مصريون طالبوا بمقاطعة المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».

وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.

على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».

استثمارات متنوعة

يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».

ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».

ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.

وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».

وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.

و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».

«حملات موجهة»

انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».

رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».

وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».

السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية في مصر (الشرق الأوسط)

وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».

ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».

لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».

«استثمارات متنامية»

ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».

وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.

ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.

لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».

مطعم سوري في وسط البلد (الشرق الأوسط)

حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».

فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».

بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».

وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.