المضادات الحيوية تفقد تأثيرها ضد أمراض الأطفال

بعضها تلاشت 50 % من فاعليته

المضادات الحيوية تفقد تأثيرها ضد أمراض الأطفال
TT

المضادات الحيوية تفقد تأثيرها ضد أمراض الأطفال

المضادات الحيوية تفقد تأثيرها ضد أمراض الأطفال

على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها «منظمة الصحة العالمية (WHO)» في التوعية بخطر الإفراط في استخدام المضادات الحيوية، فإن هذه الجهود لم تحقق الثمار المرجوة منها في الحد من تناولها من دون مبرر حقيقي.

وأصبح العالم في مواجهة خطر فقدان مفعول المضادات الحيوية بالكامل في القضاء على الميكروبات، بعد أن نجح معظم أنواع البكتيريا في تكوين مقاومة لعملها (antibiotic resistance)، مما يجعلها دون أي فائدة تذكر؛ بل على النقيض يمكن أن تكون ضارة، وهو الأمر الذي يعني حدوث ملايين الوفيات من أمراض كانت تعالَج ببساطة.

فقدان الفاعلية العلاجية

ووفق أحدث دراسة لعلماء من «جامعة سيدني (University of Sydney)» نُشرت في بداية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي بمجلة «لانسيت - جنوب شرقي آسيا (Lancet - South East Asia)» الطبية، فإن هناك كثيراً من المضادات الحيوية التي كانت تستخدم بفاعلية مؤكدة فقدت أكثر من 50 في المائة من تأثيرها الدوائي لدى الأطفال، وذلك في علاج التهابات الجزء الأسفل من الجهاز التنفسي (الالتهاب الشعبي والالتهاب الرئوي)، وأيضاً لمكافحة تسمم الدم نتيجة للبكتيريا (sepsis) و«الالتهاب السحائي (meningitis)» والتهاب مجرى البول. وهذه الأمراض يمكن أن تكون مهددة للحياة لدى الأطفال بشكل خاص إذا لم تعالَج.

أوضحت الدراسة أن مقاومة مضادات الميكروبات تُعدّ من أهم 10 تهديدات عالمية للصحة العامة تواجه البشرية على الإطلاق؛ بما فيها أنواع السرطانات المختلفة.

وعلى سبيل المثال؛ لدى الأطفال حديثي الولادة هناك على وجه التقريب توجد 3 ملايين حالة سنوياً من تسمم الدم على مستوى العالم. ونظراً إلى مقاومة البكتيريا، فإنه تحدث وفيات تصل إلى 570 ألف حالة، وهو عدد كبير جداً كان من الممكن تفاديه لولا الإفراط في استعمال المضادات، مما أفقدها تأثيرها على الميكروبات الحساسة لها.

وأشار الباحثون إلى وجود مناطق معينة في العالم تزيد فيها نسبة الخطورة، مثل جنوب شرقي آسيا والمحيط الهادي، خصوصاً إندونيسيا والفلبين؛ حيث تحدث سنوياً آلاف الوفيات بين الأطفال.

تحديث التوصيات الطبية

وذكر العلماء أن هناك حاجة ملحة لتحديث التوصيات العالمية الخاصة باستخدام المضادات الحيوية لتواكب التطور الكبير الذي حدث في مقاومة البكتيريا، بمعنى التوصية باستخدام عائلات معينة من المضادات لها تأثير أقوى على الميكروبات التي كانت تستجيب للمضادات العادية. وعلى سبيل المثال، استخدام المضادات واسعة المجال بدلاً من تلك التي تؤثر على نوعية واحدة من الميكروبات في بعض الحالات. وكانت أحدث التوصيات صدرت عن منظمة الصحة العالمية في عام 2013.

وجدت الدراسة أن بعض عائلات المضادات الحيوية واسعة المجال التي كانت تتسم بفاعلية كبيرة وتستخدم في علاج الحالات الخطرة، مثل الجيل الثالث من الـ«سيفالوسبورين» وعلى وجه التحديد «سيفترياكسون (ceftriaxone)»، من المحتمل أن تكون فعالة في علاج حالة واحدة فقط من كل 3 حالات من تسمم الدم أو الالتهاب السحائي لدى الأطفال حديثي الولادة. وأيضاً فقدت عائلة الـ«جنتاميسين (gentamicin)» 50 في المائة من فاعليتها في علاج الحالات السابقة نفسها.

وأكدت الدراسة أن مقاومة مضادات الميكروبات تُعدّ مشكلة شديدة الخطورة بالنسبة إلى الأطفال أكثر من البالغين؛ وذلك لأن العائلات الجديدة من المضادات الحيوية تحتاج إلى تجارب طويلة لإثبات عامل الأمان في تناولها، وبالتالي لا تُستخدم مع الأطفال بالقدر نفسه، ويفضل الأطباء تجربة المضادات الأقل أعراضاً جانبية والأكثر أماناً وفاعلية، ولكن مع الاستخدام المفرط للأدوية المتعارف عليها، نجحت البكتيريا في تكوين المقاومة لعملها، ولذلك فإن حياة ملايين الأطفال مهددة.

وأشار العلماء إلى أن نسبة مقاومة المضادات الحيوية ترتفع بسرعة أعلى من التي توقعتها منظمة الصحة العالمية وحذرت منها. وحلل الباحثون البيانات الخاصة بآلاف من عينات البكتيريا الشائعة المسببة لعدوى الأطفال من 11 دولة على مستوى العالم، وراجعوا مئات الأبحاث عن الطرق التي يمكن بها تفادي مقاومة الميكروبات، وانتهوا إلى ضرورة وجود توصيات تسمح باستخدام «العائلات الجديدة» مع الأطفال؛ على أن يتم التأكد من نسبة الأمان.

نصائح للأمهات

حذرت الدراسة من خطورة الأمر بشكل خاص في دول العالم الثالث التي يمكن فيها للمريض الحصول على الدواء من دون وصفة طبية بمجرد شرائه من الصيدلية. وفي الأغلب تضطر الأمهات نتيجة للظروف الاقتصادية إلى عدم الذهاب للطبيب، وشراء المضاد الحيوي مباشرة في حالة مرض الطفل وارتفاع درجة حرارته، وذلك للاعتقاد السائد أن كلمة المضاد الحيوي تعني أن الدواء قادر على خفض حرارة الطفل بغض النظر عن منشأ المرض.

نصحت الدراسة بضرورة نشر الوعي الطبي بين الأمهات، والتعريف بخطورة فقدان المضادات فاعليتها نتيجة استخدامها في غير موضعها، وأكدت أن ارتفاع الحرارة (المؤشر الأساسي على ضرورة تناول المضادات) ليس بالضرورة نتيجة عدوى بكتيرية، ويمكن أن تصل درجة حرارة الطفل إلى 40 درجة مئوية نتيجة عدوى فيروسية، وفي هذه الحالة يكون المضاد دون أي قيمة على الإطلاق؛ لأن كلمة «مضاد حيوي» تعني أنه مضاد للبكتيريا وليس للفيروسات أو الطفيليات.

كما يجب على الأمهات الالتزام بالجرعة المحددة سلفاً لحالة طفلها، وبالفترة الزمنية التي أوصى بها الطبيب فقط، ولا يتم تجاوزهما رغبة في مزيد من التحسن، بمعنى أنه ليس هناك أي داعٍ لاستخدام زجاجة المضاد حتى نهايتها؛ لأن الطبيب يقيم كل حالة بشكل مختلف عن الأخرى، وفق ضوابط معينة، وفي حالة التوصية بفترة قصيرة تكون هذه الفترة هي القادرة على السيطرة على المرض دون حدوث أعراض جانبية.

* استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

ما عدد ساعات النوم التي يحتاج إليها الإنسان في كل مرحلة عمرية؟

صحتك سيدة لديها أرق (رويترز)

ما عدد ساعات النوم التي يحتاج إليها الإنسان في كل مرحلة عمرية؟

يُعد النوم أمراً أساسياً وحيوياً في حياة كل إنسان، ومع الانتقال من مرحلة عمرية لأخرى يختلف عدد ساعات النوم التي يحصل عليها.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك للقهوة فوائد كبيرة على بكتيريا الأمعاء المفيدة (إ.ب.أ)

القهوة قد تساعد في حماية العضلات مع التقدم في العمر

قد يؤدي تناول القهوة إلى حماية العضلات مع التقدم في العمر، وتقليل احتمالات التعرض لإصابات من السقوط، وقد يُبقي الإنسان قادراً على الحركة لفترة أطول.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك 7 حقائق عن صيوان الأذن الخارجي

7 حقائق عن صيوان الأذن الخارجي

الأذن البشرية سمة مميزة للوجه. وعند وصف الجزء المنحني بالطيات والظاهر للعيان من الأذن، فإننا نتحدث عن «صيوان الأذن» Auricula أو Pinna.

د. عبير مبارك (الرياض)
صحتك المضادات الحيوية تنقذ أطفال أفريقيا

المضادات الحيوية تنقذ أطفال أفريقيا

رغم المخاوف التي تجتاح الأوساط الطبية في العالم كله بسبب الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية، لكن لا يوجد جدال حول أهميتها الطبية في إنقاذ مئات الآلاف من الأرواح

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك صورة لقلب مصاب باعتلال عضلته (إلى اليمين) وقلب سليم

أمراض القلب والأوعية الدموية للصغار والكبار

تقام خلال شهر سبتمبر (أيلول) احتفالات مختلفة لعدد من المناسبات الصحية، هدفها رفع مستوى الوعي حول مواضيع تلك المناسبات، ومنها الرجفان الأذيني

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (جدة)

ما عدد ساعات النوم التي يحتاج إليها الإنسان في كل مرحلة عمرية؟

سيدة لديها أرق (رويترز)
سيدة لديها أرق (رويترز)
TT

ما عدد ساعات النوم التي يحتاج إليها الإنسان في كل مرحلة عمرية؟

سيدة لديها أرق (رويترز)
سيدة لديها أرق (رويترز)

يُعدّ النوم أمراً أساسياً وحيوياً في حياة كل إنسان، ومع الانتقال من مرحلة عمرية إلى أخرى يختلف عدد ساعات النوم التي يحصل عليها الإنسان، حيث يقضي حديثو الولادة أغلب أيامهم في النوم، ويتناقص ذلك تدريجياً مع مرحلتي الطفولة والمراهقة.

ووفقاً لما ذكره خبير النوم، رضا ويجل، لصحيفة «نيويورك بوست» الأميركية، يؤثر البلوغ والشيخوخة بشكل كبير على النوم، فبينما ينام المراهقون كثيراً وفي وقت متأخر، ينام كبار السن في وقت مبكر من المساء. كل هذا يشير إلى أن متطلبات النوم متغيرة باستمرار.

وقال إن هناك عدد ساعات من النوم التي يحتاج إليها الإنسان في كل مرحلة عمرية

النوم احتياج أساسي (رويترز)

الرضع

في عامهم الأول من العمر، يتضاعف وزن الأطفال ثلاث مرات، والراحة الوفيرة تدعم هذه الزيادة، حيث يفرز الجسم هرمون النمو أثناء النوم. ومن الولادة إلى ثلاثة أشهر، ينام الأطفال من 14 إلى 17 ساعة في اليوم.

ومن أربعة إلى اثني عشر شهراً، يبدأ الأطفال النوم بشكل أقل مع تكيفهم مع إيقاع الساعة البيولوجية.

الأطفال الصغار

تستمر احتياجات النوم في الانخفاض مع اجتياز الأطفال عتبة مرحلة الطفولة وتباطؤ معدلات النمو، ويحتاج الأطفال إلى 11-14 ساعة من النوم، من عمر سنة إلى سنتين، و10-13 ساعة من ثلاث إلى خمس سنوات.

ووفقاً لمؤسسة النوم الوطنية، بحلول 18 شهراً، يحصل معظم الأطفال الصغار على قيلولة واحدة في اليوم، تستمر من ساعة إلى ثلاث ساعات. وابتداءً من سن الثالثة، تختلف القيلولة من طفل إلى آخر، حيث يتخلص البعض منها تماماً.

وقال جوشوا تال، عالم النفس المتخصص في النوم والصحة بنيويورك، لمجلة «تايم» الأميركية: «لدينا بعض الأطفال الذين يتخلّون عن القيلولة، في وقت أبكر بكثير من الأطفال الآخرين؛ لأنها تؤثر عليهم في الليل».

النوم يقلل خطر الإصابة بأمراض القلب بنسبة تصل إلى 20 % (رويترز)

المراهقون

يحتاج المراهقون إلى ثماني إلى عشر ساعات من النوم كل ليلة، فمن سن السادسة إلى الثانية عشرة، يتوقفون عن القيلولة عادةً، وتنخفض احتياجات النوم إلى تسع إلى اثنتي عشرة ساعة في الليلة.

ومع ذلك يجلب البلوغ احتياجات متغيرة وبداية للتحديات، ومن المستحسن أن يحصل المراهقون على ثماني إلى عشر ساعات من النوم، كل ليلة.

ويكافح كثيرون للحصول على قسط من النوم بسبب تأخر النوم، وارتفاع معدلات اليقظة في المساء، وكل هذا يجعلهم أكثر استعداداً للنوم والاستيقاظ في وقت لاحق. وتشير الأبحاث إلى أن المراهقين الذين ينامون بشكل روتيني لمدة 30 إلى 60 دقيقة يومياً، لديهم انتباه أفضل، ومن ثم قد يكمن حل الحرمان من النوم في وقت القيلولة.

البالغون

عندما نصل إلى مرحلة البلوغ، يكون النوم بمثابة صيانة للجسم أكثر منه دعماً للنمو، حيث أوضح تال أن الجسم يحتاج إلى الرعاية و«الصيانة». وينعكس هذا الثبات في النمو في انخفاض احتياجات النوم، حيث تكون سبع إلى ثماني ساعات هي المدة المثالية، وإذا كنت بحاجة إلى مزيد منه، فيُحذّر تال من أنك قد تعاني اضطراباً في النوم مثل انقطاع النفَس أثناء النوم أو فرْط النوم، ويجب عليك طلب المساعدة الطبية.

وكما هي الحال مع كل الأشياء، فإن التوقيت هو كل شيء، وتشير الأبحاث الحديثة إلى أن الذهاب إلى النوم بحلول الساعة 1 صباحاً يمكن أن يقلل خطر الإصابة بحالات عقلية وسلوكية مثل الاكتئاب والقلق، فبالنسبة لأولئك الذين يتطلعون إلى تحسين نومهم، يقترح الخبراء ممارسة الرياضة في المساء، واتباع نظام غذائي غني بالفواكه والخضراوات.

كبار السن

بعد سن 65، يقلّ إنتاج الميلاتونين «هرمون النوم»، مما يؤدي إلى نومٍ أقلَّ وأخفَّ، ويمكن أن يصبح التبول أكثر، مما يؤثر على النوم.

ويرتبط التقدم في السن أيضاً بإيقاع الساعة البيولوجية الذي يجعل الجسم يتوق إلى وقت نوم مبكر والاستيقاظ، لكن يجب أن تكون المدة من سبع إلى ثماني ساعات.