توقعات محلية ودولية بصعوبة الوصول إلى سلام حقيقي في اليمن

بسبب تكتيكات إيران وأساليب الحوثيين الابتزازية

تتناقض الجماعة الحوثية مع نفسها في الخطاب والممارسة حول عملية السلام (أ.ف.ب)
تتناقض الجماعة الحوثية مع نفسها في الخطاب والممارسة حول عملية السلام (أ.ف.ب)
TT

توقعات محلية ودولية بصعوبة الوصول إلى سلام حقيقي في اليمن

تتناقض الجماعة الحوثية مع نفسها في الخطاب والممارسة حول عملية السلام (أ.ف.ب)
تتناقض الجماعة الحوثية مع نفسها في الخطاب والممارسة حول عملية السلام (أ.ف.ب)

بينما كانت الثقة بإمكانية تحقيق تقدم في عملية السلام في اليمن، وبإمكانية حدوث تطور حقيقي من جهة الجماعة الحوثية نحو إنهاء الحرب، جاءت ممارسات التصعيد على المستويات العسكرية والسياسية لتحقق التوقعات بصعوبة الوصول إلى سلام حقيقي، وهي الممارسات التي اتفق الجميع على أنها تكتيك انقلابي يهدف للابتزاز وتحقيق مكاسب استراتيجية.

فبرغم الحديث عن التقدم الملحوظ في مفاوضات السلام، فإن مركز «رع» للدراسات يرى أن الحوثيين لا يزالون يمارسون استفزازاً عسكرياً وسياسياً، في خطوة معاكسة للمباحثات مع الجانب السعودي، مما يهدد بعرقلة المساعي السلمية لإحلال السلام والعودة إلى نقطة الصفر مرة أخرى على الساحة اليمنية.

وكانت آخر تلك الاستفزازات، منع الجماعة الحوثية شركة الخطوط الجوية اليمنية من سحب أموالها في بنوك صنعاء.

يعد الباحثون الإجراءات الحوثية الأخيرة ضد شركة الطيران اليمنية تصعيداً يهدف إلى تعطيل مساعي السلام (أ.ف.ب)

وطبقاً لتحليل «رع»، وهو مركز دراسات مصري، فإن هذه الخطوة الاستفزازية تهدف إلى التصعيد على المستويين السياسي والأمني، خصوصاً وأنها لم تكن العملية الاستفزازية الوحيدة، حيث أعقبها استهداف موقع داخل الأراضي السعودية بطائرة مسيرة، أدى إلى مقتل ثلاثة جنود بحرينيين تابعين للوحدة العسكرية المشاركة في تحالف دعم الشرعية.

وحيث أن هذا الاستهداف هو أول عملية عسكرية على الحدود منذ تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية؛ فإن المركز يصنفه كورقة ضغط تمكن الجماعة من الحصول على أكبر قدر من المكاسب في المفاوضات حال استمرارها، غير أنه من المحتمل بشكل كبير أن تداعياتها ستكون عكس المساعي السلمية.

فهذه العملية، جاءت عقب النقاشات التي جرت في الرياض مع وفد حوثي وبحضور عماني، التي وصفت بالإيجابية والمثمرة من طرف السعودية، وتمحورت حول آلية دفع أجور الموظفين، وإعادة فتح الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون ومطار صنعاء بشكل كامل، وكذلك جهود إعادة البناء والإعمار.

لكنها على جانب آخر يمكن أن تؤدي إلى استمرار حالة الحرب التي تعدّ مكسباً لبعض القيادات الحوثية نظراً لما تحصل عليه من دعم مادي وعسكري. وفق ما يقوله المركز.

تصعيد تكتيكي

يرى الباحث السياسي محمد فوزي من المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أن التصعيد الحوثي نسف أي ادعاءات حوثية بشأن السلام، وطرح جملة من الدلالات المهمة، مثل استراتيجية التصعيد التكتيكي، التي تتمثل في خطاب سياسي حول الحلول السياسية للأزمة، بالتزامن مع التصعيد الميداني لتحقيق مكاسب متعددة.

استعرضت الجماعة الحوثية قوتها العسكرية في ذكرى انقلابها بشكل مفرط (إ.ب.أ)

وشنت الجماعة الحوثية مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الحالي هجوماً على حفل عسكري لقيادة محور علب باقم في محافظة صعدة شمالاً بطائرات مسيَّرة مفخخة وعبر المدفعية وصواريخ الكاتيوشا، مما أسفر عن مقتل عسكري وجرح آخرين، والتوسع في حملة الاعتقالات ضد المشاركين في الاحتفال بذكرى ثورة 26 سبتمبر (أيلول)، وتهديد قادة سياسيين بالقتل.

ومن دلالات هذا التصعيد الحوثي الذي يستنتجه الباحث فوزي، عدم استجابة الحوثيين أو جديتهم في التعامل مع الجهود الإقليمية والأممية والدولية، الرامية إلى إنهاء الحرب وإحلال السلام، إلى جانب استفزاز مكونات الشرعية، ودفعها إلى رد عسكري.

وبحدوث أي تصعيد عسكري؛ تتراجع فاعلية أي مباحثات بخصوص حلحلة الأزمة، فيكسب الحوثيون من خلال ذلك الوقت لإعادة تنظيم صفوفهم، فضلاً عن التحرك لبناء واقع ميداني يخدم أجندتهم، إلى جانب هدم الثقة مع الأطراف الأخرى.

ويخلص فوزي إلى أن نهج التصعيد التكتيكي الحوثي يهدف إلى تحقيق جملة من الأهداف السياسية والميدانية التي تعزز نفوذ الجماعة، ويكشف عن استمرارها في المراوغة عبر إظهار الدعم لمبادرات التسوية، مع انعدام فرص الوصول حتى اللحظة إلى تسويات إقليمية واضحة للأزمة اليمنية.

الولايات المتحدة الأميركية بدورها ترى عدم جدية إيران في حل الملف اليمني، حيث طالب المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ النظام الإيراني بضرورة العمل بشكل إيجابي لإنهاء معاناة اليمنيين.

تستخدم الجماعة الحوثية الأزمة الإنسانية في المساومة من أجل الحصول على مكاسب (أ.ف.ب)

وفي ندوة نظمها معهد الشرق الأوسط أكد ليندركينغ، إن بلاده لم ترَ أي مؤشرات لدعم إيران لجهود السلام في اليمن، وأنها وشركاءها يرغبون في أن تتصرف طهران بشكل مرن في اليمن، فمعالجة التحدي الإيراني يكمن في إحراز بعض التقدم في ملف الأزمة اليمنية، مشدداً على حرصهم على عدم وقوع المضائق المائية في المنطقة تحت السيطرة الإيرانية.

الاستراتيجية الإيرانية والحسابات الحوثية

يضع الباحث السياسي فارس البيل في حديث لـ«الشرق الأوسط» شرطين لإمكانية حدوث تغيير حقيقي يؤدي إلى الدخول في عملية سلام ممكنة وفعلية، يتعلق الأول بالداعم والموجه للجماعة الحوثية، وهو النظام السياسي في إيران الذي يمكن استغلال الضمانات الصينية المصاحبة لاتفاقه مع السعودية على تطبيع العلاقات لترويضه وأذرعه وجرهم إلى مربع بعيد عن العنف والتآمر والهيمنة.

أما الثاني فيرتبط بمراقبة سلوك الحوثي وتعاطيه إعلامياً وعلى الأرض، ومدى تخليه عن المكاسب المهمة التي حققها، والتي تعدّ أدوات يحتفظ بها للصراع الطويل، فإذا ما تخلى عنها، يمكن التفاؤل بحذر حول انتهاء دور العنف لديه.

ويتابع البيل: «صحيح أن لدينا ضمانات صينية ومتغيرات، ولعل إيران التزمت بعدة شروط وقضايا ليست معلنة، لكن مع يقين أنها مرحلية فقط؛ فيمكن الحكم على كل ذلك في كيف سيغير الحوثيون من سلوكهم وإلى أي مدى سيصلون من السلام والتفاوض وتطبيقه».

فالنظام الإيراني، طبقاً للبيل، لن يتخلى عن مشروع استراتيجي هو عقيدة وفكر وآيديولوجيا بالنسبة له وليس مجرد سياسة، وبالتالي لا يمكن تصديق أنه سيتخلى فجأة عن نظام الولاية والتمذهب والفكر الطائفي، الذي انتهجه طوال أكثر من أربعة عقود، خصوصاً ولم نشهد بعد تغيراً هيكلياً أو فكرياً داخل النظام الإيراني، ولا حركة تصحيح أو إفاقة أو مراجعة، ولا حتى تغير في خطاب أو سلوك.

تتخذ الجماعة الحوثية تكتيكات تصعيدية ومراوغة للحصول على مكاسب استراتيجية (أ.ب)

أما الناشط السياسي عبد الجليل الحقب فيتحدث لـ«الشرق الأوسط» عن الشروط التي وضعتها الجماعة الحوثية على التحالف كثمن للقبول باستمرار الهدنة، حيث أظهر التحالف حسن نواياه من خلال زيادة الطيران إلى عمان، وفتح خط مباشر لتفويج الحجاج إلى مكة.

وبحسب الحقب، يأتي التصعيد الكلامي والمناورات العسكرية المتكررة للجماعة الحوثية لتذكير التحالف والحكومة اليمنية أنها منحت فترة استقرار دون مقابل، مما يعني أن الجماعة ترى في الهدنة التي لا تحقق مطالبها تنازلاً من دون ثمن لا ينبغي أن يستمر كثيراً، فهي تطالب بما تسميه استحقاقات الملف الإنساني، وهو الملف الذي لا ينبغي إخضاعه لأي مساومات.

وبرغم أن هذا الوعيد يوحي أننا نسير نحو استئناف المعارك العسكرية الكبيرة؛ غير أنه لا يمكن الجزم بحتمية هذا المآل قبل معرفة الحسابات الدقيقة التي تحرك قرار السلم والحرب لدى الجماعة، حيث يعتمد مسار الأحداث على ما تقرره الجماعة من خيار في مواجهة مشاريع خصومها بناء على توجهات الرعاة الداعمين لها إقليمياً ودولياً.

ويذهب الحقب إلى أن الجماعة الحوثية لا تبدو مكتفية بواقع سيطرتها على الكتلة السكانية الكبيرة في شمال اليمن، فالحكم من دون موارد يبدو مستحيلاً، لذلك نجدها تلح على موضوع تسليم الجزء الأكبر من عوائد النفط إليها دون السماح بمروره مباشرة إلى مستحقيه على شكل رواتب.

ويحذر من أن الجماعة في حال شعرت بتصاعد السخط الشعبي؛ فقد تذهب نحو استئناف جزئي للحرب، لكنها في حال أمنت على مكاسبها المحدودة؛ فستحافظ على هذه الحالة السائلة من اللاحرب واللاسلم، بما يعزز من توجهات إيران للتهدئة وتصفير الأزمات مع جيرانها.


مقالات ذات صلة

غارات تستهدف الحوثيين... وغروندبرغ يطالبهم بإطلاق الموظفين الأمميين

العالم العربي واشنطن تقود تحالفاً لإضعاف قدرات الحوثيين على مهاجمة السفن (الجيش الأميركي)

غارات تستهدف الحوثيين... وغروندبرغ يطالبهم بإطلاق الموظفين الأمميين

بينما جدد المبعوث الأممي هانس غروندبرغ مطالبته للحوثيين بإطلاق سراح الموظفين الأمميين فوراً، تواصلت، الثلاثاء، الضربات الغربية لليوم الرابع على مواقع الجماعة.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الحوثيون متهمون بتصعيد انتهاكاتهم ضد اليمنيين (إ.ب.أ)

انقلابيو اليمن متهمون بارتكاب انتهاكات ضد أقارب المغتربين

صعّدت جماعة الحوثيين في اليمن من وتيرة انتهاكاتها بحق أقارب المغتربين لا سيما المنتمون منهم إلى محافظتي إب والضالع، وذلك ضمن استهداف الجماعة الممنهج للسكان.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الجماعة الحوثية وجدت في حرب غزة وسيلة إضافية لترهيب المعارضين لها (رويترز)

الحوثيون يرفضون إطلاق قيادات من «المؤتمر الشعبي»

بالتزامن مع الكشف عن وسائل تعذيب موحشة يتعرض لها المعتقلون بسجون مخابرات الجماعة الحوثية أكدت مصادر حقوقية استمرار الجماعة في رفض إطلاق قيادات «المؤتمر الشعبي»

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي دخان كثيف إثر استهداف مدينة الحديدة بغارات إسرائيلية رداً على هجوم صاروخي حوثي (إكس)

سفينة تبلغ عن انفجارات في محيطها قبالة الحديدة باليمن

قالت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية إن سفينة على بعد 70 ميلاً بحرياً جنوب غربي الحديدة باليمن أبلغت عن عدة انفجارات في محيطها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم العربي ممرضة في مدينة المخا تقيس محيط أعلى ذراع طفل للتحقق من تحسن حالته الصحية بعد تلقيه علاجاً لسوء التغذية (الأمم المتحدة)

سوء التغذية والشتاء يتربصان بأطفال اليمن والنازحين

يشهد اليمن زيادة في أعداد الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد الوخيم، في حين ينتظر النازحون، بسبب الحرب وتطرفات المناخ، شتاء قاسياً في ظل التردي الاقتصادي.

وضاح الجليل (عدن)

مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
TT

مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)

في بلدة عمشيت الساحلية الهادئة التي تبعد 45 دقيقة بالسيارة شمالي بيروت، استأنفت المدارس الحكومية أخيراً مهمتها التعليمية وسط عشرات الآلاف من النازحين الذين اتخذوا من بعض المدارس مأوى مؤقتاً.

وحسب «رويترز»، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إنه مع تصاعد الصراع بين إسرائيل و«حزب الله» في سبتمبر (أيلول) لحق الدمار بمئات المدارس في لبنان أو اضطرت لغلق أبوابها بسبب الأضرار أو المخاوف الأمنية.

وقالت وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية إنه تم تحويل 505 مدارس من بين نحو 1250 مدرسة حكومية في لبنان إلى ملاجئ مؤقتة لبعض النازحين الذين يبلغ عددهم 840 ألف شخص.

وبدأت الوزارة، الشهر الماضي، إعادة فتح المدارس على مراحل، مما سمح بعودة 175 ألف طالب منهم 38 ألف نازح إلى بيئة تعليمية لا تزال بعيدةً عن وضعها الطبيعي.

وفي مدرسة عمشيت الثانوية الحكومية، التي تضم الآن 300 طالب مسجل ويُتوقع انضمام المزيد منهم مع استمرار وصول العائلات النازحة، تحولت المساحات المألوفة ذات يوم إلى مكان مخصص لاستيعاب الواقع الجديد.

وقال مدير المدرسة، أنطوان عبد الله زخيا، إنه قبل شهرين ونصف الشهر اختيرت المدرسة كملجأ.

واليوم، تتدلى الملابس المغسولة من نوافذ الفصول الدراسية، وتملأ السيارات ساحة اللعب التي كانت ذات يوم منطقةً صاخبة، والممرات التي كان يتردد فيها صوت ضحكات التلاميذ أصبحت الآن استراحةً للعائلات التي تبحث عن ملجأ.

وأعربت فادية يحفوفي، وهي نازحة تعيش مؤقتاً في المدرسة، عن امتنانها الممزوج بالشوق. وقالت: «بالطبع، نتمنى العودة إلى منازلنا. لا أحد يشعر بالراحة إلا في المنزل».

كما أعربت زينة شكر، وهي أم نازحة أخرى، عن قلقها على تعليم أطفالها.

وقالت: «كان هذا العام غير عادل. بعض الأطفال يدرسون بينما لا يدرس آخرون. إما أن يدرس الجميع، أو يجب تأجيل العام الدراسي».

التعليم لن يتوقف

قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن الخطة المرحلية لاستئناف الدراسة ستشمل تسجيل 175 ألف طالب من بينهم 38 ألف طفل نازح في 350 مدرسة عامة غير مستخدمة كملاجئ. وقال وزير التربية والتعليم العالي، عباس الحلبي، لـ«رويترز»: «العملية التعليمية هي أحد مظاهر مقاومة العدوان الذي يواجهه لبنان». وأضاف الحلبي أن قرار استئناف العام الدراسي كان صعباً لأن العديد من الطلاب والمدرسين النازحين لم يكونوا مستعدين نفسياً للعودة إلى المدرسة. وفي مبنى مجاور في مدرسة عمشيت الثانوية الرسمية، يتأقلم المعلمون والطلاب مع أسبوع مضغوط مدته 3 أيام ويشمل كل يوم 7 حصص دراسية لزيادة وقت التعلم إلى أقصى حد.

ولا تزال نور قزحيا (16 عاماً)، وهي من سكان عمشيت، متفائلة. وقالت: «لبنان في حالة حرب، لكن التعليم لن يتوقف. سنواصل السعي لتحقيق أحلامنا». ويتأقلم المعلمون مع الظروف الصعبة. وقال باتريك صقر وهو مدرس فيزياء (38 عاماً): «الجميع مرهقون ذهنياً... في نهاية المطاف، هذه الحرب تطولنا جميعاً». وبالنسبة لأحمد علي الحاج حسن (17 عاماً) النازح من منطقة البقاع، يمثل الأسبوع الدراسي الذي يدوم 3 أيام تحدياً لكنه ليس عائقاً. وقال: «هذه هي الظروف. يمكننا أن ندرس رغم وجودها».