تُتوّج «جغرافيا القصيدة»، الفعالية الأدبية التي تحتضنها منطقة الدرعية التاريخية، مسار مبادرات زيّنت عاماً كاملاً احتفت فيه السعودية بمكانة الشعر العربي ورمزيته الثقافية وقيمته الحضارية.
ومن 17 إلى 26 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، تنظّم وزارة الثقافة فعالية في ميادين بمحافظة الدرعية، تتضمّن عرض مسرحية غنائية بعنوان «رسومٌ وطَلَل»، ومعرضاً تفاعلياً بعنوان «جغرافيا القصيدة»؛ تتويجاً لمبادرة «مسار الشعر العربي»، وتشكيلاً لختام يليق بمبادرة «عام الشعر العربي 2023»، الذي أطلقته المملكة، ودشَّن عنواناً لإعادة الاتصال بين الماضي الأدبي التاريخي والمشهد الثقافي العربي اليوم، من قلب الجزيرة العربية التي لعبت دوراً محورياً في بناء التجربة الشعرية والفكرية العربية، وساهم شعراؤها في تشكيل الهوية الأدبية والثقافية للتراث العربي.
سيرة شعرية ومكانية سخيّة
تضمّ الفعالية الفريدة قوالب إبداعية مبتكرة، تبدأ بتنقيب مسرحية «رسوم وطَلل» في التراث الشعري العربي لاستطلاع جغرافية المملكة، وتقاطعها مع مواقع وردت على ألسنة الشعراء، لإخراجها في حلّة غنائية معاصرة. بينما تتناول حكايتها رحلة بحث تتنافس فيها مجموعة شبان يقودهم «طَلَل»، ومجموعة شابات تقودهن «رسوم»؛ فيحاكون سيرة المكان في شعر ما قبل الإسلام، وعصر صدر الإسلام، الذي وردت فيه الأماكن والأطلال في أنحاء الجزيرة العربية التي تمثلها السعودية اليوم. في النهاية، يصلون إلى اكتمال خريطة الشعر العربي القديم، داخل جغرافيا المملكة، ليظهر الشعراء في بلادهم مجدداً بعد قرون، ثم يقع بطلا الرحلة في الحب.
مناطق رئيسية عدة، تُمتع الزوار على مدى 10 أيام بمجموعة من الفعاليات والأنشطة الثقافية الإبداعية الثرية، تشمل منطقة المسرح، ومعرض جغرافيا القصيدة، وأجنحة الشعر العربي، بالإضافة إلى المعرض الفنيّ «جدارية جغرافيا القصيدة» المصمَّمة بطريقة إبداعية، تضمّ فنون الخط العربي، والنقوش، والتشكيل، وتعكس مزجاً فاتناً بين الهوية والأصالة، والتجريد والحداثة.
تروي الجدارية حكاية الجغرافيا الشعرية على أرض المملكة، وهي حكاية تناولتها المسرحية. ويستلهم كل جزء من الجدارية، إشارات وعلامات دلالية إلى المدن والأماكن السعودية (الجغرافيا)، ممزوجة بالحروف والخط العربي لأبيات الشاعر الذي عاش في تلك الأنحاء (القصيدة).
غِنى التجربة الشعرية العربية
تأتي فعالية «رسومٌ وطَلَلْ... جغرافيا القصيدة» ضمن برامج وأنشطة مبادرة «عام الشعر العربي 2023»، وامتداداً لمبادرات احتفت بغنى التجربة الشعرية العربية وتاريخها العريض. وأجمعت المبادرات منذ صدور موافقة مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، مطلع العام الحالي، على تسمية عام 2023 «عام الشعر العربي»؛ تعميقاً للاعتزاز بالتراث والإبداع، وتأصيلاً لدور الجزيرة العربية وطناً لثقافة العرب وإنجازهم الحضاري.
وعزّزت المبادرات على امتداد العام، مكانة الشعر العربي في ثقافة الفرد، وأضاءت على الأماكن والمواقع السعودية التي عاش بها الشعراء العرب أو وردت في قصائدهم، مع إبراز المكانة الحضارية للجزيرة العربية، ودورها المؤثر في نشأة الشعر العربي ونهضته الكبرى التي جعلت من هذا الفن البديع ديواناً للعرب، ومكسباً للعقول، ببحوره وفنونه وأساليبه وقصائده، التي نقلت مآثر العرب، وتجلّت فيها مشاعرهم وأفكارهم وتطلعاتهم نحو الخير والحياة والحب والجمال.