«التغييرات الجذرية»... تهديد حوثي باجتثاث الموظفين السابقين

الجماعة تسعى إلى تنصيب أتباعها في كل مفاصل المؤسسات

أعلن عبد الملك عن إجراء تغييرات جذرية في هيكل المؤسسات التي تسيطر عليها جماعته لمواجهة المطالب بالرواتب والشكاوى من الفساد (غيتي)
أعلن عبد الملك عن إجراء تغييرات جذرية في هيكل المؤسسات التي تسيطر عليها جماعته لمواجهة المطالب بالرواتب والشكاوى من الفساد (غيتي)
TT

«التغييرات الجذرية»... تهديد حوثي باجتثاث الموظفين السابقين

أعلن عبد الملك عن إجراء تغييرات جذرية في هيكل المؤسسات التي تسيطر عليها جماعته لمواجهة المطالب بالرواتب والشكاوى من الفساد (غيتي)
أعلن عبد الملك عن إجراء تغييرات جذرية في هيكل المؤسسات التي تسيطر عليها جماعته لمواجهة المطالب بالرواتب والشكاوى من الفساد (غيتي)

يخشى آلاف الموظفين العموميين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من خسارة وظائفهم تحت مسمى «التغييرات الجذرية» التي أعلن عنها زعيم الجماعة منذ ستة أسابيع، بعدما باتت الوظيفة العامة حكراً على أنصارها، حيث السعي الحثيث للاستيلاء على المناصب الإدارية كافة في المؤسسات.

يؤكد موظفون عموميون في صنعاء، أن إجراءات متصاعدة يمارسها قادة القادة الحوثيون تهدف إلى إزاحتهم من وظائفهم وإحلال أتباع الجماعة في تلك الوظائف، وبدأت تلك الإجراءات منذ عام بإجبارهم على التعهد بالالتزام بكل ما ورد في نصوص ما عرف بـ«مدونة السلوك الوظيفي»، ووصل الأمر إلى تهديدهم بالطرد تحت مبرر «التغييرات الجذرية».

أدى صراع الأجنحة إلى مخاوف لدى زعيم الجماعة الحوثية من ضعف هيمنته على صُعد عدة (إ.ب.أ)

وأعلن عبد الملك الحوثي في احتفال جماعته بالذكرى التاسعة لانقلابها على السلطة والتوافق السياسي في البلاد عن إجراء تغييرات وصفها بالجذرية تستهدف الفساد الذي بات أحد أهم المظاهر التي تميز هيمنة الجماعة على الحياة العامة وإدارتها مؤسسات الدولة، وهو الإعلان الذي جاء عقب تصاعد الاحتجاجات الشعبية لمناهضة تلك الممارسات والمطالبة بالرواتب.

ويواجه عدد من كوادر شركة الاتصالات العمومية (يمن موبايل) خطر الاستغناء عنهم بحكم عدم مزاولة أي مهام أو أنشطة، بعد أن تم إزاحتهم من مواقعهم في الشركة، وإنشاء إدارات هامشية ليس لها أي مهام أو أنشطة.

يفيد أحد الكوادر الفنية في شركة «يمن موبايل»، بأنه بات يعيش قلقاً على مستقبله وعائلته المعيشي بعد أن أفصح القيادي الحوثي عصام الحملي، المُعيّن من قِبل الجماعة رئيساً لمجلس إدارة الشركة، عن نوايا لإغلاق تلك الإدارات ضمن سياسات الإصلاحات الجذرية التي أعلن عنها زعيم الجماعة، وإزاحة العاملين فيها.

وينوّه إلى أنه كان يستشعر إمكانية طرده وزملائه منذ إنشاء تلك الإدارات بقرارات ارتجالية متسرعة وغير مدروسة، حيث بدا واضحاً أن الغرض منها إخلاء المواقع والإدارات المهمة في الشركة لأتباع الجماعة الحوثية، وتهميش كادر الشركة الفني والإداري.

موظفون بلا مهام أو رواتب

يُقدّر عدد من جرى تعيينهم من أتباع الجماعة في مواقع ومناصب قيادية في الشركة (يمن موبايل) بـ70 حوثياً لا يملكون المؤهلات والخبرات اللازمة، حلّوا في مواقع كان يشغلها موظفون من أصحاب الخبرات الطويلة والكفاءات العالية، وتم تجميعهم في الإدارات الهامشية، وتحويلهم مستشارين لا يُعتَدّ بآرائهم في الغالب.

تسبب انقطاع رواتب الموظفين اليمنيين في اتساع دائرة الفقر وحالة من السخط الشعبي العام (غيتي)

وتحدث موظف في أحد فروع المؤسسة العامة للكهرباء عن اكتشافه وعددٍ من زملائه خلال الأسابيع الماضية، أن جميع من تم تعيينهم في المؤسسة من أتباع الجماعة يتقاضون رواتبهم مضافاً إليها الحوافز والمكافآت بشكل منتظم وسري، وإلى جانب ذلك يتحصلون على سلال غذائية كاملة من المساعدات الدولية الموجهة إلى الموظفين العموميين.

يضيف الموظف لـ«الشرق الأوسط»، أنه وزملاءه فكّروا في تنظيم احتجاج ورفع عرائض ضد هذه الممارسات التمييزية؛ إلا أن أحد المنتمين إلى الجماعة والذي جرى تعيينه مديراً عليهم، هدّدهم بالطرد والإقصاء بحجة التشكيك في نزاهة الإجراءات المتبعة لتحقيق الإصلاحات الجذرية، ومخالفة مدونة السلوك الوظيفي.

ويقول باحث اقتصادي يمني: إن غالبية الموظفين العموميين وقعوا بين خيارات صعبة ومعقدة، فهم لا يتقاضون من رواتبهم إلا أجر نصف شهر كل ستة أشهر، لكنهم ملزمون بالاستمرار في الدوام والحضور؛ كي لا يتم إزاحتهم من وظائفهم واستبدالهم بأتباع الجماعة، ولا يجبرهم على تحمل هذه الأوضاع سوى الأمل بحدوث تسوية سياسية تعيد لهم حقوقهم.

ويتابع الباحث الذي تتحفظ «الشرق الأوسط» على بياناته لإقامته في العاصمة صنعاء، أن الحيرة التي يعيشها الموظفون العموميون في انتظار أن تعود لهم مستحقاتهم، تسببت في حدوث نوع جديد من البطالة، وضياع مليارات الساعات من أوقات الإنتاج المفترضة، فهم غالباً لا يؤدون مهام حقيقية؛ نظراً لتعطيل غالبية مؤسسات الدولة، لكنهم ملتزمون بالدوام ولا يتقاضون رواتبهم.

منذ الأيام الأولى للإعلان عنها بدأت الجماعة الحوثية الترويج للتغييرات الجذرية في أوساط أنصارها (إعلام حوثي)

وساهم هذا الوضع، بحسب رأيه، في تفاقم المأساة الإنسانية وتزايد أعداد المتضررين منها بسبب عدم مقدرتهم على الإنتاج، خصوصاً وأن قطاع المال والأعمال تعرّض بدوره لضربات كثيرة حدّت من قدرته على التطور، وتسببت في هجرة الكثير من رؤوس الأموال.

معالجة هشاشة الجماعة

بقدر ما سعت الجماعة الحوثية إلى السيطرة التامة على القطاعات الإيرادية، مثل الضرائب والجمارك والاتصالات والنفط والغاز من خلال زرع عناصرها فيها، عملت على إنشاء كيانات موازية للكثير من مؤسسات الدولة، وتعيين كامل أطقمها الوظيفية من أتباعها؛ ما جعل تلك المؤسسات غير منتجة، وتم تجريدها من مهامها في تقديم الخدمات العامة.

ويرجّح مركز دراسات يمني، أن يكون الغرض من التغييرات الجذرية التي تتبناها الجماعة الحوثية، معالجة الهشاشة والضعف اللذين تعاني منهما، نتيجة تحديات عدة، منها تآكل الجماعة التي يرى أنصارها أن القادة أصبحوا في ثراء فاحش بينما يجري استخدامهم كوقود للمعارك وتركهم للعوز والفقر.

ويوضح مركز اليمن والخليج والدراسات في ورقة له، أن هناك مستويين من التصدعات داخل الجماعة، يتمثل الأول في رغبة أنصارها في الحصول على الامتيازات نفسها التي يحصل عليها القادة، ويبرز الآخر في الجشع على السلطة والثروة والتنافس والنزاع الحاد حول الصلاحيات بين قادة الصف الأول والثاني.

انقطعت رواتب الموظفين العموميين في اليمن بسبب فساد وممارسات الجماعة الحوثية (رويترز)

ويرى عدنان هاشم، مُعدّ الورقة، أن إقالة الحكومة عبر ما يسمى «مجلس الدفاع الوطني»، وليس بقرار مما يسمى «المجلس السياسي الأعلى»، انحياز إلى صف القيادي أحمد حامد، وإقصاء لمنافسه محمد علي الحوثي، إلى جانب الاستجابة لغضب القادة الميدانيين العائدين من جبهات القتال، الذين أتاحت لهم الهدنة فرصة التذمر والاحتجاج.

ووفقاً لهاشم، وهو باحث متخصص في الشأن الخليجي والسياسات الإيرانية؛ فإن هناك مخاوف لدى زعيم الحوثيين من منافسة محتملة على مكانته، مع حاجته إلى تأكيد مشروعية سلطته بصفته القائد والإمام، بخاصة مع زيادة شعبية محمد عبد العظيم الحوثي، حيث وردت معلومات عن اعتقاله قبل أيام من إعلان التغييرات، وتزايد قوة تيار محمد علي الحوثي.

ولا يمكن للتغييرات الجذرية، بحسب الباحث، أن تؤدي إلى معالجة الاختلالات الناجمة عن فشل الحوكمة والفساد والهيمنة على الاقتصاد، بل تسعى إلى تعزيزها، وبمثل ذلك، فإنها لا تهدف إلى التخفيف عما لحق بالجماعة من أضرار نتيجة افتقارها للحلفاء بعد إزاحتها لهم وتنكيلها بهم.

وعلى العكس من ذلك، يبدو أن «التغييرات الجذرية» تتضمن رسالة بالغة القسوة للأطراف المناوئة للجماعة الحوثية بأن أي اتفاق شراكة في الحكم يكون الحوثيون فيه هم النظام والحكومة. وفق ما ذكره الباحث.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يتجاهلون تهديدات نتنياهو ويواصلون هجماتهم تجاه إسرائيل

العالم العربي صورة وزعها الحوثيون لصاروخ هاجموا به إسرائيل يسمونه «فلسطين 2» (إعلام حوثي) play-circle 03:14

الحوثيون يتجاهلون تهديدات نتنياهو ويواصلون هجماتهم تجاه إسرائيل

تجاهل الحوثيون المدعومون من إيران تهديدات بنيامين نتنياهو بضربهم وتدمير البنية التحتية وواصلوا هجماتهم باتجاه إسرائيل بالتوازي مع التصعيد ضد الجيش اليمني في تعز

علي ربيع (عدن)
العالم العربي فوضى أمنية وممارسات عنصرية تؤرق اليمنيين في إب (إ.ب.أ)

انقلابيو اليمن يعززون بعناصر أمن صوب 3 محافظات

دفع الحوثيون بالمئات من عناصرهم الأمنيين من مناطق متفرقة في محافظة إب، صوب محافظات تعز والحديدة والضالع بعد أن فشلوا في حشد مزيد من المجندين.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي النساء يمثلن نحو 19% من المهاجرين الواصلين الشهر الماضي إلى اليمن (الأمم المتحدة)

رقم قياسي لعدد المهاجرين الأفارقة الواصلين إلى اليمن خلال شهر

وصل 18 ألف مهاجر أفريقي إلى اليمن الشهر الماضي في رقم قياسي منذ عام ونصف، في حين عاد طوعياً 1500 مهاجر إثيوبي في رحلات بحرية خطرة.

محمد ناصر (تعز)
المشرق العربي عناصر من خدمة الإسعاف الإسرائيلي يتفقدون موقع سقوط صاروخ حوثي في منطقة يافا جنوب تل أبيب (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يعترض مسيّرة انطلقت من اليمن

أعلن الجيش الإسرائيلي، مساء اليوم الاثنين، اعتراض سلاح الجو الإسرائيلي لطائرة مسيرة، أُطلقت من اليمن صوب إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
العالم العربي دخان يتصاعد من محطة كهرباء في صنعاء الخاضعة للحوثيين إثر ضربات إسرائيلية (رويترز)

إيران تشدّ أزر الحوثيين عقب الضربات الإسرائيلية والأميركية

سارعت إيران إلى الاطمئنان على الحوثيين وشَدّ أزرهم إثر الضربات الإسرائيلية والأميركية الأخيرة، فيما أكدت الجماعة مضيها في التصعيد، وعدم تأثر قدرتها العسكرية.

علي ربيع (عدن)

النهب يشل إمدادات الغذاء في غزة رغم تعهد إسرائيل بصد العصابات

يجد المجتمع الدولي صعوبات في الحصول على دعم إسرائيل لتحسين الوضع الإنساني المتدهور في غزة (أ.ب)
يجد المجتمع الدولي صعوبات في الحصول على دعم إسرائيل لتحسين الوضع الإنساني المتدهور في غزة (أ.ب)
TT

النهب يشل إمدادات الغذاء في غزة رغم تعهد إسرائيل بصد العصابات

يجد المجتمع الدولي صعوبات في الحصول على دعم إسرائيل لتحسين الوضع الإنساني المتدهور في غزة (أ.ب)
يجد المجتمع الدولي صعوبات في الحصول على دعم إسرائيل لتحسين الوضع الإنساني المتدهور في غزة (أ.ب)

قال ثلاثة مسؤولين مطلعين من الأمم المتحدة والولايات المتحدة إن إسرائيل تقاعست عن اتخاذ إجراءات صارمة ضد العصابات المسلحة التي تهاجم قوافل المواد الغذائية في قطاع غزة، على الرغم من تعهدها بفعل بذلك في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) للمساعدة في درء المجاعة عن القطاع الفلسطيني.

وأضاف المسؤولون الثلاثة الكبار أن ذلك التعهد، الذي تم التوصل إليه خلف الأبواب المغلقة، بدا وكأنه انفراجة لأنه منذ بداية الحرب في أكتوبر 2023 وجد المجتمع الدولي صعوبات في الحصول على دعم إسرائيل لتحسين الوضع الإنساني المتدهور في القطاع الذي عصفت به الحرب.

لكن القوات الإسرائيلية ظلت تركز على حربها ضد حركة «حماس» ولم تتخذ إجراءات تذكر ضد العصابات القليلة التي تنشط في أجزاء من غزة تحت السيطرة الإسرائيلية، وذلك وفقا للمسؤولين الثلاثة الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم بسبب حساسية المعلومات.

وأحال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسئلة المتعلقة بالتعهد وبعمليات الإغاثة في غزة إلى الجيش. وأحجم متحدث باسم الجيش الإسرائيلي عن التعليق على ما تم الاتفاق عليه في أكتوبر وما تم تنفيذه للحد من عمليات النهب.

وقال المتحدث: «إسرائيل اتخذت خطوات كبيرة للسماح بدخول أكبر قدر ممكن من المساعدات إلى غزة».

العنف خرج عن السيطرة

والآن يقول مسؤولون من الأمم المتحدة والولايات المتحدة إن عنف العصابات خرج عن السيطرة، ما أدى إلى شلل خطوط الإمداد التي يعتمد عليها معظم المدنيين في غزة، البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة، للبقاء على قيد الحياة.

وأظهر إحصاء عن الوقائع كان غير معلن في السابق وجمعته وكالات إغاثة تابعة للأمم المتحدة بالتعاون مع منظمات خيرية أنه في أكتوبر فُقد ما قيمته 9.5 مليون دولار من الأغذية والسلع الأخرى، أي ما يقرب من ربع إجمالي المساعدات الإنسانية التي أُرسلت إلى غزة في ذلك الشهر، بسبب الهجمات والنهب.

وقال شخصان مطلعان على الأمر إن تقييم أعمال النهب في نوفمبر (تشرين الثاني) لا يزال جارياً، لكن البيانات الأولية تظهر أنها كانت أسوأ بكثير.

وفي منتصف نوفمبر تعرضت قافلة مكونة من 109 شاحنات مستأجرة من جانب وكالات الأمم المتحدة للهجوم بعد دقائق من إصدار الجيش الإسرائيلي أمرا لها بمغادرة معبر حدودي في جنوب غزة خلال الليل، قبل عدة ساعات من الموعد المتفق عليه، وذلك وفقا لخمسة أشخاص مطلعين على الواقعة، بينهم اثنان كانا حاضرين.

وأضاف الخمسة أن قوات الجيش الإسرائيلي المتمركزة في مكان قريب لم تتدخل. وامتنع المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي عن التعليق على الواقعة.

انعدام القانون

وقال جورجيوس بتروبولوس رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في غزة إن وكالات الإغاثة غير قادرة على حل مشكلة انعدام القانون هناك بمفردها.

وذكر في تصريحات للصحافيين لدى عودته من غزة يوم الخميس: «أصبحت المشكلة أكبر من أن تتمكن المنظمات الإنسانية من حلها».

وأحجمت وزارة الخارجية الأميركية عن التعليق على التعهد الذي قطعته إسرائيل على نفسها في أكتوبر، لكنها قالت إن عمليات النهب تظل العقبة الرئيسية أمام إيصال المساعدات.

وقال متحدث: «نواصل الضغط على إسرائيل بشأن ضرورة تعزيز الأمن لضمان وصول القوافل التي تحمل المساعدات الإنسانية الضرورية إلى المدنيين الفلسطينيين في جميع أنحاء غزة».

وذكر مسؤول أمني إسرائيلي طلب عدم نشر اسمه أن عمليات النهب تراجعت في الأسابيع القليلة الماضية لكنها لا تزال تشكل تحديا.

وقال للصحافيين اليوم الثلاثاء: «تعلمنا الكثير بالتعاون مع المنظمات الدولية. من الصعب للغاية أن نصل إلى مرحلة من دون عمليات نهب على الإطلاق».

وضع إنساني سيئ للغاية

أصبحت آلة الإغاثة الدولية في حالة فوضى بعد 14 شهرا من الحرب التي تشنها إسرائيل على «حماس»، إذ تقول منظمات الأمم المتحدة والجمعيات الخيرية إن الأزمة الإنسانية في قطاع غزة وصلت إلى واحد من أسوأ مستوياتها لأنها غير قادرة على توصيل ما يكفي من الغذاء والإمدادات الطبية وتوزيعها على سكان غزة.

وأحيت جولة جديدة من محادثات وقف إطلاق النار هذا الشهر الأمل في إفراج «حماس» عن الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم منذ هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 وكذلك في إيجاد حلول لتعزيز المساعدات الإنسانية.

لكن عمليات الإغاثة متعثرة في الوقت الراهن بسبب الخلاف بين إسرائيل ومعظم المجتمع الدولي حول من يتحمل المسؤولية عن إطعام المدنيين في غزة والحفاظ على النظام في القطاع الفلسطيني.

ودأبت الأمم المتحدة والولايات المتحدة على دعوة إسرائيل إلى الالتزام بالقوانين الإنسانية الدولية وتوفير الأمن والمساعدة للمدنيين في غزة، لكن السلطات الإسرائيلية تقول إن واجبها الوحيد هو تسهيل نقل المواد الغذائية والإمدادات الطبية وإنها تفعل الكثير بشكل منتظم.

وقال جيمي مكجولدريك الذي شغل منصب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة من ديسمبر (كانون الأول) إلى أبريل (نيسان) إن حالة الجمود جعلت تنظيم عمليات الإغاثة وتنسيقها أمرا بالغ الصعوبة.

وقال مسؤولون أميركيون إنهم يراقبون نسبة سكان غزة الذين تستطيع منظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة تقديم المساعدات الغذائية لهم شهريا، وذلك لقياس مدى تفاقم أزمة الجوع.

وأظهرت بيانات الأمم المتحدة أن النسبة بلغت في نوفمبر 29 في المائة ارتفاعا من 24 في المائة في أكتوبر، لكنها تمثل انخفاضا حادا عن الذروة المسجلة وقت الحرب وتجاوزت 70 في المائة في أبريل.

مخابز تخرج من الخدمة

وقال محمد عبد الدايم مالك مخبز «زادنا 2» وسط قطاع غزة إنه و60 من عماله توقفوا عن العمل منذ شهر ولم يتمكنوا من توفير الخبز لنحو 50 ألف شخص يخدمونهم في الظروف العادية.

وأضاف لـ«رويترز» عبر الهاتف الأسبوع الماضي: «إحنا ما بيصلنا طحين بسبب السرقات».

ونفى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ما قيل عن عدم حصول بعض المخابز على الدقيق.

لكن تقارير مراجعة يومية لعمليات المخابز يعدها برنامج الأغذية العالمي واطلعت عليها «رويترز» أظهرت أن 15 من 19 مخبزا تدعمها الوكالة التابعة للأمم المتحدة في غزة خرجت من الخدمة حتى 21 ديسمبر، وأن «زادنا 2» مغلق منذ 23 نوفمبر بسبب نقص الطحين.

وقال عبد الدايم إن بعض المواد الغذائية المسروقة تجد طريقها إلى السوق، ولكن بأسعار باهظة لا يستطيع سوى عدد قليل جدا من السكان تحملها.

وأوضح العاملون بالإغاثة أيضا أنهم يواجهون صعوبات في الوصول إلى شمال غزة، حيث استأنف الجيش الإسرائيلي العمليات العسكرية ضد «حماس» في أكتوبر. ويقدر أن ما بين 30 إلى 50 ألف مدني ما زالوا عالقين هناك، مع القليل من الغذاء والمساعدة الطبية.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إنه تم التجهيز لعمليات إغاثة إنسانية مخصصة للمنطقة.

وبخلاف العمليات العسكرية، أرجع أكثر من عشرة مسؤولين من الأمم المتحدة والولايات المتحدة تدهور الأوضاع الإنسانية داخل غزة في الأشهر الثلاثة الماضية إلى قرار اتخذته السلطات الإسرائيلية في أوائل أكتوبر بحظر شحنات الأغذية التجارية التي تُدخلها الشركات.

ووفقا لبيانات الجيش الإسرائيلي، تشكل تلك الشحنات جميع الأغذية الطازجة تقريبا وأكثر من نصف السلع التي دخلت غزة بين مايو (أيار) وسبتمبر (أيلول).

وقال مسؤولون من الأمم المتحدة والولايات المتحدة إن حظرها المفاجئ تسبب في نقص حاد في الإمدادات وجعل مهاجمة شاحنات المساعدات أمرا مربحا.

وفي أكتوبر، نُهب 40 في المائة من المساعدات التي دخلت من معبر كرم أبو سالم في جنوب غزة، وفقا لإحصاء الحوادث الذي اطلعت عليه «رويترز».

وقالت الأمم المتحدة إن السلطات الإسرائيلية قامت بتشغيل معبر كيسوفيم إلى جانب المعابر الأخرى، لكن العصابات هاجمت أيضا قوافل على ذلك الطريق.

وقال عاملون بالإغاثة وقطاع النقل في غزة إن العصابات تتشكل على أسس عشائرية، وتشمل بعض العناصر الإجرامية التي تم إطلاق سراحها من السجون في غزة في أثناء الهجوم الإسرائيلي.

وتضغط الأمم المتحدة والولايات المتحدة على إسرائيل لاستئناف الشحنات التجارية، وقالتا إن زيادة المعروض من الغذاء في غزة بشكل كبير من شأنها أن تؤدي إلى خفض الأسعار وتثني العصابات على النهب، لكن السلطات الإسرائيلية لم توافق.

شاحنات مفرغة

سعت الأمم المتحدة في وقت مبكر من الحرب إلى الاعتماد على شرطة غزة غير المسلحة لتأمين القوافل، لكن إسرائيل كانت تفتح عليها النار وتقول إنها لا يمكن أن تتسامح مع أي قوة مرتبطة بـ«حماس».

وذكر ضابط إسرائيلي خلال زيارة لمعبر كرم أبو سالم في أواخر نوفمبر أن مسؤولية توزيع المساعدات على سكان غزة تقع على عاتق الأمم المتحدة بمجرد أن تسمح إسرائيل بدخول المواد الغذائية عبر الحدود.

وقال العقيد عبد الله حلبي، الذي كان يرتدي سترة وخوذة واقيتين من الرصاص، للصحافيين وهو يشير إلى أكوام من المواد الغذائية إن المساعدات بانتظار قدوم المنظمات الدولية لتوزيعها.

لكن جورجيوس بتروبولوس رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في غزة قال إن هجمات العصابات تجعل ذلك شبه مستحيل.

وذكر بتروبولوس وعاملون آخرون في الإغاثة أنهم أصيبوا بصدمة من الهجوم على قافلة من 109 شاحنات في 16 نوفمبر على بعد أربعة أميال من المعبر.

وأضافت المصادر الخمسة المطلعة أن مسلحين من عدة عصابات حاصروا القافلة وأجبروا السائقين على اتباعهم إلى تجمعات سكنية قريبة حيث سرقوا دقيقا ومستلزمات طعام من 98 شاحنة.

وذكرت المصادر أن المسلحين أطلقوا في الصباح سراح السائقين والشاحنات بعد إفراغ محتوياتها.