صرخة استغاثة من داخل معسكرات النازحين في دارفور

مسؤول بحكومة الإقليم لـ«الشرق الأوسط»: الوضع مزرٍ

سودانيون فروا من إقليم دارفور إلى معسكر لاجئين في تشاد المجاورة يحتمون بغطاء بلاستيكي من عاصفة مطرية (رويترز)
سودانيون فروا من إقليم دارفور إلى معسكر لاجئين في تشاد المجاورة يحتمون بغطاء بلاستيكي من عاصفة مطرية (رويترز)
TT

صرخة استغاثة من داخل معسكرات النازحين في دارفور

سودانيون فروا من إقليم دارفور إلى معسكر لاجئين في تشاد المجاورة يحتمون بغطاء بلاستيكي من عاصفة مطرية (رويترز)
سودانيون فروا من إقليم دارفور إلى معسكر لاجئين في تشاد المجاورة يحتمون بغطاء بلاستيكي من عاصفة مطرية (رويترز)

دخلت الحرب في السودان شهرها الخامس، من دون أن تلوح في الأفق بارقة أمل تفيد بنهايتها وتوقف الدمار المتصاعد. فإلى جانب آلاف الأرواح التي أزهقت والبنى التحتية التي دمرت، يخشى المراقبون وقوع مجاعة لا تبقي ولا تذر، ونقصاً حاداً في الغذاء والدواء، ما دفع كثيرين لإطلاق صرخات استغاثة للمجتمع الدولي للتدخل وإنقاذ الناس، لا سيما في إقليم دارفور المضطرب أصلاً.

فمنذ عدة أيام، تشهد مدينة نيالا، حاضرة ولاية جنوب دارفور، اشتباكات عنيفة بين الجيش و«الدعم السريع»، أدت إلى سقوط مئات الضحايا ونزوح آلاف المواطنين إلى مدينة الفاشر ومناطق أخرى. وأحدثت الاشتباكات دماراً كبيراً في المدينة أدى إلى خروج مستشفياتها من الخدمة، وانهيار بناها التحتية.

وليست نيالا الوحيدة التي تعيش مأساة الحرب، فمدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، قتل فيها أكثر من 80 مدنياً، ولجأ الآلاف من سكانها إلى مدينة أدري التشادية، ودُمِّرت الخدمات فيها تماماً، بما في ذلك المشافي التي خرجت جميعها من الخدمة.

وقال المتحدث باسم حكومة إقليم دارفور، مصطفى جميل، لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن الوضع الإنساني مزرٍ في مدينتي الجنينة ونيالا، وإن الدمار لحق بالبنى التحتية والأسواق والمحال التجارية بنسبة كبيرة. وأضاف: «3 من ولايات إقليم دارفور عانت من الحرب، ولحقت بها عمليات قتل وتدمير ونزوح ولجوء كبيرة، وهي: غرب دارفور، وجنوب دارفور، ووسط دارفور، بينما تشهد ولايتا شمال دارفور وشرق دارفور حالة استقرار نسبية». وتابع قائلاً أن «آثار الحرب امتدت لكل الإقليم، ووصل النازحون إلى مناطق آمنة، وتوجد تداعيات إنسانية».

حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (أرشيفية)

يذكر أن إقليم دارفور يتكون من 5 ولايات، ومركز حكومته التي يترأسها مني أركو مناوي، قائد «حركة تحرير السودان» في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور.

دعوات للتدخل الدولي

وأوضح جميل أن الإقليم لا يوجد فيه «مخزون غذائي بالمعنى العلمي الحديث»، وأن هناك تناقصاً كبيراً في مخزون الحبوب، وموسم الزراعة أضعفته الحروب. وحذر قائلاً إن «نذر المجاعة قائمة، وأغلب المنتجين بين نازح أو جريح أو قتيل».

وأشار إلى أن حكومة الإقليم عملت على التنسيق مع المنظمات التطوعية لإيصال الإغاثة إلى النازحين، خصوصاً في شرق تشاد، وما زالت تناشد المجتمعين الدولي والإقليمي من أجل إغاثة المنكوبين. وأضاف أن «الوضع في المعسكرات بالغ السوء ويحتاج لإغاثات عاجلة وتدخل دولي سريع».

ووفقاً للمتحدث باسم الحكومة، فإنها اتخذت إجراءات لمنع انتقال الحرب إلى ولايات جديدة، و«شكلت من أجل ذلك قوة مشتركة من قوات حركات الكفاح المسلح: حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وتجمع قوى تحرير السودان بقيادة الطاهر حجر». وأكد جميل أن «هذا الإجراء بالغ الأهمية، فهو يقوم بأعمال لا يراها الناس، وتتمثل في تأمين القوافل التجارية المحملة بالبضائع والوقود من مدينة كوستي وحتى الفاشر ونيالا».

جانب من الدمار في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور (أ.ف.ب)

ومن ضمن مهام تلك القوات وفقاً لجميل، حماية الأسواق الكبرى من هجمات المتفلتين، وعلى وجه الخصوص سوق الفاشر الكبيرة. وأضاف: «كل هذا الجهد الإداري والمالي تقوم به القوة المشتركة، وهو أمر مكلف إدارياً ومادياً». وتابع: «الحكومة المركزية تعيش حالة شح وضعف في الإمكانات، ولم تدفع أموالاً لحكومة إقليم دارفور للقيام بمهامها. فظروف الحرب معروفة». واستطرد: «يقع العبء الأكبر في الصرف على القوة المشتركة وعلى قوى الكفاح المسلح».

وقال الناطق باسم دارفور لـ«الشرق الأوسط»، إنه لا توجد إحصائيات دقيقة حول ضحايا الحرب، بيد أنه قال إن «أعداد القتلى والجرحى مهولة، وحكومة الإقليم تبذل جهداً خرافياً لوقف الحرب، وتقدم حاكم الإقليم مني أركو مناوي بعدة مبادرات لذلك، وأجرى اتصالات مكثفة مع الأطراف المحلية، دعاها خلالها لتحكيم صوت العقل». وأضاف أن «انتشار السلاح أسهم في الحروب القبلية بشكل كبير».

«انتشار السلاح أسهم في الحروب القبلية بشكل كبير»

الناطق باسم حكومة إقليم دارفور لـ«الشرق الأوسط»

انهيار النظام الصحي

وقال سكرتير نقابة الأطباء، عطية عبد الله، لـ«الشرق الأوسط»، إن النظام الصحي منهار تماماً في الولايات الثلاث التي اشتعلت فيها الحرب، وإن وضع الولايتين الأخريين ليس أفضل حالاً. وتابع: «نواجه صعوبة نقل المرضى بين المدن بسبب تدهور الأوضاع الأمنية»، وتابع أن «الإمدادات الطبية تسربت إلى السوق السوداء، وأخرى تم نهبها من قبل قوات عسكرية».

وأبدى عبد الله أسفه لاستشراء القتل الناتج عن القتال بين الجيش و«الدعم السريع» في الإقليم، وعدم وجود ممرات آمنة تمكن السلطات الصحية من حصر ضحايا الحرب وجمع الجثامين من الطرقات، طالباً من طرفي القتال ضرورة وقف الحرب وفتح ممرات آمنة تمكن السلطات الصحية من تقديم الخدمات الطبية للمرضى، وعدم استهداف الكوادر الطبية.


مقالات ذات صلة

السودان: الجيش على حدود ولاية الجزيرة ومخاوف من توسع المعارك

شمال افريقيا الفريق كباشي، لدى تفقده ضباط وجنود قيادة المنطقة الشرقية بالفاو أمس (موقع مجلس السيادة السوداني فيسبوك)

السودان: الجيش على حدود ولاية الجزيرة ومخاوف من توسع المعارك

تفقد نائب القائد العام للجيش السوداني، شمس الدين كباشي، الجمعة، قواته في المنطقة الشرقية بالفاو على حدود ولاية الجزيرة وسط مخاوف من توسع المعارك.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا سودانيون في مكتب شؤون اللاجئين بالقاهرة (مكتب مفوضية شؤون اللاجئين)

مصر تعد بتسهيلات جديدة لإقامة السودانيين

تعهّدت السلطات المصرية بـ«تقديم تسهيلات جديدة لإقامة السودانيين في البلاد»، تتضمّن «زيادة فترة تصاريح الإقامة وتسريع صدورها».

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا مئات الأشخاص يفرون يومياً من دارفور إلى مخيم أدري الحدودي بتشاد (رويترز)

دوقة إدنبرة: ما يحدث في السودان شبيه بمجازر رواندا

قالت دوقة إدنبرة، خلال زيارتها لمعسكر أدري على الحدود بين السودان وتشاد، والذي يحتضن الفارين من الحرب، إن الصراع بالسودان يشبه ما حدث في رواندا منتصف التسعينات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا عمر البشير حكم السودان بقبضة من حديد وأطيح به بعد 30 عاماً (أرشيفية)

القضاء السوداني يشكل لجنة جديدة للنظر في قرارات تصفية حكم البشير

أثار تشكيل لجنة مكونة من 3 قضاة للنظر في قرارات لجنة تفكيك وإزالة تمكين نظام الرئيس المعزول، عمر البشير، الكثير من الجدل حول دواعي هذه الخطوة.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا جانب من «سد النهضة» (رويترز)

تكرار الزلازل في إثيوبيا يثير مخاوف مصرية بشأن أمان «سد النهضة»

أثار تكرار الزلازل في إثيوبيا، مخاوف مصرية بشأن أمان «سد النهضة» الإثيوبي، خاصة مع ما اعتبره خبراء «تزايداً كبيراً في الزلازل بأديس أبابا خلال العام الجاري».

عصام فضل (القاهرة)

جولة بلينكن المرتقبة للمنطقة... هل تدفع مسار مفاوضات «هدنة غزة»؟

قوات إسرائيلية في منطقة رفح جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
قوات إسرائيلية في منطقة رفح جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

جولة بلينكن المرتقبة للمنطقة... هل تدفع مسار مفاوضات «هدنة غزة»؟

قوات إسرائيلية في منطقة رفح جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
قوات إسرائيلية في منطقة رفح جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

جولة مرتقبة لوزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى منطقة الشرق الأوسط، أعادت الحديث عن مسار مفاوضات «الهدنة» في قطاع غزة، وسط مطالبة مصرية رئاسية بـ«المُضي قُدماً بقوة في مسار وقف إطلاق النار، وتبادُل الرهائن»، وتحذيرات في القاهرة من «تعنّت إسرائيلي»، غداةَ دعوات من واشنطن ودول غربية بانتهاز فرصة مقتل زعيم حركة «حماس»، يحيى السنوار، لإنهاء الحرب المستعرة منذ أكثر من عام.

ورأى خبراء تحدّثوا إلى «الشرق الأوسط»، أن جولة بلينكن المرتقبة هذا الأسبوع ستسعى لإيجاد «هدنة مؤقتة»، وتخفيض التصعيد بالمنطقة، أملاً في حصد أصوات انتخابية بسباق الرئاسة الأميركية المرتقب خلال نحو أسبوعين، متوقعين أن تصطدم جهود دول الوساطة (مصر وقطر والولايات المتحدة) لإبرام ذلك الاتفاق بـ«تعنّت» من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مما يقلّل فرص التوصل لحل قريب.

ومنذ إعلان إسرائيل، مساء الخميس، مقتل السنوار، توالت تصريحات واشنطن ودول غربية تدعم التوصل لاتفاق بغزة، وقال الرئيس جو بايدن إنه سيرسل وزير خارجيته، أنتوني بلينكن، قريباً إلى إسرائيل، مبدياً «أمله» في التوصل إلى وقف إطلاق نار في غزة.

وعدَّت نائبة بايدن، المرشحة الديمقراطية بالانتخابات الرئاسية، كامالا هاريس، في بيان، أن قتل السنوار يخلق «فرصة لوضع حدّ أخيراً للحرب في غزة».

ورأى مستشار الأمن القومي، جيك ساليفان، أن مقتل السنوار يمثّل «فرصة» من أجل إعادة تحريك مفاوضات وقف إطلاق النار المتوقفة منذ أسابيع. وعَدّ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، في بيان، الجمعة، أن مقتل السنوار «يمنح فرصة كبيرة للتفاوض على وقف دائم لإطلاق النار».

رجل يدفع الكرسي المتحرك لامرأة بينما يفرّ الفلسطينيون الذين يحملون أمتعتهم من مناطق شمال مدينة غزة (أ.ف.ب)

وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، الجمعة، أن إدارة الرئيس جو بايدن تسعى إلى استغلال مقتل السنوار؛ لإنهاء الحرب في غزة، مع الدفع ببلينكن إلى القيام بجولة دبلوماسية في الشرق الأوسط، مشيرةً إلى أن الوزير الأميركي «سيتوجه إلى إسرائيل، وربما إلى دول أخرى في الشرق الأوسط، هذا الأسبوع، في زيارته الـ11 إلى المنطقة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وذلك في إطار جهود الإدارة المستمرة للتوصل إلى اتفاق».

وسيناقش بلينكن إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى «حماس»، وتسريع وتيرة إيصال المساعدات الإنسانية للفلسطينيين المحاصرين في غزة، والتفاوض على «خطة ما بعد الحرب» التي تتضمّن منع الحركة من إدارة القطاع، وانسحاب القوات الإسرائيلية، وفق الصحيفة التي رأت أن «حل لغز (مفاوضات) غزة» هو الآن المهمة الرئيسية لإدارة بايدن خلال الأشهر الثلاثة المقبلة من ولايته.

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، يعتقد أن بلينكن يأتي هذه المرة ومعه آمال بوقف إطلاق نار مؤقت في غزة، من باب تقديم الدعم لنائبة بايدن ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بهدف جلب أصوات انتخابية لها، ودعم مساعي تخفيض التصعيد مع إيران.

وباعتقاد رخا فإن «بلينكن قد يواجه تعنتاً ومماطلة من نتنياهو» الذي يتطلع ألا يمنح هاريس دعماً؛ لتعزيز فرص نجاح حليفه دونالد ترمب أمامها، لافتاً إلى أن الأحاديث الأميركية والغربية «لا تعويل عليها حالياً في ظل عدم وجود ضغوط حقيقية لإجبار رئيس الوزراء الإسرائيلي على الذهاب لاتفاق».

أبنية مدمّرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة (إ.ب.أ)

أما المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، فيرى أن زيارة بلينكن «ستكون بلا قيمة، ولا تمتلك أي أدوات ضغط، وستكون كمثل جولاته العشرة السابقة»، مؤكداً أنها ستكون «زيارة بلا أي تأثير في ظل تعنّت نتنياهو المستمر منذ أكثر من عام بلا أي ضغوط أميركية حقيقية».

ذلك «التعنّت» أكّده وزير الخارجية والهجرة المصري، الدكتور بدر عبد العاطي، في مقابلة متلفزة مع قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، مساء الجمعة، قائلاً: «كلما كنا نقترب من التوصل إلى صفقة والتي تحقّق مصالح الجميع، بما في ذلك إطلاق سراح جميع المحتجزين، وجانب من الأسرى الفلسطينيين، يأتي الجانب الإسرائيلي ويطالب بمطالب غير واقعية، ويجد ذرائع مختلفة حتى يتنصّل من إمكانية التوصل لمثل هذا الاتفاق».

ولم تُسفر مفاوضات استمرت أشهراً بوساطة من قطر ومصر والولايات المتحدة عن توصل إلى وقف القتال بين حركة «حماس» وإسرائيل، باستثناء هدنة لمدة أسبوع في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وخلال لقاء مع وفد من مجلس النواب الأميركي، السبت، أكّد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي «ضرورة وضع حد للحرب الدائرة في غزة ولبنان، والمضي قُدماً بقوة في مسار وقف إطلاق النار وتبادُل الرهائن»، مشيراً إلى «الجهود المصرية - القطرية - الأميركية المشتركة على مدار الفترة الماضية، وأهمية وجود إرادة سياسية من جميع الأطراف، وضغوط مكثّفة من المجتمع الدولي، لتحقيق تقدّم ملموس»، وفق بيان صحافي لـ«الرئاسة المصرية».

بينما يرى رخا أن الجهود المصرية لإنهاء الحرب «لم تتوقف، ومستمرة بهدف حماية أمنها القومي، ودعم حقوق الشعب الفلسطيني»، لافتاً إلى أن نتنياهو هو من «يماطل تحت غطاء دعم أميركي»، ولا حل إلا بضغوط أميركية حقيقية عليه للذهاب لوقف إطلاق نار ولو مؤقت.

ويتفق معه الرقب في أن الحديث المصري يعكس تقديراً لتبعات الموقف بالمنطقة، ويعد استمرار مساعيه للتهدئة أمراً هاماً، مضيفاً: «لكن لا بديل عن ضغط أميركي جادّ لبدء مشاورات لإنهاء الحرب».