الهند... ثقافتها متنوعة وتناقضاتها مذهلة وصادمة

جولة على أجمل المدن التاريخية في البلاد

أغرا الجميلة (شاترستوك)
أغرا الجميلة (شاترستوك)
TT

الهند... ثقافتها متنوعة وتناقضاتها مذهلة وصادمة

أغرا الجميلة (شاترستوك)
أغرا الجميلة (شاترستوك)

​تشتهر الثقافة الهندية بتنوعاتها المذهلة وتناقضاتها الصادمة، بجانب أنها مسقط رأس ومهد بعض الثقافات والأديان الكبرى في العالم.

ويمكن معاينة الحراك الثقافي الذي لا مثيل له في البلاد، في شكل عدد لا يحصى من عناصر الجذب المتنوعة. ومع حلول الشتاء وانتهاء بطولة كأس العالم للكريكيت الرائعة للرجال، تجذب الهند زائرين من جميع أنحاء العالم، بتنوعاتها التي لا تُعد ولا تحصى من التقاليد والطقوس، والتي تنعكس على المناطق المتنوعة للتراث الثقافي الهندي.

دلهي من أجمل المدن الثقافية في الهند (شاترستوك)

إجمالاً، تضم الهند 40 موقعاً مدرجاً في قائمة التراث العالمي لـ«اليونيسكو»، منها 32 موقعاً على صلة بالسياحة الثقافية على وجه التحديد.

وإذا كنت تبحث عن أفضل أماكن التراث الثقافي الهندي، فعليك الانطلاق في جولة عبر مجموعة من الأماكن، تعتبر شاهداً على الهندسة المعمارية المذهلة والتراث الثقافي الثري للبلاد.

المؤكد أنك ستنبهر بالتجارب المذهلة التي ستخوضها في الهند الساحرة. وفيما يلي سنبذل قصارى جهدنا لإلقاء نظرة خاطفة على بعض أماكن التراث الثقافي الهندية البارزة:

الهند متنوعة من حيث الثقافة (شاترستوك)

دلهي

تعد دلهي واحدة من المناطق القديمة البارزة، والتي استعادت جمالها الثقافي وطورته عبر التاريخ، مع تعاقب إمبراطوريات مختلفة عليها. تتمتع المدينة بجمال فوضوي متنوع. ويتمثل أحد جوانب دلهي المميزة في الهندسة المعمارية ذات الطراز القديم والممرات المتعرجة القديمة، والأسواق القديمة، والمجتمعات التقليدية. ولا تزال دلهي القديمة تحتفظ بقيمها التقليدية، في الوقت الذي تزدهر فيه نيودلهي بالتحديث. وبفضل هذا التنوع الثقافي، تحولت دلهي إلى نقطة جذب سياحية بارزة.

تبدو دلهي عاصمة الهند الجميلة بمثابة بوتقة ينصهر فيها كثير من الثقافات. وخضعت المدينة لحكم كثير من السلالات، بما في ذلك الراجبوت والخلجيون والمغول. وتنعكس تأثيرات مختلف هذه السلالات على كثير من المعالم الأثرية بالمدينة. وفي هذا الإطار، تعد بوابة الهند، والقلعة الحمراء، ومقبرة همايون، وقطب منار، من أشهر المعالم الثقافية في دلهي.

ويعود تاريخ حضارة دلهي إلى عام 50 قبل الميلاد. وتمخض التاريخ الثري للمدينة عن كثير من الفنون والحرف المثيرة للاهتمام، بما في ذلك تلك المستوحاة من الثقافات المجاورة. بوجه عام، تعد الحرفة الفنية الأكثر شهرة في دلهي، صناعة الحلي والمجوهرات. ولا تزال مجوهرات ميناكاري وكوندان تعد تذكاراً مهماً وإرثاً تتناقله الأجيال داخل كثير من العائلات.

مدينة سانشي ستوبا الأثرية (شاترستوك)

راجستان

تحظى الولاية بكثير من الأماكن المختلفة التي تحمل بداخلها عظمة التاريخ والتراث. تمتد جذور التراث الثقافي بالمدينة إلى نحو 5 آلاف عام، وتعد نموذجاً مثالياً لمزيج مثالي من التقاليد والتاريخ ونمط الحياة المعاصر. ويمكن العثور على بعض أفضل المدن الثقافية على مستوى الهند داخل هذه الولاية.

وتمتلئ راجستان بنكهات متنوعة، وروحها مفعمة بالحيوية، على نحو يندر وجوده بالعالم. ومع أنها ولاية صحراوية، فإنها غنية بالتقاليد النابضة بالحياة، والمهرجانات الكبرى، والأطعمة الشهية، والتاريخ المجيد.

وينعكس التاريخ الثقافي الثري للمدينة على الفساتين ذات الألوان النابضة بالحياة، إضافة إلى الموسيقى والرقصات الشعبية والمأكولات المحلية، وصولاً إلى مهرجانات راجستان، ما يجعل راجستان واحدة من أفضل الأماكن في الهند للاستمتاع بالتعرف على الثقافة والتراث.

مدينة خاجوراهو القديمة (شاترستوك)

ومن أبرز الأماكن على هذا الصعيد داخل راجستان، حصن عامر، وقلعة مهرانغاره، وقلعتا جايسالمر وتشيتورجاره، وجال محل، وقصر بحيرة أودايبور.

كما تشهد راجستان عقد كثير من المهرجانات والمعارض، منها مهرجان الإبل، ومهرجان مروار، ومهرجان بوشكار. كل هذا يجذب كثيراً من الزوار إلى ولاية راجستان؛ لأنه يسمح لهم بالتعرف على ثقافة الولاية النابضة بالحياة. كما يمكن للسياح تجربة بعض الأطعمة اللذيذة من المطبخ الراجستاني المشهور ببهاراته المتنوعة وحلاوة مذاقه.

أغرا الجميلة (شاترستوك)

أغرا

تشكل أغرا بجانب دلهي وراجستان، المثلث الذهبي للسياحة الثقافية في الهند.

تقع أغرا على ضفاف نهر يامونا، وتعد من بين الوجهات السياحية الشهيرة في الهند التي تستقبل حشوداً كبيرة من المسافرين كل عام، بفضل تاريخها الغني وتراثها الثقافي المتنوع.

زيارات ثقافية لا تحصى ولا تعد في الهند (شاترستوك)

ويعود تاريخ المدينة إلى العصور القديمة، وقد ورد ذكرها في ملحمة قديمة، تدعى «ماهابهاراتا»، والتي تعرف كذلك باسم «أغرافانا». وخلال فترة العصور الوسطى، كانت أغرا مدينة بارزة تتبع سلطنة دلهي، وخضعت لحكم سلالات مختلفة.

وبدأت الفترة الأكثر أهمية في تاريخ أغرا بتأسيس إمبراطورية المغول في أوائل القرن السادس عشر. وأثرت كل سلالة حاكمة على ثقافة المدينة. ويمكن رؤية انعكاسات هذه الحقبة في الهندسة المعمارية والفنون والحرف اليدوية والموسيقى والرقص، وحتى الطعام في أغرا.

وفي ظل وجود كثير من الحكام البارزين الذين حكموا المدينة، تعد أغرا موطناً لكثير من المعالم الأثرية المهمة، منها 3 معالم مدرجة في قائمة مواقع التراث العالمي لـ«اليونيسكو»: تاج محل، وقلعة أغرا، وفاتحبور سيكري. ولا تكتمل الرحلة إلى أغرا دون زيارة هذه الأماكن التي ستعيدك إلى عصر ماضيها المجيد.

ماديا براديش

ينظر كثيرون إلى ماديا براديش باعتبارها قلب الهند. وهي ثرية بالتراث الهندي القديم. ويتميز كل ركن في هذه الولاية الهندية بهندسة معمارية مذهلة تستحق أن تعشقها، بدءاً من المعابد القديمة والمساجد الكبيرة وحتى القصور الرائعة والحصون المنيعة التي لا يمكن اختراقها. وهنا، سنعرض بعض الأماكن ذات الأهمية التراثية الثقافية الكبيرة.

خاجوراهو: أرض معابد كاماسوترا

جرى بناء معابد خاجوراهو منذ نحو ألف عام على يد حكام تشانديلا، وهي أحد مواقع التراث العالمي لـ«اليونيسكو» في ولاية ماديا براديش. كما جرى بناء معظم معابد خاجوراهو بين عامي 950 و1050 تحديداً على يد أسرة تشانديلا. وذكرت السجلات التاريخية أن موقع معبد خاجوراهو كان يضم 85 معبداً بحلول القرن الثاني عشر، موزعة على مساحة 20 كيلومتراً مربعاً. ومع ذلك، لم ينج منها اليوم سوى نحو 25 معبداً، موزعة على مساحة 6 كيلومترات مربعة.

ومن بين أكثر السمات التي يعشقها الزور في هذه المعابد، المنحوتات ذات التفاصيل الدقيقة المنقوشة على الجدران الخارجية. وتصور التصميمات داخل مجموعة معابد خاجوراهو مراحل مختلفة من الحياة، بما في ذلك المتعة والروحانية، ومنحوتات الحوريات الراقصة، وتماثيل الحوريات اللاتي يرتدين قطعاً جميلة من الحلي حول خصورهن ومعاصمهن وأعناقهن وأذرعهن وأرجلهن.

جدير بالذكر أن المنطقة برمتها ظلت مهجورة بعد القرن الرابع عشر، وكانت غير معروفة على الإطلاق للعالم الخارجي، حتى اكتشفها ضابط شاب في الجيش البريطاني يدعى تي إس بيرت عام 1838.

بعد سقوط أسرة تشانديلا في القرن الثالث عشر، اختفت المعابد عن العالم الخارجي بسبب الغابات والشجيرات الكثيفة التي نمت حولها. وظلت هذه المعابد مخفية عن أنظار العالم حتى الخمسينات من القرن الماضي، وكان الصحافيون والمصورون الأجانب فقط هم الذين نشروا الصور للعالم. وبعد عقود قليلة فقط من استقلال الهند عن بريطانيا عام 1947، جرى فتح المكان أمام الزائرين، وذلك بعد بناء مرافق كافية للنقل للوصول إلى هناك.

بهيمبيتكا: الملاجئ الصخرية القديمة

تحتضن ولاية ماديا براديش، أحد أكثر أماكن التراث الثقافي التي يجب زيارتها والأكثر شعبية في الهند.

يوجد موقع بهيمبيتكا الأثري داخل محمية راتاباني للحياة البرية المكونة من صخور الحجر الرملي، على سفوح سلسلة جبال فينديا. ويرجع تاريخ اكتشاف الموقع لعام 1957. ومع ذلك، فإن الأهمية الحقيقية لموقع بهيمبيتكا لم تتضح سوى في السبعينات، الأمر الذي تم تتويجه بإدراجها في قائمة «اليونيسكو» للتراث العالمي عام 2003. يحتوي موقع بهيمبيتكا على أقدم فن صخري معروف في الهند، كما أنه أحد أكبر مجمعات ما قبل التاريخ. ويعود تاريخ أقدمها إلى العصر الحجري القديم المتأخر. وتتسم اللوحات المنتمية إلى العصر الحجري الأوسط بأنها أصغر حجماً، والعصر النحاسي (أوائل العصر البرونزي)، وتعرض مفاهيم البشر الأوائل عن الزراعة.

ومن بين 750 ملجأ صخرياً، تزينت جدران 500 منها برسومات مثيرة للاهتمام، ويقدر عمر أقدمها بنحو 30 ألف عام. ومع ذلك، فإن 15 كهفاً منها فقط متاحة أمام الزائرين. وتمتاز الرسومات الموجودة في الكهوف بالتنوع الشديد في طبيعتها؛ خصوصاً بالنظر إلى أن الكهوف موجودة منذ آلاف السنين. اللافت أن الرسومات تتميز بشكل أساسي باللونين الأحمر والأبيض، مع الاستخدام العرضي للأخضر والأصفر، مع موضوعات مستوحاة من الأحداث اليومية للأشخاص الذين عاشوا في الكهوف، بما في ذلك الولادة والصيد والرقص والموسيقى وركوب الخيل والفيلة وقتال الحيوانات وجمع العسل. كما جرى تصوير حيوانات، مثل النمور والأسود والخنازير البرية والفيلة والظباء والكلاب والسحالي والتماسيح بكثرة. ويعد الشتاء أفضل موسم لزيارة بهيمبيتكا؛ حيث تتمتع المنطقة بمناخ لطيف وأجواء جميلة.

وتوفر الكهوف لمحة نادرة عن سلسلة من التطور الثقافي من البدو الرّحل الأوائل إلى المزارعين المستقرين إلى التعبيرات الروحانية. واللافت أن التقاليد الثقافية الحالية للشعوب الزراعية التي تسكن القرى المحيطة بالمنطقة تشبه تلك الممثلة في الرسومات.

سانشي ستوبا (موقع بقائمة التراث العالمي)

تحتل سانشي ستوبا مكانة فريدة بين المواقع التاريخية داخل ولاية ماديا براديش. ويعود تاريخ بناء الموقع إلى القرن الثالث قبل الميلاد.

جرى تصنيف سانشي ستوبا الواقعة على قمة أحد التلال، واحدةً من بين مواقع التراث العالمي من قبل «اليونيسكو». وقد جرى إنشاؤها بأمر الإمبراطور أشوكا من سلالة موريان. وتعد المنحوتات والآثار الموجودة في الموقع مثالاً رائعاً لتطور الفن والهندسة المعمارية البوذية.

وجرى تشييد هذه القبة النصف كروية التي يزيد ارتفاعها على 50 قدماً، وقطرها أكثر من 30 متراً، تبجيلاً لـ«الإله بوذا»، وتضم كثيراً من الآثار البوذية المهمة. ومن المفترض أن تكون بمثابة تلة دفن مقدسة لبقايا «الرب بوذا» الموزعة.

هامبي الأثرية (شاترستوك)

هامبي

مدينة الأطلال هامبي من مواقع التراث العالمي لدى «اليونيسكو» في ولاية كارناتاكا بجنوب الهند. وتضم أكثر من 500 من المعالم الأثرية والمعالم السياحية، ما يجعل المدينة كلها عامل جذب سياحي. وتمتاز هامبي بتوازن نموذجي بين التاريخ والمغامرة، وهما وجهان مختلفان للسياحة. وتحوي المدينة مزارات يجب ألا يفوّتها المرء، وأشياء لا حصر لها للقيام بها. كانت هامبي عاصمة إمبراطورية فيجاياناجار، وتقع على ضفاف نهر تونغابهادرا في ولاية كارناتاكا. وتعد أنقاض القصور في هامبي والمعابد والمباني الملكية بمثابة شاهد على ثروة وعظمة أباطرة فيجاياناجار.

نالاندا (ثاني أكبر جامعة هندية قديمة)

يضم الموقع الأثري في نالاندا ماهافيهارا بقايا أثرية لمؤسسة رهبانية ومدرسية يعود تاريخها إلى القرن الثالث قبل الميلاد، واستمرت حتى القرن الثالث عشر الميلادي. تبرز نالاندا باعتبارها أقدم جامعة في شبه القارة الهندية. وشاركت الجامعة في النقل المنظم للمعرفة على مدى فترة متواصلة استمرت 800 عام.

يتضمن الموقع أبراجاً وأضرحة، إضافة إلى مبانٍ سكنية وتعليمية، وأعمال فنية مهمة من الجص والحجر والمعادن. اشتهرت جامعة نالاندا خلال العصور القديمة، وبنت لنفسها مكانة أسطورية لمساهمتها في التعليم والثقافة والحضارة.

وجرى إدراج موقع نالاندا الأثري في قائمة التراث العالمي عام 2009. وكان مخصصاً في المقام الأول للدراسات البوذية، إلى جانب التعليم في الفنون الجميلة والطب والرياضيات وعلوم الفلك والسياسة وفنون الحرب.

اليوم، يفد السياح لمشاهدة أنقاض مجمع الجامعة الذي أحرقه الغازي بختيار خلجي بحلول نهاية القرن الثاني عشر، وأحرق معه طلاباً ومعلمين وغيرهم أحياء. ويقال إن المكتبة كانت مجموعة ضخمة من الكتب، لدرجة أن النيران ظلت مشتعلة بها طيلة 6 شهور بعد إضرام النار فيها.


مقالات ذات صلة

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق سياح يصطفون للدخول إلى معرض أوفيزي في فلورنسا (أ.ب)

على غرار مدن أخرى... فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

تتخذ مدينة فلورنسا الإيطالية التاريخية خطوات للحد من السياحة المفرطة، حيث قدمت تدابير بما في ذلك حظر استخدام صناديق المفاتيح الخاصة بالمستأجرين لفترات قصيرة.

«الشرق الأوسط» (روما)

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.