قصف الشمال السوري الأعنف منذ سنوات

الفلسطينيون ممنوعون من التضامن مع غزة

الحرب على غزة غيّرت حياة فلسطينيي مخيم «الرمل» شمال غربي سوريا (وفا)
الحرب على غزة غيّرت حياة فلسطينيي مخيم «الرمل» شمال غربي سوريا (وفا)
TT

قصف الشمال السوري الأعنف منذ سنوات

الحرب على غزة غيّرت حياة فلسطينيي مخيم «الرمل» شمال غربي سوريا (وفا)
الحرب على غزة غيّرت حياة فلسطينيي مخيم «الرمل» شمال غربي سوريا (وفا)

شهد شمال سوريا خلال أكتوبر (تشرين الأول) المنصرم، أعنف قصف منذ سنوات، ما أدى إلى مقتل عشرات المدنيين، معظمهم من الأطفال والنساء.

ووثقت «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» في آخر تقرير لها مقتل 161 مدنياً في سوريا في شهر أكتوبر 2023 وحده، بينهم 34 طفلاً و44 سيدة وشخصان بسبب التعذيب. وأشارت إلى أن ما يقارب من 49 في المائة من الضحايا هم من الأطفال والسيدات.

وقتل 61 مدنياً بينهم 23 طفلاً و9 سيدات في قصف للطيران السوري، فيما قتلت القوات الروسية 9 مدنيين بينهم 4 أطفال و4 سيدات، وقتلت «قوات سوريا الديمقراطية» 5 مدنيين بينهم طفل، فيما قتل 86 مدنياً بينهم 6 أطفال و31 سيدة على يد «جهات أخرى».

وبحسب التقرير، تصدرت محافظتا حمص (35 في المائة) وإدلب (30 في المائة) من حصيلة الضحايا الموثقة لشهر أكتوبر، فيما لا تزال مخلفات الحرب؛ من ألغام وعبوات ناسفة وأجسام غير منفجرة، تواصل قتل المدنيين في مختلف المحافظات السورية، وباختلاف جهات السيطرة والنفوذ، ما يشكل هاجساً إضافياً للمواطنين.

وبحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، فقد شهد شهر أكتوبر المنصرم مقتل 4 مدنيين بينهم 3 أطفال، جراء انفجار ألغام وأجسام متفجرة، بالإضافة إلى جرح وإصابة 15 شخصاً آخرين بينهم 7 أطفال، فيما أحصت «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» مقتل 101 مدني بالألغام والعبوات منذ بداية عام 2023.

وتتوزع مناطق الألغام وسلطات النفوذ فيها بشكل أساسي على «هيئة تحرير الشام» والفصائل والحكومة السورية و«قوات سوريا الديمقراطية».

انشغال العالم

ويأتي استمرار الحملة العسكرية على الشمال السوري في ظل انشغال العالم بحرب غزة واحتمالات التصعيد فيها، وذلك على مشارف شتاء جديد يفاقم الأوضاع الإنسانية السيئة أصلاً، ومع اقتراب انتهاء مفعول اتفاق إدخال المساعدات في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، عبر الحدود السورية - التركية من معبر «باب الهوى» الحدودي الذي يشكل شريان الحياة الوحيد لمناطق شمال غربي سوريا، حيث يعيش أكثر من 4 ملايين مدني؛ نصفهم مهجرون قسرياً ونازحون من مناطق سورية أخرى.

لاجئو مخيم «الرمل»

إلى ذلك، نقلت وكالة «أنباء العالم العربي» عن لاجئين فلسطينيين في مخيم «الرمل» الجنوبي في منطقة اللاذقية على الساحل السوري، كيف غيرت الحرب الدائرة في قطاع غزة حياتهم فباتوا لا يفارقون الشاشات ولا يتركون الهواتف وهم يتابعون أخبار الحرب. ويغالب اللاجئ الفلسطيني أبو أسامة الذي تتحدر أصوله من مدينة يافا دموعه وهو يتابع ما تتعرض له غزة من قصف إسرائيلي، مستذكراً نكبة تهجير الفلسطينيين من مدنهم وقراهم عام 1948. ويقول أبو أسامة: «اليوم الشعب الفلسطيني يقول للعالم كله نحن أعدنا القضية الفلسطينية إلى المربع الأول، إلى النكبة الأولى، اليوم النكبة عادت على الكيان الصهيوني، اليوم المستوطنون لن يفكروا في العودة إلى غلاف غزة». كما توقف اللاجئ محمد أحمد أسامة عن مزاولة أعماله اليومية المعتادة منذ السابع من الشهر الماضي لمتابعة الأحداث في فلسطين.

وقال: «منذ 7 أكتوبر إلى اليوم تغيرت حياتنا كلها، كنا نمشي في الشوارع يائسين رؤوسنا منحنية، الآن رفعنا رأسنا، المقاومة الفلسطينية في غزة ككل بغض النظر عن التسميات الثانية، رفعت لنا رؤوسنا، وأقول أنا فلسطيني أعتز بنفسي وبفلسطينيتي وعروبتي». أما اللاجئة ثناء إبراهيم فتقول: «أنا من غزة من حارة الزيتون، وأهلي يسكنون هناك، وأقاربي تهجروا من بيوتهم التي قصفت. بيت أخي تهدم بالقصف، يعيشون حياة صعبة الله يعينهم، لا أكل ولا شرب».

ومنذ نحو أربعة أسابيع لا يتوقف اللاجئ باسل دياب السعد عن الدعاء لأهل غزة، ويقول: «شعبنا هنا في المخيم لا يستطيع أن يعبر عن شعوره تجاه الصور التي يراها. إنها تعبر عن مأساة حقيقية داخل الأرض الفلسطينية وخارجها».

وكانت «مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا» اشتكت في وقت سابق من رفض السلطات السورية منح الموافقات الأمنية على الجهات الفلسطينية الراغبة في تنظيم الفعاليات والوقفات التضامنية مع قطاع غزة، بحجة «الحماية من الإرهاب والعصابات المسلحة، والحفاظ على الأمن والأمان».

وأضافت المجموعة، في بيان على صفحتها الإلكترونية، أنّ ممثلي الفصائل الفلسطينية والأهالي في مخيم خان دنون بريف دمشق، ومخيمات أخرى، يشتكون من العراقيل التي تضعها الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري الذي يمنع تنظيم أي مظاهرة أو وقفة دون المرور بدراسة أمنية مشددة قد تستغرق أسابيع، وقد تأتي بالرفض.

وأوضحت المجموعة أن التضييق الأمني شمل رفض الموافقة على وقفة تضامنية بالشموع لأطفال مخيم خان دنون، وجاء الرفض من الفصائل الفلسطينية لعدم وجود موافقة أمنية تتيح لهم تنظيمها.


مقالات ذات صلة

الاتحاد الأوروبي يُحدِّث إرشادات اللجوء للسوريين بعد عام من سقوط الأسد

أوروبا  سوريون يتابعون من جانب الطريق سيارات وزارة الداخلية خلال الإطلاق الرسمي لهويتها البصرية الجديدة في دمشق (أ.ب)

الاتحاد الأوروبي يُحدِّث إرشادات اللجوء للسوريين بعد عام من سقوط الأسد

أصدر الاتحاد الأوروبي، اليوم الأربعاء، توجيهات مُحدّثة لطلبات اللجوء المُقدّمة من المواطنين السوريين، تعكس الأوضاع الجديدة في سوريا بعد عام من سقوط نظام الأسد.

«الشرق الأوسط» (برشلونة (إسبانيا))
شمال افريقيا الطرابلسي يستعرض في المؤتمر الصحافي نتائج «البرنامج الوطني» لترحيل المهاجرين غير النظاميين (أ.ف.ب)

سلطات طرابلس تلوّح لأوروبا بورقة الـ«3 ملايين مهاجر»

قال الطرابلسي وزير داخلية حكومة الوحدة الليبية إن جهود ترحيل المهاجرين غير النظاميين من بلده تعد «أحد أهم الإجراءات لمواجهة محاولات التوطين»

جمال جوهر (القاهرة)
العالم العربي الصومالي عبد الله عمر مع زوجته وأطفاله في حي البساتين في عدن (أ.ف.ب)

لاجئون صوماليون يفضلون العودة لبلدهم هربا من «الفقر والبطالة» في اليمن

يعيش آلاف الصوماليين مع أطفالهم في فقر مدقع في حي البساتين في عدن، ما دفع كثيرين منهم إلى اتخاذ قرار العودة الى بلادهم.

«الشرق الأوسط» (عدن)
شمال افريقيا أطفال سودانيون يتامى من الفاشر يتشاركون وجبة معكرونة ولحم من مشروع إطعام خيري (رويترز)

الفارون من رمضاء العنف في السودان يكتوون بنار شح المساعدات على حدود تشاد

لا تجد العائلات السودانية اللاجئة التي تصل إلى بلدة الطينة على الحدود مع تشاد سوى قليل من المساعدات الإنسانية الدولية في ظل الأزمة السودانية المستمرة.

«الشرق الأوسط» (الطينة (تشاد))
شمال افريقيا مهاجرون على متن أحد «قوارب الموت» أُنقذوا من قبل خفر السواحل الإسباني (أ.ف.ب)

خفر السواحل الموريتاني ينقذ 101 أفريقي من رحلات «قوارب الموت»

أعلن خفر السواحل الموريتاني، الخميس، إنقاذ زورق على متنه 101 من المهاجرين غير النظاميين الأفارقة، كان في طريقه إلى إسبانيا.

«الشرق الأوسط» (نواكشوط)

«أونروا»: تمديد الأمم المتحدة عمل الوكالة يعكس تضامناً عالمياً مع اللاجئين الفلسطينيين

خيام تؤوي النازحين الفلسطينيين وسط الدمار الذي خلفه الهجوم الجوي والبري الإسرائيلي على مدينة غزة (أ.ب)
خيام تؤوي النازحين الفلسطينيين وسط الدمار الذي خلفه الهجوم الجوي والبري الإسرائيلي على مدينة غزة (أ.ب)
TT

«أونروا»: تمديد الأمم المتحدة عمل الوكالة يعكس تضامناً عالمياً مع اللاجئين الفلسطينيين

خيام تؤوي النازحين الفلسطينيين وسط الدمار الذي خلفه الهجوم الجوي والبري الإسرائيلي على مدينة غزة (أ.ب)
خيام تؤوي النازحين الفلسطينيين وسط الدمار الذي خلفه الهجوم الجوي والبري الإسرائيلي على مدينة غزة (أ.ب)

وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة، اليوم (الجمعة)، على تمديد عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لمدة 3 سنوات إضافية، في خطوة قال مفوض الوكالة، فيليب لازاريني، إنها تعكس تضامناً عالمياً واسعاً مع اللاجئين الفلسطينيين.

وقال لازاريني، في منشور على «إكس»، إن قرار الأمم المتحدة «هو أيضاً إقرار بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات الإنسانية والتنموية للاجئي فلسطين، إلى حين التوصُّل إلى حل عادل ودائم لمعاناتهم المستمرة منذ عقود».

وزعمت إسرائيل، أوائل العام الماضي، أن 12 من موظفي «أونروا» شاركوا في الهجوم الذي شنَّته حركة «حماس» على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وأشعل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة؛ مما دفع دولاً عدة، من بينها الولايات المتحدة إلى تعليق تمويل الوكالة.

وخلصت مراجعة، صدرت في وقت لاحق من ذلك العام أجرتها مجموعة عمل أممية، إلى أن إسرائيل لم تقدِّم أدلةً على مزاعمها بأنَّ موظفين في «أونروا» أعضاء في جماعات إرهابية.

وتأسست «أونروا» في 1949 بعد إعلان قيام إسرائيل على الأراضي الفلسطينية في العام السابق، وتقدم خدمات تعليمية وصحية، ومساعدات للاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية والأردن ولبنان وسوريا.


تقرير: سفير أميركا لدى الأمم المتحدة يبدأ غداً جولة تشمل إسرائيل والأردن

السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز (أ.ف.ب)
السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز (أ.ف.ب)
TT

تقرير: سفير أميركا لدى الأمم المتحدة يبدأ غداً جولة تشمل إسرائيل والأردن

السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز (أ.ف.ب)
السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز (أ.ف.ب)

أوردت وكالة «بلومبرغ» أن السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، سيبدأ، غداً (السبت)، جولة في الشرق الأوسط تستمر أربعة أيام تشمل إسرائيل والأردن.

وقالت الوكالة إن والتز سيلتقي أثناء زيارته لإسرائيل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس إسحاق هرتسوغ.

ويلتقي أثناء زيارته للأردن بالملك عبد الله الثاني ووزير الخارجية أيمن الصفدي لمناقشة دور الأردن في تسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.


فرنسا: نظرة إيجابية إلى التحولات في سوريا رغم النواقص والصعوبات

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

فرنسا: نظرة إيجابية إلى التحولات في سوريا رغم النواقص والصعوبات

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)

في قراءتها للوضع في سوريا، بعد مرور عام على سقوط نظام الرئيس بشار الأسد وفراره إلى موسكو، تختار باريس المقاربة الإيجابية، رغم وجود تحفظات وعلامات استفهام حول مستقبل البلاد. هي تفضل قطعاً رؤية الكأس نصف الملآنة على الكأس نصف الفارغة. وتريد باريس أن تؤكد، بداية، أنها كانت سبّاقة في مواكبة الوضع في سوريا منذ الأيام الأولى؛ حيث أرسلت وفداً دبلوماسياً إلى سوريا بعد 9 أيام فقط على سقوط دمشق بأيدي فصائل المعارضة السابقة، فيما كان وزير خارجيتها، جان نويل بارو، أول من زار العاصمة السورية (مع نظيرته الألمانية) يوم 3 يناير (كانون الثاني). وكانت المحطة الثالثة في تحرك باريس باتجاه دمشق انعقاد مؤتمر لدعم سوريا في العاصمة الفرنسية بداية شهر فبراير (شباط).

تُوّج الحراك الدبلوماسي الفرنسي بزيارة الرئيس أحمد الشرع إلى باريس يوم 7 مايو (أيار)، وكان الرئيس إيمانويل ماكرون أول رئيس غربي يلتقيه الشرع. وخلاصة كل ذلك أن باريس «قررت الانخراط إلى جانب النظام الجديد في دمشق رغبة منها في التأثير عليه ودفع العملية الانتقالية في الاتجاه الصحيح المتلائم مع مصالح السوريين والمصالح الفرنسية الأمنية والإقليمية». وتشدد باريس على أهمية إضفاء نوع من الشرعية على الشرع من خلال استقباله في قصر الإليزيه ومناشدة ماكرون لرفع العقوبات التي كانت تخنق سوريا.

الأولويات الفرنسية في سوريا

بناءً على ما سبق، دارت الأولويات الفرنسية حول 4 محاور أولها المحور الأمني وأول مكوناته العمل على دفع سوريا إلى الانضمام إلى التحالف الدولي في الحرب ضد «داعش»، الأمر الذي تم رسمياً في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. والغرض من ذلك منع عودة الحركات والتنظيمات المتشددة. ويتوازى ذلك مع اهتمامين: التخلص من الأسلحة الكيماوية التي ما زالت تمتلكها سوريا ومحاربة إنتاج وتهريب المخدرات. ورغم أن هذا النشاط ما زال قائماً جزئياً، فإن باريس ترى أن السلطات السورية حققت «نتائج مهمة» في محاربته.

يتمثل المحور الثاني في دعم العملية الانتقالية، وأبرز معالمها تمسك باريس بأن تشمل جميع المكونات المجتمعية الإثنية والدينية، انطلاقاً من مبدأ قوامه أن الاستقرار «لا يمكن توافره إن لم يشعر كل مكوّن بالأمن ويتمتع بكامل الحقوق». وفي هذا السياق، تؤكد باريس أنها لعبت دوراً مهماً في التقريب بين «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) المُشكَّلة في غالبيتها من الأكراد، وبين نظام الحكم في دمشق، وكان باكورة مساهمتها توقيع اتفاق مارس (آذار) الماضي الذي أُلحق باتفاق آخر نهاية الشهر الماضي. لكن باريس تعترف بأن «الوضع لم يسوَّ» كلياً بين الجانبين، رغم أنه تم تجنب وقوع اشتباكات واسعة بينهما. وتنظر باريس بكثير من الأسى، من جهة، لما حصل في شهر مارس الماضي من انتهاكات في منطقة الساحل العلوية، وما تبعها في يوليو (تموز) في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية. وفي الحالتين كان هناك دور لعناصر من السلطات السورية في هذه الأحداث التي أدانتها باريس وأكدت ضرورة محاسبة المسؤولين عنها انطلاقاً من مبدأ عدم الإفلات من العقاب.

متظاهرون في مدينة حماة الجمعة 5 ديسمبر بمناسبة الذكرى الأولى لسقوط نظام الرئيس بشار الأسد (رويترز)

ويندرج تحت المحور الأمني الانتهاكات المتلاحقة التي تقوم بها إسرائيل في الأراضي السورية، وهي انتهاكات تدينها فرنسا. وأشارت المصادر الدبلوماسية إلى أن باريس دعمت الجهود الأميركية للتوصل إلى اتفاقات أمنية بين سوريا وإسرائيل، وأنها، لهذا الغرض، استضافت لقاءات متعددة جمعت وزير الخارجية أسعد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، بحضور المبعوث الأميركي توم برّاك. ولا تنسى باريس الدور الذي تقوم به لترسيم الحدود اللبنانية ــ السورية التي لم ترسّم منذ استقلال البلدين عن فرنسا في أربعينات القرن الماضي. يبقى أن باريس تشدد على أمرين إضافيين: الدعم الذي وفّرته للسكان إنسانياً وتربوياً واقتصادياً، من جهة، ومن جهة ثانية تفعيل التعاون الثقافي.

عقدة «المشاركة الجماعية»

رغم النظرة الإيجابية الإجمالية الفرنسية، فإن باريس لا تكتم قلقها سواء بشأن الأحداث الأمنية المتنقلة أو لصعوبة إعادة إطلاق الاقتصاد وعدم اكتمال عملية الانتقال السياسية. كذلك تتوقف باريس مطولاً عند عقدة «المشاركة الجماعية» لكل الأطراف في بنية الدولة السورية الجديدة وعلاقة المكوّنات ببعضها، وهي تنطلق من مبدأ تحديد «المعايير» الواجب الأخذ بها. وبرأيها أن الأخذ بالمعايير الأوروبية يبيّن بلا شك النواقص والعيوب وهذه كثيرة أكان بالنسبة لعلاقة المركز مع الأقليات أو بالنسبة للتعيينات في المراكز الحكومية والعسكرية أو بالنسبة لآلية الانتخاب النيابية والسلطات المعطاة للرئاسة أو لحضور المرأة أو لسيطرة السلطات على الأجهزة الأمنية وكذلك بالنسبة للعمل من أجل العدالة الانتقالية الضرورية.

ورغم ذلك كله تعتبر باريس أن العملية الانتقالية بكل شوائبها جاءت أقل درامية مما كان متوقعاً، وأن المخاوف من قيام «جمهورية إسلامية» لا تحترم الأقليات وحقوق المرأة ولا التوجهات الليبرالية لم تتحقق. والخلاصة التي كونتها باريس هي أنه يمكن النظر إلى الوضع السوري من مختلف الزوايا وهي نظرة تؤكد أن ثمة «أموراً إيجابية في العملية الانتقالية».

وتؤكد المصادر أن باريس على حوار متواصل مع السلطات السورية، بما في ذلك ما يخص استكمال أعضاء مجلس النواب والمقاعد المخصصة للنساء والدستور الانتقالي والعدالة الانتقالية وقانون الأحزاب... وكلها مسائل بالغة الأهمية في نظر فرنسا.

وتنظر باريس بقلق، بحسب المصادر الدبلوماسية، لما تقوم به إسرائيل في سوريا. وتؤكد المصادر أن موقف باريس «واضح ويقوم على دعوة إسرائيل لسحب قواتها من الأراضي التي احتلتها بعد سقوط نظام الأسد والعودة إلى خط فك الاشتباك لعام 1974». وتضيف المصادر أن باريس أعربت مراراً عن قلقها من التطورات الجارية وأن هناك مصادر قلق للطرفين يتعين التعامل معها. وتبدو باريس سعيدة بأن الملف السوري يحظى بنوع من الإجماع الدولي باعتبار أن «سوريا مستقرة تعد ضرورة للتوازنات الإقليمية والدولية». وتبدو باريس كذلك سعيدة بالانخراط الأميركي إلى جانب استقرار سوريا بما في ذلك ما تقوم به إسرائيل في هذا البلد والذي يهدد الحكومة السورية.