فنان مصري يستحضر أسلوب رواد الفن التشكيلي عبر «عزيزي الحيوان»

لوحات المعرض الجديد لياسر جعيصة تقدمهم بشكل فانتازي

تخيّل فني لمحمود سعيد وبجواره قطة يتأملان لوحة «بنات بحري» الشهيرة (الشرق الأوسط)
تخيّل فني لمحمود سعيد وبجواره قطة يتأملان لوحة «بنات بحري» الشهيرة (الشرق الأوسط)
TT

فنان مصري يستحضر أسلوب رواد الفن التشكيلي عبر «عزيزي الحيوان»

تخيّل فني لمحمود سعيد وبجواره قطة يتأملان لوحة «بنات بحري» الشهيرة (الشرق الأوسط)
تخيّل فني لمحمود سعيد وبجواره قطة يتأملان لوحة «بنات بحري» الشهيرة (الشرق الأوسط)

استطاع الفنان المصري ياسر جعيصة أن يستضيف أقطاب الفن التشكيلي العالميين في فضاء عالمه السريالي، الذي يمكن فيه الالتقاء بفينسنت فان غوخ، وبابلو بيكاسو، وهنري ماتيس، ومحمود سعيد وغيرهم، وأفسح جعيصة لكل فنان منهم فرصة مُرافقة أحد الحيوانات في عالم موازٍ، وخلق بينهما حالة تحاوُر فني شغوف وفانتازي، وذلك في معرض بعنوان «عزيزي الحيوان» الذي يستمر حتى 5 يناير (كانون الثاني) المُقبل.

يطرح الفنان ياسر جعيصة في معرضه، المُقام حالياً بغاليري «ياسين» في القاهرة، رؤية فنية وبصرية مُغايرة للحيوان، الذي شغله البحث في تراث رمزياته، وطرح خلال معرضه تناصاً بين أعمال فنية عالمية ومصرية شهيرة، ومجازات الحيوانات، وكأنها امتداد طبيعي وفلسفي لعالم هؤلاء الفنانين.

الفنان المصري ياسر جعيصة أمام إحدى لوحاته (الشرق الأوسط)

يتحدث جعيصة عن حالة الشغف التي واكبت قراءته لكتاب «حياة الحيوان الكبرى» لكمال الدين الدميري، ويقول: «شغلني هذا الكتاب الذي يتناول بين طياته كل حيوان بالترتيب الأبجدي وصفاته ومميزاته، وكنت أريد منذ فترة طويلة أن أرسم حيوانات، ولكنني كنت أبحث عن منظور جديد لتناولها، فتأملت كيف يمكن أن يرسم كل فنان في تاريخ الفن حيواناً لم يرسمه من قبل، وكيف سيرسمه إذا رسمه بأسلوبه الخاص؟ ومن هنا جاءت فكرة أن أُحضر الحيوان إلى استوديو كل فنان ليندمجا معاً ويخرجا للنور في عالم خيالي»، كما يقول في كلمته لـ«الشرق الأوسط».

يمكن تأمل كلب في غرفة فينسنت فان غوخ الشهيرة ذات الجدران الصفراء الشهيرة حيث عاش في مدينة آرل الفرنسية، وفيها رسم جعيصة الفنان الهولندي الأشهر جالساً على سريره، وأمامه كلب وديع يبدو وكأنه يُخفف عن فان غوخ عزلته وظلامه «حجرة فان غوخ تلك لا تزال مصدر وحي للفنانين، وأحضرت عناصر من أعماله الشهيرة لتلك الغرفة، كزهرة الخشخاش، وحذائه الشهير، كما فتحت النافذة له ليُطل منها على لوحته (ليلة النجوم)، كما وضعت له الكلب ليؤنس وحدته ويشاركه عالمه» كما يقول جعيصة.

الكلب يؤنس وحدة فان غوخ في غرفته (الشرق الأوسط)

ويبدو أن صاحب المعرض قد استلهم أسلوب التلوين الزيتي الشهير لفان غوخ في رسمه للوحته، ومن اللافت أن أسلوب التلوين قد اختلف في كل لوحة عن الأخرى «كنت كمن ارتدى أكثر من 20 عباءة في هذا المعرض، فكل لوحة تستدعي عالم فنان مختلف بمدرسته وأسلوب تلوينه المختلف» يقول جعيصة.

وفي إحدى اللوحات نجد قرداً مُتوحشاً يُجاور الرسّام الفرنسي هنري ماتيس بما يُحيل للمدرسة «الوحشية» التي كان ماتيس رائدها، وفي لوحة أخرى نرى «الأسد» وهو يتطلع إلى الفنان الإسباني بيكاسو، وجعله الفنان ياسر جعيصة يظهر بإطلالة تكعيبية، التي كان بيكاسو رائداً لمدرستها، ويقول: «بيكاسو كان يُمثل الزعامة الفنية، فجمعته بالأسد ملك الغابة، كما تصوّرت في لوحة أخرى النحّات السويسري ألبرتو جياكوميتي وهو ينحت الغزالة، التي وجدت أنها تشبه حياة الفنان برقته وشفافية شخصيته، وميله للون الرمادي في التصوير، لذلك جعلت تلوين اللوحة بطريقة تشبه هذه الحالة الرمادية».

جياكوميتي ينحت غزالة (الشرق الأوسط)

ويستحضر جعيصة الفنان المصري الراحل محمود سعيد، ويجعله وكأنه يُطل على بطلات لوحته «بنات بحري» وهو جالس على سور بمُحاذاة النيل، وبجواره قطة تشاركه تأمل البنات اللاتي يمثلن أيقونة من أيقونات عالمه التشكيلي.

يقول جعيصة إن «بحر الفن التشكيلي مُشبع بالأساليب والتقنيات الفنية والتنوعات اللونية، درست أسلوب كل فنان وقرأت المتاح عن حياته، وتبّحرت في صنعته وحرفته لأخرج بهذا العرض المنوّع، وهو عرفان لكل فنان منهم».


مقالات ذات صلة

الأديب ميخائيل نعيمة استقبل زواره وكأنه لا يزال حياً

يوميات الشرق سهى نعيمة تستقبل الزوار وتروي الذكريات (الشرق الأوسط)

الأديب ميخائيل نعيمة استقبل زواره وكأنه لا يزال حياً

تعنى سهى حداد بإرث ميخائيل نعيمة، برموش العين. تعيش مع أغراضه كأنه لا يزال حياً، تحيط نفسها بلوحاته وصوره وكتبه ومخطوطاته ورسومه وأقلامه، وتستقبل زواره وتحدثهم.

سوسن الأبطح (بيروت)
يوميات الشرق مارك أبو ضاهر يحمل مجموعات من ملصقات يطبعها على دفاتر (الشرق الأوسط)

مارك أبو ضاهر... لبناني يوثّق الفن الجميل في دفاتر الذكريات

يملك مارك أبو ضاهر مجموعة كبيرة من الملصقات القديمة، بينها ما يعود إلى ملصقات (بوستر أفلام)، وبطلها الممثل اللبناني صلاح تيزاني المشهور بـ«أبو سليم».

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق امتهانُ التحكُّم من اللحظة الأولى (غيتي)

الأجنَّة تتحكَّم في الأمهات بـ«الريموت كونترول»

آلية مدهشة يستطيع الجنين من خلالها التحكُّم في طبيعة المغذّيات التي يحصل عليها من الأم خلال فترة الحمل اعتماداً على جين معيَّن ينتقل إليه عن طريق الأب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق كارين ميلر نسل ضحية جاك السفاح كاثرين أيدوس (نورث نيوز)

أحفاد ضحايا «السفاح جاك» في بريطانيا يطالبون بتحقيق جديد

رغم مرور أكثر من 130 عاماً على أحداث هذه القضية الغامضة في بريطانيا، يأمل أحفاد ضحايا «السفاح جاك» في أن يتمكنوا أخيراً من كشف الحقيقة بشأن واحدة من أشهر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق وجد العلماء نهجاً جديداً واعداً لإضعاف الذكريات السلبية وتنشيط الذكريات الإيجابية (أرشيفية - رويترز)

علماء يتوصلون لطريقة لـ«محو الذكريات السيئة»

وجد العلماء نهجاً جديداً واعداً لإضعاف الذكريات السلبية وتنشيط الذكريات الإيجابية بحسب ما نقله موقع «ساينس آليرت» العلمي

«الشرق الأوسط» (لندن)

السنة الأمازيغية 2975... احتفاء بالجذور وحفاظ على التقاليد

نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)
نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)
TT

السنة الأمازيغية 2975... احتفاء بالجذور وحفاظ على التقاليد

نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)
نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)

يحتفل الأمازيغ حول العالم وخاصة في المغرب العربي بعيد رأس السنة الأمازيغية في 12 أو 13 من يناير (كانون الثاني)، التي توافق عام 2975 بالتقويم الأمازيغي. ويطلق على العيد اسم «يناير»، وتحمل الاحتفالات به معاني متوارثة للتأكيد على التمسك بالأرض والاعتزاز بخيراتها.

وتتميز الاحتفالات بطقوس وتقاليد متنوعة توارثها شعب الأمازيغ لأجيال عديدة، في أجواء عائلية ومليئة بالفعاليات الثقافية والفنية.

وينتشر الاحتفال ﺑ«يناير» بشكل خاص في دول المغرب والجزائر وتونس وليبيا والنيجر ومالي وسيوة بمصر.

أمازيغ يحتفلون بالعام الجديد من التقويم الأمازيغي في الرباط بالمغرب 13 يناير 2023 (رويترز)

جذور الاحتفال

يعود تاريخ الاحتفال برأس السنة الأمازيغية إلى العصور القديمة، وهو متجذر في الحكايات الشعبية والأساطير في شمال أفريقيا، ويمثل الرابطة بين الأمازيغ والأرض التي يعيشون عليها، فضلاً عن ثروة الأرض وكرمها. ومن ثمّ فإن يناير هو احتفال بالطبيعة والحياة الزراعية والبعث والوفرة.

ويرتبط الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة بأصل تقويمي نشأ قبل التاريخ، يعكس تنظيم الحياة وفق دورات الفصول.

وفي الآونة الأخيرة، اكتسب الاحتفال برأس السنة الأمازيغية أهمية إضافية كوسيلة للحفاظ على الهوية الثقافية الأمازيغية حية.

ومصطلح «يناير» هو أيضاً الاسم الذي يُطلق على الشهر الأول من التقويم الأمازيغي.

خلال احتفال لأمازيغ جزائريين برأس السنة الأمازيغية الجديدة «يناير» في ولاية تيزي وزو شرق العاصمة الجزائر (رويترز)

متى رأس السنة الأمازيغية؟

إن المساء الذي يسبق يناير (رأس السنة الأمازيغية) هو مناسبة تعرف باسم «باب السَنَة» عند القبائل في الجزائر أو «عيد سوغاس» عند الجماعات الأمازيغية في المغرب. ويصادف هذا الحدث يوم 12 يناير ويمثل بداية الاحتفالات في الجزائر، كما تبدأ جماعات أمازيغية في المغرب وأماكن أخرى احتفالاتها في 13 يناير.

يبدأ التقويم الزراعي للأمازيغ في 13 يناير وهو مستوحى من التقويم اليولياني الذي كان مهيمناً في شمال أفريقيا خلال أيام الحكم الروماني.

يمثل يناير أيضاً بداية فترة مدتها 20 يوماً تُعرف باسم «الليالي السود»، التي تمثل واحدة من أبرد أوقات السنة.

أمازيغ جزائريون يحتفلون بعيد رأس السنة الأمازيغية 2975 في قرية الساحل جنوب تيزي وزو شرقي العاصمة الجزائر 12 يناير 2025 (إ.ب.أ)

ما التقويم الأمازيغي؟

بدأ التقويم الأمازيغي في اتخاذ شكل رسمي في الستينات عندما قررت الأكاديمية البربرية، وهي جمعية ثقافية أمازيغية مقرها باريس، البدء في حساب السنوات الأمازيغية من عام 950 قبل الميلاد. تم اختيار التاريخ ليتوافق مع صعود الفرعون شيشنق الأول إلى عرش مصر.

وشيشنق كان أمازيغياً، وهو أحد أبرز الشخصيات الأمازيغية في تاريخ شمال أفريقيا القديم. بالنسبة للأمازيغ، يرمز هذا التاريخ إلى القوة والسلطة.

رجال أمازيغ يرتدون ملابس تقليدية يقدمون الطعام خلال احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)

كيف تستعد لرأس السنة الأمازيغية؟

تتركز احتفالات يناير على التجمعات العائلية والاستمتاع بالموسيقى المبهجة. تستعد معظم العائلات لهذا اليوم من خلال إعداد وليمة من الأطعمة التقليدية مع قيام الأمهات بتحضير الترتيبات الخاصة بالوجبة.

كما أصبح من المعتاد ارتداء الملابس التقليدية الأمازيغية والمجوهرات خصيصاً لهذه المناسبة.

وتماشياً مع معاني العيد المرتبطة بالتجديد والثروة والحياة، أصبح يناير مناسبة لأحداث مهمة لدى السكان مثل حفلات الزفاف والختان وقص شعر الطفل لأول مرة.

يحتفل الأمازيغ في جميع أنحاء منطقة المغرب العربي وكذلك أجزاء من مصر بعيد «يناير» أو رأس السنة الأمازيغية (أ.ف.ب)

ما الذي ترمز إليه الاحتفالات؟

يتعلق الاحتفال بيوم يناير بالعيش في وئام مع الطبيعة على الرغم من قدرتها على خلق ظروف تهدد الحياة، مثل الأمطار الغزيرة والبرد والتهديد الدائم بالمجاعة. وفي مواجهة هذه المصاعب، كان الأمازيغ القدماء يقدسون الطبيعة.

تغيرت المعتقدات الدينية مع وصول اليهودية والمسيحية والإسلام لاحقاً إلى شمال أفريقيا، لكن الاحتفال ظل قائماً.

تقول الأسطورة إن من يحتفل بيوم يناير سيقضي بقية العام دون أن يقلق بشأن المجاعة أو الفقر.

نساء يحضّرن طعاماً تقليدياً لعيد رأس السنة الأمازيغية (أ.ف.ب)

يتم التعبير عن وفرة الثروة من خلال طهي الكسكس مع سبعة خضراوات وسبعة توابل مختلفة.

في الماضي، كان على كل فرد من أفراد الأسرة أن يأكل دجاجة بمفرده للتأكد من شبعه في يوم يناير. وترمز البطن الممتلئة في يناير إلى الامتلاء والرخاء لمدة عام كامل.

ومن التقاليد أيضاً أن تأخذ النساء بعض الفتات وتتركه بالخارج للحشرات والطيور، وهي لفتة رمزية للتأكد من عدم جوع أي كائن حي في العيد.