توجيه ملكي باعتماد تصميم جامعة الملك سعود لتوسعة المسجد الحرام

«الشرق الأوسط» تنشر القصة... والأمير نايف كرَّم كلية العمارة والتخطيط

TT

توجيه ملكي باعتماد تصميم جامعة الملك سعود لتوسعة المسجد الحرام

الدولة السعودية عملت على رعاية المسجد الحرام والاهتمام بالتطوير العمراني والمشاريع العملاقة بهوية إسلامية (واس)
الدولة السعودية عملت على رعاية المسجد الحرام والاهتمام بالتطوير العمراني والمشاريع العملاقة بهوية إسلامية (واس)

بعد نشر «الشرق الأوسط» للسلسلة التوثيقية التي رصدت فيها عمارة المسجد الحرام خلال 1400 عام، والتي ورد في الجزء الرابع والأخير منها دور جامعة الملك سعود في تصميم التوسعة السعودية الثالثة، وما أثاره الموضوع من تفاعل، ونظراً للاستفسارات التي وردت إلى الصحيفة حول الموضوع، ولأهمية توثيق قصة التصميم ودور الجهات المشاركة فيه، تنشر «الشرق الأوسط» هذا التقرير التوثيقي الذي أعده الكاتب والباحث السعودي بندر بن عبد الرحمن بن معمر عن قصة تصميم التوسعة السعودية الثالثة. ويعتمد التقرير على الوثائق المتمثلة في الأوامر السامية والإصدارات التوثيقية من وزارة التعليم العالي في السعودية، وهي الجهة التي أُسند إليها عام 1429هـ - 2008م تولي مهمة دراسة مشروع التوسعة، إضافة إلى مجموعة من التقارير والوثائق والمستندات الأخرى، التي تحتفظ «الشرق الأوسط» بنسخ منها. قصة تصميم التوسعة السعودية الثالثة ليست قصة أفراد، أو جامعات، أو شركات أو استشاريين أسهم كل منهم بدوره وجهده، ولكنها قصة عمل مهني مشرف، وقبل ذلك وبعده قصة قيادة نذرت نفسها لخدمة الحرمين الشريفين ودولة سخرت مواردها لأمن وسلامة وراحة قاصديهما واستثمرت في الإنسان الذي أسهم في عمارتهما، وقدم الفكرة التصميمية لثالث التوسعات بعد حوالي 75 عاماً من تصميم أول توسعة سعودية للحرمين الشريفين.

خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز متشرفاً بغسل جدار الكعبة المشرفة (واس)

تصميم التوسعة والقصة التي لم تُروَ

هنا قصة لم تُروَ من قبل، ولم تنشر مفاصلها وتفصيلاتها التي تستحق أن يُعرّف بها، وأن يطلع عليها كل من له علاقة بإدارة المشروعات الكبرى التي تنفذ اليوم في طول المملكة العربية السعودية وعرضها، ليس لأنها قصة تصميم فقط؛ بل لأنها أنموذج فريد في منهجية إدارة المشاريع العملاقة وإدارة وتطبيق العمل الجماعي التكاملي integrated teamwork يمكن أن يؤسس عليه ويستفاد منه في هذه المرحلة تحديداً، وفي المشاريع الكبرى داخل السعودية وخارجها.

علاوة على أن هذه القصة تؤكد حجم الرعاية والعناية والدعم اللامحدود التي يحظى بهما الحرمان الشريفان من القيادة السعودية. فمنذ تأسيسها على يد الملك عبد العزيز، أولت السعودية الحرمين الشريفين جل اهتمامها وعظيم عنايتها وكان شرف خدمتهما أولوية من أهم أولوياتها وأحد ألقاب ملوكها، حتى اتخذه الملك فهد بن عبد العزيز في عام 1407هـ - 1986م لقباً رسمياً بدلاً من جلالة الملك.

خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان يوليان اهتماماً كبيراً بالحرمين الشريفين وخدمتهما (واس)

وهنا جزئية تتطلب أن ينوه بها وهي أن الله تعالى اختص بفضله جميع قادة المملكة العربية السعودية، الملوك عبد العزيز وسعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله وسلمان، بشرف خدمة الحرمين الشريفين ومواجهة تحديات هذه الخدمة التي لم يشهد حجمها وتعقيداتها الحرمان عبر التاريخ الإسلامي كله، وكان لكل ملك من ملوك هذه الدولة إسهامه في توسعة وعمارة وخدمة الحرم المكي والحرم النبوي والمدن والمشاعر المقدسة، وهذا شرف لا يضاهيه شرف، وذلك من فضل الله الذي يختص به من يشاء، ومن توفيقه الذي يؤتيه من يريد.

الأمير محمد بن سلمان في زيارة للمسجد الحرام ويطلع على مشاريع التوسعة (واس)

ما قبل التفاصيل

منذ بداية عمارات وتوسعات الحرمين الشريفين في العهد السعودي كان لتلك المشاريع اهتمام ومعاملة خاصة وآلية عمل مختلفة عن باقي المشروعات. بدأت بتكليف «مدير العمائر والإنشاءات الحكومية»، وقتذاك محمد بن لادن، تنفيذ الأعمال والإشراف عليها دون عقود تنفيذ أو تكاليف محددة مسبقًا، بل يتم الصرف على مشروعات الحرمين من قبل وزارة المالية حسب ما يقدمه بن لادن من تكاليف ويتقاضى عليها نسبة مئوية محددة. وكان (المعلم) ابن لادن كما يسمى في ذلك الوقت هو من يتولى التعاقد مع كل من يتطلب عمله في تلك المشروعات بما في ذلك المصممون والاستشاريون. واستمرت تلك الطريقة متبعة حتى بعد وفاته وتحول مؤسسته وتطورها إلى «مجموعة بن لادن السعودية» بكافة شركاتها وأذرعها وتحالفاتها الاستشارية والتصميمية، ومنذ بداية التوسعات السعودية كان للحرمين الشريفين هويتهما المعمارية الخاصة ضمن سياقهما العمراني المتفرد وخصوصيتهما التي لا نظير له.

الملك عبد الله بن عبد العزيز مستقبلاً الشيخ صالح الحصين

وحين جاءت الحاجة لتوسعة المسجد الحرام في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله، كان قد بُدء في نزع ملكيات الأحياء الشمالية للمسجد الحرام (الشامية وما جاورها) والبدء في تنفيذ توسعة الساحات الشمالية، إلا أنه تقرر أن يتحول المشروع من مجرد توسعة ساحات إلى توسعة بنائية للمسجد الحرام.

وعملت مجموعة بن لادن السعودية من خلال أذرعها الاستشارية على تصميم مقترح لمبنى التوسعة، وعقدت عدة اجتماعات بين الرئاسة العامة لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي ممثلة آنذاك في الرئيس العام الشيخ صالح الحصين - رحمه الله - وفريقه الفني، ومجموعة بن لادن ممثلة في المهندس بكر بن لادن وفريقه، لمناقشة معطيات وجوانب التصميم المقترح من مجموعة بن لادن.

وكانت «رئاسة الحرمين» ترى أن التصميم المقدم للاعتماد لا يلبي احتياجات الحرم كاملة وفق المعطيات والمستجدات الحالية والمستقبلية نظراً لتغير المتطلبات المتعلقة براحة المصلين ومستجدات خدمتهم وإدارة سلامتهم وجوانب التشغيل الأخرى للمسجد الحرام.

وبعد عدة محاولات لتطوير التصميم من قبل مجموعة بن لادن لمقترحهم، لم يتحقق المطلوب في نظر الرئاسة، فاقترح الشيخ الحصين أن يُرفع محضر مشترك بين الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي ومجموعة بن لادن السعودية إلى المقام السامي يتضمن التوصية بعرض مقترح تصميم التوسعة على فريق من المتخصصين من أساتذة الجامعات السعودية لدراسته وتقييمه وتقديم الملاحظات عليه إن وجدت، وهو ما وافق عليه المقام السامي ووجَّه بتحقيقه.

من إصدارات وزارة التعليم العالي التوثيقية عن المشروع

ووفقاً للإصدار التوثيقي المهم والمعنون بـ«دراسة مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لتوسعة المسجد الحرام»، الذي أصدرته وزارة التعليم العالي (تم دمجها مع وزارة التربية والتعليم في وزارة واحدة باسم وزارة التعليم عام 1436هـ - 2015م) عن المشروع في مجموعة كتب. إضافة إلى عدد من التقارير الصادرة عن فرق العمل في المشروع والوثائق الخاصة به، والتي استندتُ إليها مع مستندات ومصادر أخرى في توثيق هذه القصة، أنقل لكم هنا بعضاً من قصة التوسعة وتصميمها ومقتطفات ولمحات عن خلفياتها وكواليسها، وقصص عدد من جنودها المجهولين، مورداً في سردها بعض ما جاء في هذه الوثائق والمصادر بتصرف، علماً أن ما أرويه هنا هو ملخص للقصة فحسب، بل هنالك الكثير من المعلومات:

البداية بالتوجيه السامي

صدر التوجيه السامي رقم 6555/م ب في 26 شعبان 1429هـ - 27 أغسطس 2008م بأن تقوم وزارة التعليم العالي بتكوين فريق عمل من المختصين المؤهلين يتولى دراسة مشروع مقترح مجموعة بن لادن للتوسعة الجديدة من جميع الجوانب المعمارية والهندسية والتشغيلية والفنية والأمنية مع الاستفادة من التقنيات العلمية الحديثة، وأن يتم ذلك وفق منهجية علمية ومهنية عالية والاستفادة من كل الخبرات المحلية والعربية والإسلامية وغيرها.

وحدد التوجيه السامي إطار المشروع وآليته التي مكنت الوزارة من الاستعانة بالمتميزين من أساتذة الجامعات السعودية والخبراء العرب والمسلمين والاستشاريين العالميين وبيوت الخبرة المختصة، على أن تعرض الوزارة النتائج على المقام السامي خلال 3 أشهر، كما تضمن التوجيه الأهداف والغايات من هذه الدراسة، والتي شملت:

دراسة التصميم المقترح من مجموعة بن لادن للتوسعة بشكل دقيق وشامل للتأكد من مدى وجودة الجوانب الآتية:

1- تحقيق مبادئ الشمولية والتكامل في التصميم المقترح من جميع الجوانب المعمارية والتشغيلية، والفنية والأمنية والاستدامة.

2- تسهيل حركة السير في ساحات المسجد الحرام وأروقته وما يجاوره.

3- الاستفادة من التقنيات العلمية الحديثة لخدمة المسجد الحرام وقاصديه.

4- تخفيف المشقة على قاصدي بيت الله الحرام وتيسير أدائهم للعبادات.

5- تلافي أي ملحوظات على التوسعة الأولى والثانية نتيجة المتغيرات الزمانية والتشغيلية ومتطلباتهما.

6- الاستفادة من مخرجات دراسة وتقويم التصميم المقترح لترشيد التوسعات المستقبلية للمسجد الحرام أو تعديلات تحسين الوضع القائم.

نطاق عمل الدراسة

شمل نطاق الدراسة عدة جوانب منها الجوانب المعمارية مثل: تصميم المباني والنواحي العمرانية المرتبطة بها حول المسجد الحرام. والجوانب التشغيلية مثل: أعمال الصيانة والإدارة، وشؤون التشغيل، وأنظمة الأمن والسلامة، وحركة الحشود. والجوانب البيئية وهي مثل:-

الآثار البيئية بجميع عناصرها كالاستدامة والحفاظ على مياه زمزم وجودة الهواء، والأنظمة الكهربائية ومستوى الاستهلاك، والأنظمة الميكانيكية وجودة التكييف. والجوانب الأمنية مثل: أنظمة المراقبة، وإدارة الحشود، وقضايا السلامة والطوارئ. والجوانب التقنية ومنها الاستفادة من التقنيات الذكية وغيرها من الجوانب الأخرى.

الملك عبد الله خلال تجوله في المعرض الذي أقامته وزارة التعليم العالي بمقر كلية علوم البحار في أبحر بمدينة جدة يوم الجمعة 28 نوفمبر 2008 يرافقه الأمير مقرن بن عبد العزيز والشيخ صالح الحصين ويقود مركبة الغولف كار وزير التعليم العالي خالد العنقري (الشرق الأوسط)

المنهجيات والاستكشافات ثم الرؤى والبدائل

باشرت وزارة التعليم العالي تنفيذ توجيه المقام السامي، وتطلب ذلك أمران هما:

1- البدء بتكوين نواة لفريق الجامعات المتخصص والتي ستوكل له هذه المهمة الحساسة.

2- تطوير منهجية عمل فاعلة ومرنة تراعي توفير كوادر التخصصات الفنية الدقيقة في وقت قياسي وديناميكي.

وتم في وقت قياسي تشكيل فرق متخصصة بكفاءات عالية من داخل المملكة وخارجها بقيادة كفاءات وطنية من جامعات المملكة، ويمكن تلخيص هيكلة العمل ومساراته في هذه المرحلة في الآتي:

1- اللجنة التوجيهية: ويرأسها وزير التعليم العالي حينذاك الدكتور خالد العنقري، ومن أعضائها نواة فريق الوزارة الفني مع عدد من المختصين وتتولى اللجنة بالتشاور مع الفريق الفني تحديد القضايا التي يشملها المشروع وتكوين الفرق العلمية المختلفة لدراسة تلك القضايا وتوجيه مسارات الفرق ومتابعة أعمالها، وتلقي التقارير الفنية من الفرق التخصصية، والموافقة على ورش العمل اللازمة، وإقرار الوثائق والتوصيات الصادرة عن فرق العمل. مع إيضاح أن «الفريق الفني للوزارة»، تعددت تسمياته في الوثائق والتقارير المختلفة مثل: (الفريق) أو (فريق الدراسة) أو (الفريق الأساس) أو (فريق الوزارة)، كما سيلاحظ في ثنايا هذا التقرير، كما تم تشكيل لجنة إدارية ومالية لمساندة فرق العمل في النواحي الإدارية والمالية واللوجستية.

2- محاور العمل الرئيسة: اقتضت المهمة تشكيل ثمانية محاور عمل رئيسية لتنفيذها وهي كالآتي: محور تقييم الوضع الراهن، ومحور المراجعة المحلية، ومحور المراجعة الدولية، ومحور الرؤية المعمارية، ومحور الرؤية التقنية، ومحور التطبيق، ومحور الإنتاج، ومحور المعرض.

3- الفرق الفنية التخصصية: شكلت الفرق التخصصية الفنية التابعة لـ«الفريق الفني للوزارة» للعمل ضمن إطار المشروع، حسب احتياجات كل مسار، وكلفت بإعداد التقارير اللازمة لذلك، وهي:

4- فريق الدراسات المعمارية والعمرانية.

5- فريق الدراسات الإنشائية.

6- فريق الحركة والحشود والخدمات المساندة والأمن.

7- فريق الدراسات البيئية.

8- فريق دراسات الاستدامة.

9- فريق الدراسات الخدمية والكهروميكانيكية.

سعت هذه الفرق من خلال تخصصاتها الفنية الدقيقة وعبر منهجية العمل الجماعي التكاملي وبروح الفريق الواحد إلى دراسة الوضع الراهن للمسجد الحرام وما حوله، وكذلك التصميم المقترح من مجموعة بن لادن من خلال جمع المعلومات وتحليل البيانات في النواحي التصميمية والفنية والتشغيلية، وتقويمها في الوضع الراهن، وذلك للتوصل إلى أهم القضايا التي يجب معالجتها ومراعاتها. مع الإيضاح بأن عبارة (الوضع الراهن) الواردة في ثنايا التقرير يقصد بها وضع المسجد الحرام وقت إعداد الدراسات عام 1429هـ - 2008م.

وقد بلغ عدد من شارك في هذه الأعمال من فرق تخصصية رئيسية وفرعية وفرق لوجستية مساندة، نظراً لأهمية المهمة ولقصر مدة التكليف بهذه المهمة الحساسة، عدة مئات من الأشخاص بمختلف مهماتهم ومسؤولياتهم الإدارية والفنية واللوجستية، عملوا خلال ثلاثة أشهر في مراحل مختلفة.

مسارات الدراسة الفنية لمقترح مجموعة بن لادن لمشروع التوسعة:

قامت الفرق المشاركة بالعمل على عدد من المسارات والعمل فيها بشكل متزامن ومتوازٍ في آن واحد، وذلك لإنجاز الدراسة بشكل متكامل ومهني ضمن المدى الزمني القصير جداً، حيث يركز كل مسار على قضايا جوهرية معينة كالآتي:

مسار تقويم الوضع الراهن للمسجد الحرام:

كأساس جوهري لتقويم أي مقترح للتوسعة، كان من المهم عمل دراسة للوضع الراهن للحرم للوصول إلى معرفة دقيقة جداً لتحديات تشغيل الحرم الواقعية وتحديد النقاط الحرجة في الاستخدام والتشغيل والسلامة ونحوها للتوصل إلى أهم القضايا التي يجب حلها ومراعاتها في أية توسعات جديدة. والانتهاء إلى تحديد معايير موضوعية وواقعية موجهة للتقويم لمقترح التوسعة المشار إليه بالخصوص.

ركزت دراسة الوضع الراهن على تحليل النواحي التصميمية والفنية والتشغيلية وتقويمها في الوضع الرهن للمسجد الحرام، وأنجزت من خلال فرق العمل التخصصية للمشروع بعقد ورش عمل مكثفة مع الجهات المعنية مباشرة بالحرم على اختلاف مهامها (الأمني والمدني والفني والإداري) وبعمل مسح ميداني لقاصدي الحرم (بالاستعانة بطلاب بعض الجامعات المحلية وبإشراف مباشر من الفريق)، وقامت مجموعة بن لادن السعودية خلال هذه المرحلة بتزويد الفريق بكافة المخططات والوثائق والرسومات والمعلومات المطلوبة، واطلع فريق العمل من كثب عن آلية التشغيل، كما أُجريت مقابلات مع عدد كبير من قاصدي المسجد الحرام وغير ذلك من الأعمال التي تقتضيها المهنية الفنية، إضافة إلى مشاهدة عدد كبير من الأفلام الخاصة بالحشود في الحرم، وغيرها من جوانب التشغيل.

كما عُمل على تحليل الجوانب المرتبطة بالنواحي العمرانية، والإنشائية، والحركة والحشود والخدمات المساندة والأمن، والبيئة، والاستدامة، إضافة إلى النواحي الخدمية، وذلك من خلال التركيز على الأهداف الآتية:

1- تحديد المميزات والخصائص الإيجابية للنواحي التصميمية الراهنة.

2- تحديد أبرز القضايا الحاسمة Crucial issues للنواحي التصميمية الراهنة للمسجد الحرام.

3- المتطلبات التي يجب أن تؤخذ في الحسبان لأي تصميم أو توسعة مستقبلية.

4- التوصيات المتعلقة بتحسين الوضع الراهن.

5- مسار تقويم التصميم المقترح من مجموعة بن لادن - المراجعة المحلية:

بناء على مخرجات مسار الوضع الراهن ومعطيات فنية أخرى والمعايير التقويمية المستخرجة من ذلك، ركز هذا المسار على تحليل وتقييم التصميم المقترح من مجموعة بن لادن للتوسعة، وذلك بهدف الوصول إلى التقويم المهني لأهم القضايا المتعلقة بجوانبه التصميمية والفنية والتشغيلية، وبما يراعي تحليل نقاط القوة ونقاط الضعف والتوصيات المقترحة، وجرى تقويم الخصائص التصميمية والفنية وفقاً لمجالات الفرق التخصصية وذلك من حيث:

1- المميزات والخصائص الإيجابية للتصميم.

2- الجوانب السلبية للنواحي التصميمية.

3- مدى النجاح والإخفاق في نواحي التصميم.

4- التوصيات المتعلقة بالتصميم المقترح.

وخلصت هذا المراجعة إلى عدم الكفاءة الكاملة للتصميم المقترح وأن هناك مجالاً واعداً للوصول إلى بدائل أكمل.

وحرصاً على تحقيق الموضوعية كان هناك مسار موازٍ لمسار المراجعة المحلية، وهو مسار المراجعة الدولية والتي قصد منها أن تتم المراجعة الدولية بمعزل عن المراجعة المحلية تحقيقاً لموضوعية النتائج، والتحقق من موثوقية المراجعتين المحلية والدولية.

التصميم المقترح للتوسعة السعودية الثالثة من مجموعة بن لادن السعودية (الشرق الأوسط)

مسار تقويم التصميم المقترح من مجموعة بن لادن - المراجعة الدولية

لتنفيذ المراجعة الدولية المستقلة، قامت وزارة التعليم العالي بالتعاقد مع شركة إيكوم لإجراء تقويم للتصميم المقترح من مجموعة بن لادن لتوسعة المسجد الحرام استناداً لمخرجات مسار الوضع الراهن، والتوضيحات التامة له.

وبعد تطوير مجموعة من مؤشرات الأداء استخدمتها لقياس التصميم المقترح وتقويمه، وإجراء الدراسات اللازمة؛ قدمت شركة إيكوم AECOM التقرير النهائي في جزئين، الأول بعنوان: تقويم التصميم المقترح من مجموعة بن لادن، والذي استند على مجموعة من المجالات للتقويم، منها: الأنظمة الميكانيكية والكهربائية، والأنظمة الجيوتقنية والزلزالية، والاستدامة، والأمن، وتقنية المعلومات، وقضايا البيئة، وأنظمة إدارة النفايات الصلبة، وحركة الحشود.

وخلص هذا الجزء إلى نفس ما خلصت له المراجعة المحلية وبتقارب كبير في النتائج مما عزَّز مصداقية التقويم المحلي والدولي للتصميم المقترح. وجاء الجزء الثاني بعنوان: الفرص والبدائل، حيث ناقش الفرص والبدائل للتطوير المستقبلي لتوسعات المسجد الحرام.

مسار الرؤى التقنية

وتعزيزاً للوصول إلى البديل الأمثل للتوسعة تم رسم هذا المسار والذي كان يعمل بالتوازي مع مسار المراجعة المحلية والدولية، وذلك لإيجاد رؤية تقنية متقدمة للحرم ومن هنا جاءت مشاركة معهد ماساتشوستس للتقنية MIT لتحقيق هذا المجال في دراسة مشروع توسعة المسجد الحرام وتم التركيز على الموضوعات الآتية: الاستدامة من الجانبين المعماري والتشغيلي، والسلامة والأمان للحجاج والعاملين، والسلاسة في حركة مرتادي المسجد الحرام، والمتطلبات الاستهلاكية والنفايات وإدارتها.

ونظر فريق الدراسة إلى المسجد الحرام على أنه منشأة ذات وظائف متعددة، خضعت لتطور مستمر عبر التاريخ. فقد مرَّ المسجد الحرام خلال توسعاته بتطويرات متلاحقة ويمكن تعزيز مسار هذا التطور من خلال تطبيق رؤية تقنية متقدمة، وإضافة أبعاد تطويرية جديدة باستخدام تقنيات وأنظمة متقدمة وذكية كالمراقبة الأكثر تطوراً، وتسيير الحركة اعتماداً على المعلومات الواردة في ذات اللحظة Real-time Information.

لقد اعتمدت الرؤية التشغيلية لفريق الدراسة على نوع من التشبيه بين المسجد الحرام وبين كائن حي له صفة الاستدامة ويتكون من هيكل عظمي، ودورة دموية، وجهاز عصبي يشبه جسم الإنسان. وبهذا التشبيه بالإمكان النظر للمسجد الحرام من خلال الأبعاد الثلاثية الآتية:

1- نظام المراقبة (الجهاز العصبي)، وذلك للتزود بالمعلومات ذات الصلة عن المسجد الحرام ومحتوياته ومحيطه.

2- نظام التدفق أو الحركة (الدورة الدموية)، وذلك لمراقبة حركة الهواء والناس والنفايات والتجهيزات والمعدات من وإلى المسجد الحرام ومحيطه.

3- النظام الإنشائي البنائي (الهيكل العظمي)، ومهمته تماسـك بنيان منطقة المسجد الحرام، وإبراز طابعه الجمالي، والتحكم في التأثيرات المناخية

وخلصت الرؤية التقنية إلى أن المسجد الحرام يشبه إلى حدٍ كبيرٍ نظاماً بيولوجياً مستداماً متطوراً من حيث قدرته وأنظمة التحكم والحركة والتدفق الخاصة به، إلى جانب نظامه البنائي، وهذا التشبيه يؤدي إلى تطوير المسجد الحرام باعتباره نظاماً مستداماً. لذا يجب أن يتم التعمق في دراسة الأفكار المطروحة بشكل يتجاوز الرؤية التقنية السائدة، ليبقى المسجد الحرام نموذجاً أمثل في التطور والاستدامة، وتقديم مجموعة من الحلول القائمة على الرؤية التقنية والمعالجة الشاملة.

مسار الحلول والرؤى المعمارية والمستقبلية

كانت كل المخرجات السابقة أساساً مرجعياً لتحليل الفجوات وتحديد نقاط القوة والضعف والتحديات والمخاطر في التصميم المقترح، وعليه قام (الفريق الأساسي) للوزارة بإعداد المعايير الهندسية، والاعتبارات التصميمية، والخطط المستقبلية، والشروط المرجعية للتصميم.

وعندما بدت بوادر عدم كفاءة (التصميم المقترح) كان القرار هو المسارعة ضمن إطار التوجيه السامي بتوجيه الدعوة إلى عدد من المكاتب والشركات الاستشارية العالمية والمحلية ورواد العمارة العالميين، إضافة إلى كلية العمارة والتخطيط بجامعة الملك سعود وكلية تصاميم البيئة في جامعة الملك عبد العزيز لتقديم عروضهم، وذلك وفق مسارين:

الرؤى المعمارية لتوسعة جديدة تتناسب مع الوضع الحالي للحرم المكي

الرؤى المستقبلية: لتقديم مقترحات مستقبلية بعيدة المدى وتتعامل مع الحرم المكي ومحيطه دون قيود أو محددات سوى المحددات الشرعية وثبات المعالم المهمة في الحرم كالكعبة وحدود المسعى وزمزم ونحو ذلك.

وتم ترشيح واختيار المكاتب العالمية المشاركة وفق معايير موضوعية ومحددة، منها أن تكون هذه المكاتب من أفضل المكاتب العالمية أو من مكاتب الرواد المعماريين العالميين، كما تم اختيار مكاتب متميزة في العمارة الإسلامية من تركيا وماليزيا، ومكاتب عربية وسعودية كذلك. وتم في البداية عقد ورش عمل بين فرق وزارة التعليم العالي وهذه المكاتب وتزويدهم بالبيانات والمعلومات المطلوبة، كما زار الفريق المعني بهذا المحور المكاتب المعمارية وبيوت الخبرة العالمية والمحلية المشاركة لمراجعة الأعمال والتأكد من عدم وجود معوقات وتوجيههم لضمان أن يكون عملهم وفق المسار الصحيح.

الملك عبد الله بن عبد العزيز خلال جولة في المعرض الذي أقامته وزارة التعليم العالي بمقر كلية علوم البحار في أبحر بمدينة جدة يوم الجمعة 28 نوفمبر 2008 (الشرق الأوسط)

النتائج والمقترحات أمام الملك عبد الله

وقبيل انتهاء المدة التي حددها التوجيه السامي لوزارة التعليم العالي بـ3 أشهر، عُرضت نتائج تحليل دراسة الوضع الراهن للمسجد الحرام ونتائج تقييم التصميم المقترح من مجموعة بن لادن، إضافة إلى الرؤى المعمارية والأفكار التصميمية والرؤى المستقبلية المقدمة من المكاتب الاستشارية والجامعات السعودية، في سرادق أقامته الوزارة بمقر كلية علوم البحار في أبحر بمدينة جدة يوم الجمعة 29 ذي القعدة 1429هـ - 28 نوفمبر 2008م.

وعرضت الوزارة منهجية عمل فريقها ونتائج الدراسات الفنية ونتائج تقييم التصميم المقترح من مجموعة بن لادن (المراجعة المحلية والدولية) أمام الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله والمسئولين المعنيين مباشرة بالأمر، كما عرضت مقترحات المكاتب والجامعات التي قدمت رؤاها المعمارية والمستقبلية كالآتي:

أولاً: الرؤى المعمارية

قدمت عدد من بيوت الخبرة المعمارية العالمية والمحلية والتي بلغ عددها 12 بيت خبرة، رؤى ومقترحات معمارية وعمرانية تعين على فتح الآفاق العمرانية لتوسعة المسجد الحرام بحلول وأفكار تطبيقية ملموسة. وشملت المكاتب وبيوت الخبرة المعمارية العالمية والمحلية المشاركة كل من :-

1- إنجنهوفن أرشيتكتن Ingenhoven Architekten

التصميم المقترح من إنجنهوفن أرشيتكتن (الشرق الأوسط)

2- جنسلر Gensler

التصميم المقترح من شركة جنسلر (الشرق الأوسط)

3- جينيشي / أفشي / أروب ÇINICI / AVCL / ARUP

تصميم جينيشي أفشي أروب

4- هيجاس كستوري Hijass Kasturi

التصميم المقترح من هيجاس كستوري (الشرق الأوسط)

5- جامعة الملك سعود King Saud University

تصميم جامعة الملك سعود الأساس الذي عُرض أمام الملك عبد الله في المعرض الذي كان محل الأمر السامي بالاعتماد كأساس للتطوير

6- أرشتكتور ستوديو Architecture Studio

التصميم المقترح من أرشتكتور ستوديو (الشرق الأوسط)

7- البيئة مخططون معماريون ومهندسون Al-Beeah

تصميم البيئة

8- أتكنز ATKINS

تصميم أتكينز

9- جامعة الملك عبد العزيزKing Abdul Aziz University

تصميم جامعة الملك عبد العزيز

10- نیکن سیکیه Nikken Sekki

التصميم المقترح من نیكن سیكیه (الشرق الأوسط)

11- النعيم للاستشارات العمرانية Al-Na'eem

تصميم النعيم للاستشارات

12-نورمان فوستر Norman Foster

التصميم المقترح نورمان فوستر (الشرق الأوسط)

ثانياً: الرؤى المستقبلية (المعمارية والعمرانية)

ولتحفيز الأفكار (خارج الصندوق) التي يمكن أن تدعم مقترح التوسعة الجديد رؤي أن يطلب من بعض رواد العمارة العالميين تقديم رؤى مستقبلية للحرم. وعقدت ورش عمل مع هؤلاء الرواد، ورتبت زيارات لفرق العمل للاجتماع معهم في مقار عملهم ومناقشة الأفكار لضمان جودة فهم المشروع وصحة مسار التفكير فيه.

وتضمن هذا المسار وضع رؤى عمرانية لحل شامل وأمثل للمسجد الحرام على المدى البعيد، وذلك من خلال آفاق فكرية عمرانية دون قيود، وذلك بهدف اكتشاف آثار إيجابية في النظرة الشمولية لما يحتاجه المسجد الحرام من إضافات وتحسينات تؤدي لحلول مستقبلية أمثل وتقدم سبعة من رواد العمارة العالميين برؤاهم المقترحة وهم:

1- تاداو أندو Tadao Ando

تصميم تاداو أندو

2- شيغيرو بان Shigeru Ban

التصميم المقترح من شيغيرو بان (الشرق الأوسط)

3- تشارلز كوريا Charles Correa

تصميم تشارلز كوريا

4- زها حديد Zaha Hadid

التصميم المقترح زها حديد (الشرق الأوسط)

التصميم المقترح زها حديد (الشرق الأوسط)

5-محمد مايت Muhammad Mayet

تصميم محمد مايت

6- عبد الحليم إبراهيم عبد الحليم Abdulhalim CDC

تصميم عبد الحليم إبراهيم عبد الحليم

7- سانتياغو كالاترافا Santiago Calatrava

تصميم سانتياغو كالاترافا

حقائق

الملك عبد الله بن عبد العزيز

يكون التصميم المقترح من قبل جامعة الملك سعود لتوسعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للمسجد الحرام أساساً لانطلاق أعمال التصميم، لكونه التصميم الأقرب للتكامل مع الوضع الحالي للمسجد الحرام ..على أن يتم تطويره بما يستجيب للرؤى التطويرية والتشغيلية والتصميمة لفريق الدراسة ويمكن لمجموعة بن لادن السعودية تبنيه وتنفيذه."


وبعد اطلاع الملك عبدالله والمسؤولين المعنيين على الدراسات الدقيقة والشاملة والتصورات والرؤى المعمارية والعمرانية والفنية والتقنية للمشروع، وإستماعهم لشرح المقترحات المقدمة ومناقشة الفريق الفني والتشاور مع المسؤولين المختصين، تم اختيار التصميم المقترح من جامعة الملك سعود كأساس لتصميم التوسعة الجديدة، ووثق هذا الاختيار بالتوجيه السامي رقم 1692 وتاريخ 26 صفر 1430هـ - 21 فبراير 2009م.

نص الخطاب الملكي باختيار التصميم المقترح من جامعة الملك سعود كأساس لتصميم التوسعة الجديدة (الشرق الأوسط)

ووثقت وزارة التعليم العالي الفكرة التصميمية لجامعة الملك سعود في إصداراتها عن المشروع، واحتفت جامعة الملك سعود بهذا الإنجاز وأعلنت عنه في حينه، وكرم الأمير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية حينذاك، وأثناء رعايته للمؤتمر العالمي الأول للتقنية والاستدامة في العمران الذي عقد في شهر محرم 1431هـ - يناير 2010م، كلية العمارة والتخطيط بجامعة الملك سعود على ما حققته من إنجازات في تلك المرحلة.
وكان منها فوزها بالمركز الأول في مسابقة تصميم وقف الملك عبدالله لوالديه في المدينة المنورة، واختيار فكرتها التصميمية أساسًا لانطلاق أعمال تصميم توسعة الملك عبدالله للمسجد الحرام. إضافة إلى مشاركتها قبل وبعد ذلك في تصميم عدد من المشروعات الكبرى منها مشروع مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة بالتعاون مع نيكين سيكيه العالمية.

الأمير نايف بن عبد العزيز خلال تكريمه للدكتور عبد العزيز المقرن عميد كلية العمارة والتخطيط في جامعة الملك سعود (الشرق الأوسط)

مما لا يدع مجالا لأي ادعاء بعد ذلك حول (أساس) أو (فكرة التصميم) تحديداً، أما القول بأن (الفكرة المعمارية) لا تشكل سوى جزء يسير أو نسبة ضئيلة من حجم التصميم، فهذا ربما يصدق فقط عند الحديث عن الوقت الذي قد تستغرقه عملية توليد الأفكار ضمن مراحل التصميم، بينما في الواقع هي تمثل القيمة الأساسية للمنتج المعماري ككل، وتعد (الفكرة المعمارية) الجزء المهم والأساسي ضمن عملية التصميم المعماري، ودورها جوهري في تحقيق نتاجات متميزة وفريدة، كما تمثل الطريق إلى روح المشروع، وعملية تشكيلها يتطلب جهودًا مكثفة وإبداعية.

أما عن تطوير التصميم انطلاقًا من الفكرة التصميمية الأساسية المقدمة من جامعة الملك سعود، فقد تولى تلك المهمة مجموعة من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية برئاسة رئيس الفريق المعماري للمشروع، وبالتضامن مع الفريق الفني للاستشاري (دار الهندسة) والرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وكان على الفريق الالتزام التام بمضامين التوجيه السامي خلال العمل في تطوير ذلك التصميم، إضافة إلى التزام رئيس وغالبية أعضاء الفريق التزامًا أدبيًا وأخلاقيًا ومهنيًا بهذه المهمة النبيلة وما يرد إليهم من توجيهات، وهذا ما سنتناوله مع غيره من التفاصيل في فصل آخر من فصول هذه القصة.


مقالات ذات صلة

لأكثر من 100 عام... نجاحات سعودية في إدارة الحج

تحقيقات وقضايا لأكثر من 100 عام... نجاحات سعودية في إدارة الحج play-circle 05:39

لأكثر من 100 عام... نجاحات سعودية في إدارة الحج

على مدى أكثر من 100 عام، تعهدت الدولة السعودية بخدمة الحجاج، ونجحت في إدارة الحشود المليونية التي كانت قبل العهد السعودي لا تصل إلى 4 آلاف حاج من الخارج.

بندر بن عبد الرحمن بن معمر
المشرق العربي زوار يطلون من جبل الزيتون على المسجد الأقصى في القدس القديمة (أرشيفية - أ. ب)

«دائرة الأوقاف» في القدس تحذر من مضاعفة اقتحامات المستوطنين للأقصى

حذر مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية من خطط مضاعفة عدد المقتحمين من المستوطنين وطمس المعالم العربية والإسلامية.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
يوميات الشرق وصل البث المباشر لآخر حدود الصين واليابان شرقاً والأميركيتين الشمالية والجنوبية غرباً (واس)

بعد 4 عقود من نقل صلاة التراويح... كيف يبدو البث التلفزيوني في الحرمين؟

كان أول بث مباشر على التلفزيون السعودي لصلاة التراويح وختمة القرآن الكريم من المسجد الحرام في «العشر الأواخر» من شهر رمضان عام 1397هـ.

غازي الحارثي (الرياض)
يوميات الشرق أضحى وصول ملايين المسلمين إلى مكة المكرمة في وقت واحد متيسراً بفضل تطور الخدمات من المغادرة حتى البلوغ (هيئة العناية بالحرمين)

«دروب مكة»... عناصر ثقافية وكنوز تراثية وحضارية عبر العصور

تقود السعودية مشروعاً لتوثيق دروب مكة المكرمة وعناصرها الثقافية التي شكلت هوية المكان، والمساجد التاريخية والصناعات الثقافية التي تطورت وتبلورت عبر الزمن.

عمر البدوي (الرياض)
تحقيقات وقضايا كيف تم تطوير تصميم التوسعة الثالثة للمسجد الحرام؟

«الشرق الأوسط» تنشر الحلقة الأخيرة لقصة تصميم توسعة المسجد الحرام

نشرت «الشرق الأوسط» حلقات عن قصة تصميم التوسعة السعودية الثالثة للمسجد الحرام، وفي هذه الحلقة الأخيرة تنشر تشكيل فريق من المختصين لدراسة المشروع المقترح للتوسعة

بندر بن عبد الرحمن بن معمر

الظلام يغطي 7 عواصم عربية... والطاقة المتجددة تفرض نفسها

الظلام يغطي مقر شركة «كهرباء لبنان» خلال انقطاع التيار عن العاصمة بيروت (أ.ف.ب)
الظلام يغطي مقر شركة «كهرباء لبنان» خلال انقطاع التيار عن العاصمة بيروت (أ.ف.ب)
TT

الظلام يغطي 7 عواصم عربية... والطاقة المتجددة تفرض نفسها

الظلام يغطي مقر شركة «كهرباء لبنان» خلال انقطاع التيار عن العاصمة بيروت (أ.ف.ب)
الظلام يغطي مقر شركة «كهرباء لبنان» خلال انقطاع التيار عن العاصمة بيروت (أ.ف.ب)

في يوم شديد الحرارة، وخلال ساعات النهار في شهر يونيو (حزيران)، رفع 5 أفراد من أسرة مصرية عيونهم إلى الأعلى وتساءلوا بغضب في نفس واحد: «هوّ ده وقته؟».

هكذا تساءلت أسرة ماجد عزت، الأربعيني، التي كانت تتابع تطور الذكاء الاصطناعي ومميزاته وتهديده لبعض الوظائف، عبر شاشة فضائية عربية؛ غير أن الساعات المحددة لانقطاع الكهرباء عن حي شبرا، بشمال القاهرة، قد حلَّت.

تأثُّر عزت الشديد بالتكنولوجيا ظهر بوضوح في نبرته وهو يتحدث لـ«الشرق الأوسط»، حتى إنه كرر ما سمعه عبر الشاشة قائلاً: «من مميزات الذكاء الاصطناعي: زيادة الإنتاج وسرعة الأداء، وهيريح البشر... لأن الروبوتات هتقوم ببعض الوظائف بشكل أفضل ومن دون أي فساد أو محسوبية... لكن مشكلته أنه هيهدد وظائف في المستقبل... إيه هي الوظايف دي... النور قطع عليها».

روى عزت، الذي يملك ويدير مقهى، وهو يضرب كفاً بكف، مأساة أسرته مع انقطاع الكهرباء: «في عز الحر... من الساعة 2 للساعة 5 العصر... 3 ساعات لا نور ولا نت (إنترنت)». وبنبرة أعلى: «ولا معرفة حتى».

وبإظلام المنطقة، انطفأ الشغف في المعرفة، وبحث أفراد الأسرة عن أوراق لاستخدامها «هوَّاية» يدوية، في محاولة لتقليل أثر الحرارة التي تعدت حينها 40 درجة مئوية، حسب قوله.

مناطق مظلمة في العاصمة القاهرة خلال انقطاع التيار الكهربائي (رويترز)

«تخفيف أحمال»

تواجه مصر مشكلة كهرباء، تفاقمت منذ أشهر إلى أزمة، تسعى الحكومة لتقليل أثرها نسبياً عبر ما تسميه «تخفيف أحمال»، بقطع التيار نحو ساعتين إلى ثلاث يومياً. ومع حدة الأزمة، اضطرت الشركة القابضة لكهرباء مصر إلى إعلان جدول تخفيف الأحمال، ليتسنى للمواطنين معرفة توقيت الانقطاعات، وترتيب أحوالهم اليومية على ذلك، لكنَّ قرار القطع عادةً ما يتم ربطه بزيادة الاستهلاك، وليس بمواعيد الجدول.

ومؤخراً، أعلنت الحكومة المصرية توقف «تخفيف الأحمال» إلى نهاية الصيف الحالي، واستبدلت به خطة «الأعطال الفنية»، مع وعود بالعمل على القضاء على المشكلة في أقرب وقت.

ووفق رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، فإن «استهلاك الكهرباء ارتفع بمعدلات غير مسبوقة خلال الفترة الماضية»، مشيراً إلى أن البلاد تستهلك نحو 37.5 غيغاواط يومياً في الوقت الحالي، بزيادة أكثر من 12 في المائة عن العام الماضي، ولم يشر إلى تأثير التوسعات في إنشاء مدن وأبراج جديدة على الاستهلاك.

وقدَّر رئيس الوزراء الفجوة في الكهرباء بنحو 3 - 4 غيغاواط، وقال إن «الفجوة من احتياجاتنا من الطاقة سيجري توفيرها من خلال الاعتماد على الطاقة الجديدة والمتجددة»، مشيراً إلى التعاون مع الإمارات في هذا الصدد.

وتُظهر البيانات أن أقل من 12 في المائة من قدرة الطاقة المُركبة في مصر البالغة نحو 60 غيغاواط، تأتي من مصادر الطاقة المتجددة.

مصانع خارج الخدمة

في يوم آخر شديد الحرارة من شهر يونيو 2024، بلغت فيه 40 درجة مئوية في الظل، وتعدت 45 درجة تحت الشمس الحارقة، يتابع المزارع السيد متولي، الخمسيني، من محافظة الدقهلية، شمال شرقي الدلتا بمصر، محصول أرضه من الفول الصويا، ويقول بثقة: «محصولي أنا كفيل به... الزرعة هتطلع أحلى زرعة».

رد متولي، جاء على مخاوف قد تبدو مشروعة في السوق المصرية، حول مستقبل المحاصيل، في ظل نقص الأسمدة الأزوتية (السماد).

ونتيجة انقطاع الكهرباء، أعلنت مصانع أسمدة في مصر توقفها عن العمل، وفي إفصاح للبورصة المصرية، في 26 يوليو (تموز) 2024، قالت شركة مصر لإنتاج الأسمدة «موبكو»، إنها أوقفت مصانعها الثلاثة، بسبب توقف إمدادات الغاز الطبيعي، حيث استخدمت وزارة الكهرباء كميات الغاز المخصصة للمصانع، لتشغيل بعض المحطات.

وفي إفصاح مماثل، سبقتها شركة «أبو قير» للأسمدة، وأعلنت عن توقف مصانعها الثلاثة، كما أعلنت شركة «سيدي كرير» للبتروكيماويات عن توقف مصانعها «نظراً لانقطاع غازات التغذية».

وتعد صناعة الأسمدة استراتيجية في مصر، لأهميتها المتعلقة بالزراعة، بالإضافة إلى عوائدها التصديرية من الدولار، إذ تحتل مصر حالياً المركز الخامس عالمياً في الإنتاج والسادس في التصدير.

وتُلزم الحكومة منتجي الأسمدة بتوريد 55 في المائة من إنتاجهم بسعر مدعم إلى وزارة الزراعة لتغطية احتياجات السوق المحلية، ورغم إعلان الشركات الثلاث الرئيسية عودتها للعمل، فإن الفلاح المصري متولي، أكد لـ«الشرق الأوسط»: «شيكارة السماد بتتباع في السوق السودا بـ1500 جنيه؛ من كام بقى؟ من 250 جنيه... والحكومة كانت بتصرفلنا 3 شكاير سماد... دلوقتي بتصرف شيكارتين بس... لكن الفلاح لو هيشحت هيصرف على زرعته من قوته، عشان زرعته تكون كويسة».

وبنبرة تملؤها الحسرة: «بس لو هيخسر! يبقى السنة اللي بعدها مش هيزرعها تاني... دا إيجار الفدان بقى من 50 إلى 70 ألف جنيه في السنة».

ويؤدي ارتفاع سعر السماد إلى زيادة في أسعار السلع الغذائية، مما يزيد بدوره من التضخم، الذي يعد أزمة أخرى تحاول البنوك المركزية حول العالم التغلب عليها برفع أسعار الفائدة، مما يقلل من جاذبية مناخ الاستثمار، نتيجة زيادة الاقتراض؛ الذي يتسبب انقطاع الكهرباء عن المصانع في جزء كبير منه.

صف من مولدات الديزل المملوكة للقطاع الخاص يوفر الطاقة للمنازل والشركات في بيروت (أ.ب)

ظلام في بيروت

ومن الذكاء الاصطناعي والصناعة والزراعة في مصر، إلى التعليم في لبنان، حيث أكدت هنادي الحاج تأثرها الشديد بـ«الظلام».

وقالت الحاج لـ«الشرق الأوسط» من بيروت، والحرارة ما زالت مرتفعة هناك أيضاً، إن «انقطاع الكهرباء لفترات طويلة أثَّر علينا... ولادنا مش قادرين يتعلموا منيح لأنهم مضطرين للأونلاين... يشغلوا الكومبيوتر ما بيشتغل... قطع الكهربا خرَب التعليم».

وبالنظر إلى الوضع في مصر، يبدو وصف هنادي مبالغاً فيه، فتحمُّل الطالب ساعتين أو ثلاثاً والعودة إلى دراسته من جديد قد يكون صعباً ومكلفاً نوعاً ما لكنه لا يصل إلى حد الخراب، غير أن هنادي أفادت بأن عدد ساعات الانقطاع وصل في بعض الأيام إلى 24 ساعة متصلة.

«قطع الكهربا خرب التعليم... فاضطرينا نركّب الطاقة الشمسية... وكمان عندنا اشتراك عادي لأن في الشتاء ما في شمس تلبّي متل الصيف... هذا الشيء سحب مدخراتنا»، وفق هنادي التي تساءلت: «كيف يطلعوا ولادنا في الظلام؟».

«منذ مطلع العام الحالي، رفعت مؤسسة كهرباء لبنان التغذية بالتيار إلى نحو 6 و10 ساعات يومياً طبقاً للمناطق، بعدما كانت توفر الكهرباء بين ساعة وساعتين يومياً فقط، بعد صرف سلفة الخزينة التي حصلت عليها من المصرف المركزي لسداد ثمن الوقود العراقي».

أعمال متضررة في العراق

الأعمال تتدهور في العراق، في جو بنصف درجة الغليان في محافظة الديوانية (جنوب)، التي شهدت مظاهرات يوم 14 يوليو الجاري، ليس على انقطاع الكهرباء، بل «على غيابها التام»، وفق أحمد حسين، من منطقة غماس، الذي شارك في المظاهرة.

يصف حسين، الذي يعمل في مجال الحدادة، لـ«الشرق الأوسط»، تداعيات الانقطاع على عمله الخاص: «شغلي حداد وطبيعي أستخدم الكهرباء... الباب اللي يستغرق 3 ساعات يأخذ 3 أيام وأكثر... الرزق قلّ بسبب الكهرباء».

وتساءل حسين: «هل يمكن للإنسان أن يعيش في جو تصل درجة حرارته إلى قرب درجة الغليان من دون كهرباء... أنا من بلد النفط... هل من المعقول أن نقاسي ونعاني هكذا؟».

ويُنتج العراق، الغني بالنفط واحتياطيات الغاز، 26 ألف ميغاواط، بينما يحتاج إلى 35 ألف ميغاواط من الكهرباء، بعجز 9 آلاف ميغاواط في الإنتاج.

ورغم اعتماد لبنان على العراق في حل مشكلة الكهرباء، من خلال الاتفاق على توريد شحنات الفيول (زيت الوقود عالي الكبريت)، فإن العراق يعاني هو الآخر من أزمة، نتيجة تردي البنية التحتية للمحطات، وعدم توفر الوقود اللازم، إذ تعتمد على الغاز المستورد من إيران.

ورغم أن احتياطيات الغاز في العراق 4 أضعاف احتياطيات الغاز في مصر، فإن إنتاج بغداد من الغاز لا يتخطى عُشر إنتاج القاهرة من الغاز، وتستورد باقي الاحتياجات من إيران.

أسلاك كهربائية معلقة بين المباني في أحد شوارع العاصمة العراقية بغداد (أ.ف.ب)

الناتج المحلي والكهرباء

لا يمكن النظر إلى كل مشكلة من هذه المشكلات على حدة، إذ ينسحب بعضها أو جميعها على معظم الأسر الأخرى في الدول العربية التي تشهد انقطاعات مستمرة في الكهرباء، والتي بلغت حد الأزمة في الكويت ومصر والعراق واليمن والسودان ولبنان وسوريا.

فما يحدث في مصر من تداعيات نتيجة انقطاع الكهرباء، يحدث بالكاد في الكويت، وترتفع وتيرته في العراق، ورغم اختلاف وضع الشبكات الكهربائية والقدرات الإنتاجية للدول، تتشابه ليبيا واليمن والسودان وسوريا في معظم تداعيات الأزمة، بسبب الظروف السياسية.

ومع اختلاف ظروف كل دولة، سواء في القدرة الإنتاجية المنتجة أو وضع الشبكات وإمدادات الوقود، فإن النتيجة واحدة في جميع الدول: «تخفيف أحمال».

ويصل عدد ساعات الانقطاع أو تخفيف الأحمال في اليمن إلى 12 ساعة يومياً، والعراق إلى 10 ساعات، والسودان من 10 إلى 14 ساعة، ولبنان من 12 إلى 20 ساعة، وسوريا من 10 إلى 20 ساعة، وفي مصر 3 ساعات، وفي الكويت من 2 إلى 3 ساعات يومياً.

وما دامت «الطاقة محركاً أساسياً للنمو وجزءاً مهماً من عملية الإنتاج»، يتوقع الخبير الاقتصادي من اليمن مصطفى نصر «تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسب مختلفة في الدول العربية التي تنقطع فيها الكهرباء، حسب عدد ساعات الانقطاع»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «الكهرباء أمن قومي فعلاً».

ولكي يوضح نصر عُمق المشكلة، قال إنه بحساب «عدد ساعات الظلام في دولة مثل مصر على سبيل المثال، الذي يصل إلى 3 ساعات يومياً، يتوقف فيها الإنتاج الصناعي والخدمي والإلكتروني، فإن الاقتصاد الكلي يخسر من ناتجه المحلي نحو 90 ساعة شهرياً، وفي حالة استمرار الانقطاع لمدة سنة يصل العدد إلى أكثر من 1000 ساعة سنوياً، (نحو 45 يوماً من إجمالي السنة)، مما يعني أن الاقتصاد يتوقف عن الإنتاج تماماً لمدة 45 يوماً في السنة، بخلاف الإجازات الرسمية والمناسبات».

حقائق

الناتج المحلي الإجمالي

مصر: 396 مليار دولار (2023)

الكويت: 162 مليار دولار (2023)

العراق: 251 مليار دولار (2023)

اليمن: 21 مليار دولار (2018)


وتصل أيام المناسبات والأعياد في مصر إلى 22 يوماً في عام 2024، بخلاف الإجازات الأسبوعية الاعتيادية.

وتنسحب هذه الحسبة على الدول الأخرى كافة، إذ تصل في دولة مثل العراق إلى 152 يوماً في السنة يتوقف فيها الإنتاج والعمل بشكل شبه تام، وفي اليمن إلى نحو 182 يوماً، وفق نصر، الذي أكد: «كلما ارتفع عدد ساعات التوقف عن العمل، زادت نسبة التراجع في الناتج المحلي الإجمالي»، متوقعاً «تراجع الناتج نتيجة انقطاع الكهرباء في اليمن بنسبة 10 في المائة سنوياً».

وبلغ الناتج المحلي الإجمالي لمصر نحو 396 مليار دولار في عام 2023، ولليمن 21 مليار دولار في عام 2018 (أحدث سنة مسجَّلة لدى البنك الدولي)، وللعراق 251 مليار دولار عام 2023، وللكويت 162 مليار دولار عام 2023.

مخاطر مالية

لكنَّ حافظ سلماوي، رئيس مرفق الكهرباء المصري السابق، واستشاري قطاع الكهرباء لعدد من الدول العربية، الذي رفض وضع كل الدول التي تنقطع فيها الكهرباء في «سلة واحدة» لـ«اختلاف الأسباب والظروف»، استبعد تأثُّر الناتج المحلي الإجمالي لمصر والكويت على سبيل المثال بانقطاعات الكهرباء، نظراً لأن «وقت الانقطاع محدَّد التوقيتات والمدة... وهي قليلة بالمقارنة بالناتج المحلي الإجمالي».

ويوضح سلماوي لـ«الشرق الأوسط»، أن «أي مرفق كهرباء في أي دولة، حال وقوعه في أزمة، يستهدف القطاع المنزلي في بداية خطته لتخفيف الأحمال لأنه قطاع غير مُنتج، ويسمى أحمالاً من الدرجة الثالثة، ثم تأتي بعده المحال التجارية، وهي أحمال من الدرجة الثانية، ثم أخيراً القطاع الصناعي والإنتاجي، وهي أحمال من الدرجة الأولى، وعادةً ما يُستبعد تماماً من تخفيف الأحمال».

وبالنظر إلى تأثر القطاع الصناعي في مصر، عبر مصانع الأسمدة، على سبيل المثال، قال سلماوي: «قد يكون هناك تأثر بعض الشيء في مصر حال استمرار الأزمة»، أما في باقي الدول: «فمن المتوقع أن يتأثر الناتج المحلي الإجمالي لديهم بالطبع».

وهنا يلفت زاهر خليف، محلل المخاطر في إحدى شركات الاستثمار المصرية، إلى أن «تخفيف الأحمال أثر سلباً في إنتاج 20 في المائة من مصانع الحديد في مصر، فيما بلغت النسبة 40 في المائة بالنسبة لصناعة الأجهزة المنزلية، فضلاً عن تأثر شركات الإسمنت والألمنيوم والأسمدة، التي تشكل الكهرباء فيها مكوناً رئيسياً من مدخلات الإنتاج... وبالطبع لن يكون ذلك بعيداً عن الناتج المحلي الإجمالي».

وأوضح زاهر، في ورقة بحثية عن تداعيات انقطاع الكهرباء على الاقتصاد الكلي، أعدها خصيصاً لـ«الشرق الأوسط»، أن «نسبة استهلاك القطاع الصناعي من إنتاج الكهرباء تبلغ أكثر من 41 في المائة، بينما لا يتجاوز نصيب القطاع الزراعي 4 في المائة».

وبالنظر إلى كم الخسائر التي يتكبدها اقتصاد كل دول عربية ينقطع فيها الكهرباء، «تستطيع حساب معدل النمو المتوقع، الذي من المؤكد أنه سيتأثر»، وفق نصر، الذي أشار إلى أن التكاليف المالية المطلوبة للقضاء على أزمة الكهرباء، قد تكون أقل من التكاليف المالية التي سيتحملها الاقتصاد الكلي، نتيجة الاستمرار في سياسة «تخفيف الأحمال».

ويرى البنك الدولي أن أقل من 40 في المائة من المرافق وشبكات الكهرباء في البلدان النامية، «تحقق إيرادات بالكاد تكفي لتغطية تكاليف التشغيل وخدمة الديون -وهو الحد الأدنى للاستدامة المالية».

ورغم أن البنك الدولي لم يشر إلى تكلفة أزمة الكهرباء الحالية في الدول العربية وتداعياتها على الاقتصاد الكلي، فإن صندوق النقد الدولي دعا مصر بشكل صريح إلى «احتواء المخاطر المالية المرتبطة بقطاع الطاقة»، وذلك بعد أن لفت في بيان يوم 29 يوليو، إلى انخفاض إنتاج الغاز الطبيعي في البلاد، والذي أسهم في انقطاع التيار يومياً منذ العام الماضي.

يدرس الطلاب لامتحانات الثانوية العامة في مكتبة الإسكندرية خلال انقطاع الكهرباء (إ.ب.أ)

الحرارة والكهرباء

في تصور أحمد السيد، أستاذ الاقتصاد والتمويل، أن «مشكلات انقطاع الكهرباء التي ظهرت في الآونة الأخيرة تعود إلى موجة الحر التي يشهدها العالم».

وأشار السيد لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «التوقعات تشير إلى أن عام 2024 هو الأكثر حرارةً في التاريخ. وهنا تجب الإشارة إلى أن البنية التحتية والقدرة الإنتاجية لكل دولة تختلف عن الأخرى ومتأثرة بارتفاع الحرارة».

وأظهرت بيانات خدمة «كوبرنيكوس» للتغير المناخي (سي ثري إس)، التابعة للاتحاد الأوروبي، أن يوم 22 يوليو 2024 كان اليوم الأكثر سخونة الذي سُجل على وجه الأرض، على الإطلاق، حتى الآن.

وهذا الشهر، سجلت مدن في اليابان وإندونيسيا والصين حرارةً غير مسبوقة، فيما عانت دول الخليج ودول عربية أخرى من حرارة مرتفعة، إذ وصل مؤشرها إلى أكثر من 60 درجة مئوية. وفي أوروبا، ارتفعت إلى 45 درجة مئوية فما فوق.

وإلى جانب الحرارة المرتفعة، يرى محمد يوسف، مسؤول قسم البحوث الاقتصادية في أحد المراكز العربية، أن لمشكلة الانقطاع ثلاثة أبعاد: «القدرة والوصول والانتظام».

تَظهر المشكلة عادةً «إما في عجز مزمن في قدرات الإنتاج، وإما في ضعف الشبكات الذي يمنعها من الوصول إلى جميع الأقاليم الجغرافية، وإما في انتظام التيار الكهربائي للأماكن التي تصل إليها الشبكات»، وفق يوسف، الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» من أبوظبي.

ونتيجة لذلك يوضح سلماوي: «مشكلة الكهرباء في مصر أزمة عابرة نتيجة نقص الوقود الناتج عن شح الدولار، ومع توفير العملة الأجنبية سوف تُحل. كذلك الحال في الكويت. أما سوريا واليمن فالوضع صعب جداً بسبب تهالك وتدمير الشبكات، ومع حصار الاقتصاد نتيجة العقوبات، فإن المشكلة هناك سياسية. أضف إليهما ليبيا التي لها وفرة مالية جيدة لكن المشكلة السياسية تقف عائقاً أمام الحلول. أما العراق الذي لديه فوائض مالية، فيعاني من تهالك الشبكات ونقص القدرة الإنتاجية».

توضح مؤشرات البنك الدولي الحقائق السابقة بصورة رقمية، فرغم ارتفاع نسبة وصول سكان الدول العربية إلى الكهرباء من نحو 83 في المائة إلى 91 في المائة بين عامي 2004 و2022، فإنها ككتلة واحدة ما زالت بعيدة عن واقع الاقتصادات المتقدمة كدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إذ تصل هذه النسبة في تلك الدول إلى 100 في المائة من السكان.

يمنيون يحاولون ربط أسلاك كهربائية لإيصال التيار إلى منازلهم (إ.ب.أ)

«قائمة حلول موحدة»

رغم اختلاف أسباب الأزمة في كل دولة فإنها يمكن أن تندرج تحت «أمن الطاقة»، كونها تعدت بالفعل معاناة أسر عربية، لتهدد الاقتصاد الكلي في كل دولة، وهو ما يفسر تعميم بعض الحلول على الدول كافة.

علي الرميان خبير الطاقة الدولي، قال من سلطنة عمان لـ«الشرق الأوسط»، إن «أمن الطاقة بالنسبة لأي دولة، يعني استقرار قطاع الطاقة من حيث ضخ استثمارات مستدامة بعد وضع خطط طويلة المدى، وتوفير الموارد اللازمة وتسهيل وصول الطاقة إلى جميع الفئات، سواء كانت طاقة كهرباء أو نفط أو غاز أو طاقة شمسية أو رياح أو هيدروجينية»، لكن «يجب ألا نحدّ أمن الطاقة في انقطاع الكهرباء فقط».

وأشار الرميان إلى أن هناك «دولاً أوروبية تشهد انقطاعات، وهو ما يعني أن هناك أسباباً يجب الوقوف على حلها أولاً، قبل ربطها بأمن الطاقة». مؤكداً أن «أمن الطاقة، وتوفيرها يحتاج إلى كثير من الاهتمام من الدول العربية والخليجية، خصوصاً مع التقلبات العالمية التي نشهدها في المناخ وارتفاع درجات الحرارة، والاحتباس الحراري».

ووضع حافظ سلماوي، رئيس مرفق الكهرباء المصري السابق، قائمة شبه موحدة بالحلول لجميع الدول تتمثل في «إنشاء مخازن استراتيجية للوقود، للشراء في أثناء تراجع الأسعار، وسداد مديونيات قطاع الطاقة لتشجيع الاستثمارات، وزيادة نسبة الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة المحلي، إلى جانب ترشيد الطاقة في جميع الأحوال وليس وقت الأزمات فقط، وأخيراً الربط الكهربائي مع الدول المجاورة».

 

حقائق

حزمة حلول

إنشاء مخازن استراتيجية للوقود

زيادة نسبة الطاقة المتجددة

الربط الكهربائي مع دول مجاورة

وإلى جانب هذه الحلول، التي اتفق معها مصطفى نصر من اليمن، فإنه أكد أن «أولى الخطوات تتمثل في إصلاح قطاع الكهرباء وإعادة هيكلته، من خلال كفاءة الإدارة ووضع الاستراتيجيات متوسطة وطويلة المدى التي تحقق الاكتفاء الذاتي من الطاقة»، يليها «خفض الرسوم الجمركية على منتجات الطاقة المتجددة لتشجيع المستهلكين».

أحمد السيد قال إن انقطاع الكهرباء «يكشف بشكل كبير الحاجة المتزايدة إلى وجود خطط للتنبؤ المبكر بالأزمات، وهو أمر ليس صعباً خصوصاً في مجال المناخ، نظراً إلى وجود توقعات معدلات الحرارة مسبقاً، وهو ما يسهّل على متخذ القرار معرفة فترات الضغط المتزايد على الاستهلاك».

واقترح «وضع أكواد لمصنّعي الأجهزة الكهربائية حتى تساعد على تخفيض استهلاك الطاقة، وإلزام المصنّعين المحليين والمستوردين بالتزام تلك الأكواد».

ضرغام محمد علي، الخبير الاقتصادي العراقي، يرى أن الحل بالنسبة إلى بلاده، يتمثل في استثمار الغاز المصاحب للإنتاج النفطي، «ووصول نسب الحرق إلى النقطة صفر». أما بالنسبة إلى الحلول العامة، فركَّز على «الاتجاه نحو الطاقات المتجددة خصوصاً الطاقة الشمسية في بلداننا العربية».

وقسّم محمد يوسف، الخبير الاقتصادي، الحلول، حسب حالة الدولة، ففي حالة الاقتصاد اليمني، قال إنه «سيتعين أن يذهب جزء من الاستثمارات الموجَّهة إلى الكهرباء لمد الشبكات لتغطي جميع المناطق السكانية الحضرية والريفية». إلى جانب ذلك، يقترح أن يدخل اليمن في «اتفاقيات شراكة دولية لتوجيه المنح والهبات والمساعدات إلى قطاع الكهرباء، ويمكنه في ذلك الاستفادة من الدعم الفني والتمويلي لمجموعة البنك الدولي».

أما في حالة الاقتصادات العربية التي تعاني عجزاً طارئاً أو مزمناً في موازنة النقد الأجنبي (مثل مصر) فـ«هناك حلّان لا بديل عنهما، ويجب العمل عليهما بصورة متزامنة؛ أولهما توسيع برامج ترشيد وتسعير استخدامات الطاقة باستخدام التقنيات الحديثة، خصوصا الذكاء الاصطناعي وأنظمة تشغيل البيانات الضخمة وثانيهما توسيع قدرات إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة، بعد توطين التقنيات الحديثة في دول لديها رأس مال بشري ضخم وقدرات بحث علمي يمكن الانطلاق منها لتطوير التقنيات الوطنية للخلايا الشمسية وتوربينات طواحين الهواء».