معاناة مريرة للسوريين من تثبيت «التوقيت الصيفي» على مدار العام 

للعام الثاني... طلاب المدارس يغادرون وسط الظلام والبرد

مدارس سوريا في الشتاء وتوقيت لا يراعي قصر اليوم (الشرق الأوسط)
مدارس سوريا في الشتاء وتوقيت لا يراعي قصر اليوم (الشرق الأوسط)
TT

معاناة مريرة للسوريين من تثبيت «التوقيت الصيفي» على مدار العام 

مدارس سوريا في الشتاء وتوقيت لا يراعي قصر اليوم (الشرق الأوسط)
مدارس سوريا في الشتاء وتوقيت لا يراعي قصر اليوم (الشرق الأوسط)

مع بدء فصل الشتاء، تجددت معاناة سكان دمشق من مسألة ذهاب أطفالهم وبناتهم إلى المدارس والجامعات في الصباح الباكر، بسبب الظلمة، وعدم ترسخ حالة الأمان بشكل كامل، وذلك في ظل قرار الحكومة، للسنة الثانية، إلغاء التوقيت الشتوي، وتثبيت العمل بالتوقيت الصيفي على مدار العام. وما زاد من هذه المعاناة خلو الشوارع من الإنارة مع الانقطاع شبه الدائم للتيار الكهربائي.

وكانت سوريا تعد من دول الشرق الأوسط التي تعتمد نظام التوقيتين الصيفي والشتوي، إذ تبعد عن خط الطول الأول، غرينيتش، بمسافة خطي طول إلى الشرق، أي بفارق ساعتين عن التوقيت العالمي.

ولكن للعام الثاني على التوالي يجري العمل في مناطق الحكومة السورية بالتوقيت الصيفي على مدار العام، بعدما قررت الحكومة في بداية أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، إلغاء العمل بالتوقيت الشتوي الذي كان معمولاً به على مدى عقود في سوريا، واعتماد التوقيت الصيفي على مدار العام، في قرار مماثل لما اعتمدته دول بالمنطقة كالأردن وتركيا.

وفي ظل تثبيت التوقيت الصيفي، بات تلاميذ مدارس وطالبات وطلاب جامعات وموظفون، يخرجون من منازلهم وسط العتمة، لأن الشمس تشرق حالياً في السابعة و20 دقيقة، وفي ديسمبر (كانون الأول) ويناير (كانون الثاني)، تشرق عند السابعة و45 دقيقة، على حين يبدأ دوام المدارس عند الساعة الثامنة.

وسط هذه الحال، يضطر «سمير» إلى إيصال ابنته الطالبة في قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة دمشق، إلى موقف الحافلات الذي يبعد عن منزله نحو 300 متر، عندما تكون لديها محاضرة في الثامنة صباحاً.

الرجل الذي يقطن في حي الزهور العشوائي جنوب دمشق، يقول: «كي تصل إلى الجامعة في موعد المحاضرة، يجب عليها مغادرة البيت في السادسة والنصف، وفي هذا التوقيت (الدنيا عتمة)، وأخاف أن يحدث لها مكروه في الطريق فأقوم بإيصالها إلى موقف الباصات ومساعدتها على الصعود، في ظل أزمة المواصلات التي لم تنته بعد».

يضيف الرجل: «صحيح أن أحاديث الناس عن حدوث حالات خطف وسرقة تراجعت، ولكن نسمع بين فترة وأخرى أن فلاناً أو فلانة سُرقت حقيبتها أو هاتفها من يديها في الطريق بوضح النهار من قبل شبان يقودون دراجات نارية)».

ومع انعدام وسائل التدفئة في المنازل، باتت الأمهات والآباء يشكون من صعوبة في إيقاظ أبنائهم للذهاب إلى المدارس. وتوضح سيدة لديها طفل في مرحلة التعليم الأساسية – الحلقة الأولى، أنه على الرغم من عدم حدوث موجات برد شديدة حتى الآن، فإن الصباح الباكر يكون بارداً ويرفض «وسيم» النهوض من الفراش. تضيف السيدة: «الماء بارد جداً في الصباح الباكر، ولا توجد وسيلة لكسر برودته، لا كهرباء لتشغيل مدفأة كهربائية، ولا مازوت ولا غاز. أرافق الولد للمدرسة وهو في طريقه يرتجف برداً، حتى أنه يرفض تناول ولو بسكوتة».

عتمة وندرة محروقات

توزيع قوارير الغاز في دمشق (الشرق الأوسط)

تعاني مناطق الحكومة السورية منذ سنوات من أزمة خانقة في توافر المحروقات (مازوت، بنزين وغاز منزلي)، وكذلك من أزمة حادة في تأمين الكهرباء، بسبب العجز عن تأمين الغاز والفيول لتشغيل محطات توليد الكهرباء، خصوصاً مع وجود عقوبات دولية.

وبرر محمد العصيري رئيس الجمعية الفلكية التابعة للحكومة أسباب إقدام الحكومة على عدم التغيير للتوقيت الشتوي، بأن الدراسات أثبتت أن اعتماد التوقيت الصيفي يُوفر نحو 3.5 في المائة من الطاقة، نتيجة استثمار أكبر فترة ممكنة من الإنارة من ضوء الشمس، لكن واقع الكهرباء لم يتحسن بعد القرار السابق بل ازداد سواء.

وقبل نحو أسبوعين داهمت أول موجة برد متوسطة سكان دمشق، ولوحظ تراجع «برنامج تقنين» التيار الكهربائي في أغلبية أحياء العاصمة، إلى 14 ساعة قطع مقابل ساعة وصل، بعدما كان 4 ساعات قطع مقابل ساعتي وصل، لتتحول الأحياء المحيطة بوسط دمشق في فترة انقطاع الكهربائي ليلاً إلى مناطق «أشباح».

وتشهد عموم شوارع دمشق ما بين السابعة والسابعة والنصف صباحاً، ازدحاماً بتلاميذ المدارس وطلاب وطالبات الجامعات والموظفين، ويلفت الانتباه أن كثيراً من الطالبات والتلاميذ يرافقهم إخوة لهم أو آباؤهم أو أمهاتهم بسبب الظلام، بينما تبدو مظاهر الشكوى من البرد على وجوه وحركات التلاميذ الصغار رغم ارتدائهم معاطف شتوية وقبعات صوف.

وإن كان التلاميذ وطلاب الجامعات خلال أيام الدوام الرسمية يستأنسون نوعاً ما بازدحام المارة في الطرقات، إلا أن الطلاب والطالبات الذين يدرسون في جامعات خاصة برامجهم الدراسية تتضمن الدوام يومي العطلة الرسمية الجمعة والسبت، وبالتالي يخرجون في الظلام الدامس، والطرقات التي تنعدم فيها الإنارة تكون شبه خالية من المارة، وحتى السيارات الخاصة ووسائل النقل العامة.

يوضح شاب أنه في كل صباح يرافق أخته التي تدرس الطب البشري في جامعة خاصة إلى حين تأمينها في وسيلة نقل تقلها إلى منطقة البرامكة وسط العاصمة، حيث مكان وقوف الحافلات الخاصة إلى مقر الجامعة. يضيف الشاب: «من المستحيل تركها تذهب وحدها خصوصاً يومي الجمعة والسبت، فالشوارع فارغة، ولا نقل عام، وضعاف النفوس إن لم يسرقوا حقيبتها أو هاتفها سيتحرشون بها».

هطولات مطرية متفرقة على سوريا الاثنين (سانا)

المعاناة في دمشق من الذهاب إلى المدارس والجامعات وأماكن العمل تكون أصعب في المناطق التي كانت تحت سيطرة فصائل المعارضة واستعادها الجيش، وذلك بسبب الحالة الفنية الرديئة للطرقات، وانتشار الركام على جانبيها والأبنية المنهارة، إضافة إلى وجود أقسام مكشوفة من شبكة الصرف الصحي، وعدم وجود أغطية لأغلبية فتحات الشبكة المخصصة لتصريف مياه الأمطار والشطف.

شاب يقطن في أقصى جنوب حي «التضامن» الدمشقي الملاصق لبلدة «يلدا» التابعة لمحافظة ريف دمشق، يوضح أنه يتكبد العناء للوصول إلى منتصف الحي حيث تنطلق من هناك سرافيس صغيرة عامة تقل الطلاب والموظفين إلى وسط العاصمة. ويضيف: «الطرقات غير منارة، وأمشي على ضوء القداحة أو الموبايل. من لا يتوخى الحذر قد يتعثر بالركام مرات عدة ويقع».

 

 

 

 


مقالات ذات صلة

إيطاليا تعين سفيراً لدى سوريا

أوروبا 
وزير الخارجية الإيطالي (إ.ب.أ)

إيطاليا تعين سفيراً لدى سوريا

أعلن وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاياني، أمس، أن بلاده قررت تعيين سفير لدى سوريا «لتسليط الضوء» عليها، ما يجعلها أول دولة من مجموعة الدول السبع الصناعية.

«الشرق الأوسط» (روما)
أوروبا 
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث إلى الرئيس السوري في زيارة غير مجدولة (أ.ف.ب)

بوتين يلتقي الأسد في موسكو ويحذر من تصعيد في المنطقة

أعلن الكرملين، أمس (الخميس)، أن الرئيس فلاديمير بوتين أجرى جولة محادثات مساء الأربعاء مع الرئيس السوري بشار الأسد، الذي وصل العاصمة الروسية.

رائد جبر (موسكو) «الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية أهالي الباب بريف حلب الشرقي احتجوا على دخول القوات الروسية مؤخراً إلى معبر أبو الزندين (إكس)

​تركيا تناقش مع روسيا عودة الدوريات المشتركة على طريق «إم 4»

كشفت تركيا عن مفاوضات مستمرة مع روسيا لإعادة تسيير الدوريات المشتركة على طريق حلب - اللاذقية الدولي (إم 4) في إدلب.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي السائح الصيني هان مينجي (السويداء 24)

العثور على المواطن الصيني الذي اختفى في السويداء

كشفت مصادر إعلامية محلية أن المواطن الصيني المختفي كان محتجزاً لدى إحدى الجهات الأمنية السورية، وجرى تسليمه لسفارة بلاده ليتم ترحيله إلى الصين.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

«تسخين» إيراني - أميركي شرق سوريا وغارات روسية مكثفة على مواقع «داعش»

حقل «كونكو» للغاز الذي استهدفته ميليشيات تابعة لإيران (موقع دير الزور 24)
حقل «كونكو» للغاز الذي استهدفته ميليشيات تابعة لإيران (موقع دير الزور 24)
TT

«تسخين» إيراني - أميركي شرق سوريا وغارات روسية مكثفة على مواقع «داعش»

حقل «كونكو» للغاز الذي استهدفته ميليشيات تابعة لإيران (موقع دير الزور 24)
حقل «كونكو» للغاز الذي استهدفته ميليشيات تابعة لإيران (موقع دير الزور 24)

بعد أقل من يومين على تحذيرات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للرئيس السوري بشار الأسد من اتجاه الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط نحو التصعيد، شنَّت قوات التحالف الدولي غارات جوية على مواقع ميليشيات رديفة للقوات الحكومية السورية تابعة لإيران في شرق سوريا، ليل الجمعة - السبت، وذلك رداً على استهداف قاعدة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في حقل غاز «كونيكو» بريف دير الزور، فيما أفادت مصادر إعلامية السبت بقيام طائرة استطلاع وتجسس أميركية بمسح جوي في المنطقة الجنوبية والعاصمة دمشق وريفها وحمص حتى الساحل السوري ولبنان، كما شهدت الحدود السورية - العراقية، شمال شرقي محافظة الحسكة، تحليقاً مكثفاً لطائرات التحالف الدولي.

بالتوازي، شنَّت قوات الجو الروسية غارات مكثفة على مواقع لتنظيم «داعش» في بادية تدمر والسخنة في ريف حمص الشرقي، وفق ما ذكره «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، يوم السبت، لافتاً إلى أن هذه الغارات جاءت بعد فترة من تسجيل تراجع ملحوظ في الغارات الروسية على مواقع تنظيم «داعش»، قياساً إلى أكثر من 100 غارة جوية نفذتها على مواقع «داعش»، في بادية حماة وحمص ودير الزور والرقة، خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي.

وترافقت الغارات الجوية الروسية المكثفة السبت مع حملة التمشيط التي تقوم بها القوات الحكومية بدعم من سلاح الجو الروسي من بادية حماة الشرقية، وصولاً إلى بادية الرقة الغربية، وبادية تدمر والسخنة وجبالها في ريف حمص الشرقي وتلال البشري وكباجب والتبني ومعدان، جنوب دير الزور، وفق ما ذكرته مصادر محلية قالت إن غارات السبت تركزت على منطقة السخنة، وصولاً إلى كباجب وجبال البشري الممتدة على طول البادية، وترافقت مع تحليق طائرات استطلاع روسية.

وكان الرئيس الروسي قد حذر من أن «الوضع يزداد توتراً في الشرق الأوسط»، خلال استقباله الرئيس السوري، يوم الأربعاء الماضي، في موسكو، معتبراً «المباحثات مع الأسد فرصة لبحث كل التطورات والسيناريوهات المحتملة»، وفق ما نقلته «وكالة الأنباء السورية (سانا)»، لافتة إلى أن الرئيس الأسد رد بأنّ كلاً من سوريا وروسيا «مرّ بتحديات صعبة واستطاعا تجاوزها دائماً»

وتوقعت المصادر ارتفاع درجة التسخين الإيراني - الأميركي شرق سوريا، حيث مراكز وجودهما الأقوى في سوريا والمنطقة، بهدف تعزيز كل منهما مواقعه، ولفتت إلى وجود مخاوف من استغلال تنظيم «داعش» التوتر الحاصل للعودة إلى نشاطه شرق سوريا، وربما هذا ما دفع الجانب الروسي إلى تكثيف غاراته على مواقع التنظيم بالتعاون مع القوات الحكومية، وفق المصادر التي رأت أن احتمال عودة نشاط «داعش» إلى سوريا والعراق سيخلط الأوراق ويدفع الأوضاع نحو المزيد من التعقيد.

مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، رامي عبد الرحمن، قال إن الميليشيات الرديفة للقوات الحكومية السورية التي تتبع إيران تلقت أوامر بالتصعيد ضد القاعدة الأميركية في حقل كونيكو للغاز «بعينها»، وقد تم استهدافها يوم الجمعة بـعشرة صواريخ، ويوم الخميس بثلاثة.

وردَّت قوات التحالف على تلك الضربات السبت دون إيقاع خسائر بشرية، واعتبر عبد الرحمن تبادل الضربات الإيرانية - الأميركية «رسائل متبادلة بين الطرفين».

من جانبه، أفاد موقع «صوت العاصمة» بقيام طائرة استطلاع وتجسس أميركية من طراز RQ - 4B Global Hawk بمسح جوي استمر لأكثر من 21 ساعة متواصلة. وبحسب الموقع «تركز المسح في المنطقة الجنوبية والعاصمة دمشق وريفها وحمص حتى الساحل السوري ولبنان»، دون ذكر تفاصيل أخرى أو مصدر المعلومة، فيما قال موقع «الخابور» إن تحليقاً مكثفاً لطائرات التحالف الدولي جرى السبت على الحدود السورية - العراقية شمال شرقي الحسكة.