عودة السارق الخارق... إلى الشاشة

عمَر سي يبدع من جديد في الموسم الثالث من «لوبان» على «نتفليكس»

«لوبان» المسلسل الفرنسي الأشهر عالمياً يعود في موسم ثالث (نتفليكس)
«لوبان» المسلسل الفرنسي الأشهر عالمياً يعود في موسم ثالث (نتفليكس)
TT

عودة السارق الخارق... إلى الشاشة

«لوبان» المسلسل الفرنسي الأشهر عالمياً يعود في موسم ثالث (نتفليكس)
«لوبان» المسلسل الفرنسي الأشهر عالمياً يعود في موسم ثالث (نتفليكس)

توارى «أسان ديوب» عن الأنظار سنتَين، لكنه عاد ليطلّ من نافذة «نتفليكس» في موسم ثالث من مسلسل «لوبان» (Lupin). غلبه الشوق إلى عائلته ومغامراته، في وقتٍ كان متابعوه قد غلبهم الشوق إليه، بعد النجاح غير المسبوق الذي حققه الموسمان الأوّلان من السلسلة الفرنسية عام 2021.

في الموسم الثالث الذي انطلق عرضه قبل أيام، يقرر ديوب العودة إلى باريس بعدما أمضى عاماً متخفياً في مرسيليا. هناك زوجته «كلير» وابنه «راوول» يقضيان يومياتهما تحت مراقبة الشرطة وطريدةً لعدسات الصحافيين وأقلامهم. أما هو فصوره تملأ الشوارع كالمطلوب رقم واحد في فرنسا على خلفيّة السرقات التي سبق أن ارتكبها، إلا أنه جاهز للمخاطرة بحرّيته من أجل إنقاذ عائلته الصغيرة. لكن لن يحصل ذلك قبل أن ينفّذ أكبر عمليّة سرقة في سجلّه الحافل؛ «اللؤلؤة السوداء».

عرف المشاهدون ديوب خلال الموسمَين السابقَين من المسلسل، سارقاً محترفاً وخفيف الظلّ، تبرّر له الكاريزما الكثير من أفعاله المخالفة للقانون. هو المتأثّر بشخصيّة «السارق الجنتلمان، أرسين لوبان» حتى أصغر تفصيل، أخذ عنه الجاذبيّة والظُرف. أضاف ديوب إلى شخصيّة «لوبان» الأدبيّة الشهيرة، التي ابتكرها الكاتب الفرنسي موريس لوبلان عام 1905، بُعداً إنسانياً. فخلال الموسمَين الأوّلَين، تابع الجمهور ديوب وهو ينتقم لوالده الذي اتُهمَ ظلماً بالسرقة من قبل مشغّليه فانتحر داخل زنزانته، ليمضي الولد مراهقته يتيماً.

شاباً، نجح ديوب في انتقامه لكنّ جرحاً قديماً لم يندمل في قلبه. الفراغ الذي تركته والدته في كيانه بسبب غيابها خلال أكثر من 25 عاماً، قد يمتلئ خلال هذا الموسم. لكن قبل الوصول إلى حضن الوالدة ومحاولة استرجاع عائلته الصغيرة، يجد ديوب نفسه وسط حلقة متلاحقة من السرقات التاريخيّة. تبدأ السبحة بـ«اللؤلؤة السوداء» التي لا تُقدّر بثمن، وتكرّ لتشمل إحدى أشهر لوحات الرسّام إدوارد مانيه، لتصل إلى سوار مرصّع بأغلى الحجارة الكريمة.

أسان ديوب واللؤلؤة السوداء (نتفليكس)

يمتدّ الموسم الجديد على 7 حلقات يمكن مشاهدتها خلال جلسة واحدة. يقدّم الممثل الفرنسي عمر سي أداءً آسراً كالعادة على مستويَي الحركة والمضمون. غير أنّ حضوره الاستثنائي لا يكفي لإنقاذ النصف الأوّل من المسلسل من بعض الملل والتشتّت. ليس سوى في الحلقة الخامسة حتى تتماسك الحبكة التشويقيّة وتتكثّف الإثارة، وتتّضح أكثر المعالم الإنسانيّة الكامنة وراء الأحداث. أما بالمقارنة مع الموسمَين السابقَين، فإنّ السرديّة تبدو أضعف ومستوى التشويق أقلّ.

يتمادى سيناريو الكاتب البريطاني جورج كاي في الخيال أحياناً. إذ ليس كل ما يقع من أحداث وتطوّرات في «لوبان» مقنع ومنطقيّ، لا سيّما ما يتعلّق بقدرات ديوب الخارقة وأزيائه التنكّريّة التي لا تُعَدّ ولا تُقنع العين في بعض الإطلالات. أما ما قد يقف أمامه المشاهد غير مصدّق، فهو التفاوت الفظيع بين مستوى ذكاء ديوب القياسيّ وقدرات الشرطة التي تلاحقه طيلة المسلسل. وما هو أكثر مَدعاةً للذهول، تلك العلاقة الغريبة بين لوبان والمحقق في الشرطة «يوسف قديرة»، الذي يتحوّل مرةً جديدة إلى شريكٍ له في مخططاته.

الممثل عمر سي بدور أسان ديوب والممثل سفيان قراب بدور المحقق يوسف قديرة (نتفليكس)

يغوص الموسم الثالث من «لوبان» في ماضي أسان ديوب، ويستفيض في مشاهد الاسترجاع (flashbacks) التي تعود إلى طفولة البطل، فيتّضح الكثير عن حاضره من خلالها. يسير الخطّان السرديّان بالتوازي ليكشفا هويّة مدرّب ملاكَمة تولّى رعاية ديوب بعد أن صار يتيماً، مُلحقاً به أذىً كبيراً. وفي هذا السياق، يقدّم الممثّل الصاعد مامادو حيدرة أداءً لافتاً في دور ديوب المراهق.

الممثل الصاعد مامادو حيدرة بدور أسان ديوب مراهقاً (إنستغرام)

الرابط وثيق بين ماضي ديوب وحاضره، وإذا كان الملاكم «كيللير» يشكّل الوجه القاتم فيه، فإنّ الإشراقة تتولّاها والدة البطل «مريَمة»، التي تعود من السنغال بعد غياب قسريّ دام 25 عاماً. مع العلم بأنّ شخصيّة الوالدة محوَريّة في هذا الموسم من «لوبان».

ومن بين الشخصيات المؤثّرة، زوجة ديوب «كلير»، التي قامت بأدائها الممثلة لوديفين سانييه، وابنُه «راوول» (إيتان سيمون). أما مرآةُ ديوب والواقف حصناً وراءه ووراء بطولاته، فهو صديقه المقرّب وشريكه في التخطيط والمخاطرة «بنجامين» (أنطوان غوي). يحفظ بنجامين أسرار ديوب ويخترع له المخابئ ويرافقه في سرقاته البهلوانيّة الخطرة.

ديوب مع صديقه المقرّب وشريكه بنجامين فيريل (نتفليكس)

العلاقة بين أسان وبنجامين جزءٌ أساسيّ من المنحى الإنساني الذي تأخذه القصة. فهذه المرة، ديوب ليس «السارق الخارق» فحسب، بل هو محاط بشبكة من العلاقات الشخصية التي تفصح الكثير عن مشاعره. تحت الجلدة السميكة للرجل الخارج على القانون، يختبئ زوجٌ محبّ وأبٌ حنون وصديقٌ وفيّ وابنٌ يخاطر بحياته من أجل والدته العائدة.

لكن أبعد من العلاقات مع العائلة والمقرّبين، ينسج ديوب علاقةً مع الشعب من دون أن يتعمّد ذلك. ففي هذا الجزء من المسلسل، يظهر كبطلٍ قوميّ. ومقابل صوره المعلّقة في الشوارع كالمطلوب رقم واحد، يحتشد الناس في مظاهرة حاملين صورَه خلال محاولة للقبض عليه، ومطالبين بحرّيّته. بالنسبة إليهم، يرمز ديوب إلى العدالة الاجتماعيّة التي تطمح إليها طبقات الفقراء والمهمّشين والمهاجرين.

في الموسم الثالث من «لوبان»، يتحوّل أسان ديوب إلى بطل قوميّ يحبه الناس ويتظاهرون دفاعاً عنه (نتفليكس)

على مستوى الصورة، اللقطات العامّة لباريس هي من أجمل ما يقدّمه العمل. تبدو العاصمة الفرنسيّة بأبهى حلّة، في وقتٍ يتنقّل ديوب بين شوارعها وفوق سطوحها بخفّة طير.

لم تبخل «نتفليكس» في التسويق بكثافة للموسم الثالث من «لوبان». كيف لا والمسلسل الفرنسي يحتلّ المرتبة الثالثة بين الأعمال الأكثر مشاهدةً غير الناطقة بالإنجليزية على المنصة، بعد الكوريّ «Squid Game» والإسباني «La Casa de Papel».

التفاف شعبي حول أسان ديوب ومظاهرات داعمة له (نتفليكس)

النهاية المفتوحة للموسم الثالث من «لوبان» توحي وكأنّ وداع ديوب مؤجّل. استنتاجٌ أكّده مؤلّف العمل جورج كاي في حديث مع مجلّة «فارييتي»، إذ قال إن المسلسل يملك ما يكفي من الأساسات الطموحة حتى يُستَكمل إذا ما طُلب ذلك.


مقالات ذات صلة

«مستر بين» بحلّة جديدة... لقاء الكوميديا الخفيفة بالمعاني الإنسانية العميقة

يوميات الشرق «مستر بين» بحلّة جديدة... لقاء الكوميديا الخفيفة بالمعاني الإنسانية العميقة

«مستر بين» بحلّة جديدة... لقاء الكوميديا الخفيفة بالمعاني الإنسانية العميقة

عودة ميلاديّة للممثل روان أتكينسون، وشريكُه في البطولة رضيعٌ ساعده الذكاء الاصطناعي في التمثيل.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق جويل إدجرتون وفيليسيتي جونز... الثنائي الآتي من زمنٍ آخر (نتفليكس)

«أحلام القطار»... فيلم غير عادي عن حياةٍ عادية

«أحلام القطار» يحصد إجماع النقّاد والجمهور قبل الرحلة الكبيرة إلى «الأوسكار».

كريستين حبيب (بيروت)
الاقتصاد شعار «نتفليكس» معروض في استوديوهاتها مع لافتة هوليوود في الأفق (أ.ف.ب)

ترمب سيشارك في مراجعة صفقة «نتفليكس-وارنر براذرز»

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه سيُقرر ما إذا كان ينبغي المضي قدماً في الاندماج المُقترح بين «نتفليكس» و«وارنر براذرز».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق «زلزال اندماج» قد يُغيّر معايير المنافسة في السينما (رويترز)

نقابات هوليوود تنتفض ضد صفقة «نتفليكس - وارنر» البالغة 72 ملياراً

دقَّت نقابات هوليوود وأصحاب دُور العرض ناقوس الخطر بشأن صفقة الاستحواذ المُقترحة من «نتفليكس» على شركة «وارنر براذرز ديسكفري» بقيمة 72 مليار دولار

«الشرق الأوسط» (هوليوود)
يوميات الشرق حلقة خاصة من برنامج ميغان ماركل بمناسبة الأعياد (نتفليكس)

ميغان تعود إلى المطبخ ببيجاما العيد والأمير هاري يفضّل طهو أمّها

حلقة خاصة من برنامج ميغان ماركل للطهو على «نتفليكس» بمناسبة أعياد آخر السنة، وضيف الشرف الأمير هاري.

كريستين حبيب (بيروت)

مصر: الكثبان الرملية تحاصر واحة الخارجة وتهدّد مركز إنتاج الحرير

وزارة الزراعة ومحافظة الوادي الجديد توقعان بروتوكولاً لحماية إنتاج الحرير (وزارة الزراعة المصرية)
وزارة الزراعة ومحافظة الوادي الجديد توقعان بروتوكولاً لحماية إنتاج الحرير (وزارة الزراعة المصرية)
TT

مصر: الكثبان الرملية تحاصر واحة الخارجة وتهدّد مركز إنتاج الحرير

وزارة الزراعة ومحافظة الوادي الجديد توقعان بروتوكولاً لحماية إنتاج الحرير (وزارة الزراعة المصرية)
وزارة الزراعة ومحافظة الوادي الجديد توقعان بروتوكولاً لحماية إنتاج الحرير (وزارة الزراعة المصرية)

في ظل التحديات البيئية المتزايدة التي تشهدها مناطق الصحراء الغربية بمصر، خصوصاً منخفض الخارجة، الذي تتقدم نحوه سلاسل من الكثبان الرملية تهدد الطرق والمنشآت والمساحات الزراعية، ومن بينها المنطقة التي يقع فيها مركز إنتاج الحرير، تم توقيع بروتوكول تعاون بين مركز بحوث الصحراء، ومحافظة الوادي الجديد، لتنفيذ مشروع «حماية المركز الإقليمي لإنتاج الحرير بواحة الخارجة من أخطار زحف الرمال».

ووفقاً للبروتوكول، تتولى محافظة الوادي الجديد تنفيذ عدد من الأعمال الأساسية الداعمة للمشروع، وتتضمن: «حفر بئر للري مجهزة بكامل مستلزماتها لتوفير المياه اللازمة لعمليات التثبيت والزراعة، وإنشاء شبكات ري متكاملة لخدمة الحواجز النباتية ومصدات الرياح، ضمن منظومة الحماية من زحف الرمال».

ويزرع في مركز إنتاج الحرير نحو 255 فداناً من شجر التوت، ويعد من أهم مشروعات التنمية الزراعية بمحافظة الوادي الجديد.

في المقابل، يتولى مركز بحوث الصحراء الجانب الفني والتنفيذي للمكونات العلمية والهندسية للمشروع، وتشمل: إنشاء الحواجز الأمامية في الاتجاهات الأكثر تعرضاً لحركة الكثبان الرملية للحد من سرعة الزحف، وإقامة الأحزمة الخضراء ومصدات الرياح حول مركز إنتاج الحرير، باستخدام أنواع نباتية مقاومة للجفاف، وذات قدرة عالية على التثبيت، وتدريب كوادر بمحافظة الوادي الجديد على إدارة منظومة الحماية، والتعامل مع التغيرات البيئية في المناطق الجافة، والإشراف الفني والصيانة والمتابعة الدورية لجميع الأعمال المنفذة؛ لضمان كفاءة وفاعلية منظومة الحماية طوال مدة المشروع»، وفق بيان لوزارة الزراعة المصرية، الثلاثاء.

وكان مجلس الوزراء المصري عقد اجتماعاً في مايو (أيار) الماضي، واستعرض خطة تستهدف توطين صناعة الحرير الطبيعي من خلال إقامة مراكز إنتاج الحرير في مختلف المحافظات.

وعرض اللواء محمد الزملوط، محافظ الوادي الجديد، الموقف التنفيذي لمبادرة إنتاج الحرير الطبيعي، حتى مايو 2025، موضحاً أن عدد المعامل المجهزة يصل إلى 32 معملاً، كما تصل المساحة المنزرعة إلى نحو 344 فداناً و14 صوبة زراعية، ويتم تنفيذ 25 مشروعاً في هذا الإطار، وفق بيان سابق لرئاسة مجلس الوزراء.

فيما أكد علاء فاروق، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، حرص الوزارة على دعم الجهود التنموية في محافظة الوادي الجديد، وتعزيز قدرات المناطق الصحراوية على مواجهة المخاطر البيئية، خصوصاً حركة الرمال التي تمثل أحد أبرز التحديات أمام التوسع الزراعي والتنمية المستدامة في واحة الخارجة.

وأشار إلى أن ذلك المشروع سيسهم في زيادة إنتاجية مركز إنتاج الحرير، فضلاً عن تحسين الحركة على الطرق المحيطة بالمركز والمهددة بزحف الرمال، لافتاً إلى تخطيط وتنفيذ وإدارة برامج مقاومة زحف الرمال، بما يسهم في الخطة الوطنية لمكافحة التصحر بالصحراء الغربية.

من جانبه، أكد محافظ الوادي الجديد التعاون الدائم والمثمر بين وزارة الزراعة ومحافظة الوادي الجديد، في العديد من المجالات المرتبطة بتحقيق التنمية الزراعية المستدامة في المحافظة، مشيراً إلى أن المشروع يستهدف حماية هذه المساحات من التناقص نتيجة زحف الرمال، وضمان استمرار الإنتاج ودعم استدامته.


مصر للاهتمام بـ«السياحة الأدبية» واستثمار «زخم» المتحف الكبير

نجيب محفوظ تناول العديد من شوارع وحواري مصر الفاطمية في رواياته (متحف نجيب محفوظ على فيسبوك)
نجيب محفوظ تناول العديد من شوارع وحواري مصر الفاطمية في رواياته (متحف نجيب محفوظ على فيسبوك)
TT

مصر للاهتمام بـ«السياحة الأدبية» واستثمار «زخم» المتحف الكبير

نجيب محفوظ تناول العديد من شوارع وحواري مصر الفاطمية في رواياته (متحف نجيب محفوظ على فيسبوك)
نجيب محفوظ تناول العديد من شوارع وحواري مصر الفاطمية في رواياته (متحف نجيب محفوظ على فيسبوك)

من مبنى ذي طابع تراثي بحي الجمالية، يحمل اسم أديب نوبل نجيب محفوظ، بدأ الخبير السياحي المصري، بسام الشماع، في شرح طبيعة المكان بشوارعه ومبانيه التاريخية وحواريه وأزقته وشخوصه التي تبدو كأنها خارجة لتوها من إحدى الروايات الأدبية.

مجموعة السائحين الذين اصطحبهم الشماع إلى هذا المكان كانت لهم أسئلة «مثيرة للاهتمام»، وفق قوله لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً: «لقد سألوني عن تاريخ المكان وعن شخصيات في روايات نجيب محفوظ مثل شخصية (سي السيد) التي ظهرت في ثلاثيته الشهيرة (بين القصرين – قصر الشوق – السكرية)»، مؤكداً أنهم كان لديهم فضول لمعرفة المزيد عن هذه الأماكن.

وبعد الزخم الذي حققه المتحف المصري الكبير في جذب السائحين منذ افتتاحه، تسعى مصر إلى تسليط الضوء على نمط سياحي جديد، يتمثل في السياحة الأدبية. ويعتمد هذا النمط على ربط السائح بالأحياء والمواقع التي ذُكرت في الأعمال الأدبية ذات الشهرة الواسعة، مثل أعمال أديب نوبل نجيب محفوظ، وروايات إحسان عبد القدوس، وغيرهم من رموز الأدب العربي.

«كأنك تتجول بداخل رواية»، هكذا يصف الخبير السياحي المصري، محمد كارم، فكرة السياحة الأدبية التي يراها غير مستغلة في مصر بالقدر الكافي، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «الأمر يحتاج إلى 3 خطوات ليأتي هذا النمط بالمستهدف منه، وهي أن يكون هناك اعتراف رسمي بالسياحة الأدبية كمنتج له مسارات وبرامج، والشراكة بين السياحة والثقافة والقطاع الخاص لتحويل الأماكن الروائية إلى تجرية حية، بالإضافة إلى تسويق ذكي دولياً يستهدف السائح المثقف خصوصاً في أوروبا وأميركا اللاتينية، وهو ما سيكون لها مردود سياحي كبير».

مشهد من حي الجمالية بالقاهرة الفاطمية (صفحة خريطة مشروعات مصر)

وتزخر مصر بالعديد من الأماكن الحيوية والتراثية التي تم ذكرها في روايات وأعمال أدبية متنوعة، كما توجد متاحف لأدباء كبار لهم شهرة عالمية مثل متحف نجيب محفوظ في حي الجمالية بالقاهرة الفاطمية، ومتحف قسطنطين كفافيس في الإسكندرية، ومن قبلهما متحف أحمد شوقي «كرمة ابن هانئ» ومتحف طه حسين «رامتان» في الجيزة.

وتعمل وزارة السياحة والآثار على الترويج لهذا النمط السياحي خلال الفترة المقبلة، بعد أن ركزت عليه خلال منتدى نظمته بالشراكة مع منصة «TripAdvisor» العالمية، وعدّت نمط السياحة الأدبية، له مردود اقتصادي مهم وقادر على جذب أعداد كبيرة من الزائرين. وفق بيان للوزارة.

ولفت الشماع إلى أن الزخم الذي حققه المتحف المصري الكبير منذ افتتاحه يشجع على ترويج العديد من الأنماط السياحية الجديدة ومنها السياحة الأدبية، متوقعاً أن يسهم المتحف المصري الكبير بزيادة عدد السائحين الوافدين لمصر هذا العام لأكثر من 20 مليون سائح.

ووفق إحصاءات حكومية وتصريحات للمسؤولين، وصل متوسط عدد زوار المتحف الكبير في أول أيام افتتاحه إلى 19 ألف زائر يومياً، أكثر من القدرة الاستيعابية التي قُدرت من قبل بنحو 15 ألف زائر يومياً، وتستهدف مصر زيادة عدد السائحين إلى 30 مليون سائح بحلول عام 2031، ومن المتوقع أن تحقق الحركة السياحية بنهاية هذا العام ما يقرب من 19 مليون سائح، وأن يزيد عائدها على 18 مليار دولار.

وتراهن مصر على التنوع في منتجاتها السياحية، وفق كارم، الذي يلفت إلى أن «الأماكن التي كتب عنها نجيب محفوظ مثل الجمالية والحسين وبين القصرين وخان الخليلي وزقاق المدق، يمكن أن تتحول لمسارات سياحية متكاملة تربط الروايات بالمكان»، مشيراً إلى «أهمية استغلال الزخم الذي حققه المتحف المصري الكبير في التأكيد على التنوع والابتكار في المنتجات والمقاصد السياحية المصرية».

وسبق أن أطلقت مصر حملة ترويجية لمقاصدها السياحية حملت عنوان «مصر... تنوع لا يضاهى» للتأكيد على تنوع المنتجات السياحية الموجودة بها مثل السياحة الثقافية والشاطئية والعلاجية والبيئية وسياحة السفاري والمغامرات وسياحة المؤتمرات... وغيرها.


رحيل أيقونة الغناء السوداني ونقيب الفنانين عبد القادر سالم

صورة أيقونية للراحل (صفحته على «فيسبوك»)
صورة أيقونية للراحل (صفحته على «فيسبوك»)
TT

رحيل أيقونة الغناء السوداني ونقيب الفنانين عبد القادر سالم

صورة أيقونية للراحل (صفحته على «فيسبوك»)
صورة أيقونية للراحل (صفحته على «فيسبوك»)

في مشهد غلبت عليه مشاعر الحزن والأسى، ودَّع السودانيون أحد أبرز وجوههم الثقافية والموسيقية، الدكتور عبد القادر سالم، الذي توفي في العاصمة الخرطوم بعد معاناة قصيرة مع المرض، عن عمر ناهز 77 عاماً.

وُلد الراحل في مدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان عام 1946، ويعد من أبرز الأصوات الغنائية التي عرَّفت السودان، خصوصاً غربه، على العالم، من خلال مشروع فني وغنائي، جمع بين الروح الشعبية والبناء الأكاديمي، والإبداع الموسيقي الممزوج بإرث غني من الإيقاعات والإحساس.

وتعبيراً عن الفقدان، قال الصحافي محمد الأسباط لـ«الشرق الأوسط»: «أفقت من نومي اليوم على خبر فاجع، أصابني بحزن عميم، كأنما فقدت شخصاً من العائلة، فعبد القادر سالم لم يكن مجرد فنان، بل أيقونة للغناء الكردفاني والسوداني، وخسارته خسارة كبيرة تضاف لخسائر الناس الذين أفنتهم مأساة الحرب».

من الدلنج إلى أوروبا

نشأ عبد القادر سالم في بيئة غنية بالتقاليد والموسيقى المحلية، حيث مثلت ولاية كردفان مخزوناً لا ينضب من الإيقاعات والمفردات الشعرية، وبدأ بالغناء في محيطه المحلي، قبل أن ينتقل إلى الخرطوم، حيث أتيحت له فرص أوسع للظهور والانتشار».

بدأ مع الفرقة الغنائية الشهيرة «فرقة فنون كردفان»، وشارك معها في مهرجانات الثقافة أواخر الستينات، وهناك عرفه الجمهور السوداني بصوته المختلف.

عندما صدح سالم على خشبة المسرح القومي بـ«اللوري حل بي»، وهي الأغنية التي أصبحت لاحقاً من الأغنيات الخالدة في الوجدان السوداني، يقول صديقه الشاعر التجاني الحاج موسي لـ«الشرق الأوسط»: «كان صوت عبد القادر سالم جديداً في طبيعته، كان حضوره قوياً، ومليئاً بالدفء الإنساني».

نقل إيقاع «المردوم» إلى مسارح العالم

لم يكتفِ سالم بالغناء داخل السودان، بل حمل فنه إلى العواصم الأوروبية، مشاركاً في مهرجانات ومناسبات فنية وثقافية، عرَّف خلالها الجمهور الأجنبي على الإيقاعات السودانية، مثل: «المردوم، والنقارة، والكرن»، وهي إيقاعات ميَّزت تراث غرب السودان.

كان أول فنان سوداني تنتج له شركة بريطانية «أسطوانة»، وسجل عدداً من البرامج الإذاعية والتلفزيونية في الخارج.

وتعد أغنية «ليمون بارا» إحدى أشهر أغنيات سالم، فقد لاقت رواجاً كبيراً، حتى إن بعض المغنين الأوروبيين حاولوا تقليده، وأداءها وبعض أعماله بأساليبهم.

بين الفن والعلم

جمع سالم بين التعليم والفن منذ بداياته، فقد تخرج في معهد التربية بمدينة الدلنج، ثم عمل معلماً في عدد من مدارس كردفان، قبل أن ينتقل إلى الخرطوم، ليلتحق بكلية الموسيقى والمسرح، ويتابع مسيرته الأكاديمية والفنية بالتوازي.

كما عمل مدرساً في دولة تشاد، وهناك أسس المدرسة السودانية الثانوية، مساهماً في نشر التعليم وسط الجالية السودانية.

حصل سالم على درجة الدكتوراه في مجال الفولكلور الشعبي، وكان أستاذاً مشاركاً في عدة جامعات، ودرَّس لأجيال من طلاب الموسيقى، الذين أصبح بعضهم اليوم نجوماً في الساحة الفنية.

يقول وزير الثقافة والإعلام السابق جراهام عبد القادر لـ«الشرق الأوسط» عن الرجل: «لم يكن عبد القادر سالم فناناً فقط، بل كان مشروعاً ثقافياً متكاملاً»، ويتابع: «كان رجلاً أكاديمياً، وموسيقياً، وباحثاً، ومعلماً».

تجديد الغناء السوداني

تميز أسلوب الراحل الموسيقي، بقدرته على الانتقال السلس بين السلم الخماسي التقليدي الذي تقوم عليه موسيقى الوسط والشمال، والسلم السباعي العالمي الذي تتغنى به الجماعات الثقافية في غرب البلاد، مما منح أعماله جاذبية خاصة، وجعلها قادرة على عبور الثقافات.

وأدخل الآلات الغربية دون أن يفرّط في أصالة موسيقاه، وكان حريصاً على أن يحافظ على الطابع السوداني في كل ما يقدمه، فكان بحق أحد المجددين الحقيقيين في الموسيقى السودانية الحديثة.

فنان ونقابي

لم يقتصر نشاط سالم على الغناء والتدريس، بل كان ناشطاً في العمل الثقافي العام، إذ شغل رئاسة اتحاد المهن الموسيقية لفترة طويلة -اتحاد الفنانين- وكان عضواً بارزاً في لجان المصنفات الأدبية والفنية، وداعماً لحقوق الفنانين وتنظيم العمل الموسيقي في البلاد.

شارك في عدد من المؤتمرات الإقليمية والدولية، الخاصة بحماية التراث الموسيقي والفولكلوري، وكان له حضور معتبر في مناقشات تطوير السياسات الثقافية.

حضور إنساني

في زمن الحرب والانقسامات، ظل عبد القادر سالم حاضراً إلى جانب الناس، لم يغادر الخرطوم رغم ما شهدته من دمار ومعاناة منذ اندلاع الحرب قبل زهاء ثلاث سنوات، متضامناً مع زملائه، ومشاركاً في دعمهم مادياً ومعنوياً، وأطلق عدداً من المبادرات لمساندة الفنانين المتضررين من الحرب.

يقول وزير الثقافة جراهام عبد القادر لـ«الشرق الأوسط»: «في وقت اختار فيه كثيرون مغادرة الخرطوم، بقي عبد القادر سالم، مشاركاً في الحياة العامة، ومبادراً لدعم زملائه في المحنة».

إرث فني ووجداني

من أشهر أعماله التي لا تزال تتردد حتى اليوم: «مكتول هواك يا كردفان»، و«ليمون بارا»، و«غاب تومي»، و«بسامة»، وهي أغنيات تمثل وثائق وجدانية تحافظ على اللغة والمكان والوجدان السوداني، وتدرَّس اليوم في كليات الموسيقى بوصفها مراجع فنية وتراثية.

شارك بأعمال غنائية مع شعراء مرموقين، أبرزهم عبد الله الكاظم، وفصيلي جماع، وترك بصمته في مكتبة الإذاعة السودانية بعدد من الأعمال الخالدة.

نعي رسمي وشعبي

نعت الدولة الراحل رسمياً، وقال مجلس السيادة في بيان: «عبد القادر سالم كان من أبرز أعمدة الموسيقى في البلاد، وصوتاً شغوفاً بالتراث، حيث صال وجال في مختلف دول العالم معرِّفاً بالإرث السوداني، خصوصاً الكردفاني الأصيل»، وتابع البيان: «لقد شهدت له المسارح ودور الفنون بمثابرته واجتهاده، في البحث الأكاديمي المرتبط بالموسيقى».

لكن ما هو أبقى من النعي الرسمي، هو ما زرعه في وجدان الناس، حيث لا يزال صوته يتردد في البيوت، وعلى أجهزة المذياع القديمة، ومشغلات الصوت الحديثة، وفي الحفلات المدرسية، وجلسات الطرب، وذاكرة شعب بأكمله.

يقول محمد الأسباط: «لقد أطفأت الحرب الكثير من قناديل الفن، لكنّ منارات مثل عبد القادر سالم لا تنطفئ، إنها تبقى هادية، لمن يأتي بعده».