«التغييرات الجذرية»... تهديد حوثي باجتثاث الموظفين السابقين

الجماعة تسعى إلى تنصيب أتباعها في كل مفاصل المؤسسات

أعلن عبد الملك عن إجراء تغييرات جذرية في هيكل المؤسسات التي تسيطر عليها جماعته لمواجهة المطالب بالرواتب والشكاوى من الفساد (غيتي)
أعلن عبد الملك عن إجراء تغييرات جذرية في هيكل المؤسسات التي تسيطر عليها جماعته لمواجهة المطالب بالرواتب والشكاوى من الفساد (غيتي)
TT
20

«التغييرات الجذرية»... تهديد حوثي باجتثاث الموظفين السابقين

أعلن عبد الملك عن إجراء تغييرات جذرية في هيكل المؤسسات التي تسيطر عليها جماعته لمواجهة المطالب بالرواتب والشكاوى من الفساد (غيتي)
أعلن عبد الملك عن إجراء تغييرات جذرية في هيكل المؤسسات التي تسيطر عليها جماعته لمواجهة المطالب بالرواتب والشكاوى من الفساد (غيتي)

يخشى آلاف الموظفين العموميين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من خسارة وظائفهم تحت مسمى «التغييرات الجذرية» التي أعلن عنها زعيم الجماعة منذ ستة أسابيع، بعدما باتت الوظيفة العامة حكراً على أنصارها، حيث السعي الحثيث للاستيلاء على المناصب الإدارية كافة في المؤسسات.

يؤكد موظفون عموميون في صنعاء، أن إجراءات متصاعدة يمارسها قادة القادة الحوثيون تهدف إلى إزاحتهم من وظائفهم وإحلال أتباع الجماعة في تلك الوظائف، وبدأت تلك الإجراءات منذ عام بإجبارهم على التعهد بالالتزام بكل ما ورد في نصوص ما عرف بـ«مدونة السلوك الوظيفي»، ووصل الأمر إلى تهديدهم بالطرد تحت مبرر «التغييرات الجذرية».

أدى صراع الأجنحة إلى مخاوف لدى زعيم الجماعة الحوثية من ضعف هيمنته على صُعد عدة (إ.ب.أ)
أدى صراع الأجنحة إلى مخاوف لدى زعيم الجماعة الحوثية من ضعف هيمنته على صُعد عدة (إ.ب.أ)

وأعلن عبد الملك الحوثي في احتفال جماعته بالذكرى التاسعة لانقلابها على السلطة والتوافق السياسي في البلاد عن إجراء تغييرات وصفها بالجذرية تستهدف الفساد الذي بات أحد أهم المظاهر التي تميز هيمنة الجماعة على الحياة العامة وإدارتها مؤسسات الدولة، وهو الإعلان الذي جاء عقب تصاعد الاحتجاجات الشعبية لمناهضة تلك الممارسات والمطالبة بالرواتب.

ويواجه عدد من كوادر شركة الاتصالات العمومية (يمن موبايل) خطر الاستغناء عنهم بحكم عدم مزاولة أي مهام أو أنشطة، بعد أن تم إزاحتهم من مواقعهم في الشركة، وإنشاء إدارات هامشية ليس لها أي مهام أو أنشطة.

يفيد أحد الكوادر الفنية في شركة «يمن موبايل»، بأنه بات يعيش قلقاً على مستقبله وعائلته المعيشي بعد أن أفصح القيادي الحوثي عصام الحملي، المُعيّن من قِبل الجماعة رئيساً لمجلس إدارة الشركة، عن نوايا لإغلاق تلك الإدارات ضمن سياسات الإصلاحات الجذرية التي أعلن عنها زعيم الجماعة، وإزاحة العاملين فيها.

وينوّه إلى أنه كان يستشعر إمكانية طرده وزملائه منذ إنشاء تلك الإدارات بقرارات ارتجالية متسرعة وغير مدروسة، حيث بدا واضحاً أن الغرض منها إخلاء المواقع والإدارات المهمة في الشركة لأتباع الجماعة الحوثية، وتهميش كادر الشركة الفني والإداري.

موظفون بلا مهام أو رواتب

يُقدّر عدد من جرى تعيينهم من أتباع الجماعة في مواقع ومناصب قيادية في الشركة (يمن موبايل) بـ70 حوثياً لا يملكون المؤهلات والخبرات اللازمة، حلّوا في مواقع كان يشغلها موظفون من أصحاب الخبرات الطويلة والكفاءات العالية، وتم تجميعهم في الإدارات الهامشية، وتحويلهم مستشارين لا يُعتَدّ بآرائهم في الغالب.

تسبب انقطاع رواتب الموظفين اليمنيين في اتساع دائرة الفقر وحالة من السخط الشعبي العام (غيتي)
تسبب انقطاع رواتب الموظفين اليمنيين في اتساع دائرة الفقر وحالة من السخط الشعبي العام (غيتي)

وتحدث موظف في أحد فروع المؤسسة العامة للكهرباء عن اكتشافه وعددٍ من زملائه خلال الأسابيع الماضية، أن جميع من تم تعيينهم في المؤسسة من أتباع الجماعة يتقاضون رواتبهم مضافاً إليها الحوافز والمكافآت بشكل منتظم وسري، وإلى جانب ذلك يتحصلون على سلال غذائية كاملة من المساعدات الدولية الموجهة إلى الموظفين العموميين.

يضيف الموظف لـ«الشرق الأوسط»، أنه وزملاءه فكّروا في تنظيم احتجاج ورفع عرائض ضد هذه الممارسات التمييزية؛ إلا أن أحد المنتمين إلى الجماعة والذي جرى تعيينه مديراً عليهم، هدّدهم بالطرد والإقصاء بحجة التشكيك في نزاهة الإجراءات المتبعة لتحقيق الإصلاحات الجذرية، ومخالفة مدونة السلوك الوظيفي.

ويقول باحث اقتصادي يمني: إن غالبية الموظفين العموميين وقعوا بين خيارات صعبة ومعقدة، فهم لا يتقاضون من رواتبهم إلا أجر نصف شهر كل ستة أشهر، لكنهم ملزمون بالاستمرار في الدوام والحضور؛ كي لا يتم إزاحتهم من وظائفهم واستبدالهم بأتباع الجماعة، ولا يجبرهم على تحمل هذه الأوضاع سوى الأمل بحدوث تسوية سياسية تعيد لهم حقوقهم.

ويتابع الباحث الذي تتحفظ «الشرق الأوسط» على بياناته لإقامته في العاصمة صنعاء، أن الحيرة التي يعيشها الموظفون العموميون في انتظار أن تعود لهم مستحقاتهم، تسببت في حدوث نوع جديد من البطالة، وضياع مليارات الساعات من أوقات الإنتاج المفترضة، فهم غالباً لا يؤدون مهام حقيقية؛ نظراً لتعطيل غالبية مؤسسات الدولة، لكنهم ملتزمون بالدوام ولا يتقاضون رواتبهم.

منذ الأيام الأولى للإعلان عنها بدأت الجماعة الحوثية الترويج للتغييرات الجذرية في أوساط أنصارها (إعلام حوثي)
منذ الأيام الأولى للإعلان عنها بدأت الجماعة الحوثية الترويج للتغييرات الجذرية في أوساط أنصارها (إعلام حوثي)

وساهم هذا الوضع، بحسب رأيه، في تفاقم المأساة الإنسانية وتزايد أعداد المتضررين منها بسبب عدم مقدرتهم على الإنتاج، خصوصاً وأن قطاع المال والأعمال تعرّض بدوره لضربات كثيرة حدّت من قدرته على التطور، وتسببت في هجرة الكثير من رؤوس الأموال.

معالجة هشاشة الجماعة

بقدر ما سعت الجماعة الحوثية إلى السيطرة التامة على القطاعات الإيرادية، مثل الضرائب والجمارك والاتصالات والنفط والغاز من خلال زرع عناصرها فيها، عملت على إنشاء كيانات موازية للكثير من مؤسسات الدولة، وتعيين كامل أطقمها الوظيفية من أتباعها؛ ما جعل تلك المؤسسات غير منتجة، وتم تجريدها من مهامها في تقديم الخدمات العامة.

ويرجّح مركز دراسات يمني، أن يكون الغرض من التغييرات الجذرية التي تتبناها الجماعة الحوثية، معالجة الهشاشة والضعف اللذين تعاني منهما، نتيجة تحديات عدة، منها تآكل الجماعة التي يرى أنصارها أن القادة أصبحوا في ثراء فاحش بينما يجري استخدامهم كوقود للمعارك وتركهم للعوز والفقر.

ويوضح مركز اليمن والخليج والدراسات في ورقة له، أن هناك مستويين من التصدعات داخل الجماعة، يتمثل الأول في رغبة أنصارها في الحصول على الامتيازات نفسها التي يحصل عليها القادة، ويبرز الآخر في الجشع على السلطة والثروة والتنافس والنزاع الحاد حول الصلاحيات بين قادة الصف الأول والثاني.

انقطعت رواتب الموظفين العموميين في اليمن بسبب فساد وممارسات الجماعة الحوثية (رويترز)
انقطعت رواتب الموظفين العموميين في اليمن بسبب فساد وممارسات الجماعة الحوثية (رويترز)

ويرى عدنان هاشم، مُعدّ الورقة، أن إقالة الحكومة عبر ما يسمى «مجلس الدفاع الوطني»، وليس بقرار مما يسمى «المجلس السياسي الأعلى»، انحياز إلى صف القيادي أحمد حامد، وإقصاء لمنافسه محمد علي الحوثي، إلى جانب الاستجابة لغضب القادة الميدانيين العائدين من جبهات القتال، الذين أتاحت لهم الهدنة فرصة التذمر والاحتجاج.

ووفقاً لهاشم، وهو باحث متخصص في الشأن الخليجي والسياسات الإيرانية؛ فإن هناك مخاوف لدى زعيم الحوثيين من منافسة محتملة على مكانته، مع حاجته إلى تأكيد مشروعية سلطته بصفته القائد والإمام، بخاصة مع زيادة شعبية محمد عبد العظيم الحوثي، حيث وردت معلومات عن اعتقاله قبل أيام من إعلان التغييرات، وتزايد قوة تيار محمد علي الحوثي.

ولا يمكن للتغييرات الجذرية، بحسب الباحث، أن تؤدي إلى معالجة الاختلالات الناجمة عن فشل الحوكمة والفساد والهيمنة على الاقتصاد، بل تسعى إلى تعزيزها، وبمثل ذلك، فإنها لا تهدف إلى التخفيف عما لحق بالجماعة من أضرار نتيجة افتقارها للحلفاء بعد إزاحتها لهم وتنكيلها بهم.

وعلى العكس من ذلك، يبدو أن «التغييرات الجذرية» تتضمن رسالة بالغة القسوة للأطراف المناوئة للجماعة الحوثية بأن أي اتفاق شراكة في الحكم يكون الحوثيون فيه هم النظام والحكومة. وفق ما ذكره الباحث.


مقالات ذات صلة

عشرات الضربات الأميركية للحوثيين

المشرق العربي من آثار انفجار في حي شعوب بصنعاء زعم الحوثيون أنه جراء غارة أميركية (إ.ب.أ)

عشرات الضربات الأميركية للحوثيين

زعمت الجماعة الحوثية مهاجمة إسرائيل وحاملتَي طائرات أميركيتين، أمس، غداة استهداف عشرات الغارات الأميركية مواقع للجماعة في صنعاء ومأرب والحديدة وعمران وصعدة.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي مشاهد لصاروخ سقط في جبل المحويت كشفت عن أرقام مكتوبة بخط بدائي باللغة العربية (الإرياني)

مسؤول يمني: الحوثيون يحاولون إلصاق جرائمهم بالقوات الأميركية

أكد وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني أن جماعة الحوثي تحاول إلصاق جرائمها في المناطق المدنية بالقوات الأميركية لخلق حالة من السخط تجاه العملية العسكرية الجارية.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي الجماعة الحوثية اعترفت بالتعرض لنحو ألف ضربة أميركية جوية وبحرية خلال 6 أسابيع (الجيش الأميركي)

ضربات أميركية تستهدف مواقع للحوثيين في 5 محافظات يمنية

بينما زعمت الجماعة الحوثية مهاجمة إسرائيل وحاملتَي طائرات أميركيتين، فقد استهدف أكثر من 40 غارة وضربة أميركية ليل الأحد - فجر الاثنين مواقع للجماعة بـ5 محافظات.

علي ربيع (عدن)
المشرق العربي اجتماع لمجلس دفاع الحوثيين يغيِّب شركاء الجماعة في الانقلاب (إعلام حوثي)

مخاوف من الاختراق تدفع الحوثيين لعزل شركاء الانقلاب

استبعدت الجماعة الحوثية عدداً من القيادات السياسية والحزبية الشريكة معها صورياً في السلطة الانقلابية من حضور اجتماع عالي المستوى لجهة المخاوف من الاختراق الأمني

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
المشرق العربي العقيد محمد جابر خلال مشاركته أخيراً لحشد القبائل اليمنية لمواجهة الحوثيين (الشرق الأوسط) play-circle

دعوة القبائل اليمنية لسحب أبنائهم من محارق الموت الحوثية

دعا مسؤولون يمنيون القبائل اليمنية في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، إلى سرعة سحب أبنائهم من المعسكرات التابعة للجماعة وأهمية الابتعاد عن مواقعهم.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

مسؤول يمني: الحوثيون يحاولون إلصاق جرائمهم بالقوات الأميركية

مشاهد لصاروخ سقط في جبل المحويت كشفت عن أرقام مكتوبة بخط بدائي باللغة العربية (الإرياني)
مشاهد لصاروخ سقط في جبل المحويت كشفت عن أرقام مكتوبة بخط بدائي باللغة العربية (الإرياني)
TT
20

مسؤول يمني: الحوثيون يحاولون إلصاق جرائمهم بالقوات الأميركية

مشاهد لصاروخ سقط في جبل المحويت كشفت عن أرقام مكتوبة بخط بدائي باللغة العربية (الإرياني)
مشاهد لصاروخ سقط في جبل المحويت كشفت عن أرقام مكتوبة بخط بدائي باللغة العربية (الإرياني)

أدان وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، الاثنين، استهداف الحوثيين مناطق مدنية مأهولة في صنعاء ومحيطها ومدن واقعة تحت سيطرتهم القسرية، مؤكداً محاولة الجماعة إلصاق تلك الجرائم بالقوات الأميركية «ضمن مخطط إجرامي يهدف إلى إيقاع ضحايا بين المدنيين؛ لإثارة الرأي العام، وخلق حالة من السخط تجاه العملية العسكرية الجارية». ونشر الإرياني عبر حسابه على منصة «إكس» للتواصل الاجتماعي، فيديوهات قال إنها لمواطنين وثَّقت خلال اليومين الماضيين، بالصوت والصورة، لحظة إطلاق صاروخ من داخل صنعاء قبل أن يسقط بأحد أحيائها، وأوضح أن «مشاهد من موقع سقوط صاروخ في جبل المحويت كشفت عن أرقام مكتوبة بخط بدائي باللغة العربية، وتشير الصور إلى أن حجم الأضرار وقُطر الحفرة الناتجة عن سقوط صاروخ في مقبرة ماجل الدمة، لا يتوافقان مع خصائص الذخائر الأميركية المتطورة، ويؤكد استخدام رؤوس تفجيرية صغيرة».

وأضاف الوزير أن «هذا السلوك الإجرامي، الذي يُضاف إلى السجل الأسود لميليشيا الحوثي الحافل بالانتهاكات والجرائم، يعكس مدى استهتار الميليشيا بأرواح المدنيين، وسعيها المحموم لتوظيفهم في حملات دعائية مضللة، في محاولة للتغطية على أزمتها المتفاقمة في ظل تصاعد الضغط العسكري، واتساع دائرة العزلة الداخلية والخارجية المفروضة عليها». وحمَّل الإرياني الحوثيين كامل المسؤولية عن هذه الجرائم المتعمَّدة بحق المدنيين، عادّاً هذه الأفعال «تصعيداً خطيراً يكشف حجم التخبط والانهيار اللذين تعيشهما الميليشيا، نتيجة الضربات الموجِعة التي تتلقاها، وازدياد الرفض الشعبي لمشروعها الطائفي التخريبي الذي يُدار من إيران». وشدّد الوزير على أن «هذه الجرائم لن تمر دون مساءلة»، مؤكداً أن «العدالة ستطول جميع المتورطين فيها من قيادات وعناصر الميليشيا»، وأهاب بوسائل الإعلام لتحرّي الدقة، و«تجنُّب الانسياق خلف الرواية الحوثية المضللة التي تهدف إلى خلط الأوراق، وتزييف الحقائق».