المحكمة العليا الإسرائيلية تطلق إشاراتها لرفض خطة نتنياهو الانقلابية

ممثل الائتلاف الحكومي يهاجم القضاة: من خوّلكم رفض إرادة الشعب

جانب من قضاة المحكمة العليا (أ.ب)
جانب من قضاة المحكمة العليا (أ.ب)
TT

المحكمة العليا الإسرائيلية تطلق إشاراتها لرفض خطة نتنياهو الانقلابية

جانب من قضاة المحكمة العليا (أ.ب)
جانب من قضاة المحكمة العليا (أ.ب)

تحولت القاعة الكبرى في مقر محكمة العدل العليا في القدس الغربية، الثلاثاء، إلى ساحة صراع بين الهيئة الكاملة للقضاة (15 قاضياً)، التي التأمت بهذه التركيبة لأول مرة منذ تأسيس إسرائيل قبل 75 عاماً، ومعها ممثلو الحركات القانونية المعارضة، وبين ممثلين عن الحكومة، حول «مستقبل الديمقراطية واستقلالية القضاء».

ووضعت في مركز الحدث القوانين التي تم سنّها في الكنيست (البرلمان) بالأكثرية الائتلافية، وتعدّ جزءاً من خطة الحكومة للانقلاب على منظومة الحكم وجهاز القضاء.

وبدا واضحاً أن الحديث يجري عن «قضية مصيرية»، حيث إن أي قرار تصدره المحكمة سيحدد وجهة الدولة العبرية، ليس في مسألة القضاء فقط، بل في مجمل نظام الحكم. فمن تقدموا بهذا الالتماس هم 8 أجسام يمثلون حركة «نظام الحكم السليم»، ومجموعة من الشخصيات التي تمثل قيادة الاحتجاج الجماهيري. ووقفت معهم المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهراف ميار، التي تمثل مؤسسة يفترض أنها تابعة للحكومة، لكنها اختارت الوقوف ضدها.

وفي رسالة طويلة ومنمقة، توجّهت إلى المحكمة العليا تطلب «شطب القانون الذي يلغي حجة المعقولية»، وهو ما عرَّضها أيضاً لانتقادات شديدة من قبل مسؤولين في الائتلاف الحكومي، وصلت إلى حدّ تهديدات مبطنة.

وبدأت المداولات صبيحة الثلاثاء، في أجواء توتر شديد. فقد حضر القضاة وسط إجراءات حراسة مشددة من فرق عناصر الشاباك (المخابرات العامة)، بعد أن تلقوا تهديدات بالقتل، وقرر الأمن ألا يناموا في بيوتهم. وتمت إحاطة مقر المحكمة بعدة دوائر من الحراسة، شارك فيها ألوف الجنود وعناصر الشرطة. وكان حوالي 50 ألف متظاهر حضروا إلى مقر المحكمة، ليلة الاثنين - الثلاثاء، وتظاهروا تضامناً معها لـ3 ساعات كاملة. ثم ساروا باتجاه بيت رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، للاحتجاج على خطته، لكن الشرطة طلبت منهم التفرق لأنهم بذلك يخرقون تصريح التظاهر.

بدأت الجلسة بمقدمة عرضتها القاضية إستر حيوت، رئيسة المحكمة العليا، فأشارت إلى أهمية القضية «وطابعها المصيري». وطلبت من الأطراف أن يتكلموا باختصار، ويعرضوا وجهة نظرهم. وأكدت: «نحن واعون إلى أن هناك من يريد أن يحول البحث إلى موضوع سياسي، ولكننا في المحكمة نصرّ على أنها قضية قضائية، ويجب التداول فيها من هذا الباب فقط. وأنا سأصرّ على إبقاء المداولات في هذا الإطار».

المحكمة العليا بكامل نصابها (أ.ب)

لكن هذا التوجه لم يكن مقبولاً عند ممثلي الحكومة، فتكلموا بالأساس عن الأبعاد السياسية والآيديولوجية. وأصرّ النائب سمحا روتمان، رئيس لجنة القانون والدستور في الكنيست، وهو من كتلة «الصهيونية الدينية»، التي يرأسها وزير المالية بتسليل سموترتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، على أن المطروح للتداول «هو؛ من الذي يحكم في الديمقراطية؟ من ينتخبهم الشعب، أم من يجلسون في وظائف عليا، ويأخذون الصلاحيات». وراح يوجه أسئلة لاسعة للقضاة، مثل: «بأي حق تتخذون لأنفسكم صلاحيات الحكم؟!» و«من الذي عيّنكم لتشطبوا قوانين يقرها الكنيست بأكثرية منتخبي الشعب؟!».

وقاطعه أحد القضاة قائلاً إنهم يستمدون قوتهم من روح وثيقة الاستقلال «التي حددت لإسرائيل هويتها وقيمها منذ اللحظة الأولى لتأسيسها في سنة 1948». وردّ روتمان بلا تردد: «وما هي وثيقة الاستقلال؟ هي أيضاً وضعها 37 شخصاً إسرائيلياً لم يكونوا منتخبين، ولم يكن بينهم سوى امرأتين، ولم يكن بينهم عرب، فمن قال إنني في سنة 2023 يجب أن أسير وفق قيم وضعها أبناء ذلك الجيل؟!».

النائب سمحا روتمان، رئيس لجنة القانون والدستور في الكنيست (رويترز)

وأكمل كلامه، وقال إن «نخبة تتمتع بامتيازات لن تتمكن من الحفاظ لفترة طويلة على الحقوق، باستثناء حقوقها هي نفسها». وقاطعه القاضي خالد كبوب قائلاً: «أليس هذا مهيناً؟». ووبّخت رئيسة المحكمة العليا روتمان، بعد أن قال للقضاة: «لستم منفتحين لانتقادات»، قائلة: «لسنا منشغلين بكرامتنا ولا بمكانتنا، إننا نتعامل مع مصلحة الجمهور. هل سيقيدون يدنا لمنعنا من تقديم مساعدة للجمهور؟! وخسارة أن يتجه السيد إلى مصطلحات الكرامة». وإثر أقواله ضد القضاة، قال القاضي يتسحاق عميت لروتمان: «سيسرني إذا أنهيت كلامك».

وحضرت إلى الجلسة وزيرة الإعلام، جليت ديستل إتربيان، وهي التي كانت قد طلبت أن تنضم إلى المدافعين عن موقف الحكومة. لكن المحكمة رفضت طلبها. وقد تعمدت الحضور، وعندما كان أحد القضاة يتكلم، هبّت تلقي خطاباً مطولاً حول موقفها. وقد هاجمت القضاة لمجرد موافقتهم على قبول الدعوى.

وقال المحامي إيلا بومباخ إن المحكمة العليا هي جسم مرموق لا يجوز له أن يأخذ لنفسه صلاحيات منتخبي الشعب. وحذّر من قرار في المحكمة يقود إلى منع رئيس الحكومة من الاستمرار في ولايته في منصبه، وأنه يتعذر عليه القيام بمهامه، رغم أن غالبية الجمهور اختارته، وصوّتت له بشكل ديمقراطي.

جانب من مظاهرة أمام مقر المحكمة العليا (إ.ب.أ)

وفي تصريحات خارج المحكمة، اعتبر وزير القضاء، ياريف ليفين، أن «المداولات الجارية في المحكمة العليا بانعدام صلاحية مطلق هي مس شديد بالديمقراطية وبمكانة الكنيست. ومجرد النظر في إمكانية شطب قوانين أساس، التي تشكل رأس الهرم التشريعي، وفي إمكانية الإعلان عن تعذر رئيس الحكومة القيام بمهامه (عزله) هو مس شديد بحكم الشعب». وأضاف: «المحكمة، التي يعين قضاتها أنفسهم في الغرف المغلقة ومن دون بروتوكول، تضع نفسها فوق الحكومة والكنيست والشعب، وكذلك فوق القانون. وهذا وضع مناقض للديمقراطية بشكل مطلق. ويعني أن المحكمة بلا توازنات وكوابح».

أما القضاة، فأوحى معظمهم بأنهم يقفون ضد الحكومة، علماً بأن 7 منهم يعتبرون ليبراليين و4 محافظين و4 في الوسط. وقال القاضي عميت إن المحكمة العليا في إسرائيل هي «الأكثر انضباطاً في العالم. فلماذا هناك حاجة إلى هذا القانون؟». وأشارت القاضية حيوت، مخاطبة بومباخ، إلى أن ذريعة المعقولية «مستخدمة منذ عشرات السنين، وأنتم تمنعون جميع المحاكم من منح مساعدة لمتضررين (من قرارات الحكومة) وتقولون إنه لا يمكن للمحكمة النظر» في قضايا كهذه. وأضافت رئيسة المحكمة العليا أنه «يوجد آلاف القرارات الفردية التي يتخذها يومياً وزراء يمنحون أنفسهم صلاحيات وتتعلق بمواطنين، يشكون من أنها قرارات غير معقولة (...) وبرغم ذلك، في معظم الحالات لا نتدخل، لكن هذا القانون يوقف هذه الإمكانية».

إسرائيليون يتابعون عبر شاشات التلفزيون بدء جلسات المحكمة العليا (أ.ب)

واستمرت المداولات حتى المساء. ويفترض أن يكتب كل قاضٍ رأيه في الالتماسات، ويمرر ما كتب على جميع القضاة فيسجل كل منهم ملاحظاته، وتسلم هذه الأوراق إلى رئيسة المحكمة التي سيكون عليها البتّ في القضية حتى موعد أقصاه منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل، حتى ذلك الحين يتوقع أن يتوصل السياسيون إلى تسوية، ربما تريح المحكمة من اتخاذ قرار رسمي.


مقالات ذات صلة

حكومة نتنياهو تمرر الميزانية في ليلة درامية

شؤون إقليمية نتنياهو ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير (أرشيفية - إ.ب.أ)

حكومة نتنياهو تمرر الميزانية في ليلة درامية

شهدت جلسة الكنيست الإسرائيلي، التي عُقدت حتى وقت متأخر الاثنين، «دراما»، بعدما عارض حزب بن غفير ميزانية عام 2025.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
شؤون إقليمية رجال شرطة إسرائيليون على أحصنتهم يفرقون متظاهرين يطالبون بالسعي لإطلاق سراح الأسرى لدى «حماس» في تب أبيب السبت (أ.ف.ب)

متظاهرون في تل أبيب يطالبون مجلس الأمن بفرض صفقة على نتنياهو

خرجت عائلات المحتجَزين الإسرائيليين لدى «حماس» ببيان تحذر فيه من المماطلة وتطالب بإنجاز صفقة متكاملة وليس جزئية.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي بنيامين نتنياهو خلال كلمة في «الكنيست» يوم الاثنين (إ.ب.أ)

حكومة نتنياهو تعدُّ 38 قانوناً جديداً لإضعاف القضاء

عادت حكومة اليمين الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو إلى خطتها لإضعاف منظومة الحكم والقضاء، وبدأت التشريع لقوانين جديدة تؤدي إلى هذه الغاية.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية متظاهر إسرائيلي خلال احتجاج ضد بنيامين نتنياهو في تل أبيب 5 نوفمبر الماضي (أ.ب)

اتهام 3 إسرائيليين هاجموا منزل نتنياهو بـ«الإعداد لانقلاب عسكري»

وجَّه وزير القضاء الإسرائيلي ياريف ليفين، تهمة «الإعداد لانقلاب عسكري» إلى 3 موقوفين إسرائيليين أطلقوا قنبلتين ضوئيتين على منزل لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

نظير مجلي (تل ابيب)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل مؤتمر صحافي بالقدس في سبتمبر الماضي (أ.ب)

بينها «عزل مؤقت»... ما مسارات قضية «فساد» نتنياهو؟

بعد يوم من رفض القضاء الإسرائيلي لطلب بنيامين نتنياهو تأجيل شهادته باتهامه بـ«الفساد» لوّحت النيابة بأنها تقترب من المطالبة بإخراجه لـ«عزل قسري مؤقت» من مهامه.

نظير مجلي (تل ابيب)

الجيش الإيراني يدشن مدمرة للرصد المخابراتي

صورة وزعها الجيش الإيراني من مدمرة «زاغروس» اليوم (أ.ب)
صورة وزعها الجيش الإيراني من مدمرة «زاغروس» اليوم (أ.ب)
TT

الجيش الإيراني يدشن مدمرة للرصد المخابراتي

صورة وزعها الجيش الإيراني من مدمرة «زاغروس» اليوم (أ.ب)
صورة وزعها الجيش الإيراني من مدمرة «زاغروس» اليوم (أ.ب)

أعلنت البحرية الإيرانية عن تدشين أول مدمرة للرصد المخابراتي ورصد الذبذبات، وذلك بعد أيام قليلة من تسلم الجيش ألف طائرة مسيرة جديدة.

وأفادت وكالة «تسنيم»، التابعة لـ«الحرس الثوري»، بأن المدمرة «زاغروس» فئة جديدة من السفن العسكرية المزودة بأجهزة استشعار إلكترونية، ولديها القدرة على اعتراض العمليات السيبرانية وإجراء رصد مخابراتي، حسبما نقلت وكالة «رويترز». وقال قائد البحرية الإيرانية شهرام إيراني إن السفينة ستكون «العين الساهرة للبحرية الإيرانية في البحار والمحيطات».

وبدأت إيران هذا الشهر تدريبات عسكرية سنوية، شملت بالفعل مناورات حربية تدافع فيها قوات «الحرس الثوري» عن منشآت نووية رئيسية وسط البلاد، في نطنز وفوردو ومفاعل أراك للمياه الثقيلة، خلال محاكاة لهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة. وتستمر التدريبات لمدة شهرين.

صورة وزعها الجيش الإيراني من مدمرة «زاغروس» اليوم (أ.ب)

وتأتي التدريبات والمشتريات العسكرية في وقت تشهد فيه إيران توتراً شديداً مع عدوّيها اللدودين إسرائيل والولايات المتحدة، مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الأسبوع المقبل.

كان ترمب، خلال ولايته الأولى (2017 - 2021)، مهندس ما يسمى سياسة «الضغوط القصوى» على إيران، وأعاد فرض عقوبات شديدة عليها، أبقت عليها إدارة جو بايدن.

وأفاد موقع «أكسيوس» الإخباري الأميركي بأن مستشار الأمن القومي جيك ساليفان عرض مؤخراً على الرئيس جو بايدن خيارات لشنّ ضربة أميركية محتملة ضد منشآت نووية إيرانية، في حال تحرّكت طهران نحو تطوير سلاح نووي قبل تولي ترمب منصبه.

وتقول القوى الغربية إنه ليس هناك مبرر مدني موثوق لتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المائة، القريبة من نسبة 90 في المائة اللازمة لصنع سلاح نووي. وتنفي طهران السعي لحيازة قنبلة ذرية. وقال المتحدث باسم الحكومة الإيرانية في أكتوبر (تشرين الأول) إن البلاد تخطط لزيادة ميزانيتها العسكرية بنحو 200 في المائة لمواجهة التهديدات المتزايدة.