موجة بطش حوثية تستهدف 17 بهائياً يمنياً

دعوات لتدخل دولي... والحكومة تصف الواقعة بـ«العمل المخزي»

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي خلال زيارة إلى بروكسل مجموعة من أفراد الطائفة البهائية الذين نفاهم الحوثيون (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي خلال زيارة إلى بروكسل مجموعة من أفراد الطائفة البهائية الذين نفاهم الحوثيون (سبأ)
TT

موجة بطش حوثية تستهدف 17 بهائياً يمنياً

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي خلال زيارة إلى بروكسل مجموعة من أفراد الطائفة البهائية الذين نفاهم الحوثيون (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي خلال زيارة إلى بروكسل مجموعة من أفراد الطائفة البهائية الذين نفاهم الحوثيون (سبأ)

كررت الميليشيات الحوثية في اليمن بطشها بمنتسبي الطائفة البهائية في أحدث موجة انتهاكات ضد الأقليات الدينية؛ حيث اعتقلت في صنعاء، الخميس، 17 شخصا بينهم خمس نساء ودهمت منازلهم وصادرت ممتلكات ووثائق، وسط دعوات حقوقية لتدخل دولي لإنقاذهم، وتنديد حكومي بالواقعة التي وصفها وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني بـ«العمل المخزي».

عملية البطش الجديدة بعناصر الطائفة البهائية، جاءت بعد أن أبعدت الميليشيات في وقت سابق مجموعة كبيرة من رموز الطائفة إلى خارج اليمن، وحكمت على بعضهم بالإعدام بمن فيهم زعيم الطائفة.

وبحسب بيان صادر عن الطائفة، اقتحم مسلحو الجماعة الاجتماع السنوي السلمي للطائفة في صنعاء، واعتقلوا 17 من المشاركين فيه بينهم نساء والمتحدث الرسمي باسم الجامعة البهائية في اليمن الناشط المدني عبد الله العلفي، ودهمت منازلهم وصادرت ممتلكات ووثائق، في وقت تواصل فيه محاكمة أكثر من 24 شخصا من المنتمين لهذه الديانة التي دخلت اليمن في بداية أربعينات القرن الماضي.

وذكرت مصادر متعددة في الطائفة البهائية في اليمن لـ«الشرق الأوسط» أنه بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية الجمعية الخاصة بالطائفة وصادرت كل ممتلكاتهم وفرضت قيودا مشددة على ممارستهم لشعائرهم، اختار عناصرها أحد المنازل لعقد الاجتماع السنوي السلمي، لكن مخابرات الحوثيين التي تتربص بالطائفة دهمت المنزل في أثناء وجودهم فيه وقامت باعتقال الحضور وبينهم نساء.

تاريخ مظلم

التاريخ القمعي للجماعة الحوثية ضد الطائفة البهائية، بدا منذ سيطرتها على صنعاء، وبعد سنوات من الاعتقال والتعذيب والمحاكمات التعسفية نفت الجماعة في 30 يوليو (تموز) 2020 ستة من البهائيين بسبب معتقدهم الديني وفق ما ذكرته المبادرة اليمنية للدفاع عن البهائيين، التي أكدت أن اليمن يشهد منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء أوضاعا إنسانية غاية في الصعوبة.

الطائفة البهائية في اليمن، علاوة على تدهور أوضاعها كغيرها من فئات المجتمع اليمني الأخرى، كانت إحدى الفئات التي تعرضت لاضطهاد جماعي ممنهج يرقى إلى جريمة إبادة جماعية لطائفة دينية مسالمة. وفق ما يقوله مناصرو الطائفة.

بيان صادر عن الجامعة البهائية أكد اعتقال 17 بهائياً من قبل مسلحين حوثيين في صنعاء (تويتر)

وكانت محكمة أمن الدولة التي يديرها الحوثيون أصدرت أحكاما بالإعدام، ومصادرة ممتلكات البهائيين وأموالهم الخاصة والوقفية، وإغلاق مؤسساتهم الإدارية والتنموية، كما حرضت الجماعة المجتمع على كراهيتهم، وأجبرتهم على العيش في ظروف مادية صعبة للغاية، وحرمتهم من أبسط الحقوق الإنسانية، بعد أن لفقت لهم تهما وصفتها «المبادرة» بـ«الأكاذيب»، مع أنهم مواطنون يمنيون لا يحملون سلاحا ولا يتدخلون في السياسة، ويحترمون النظام والقانون.

عفو لم ينفذ

كانت سلطة الحوثيين وتحت الضغط الدولي والمحلي أصدرت في 25 مارس (آذار) عام 2020 عفوا عاما عن المعتقلين البهائيين، لكنه لم ينفذ، ورغم نفي المعتقلين البهائيين قسرا منذ ثلاث سنوات، استمرت الجماعة في محاكمة المنفيين والمهجرين قسريا غيابيا، بهدف فرض مصير قاهر على من تبقى منهم في اليمن، ومن ثم إجبارهم على الهجرة، ومحو كل أثر لهم من خلال مصادرة أموالهم وممتلكاتهم وبيوتهم وطمس كل ما يشير إليهم بما في ذلك مقابر موتاهم وعبر أحكام قضائية غير منصفة.

ويقول أفراد الطائفة إن الجماعة الحوثية استمرت في التحريض على معاداة البهائيين إعلاميا وفي مناهج التعليم الجامعي وعبر الدورات الثقافية التي يقيمونها بكثافة «لوأد أي تعاطف إنساني مجتمعي مع البهائيين لما يتعرضون له من ظلم وقهر وإجرام».

وقفة سابقة لمحتجين من الطائفة البهائية في صنعاء يطالبون بالإفراج عن زعيمهم (تويتر)

وأكدت مصادر الطائفة في صنعاء استمرار التضييق الحوثي على المنتمين إليها واستهداف مصادر عيشهم من خلال إجراءات تعسفية وغير قانونية بحق العشرات منهم وبحق كل من شاركوا معهم في برامج خدمة المجتمع، وأدى ذلك إلى حرمانهم من فرص العمل، وحجز حساباتهم البنكية، ووضع أسمائهم في القوائم السوداء لدى شركات الصرافة.

محاكاة إيران

أفراد الطائفة الذين يقدر عددهم بخمسة آلاف شخص في ظل عدم وجود إحصاءات رسمية.

ولا يعرفون لماذا يضطهدهم الحوثيون، ولا يمكنهم تفسير ذلك سوى بتبعية الحوثيين لنظام الحكم في إيران الذي يضطهد البهائيين بشكل منهجي منذ ثمانينات القرن الماضي وفق ما ذكرته المصادر.

وتطالب الطائفة سلطة الحوثيين بإنهاء المحاكمة التعسفية بحق 24 من أفرادها حيث لا وجه لإقامة الدعوى عليهم، وتعويض كل من تضرر بسبب ذلك، التعويض الملائم والعادل ماديا ومعنويا، وكفالة حقهم في العيش بكرامة وحرية وأمان وسلام في وطنهم اليمن، والإقرار بحق المنفيين والمهجرين قسريا منهم في العودة إلى وطنهم اليمن دون أي عائق أو اعتراض.

كما تطالب الطائفة بإعادة جميع الأموال والممتلكات والوثائق الخاصة بأفرادها التي تم نهبها أو حجزها أو مصادرتها لأصحابها، وفتح حساباتهم البنكية، والكف عن التضييق عليهم في مصادر عيشهم، واحترام حقهم في المشاركة في بناء اليمن وتنمية المجتمع من خلال مؤسساتهم الإدارية والتنموية الطوعية بصفتهم مواطنين وبموجب الدستور.

نهج الاضطهاد المتواصل

موجة البطش الحوثية الجديدة ضد البهائيين في اليمن، وصفها عضو مكتب الشؤون العامة للبهائيين في اليمن نادر السقاف بأنها «مواصلة لنهج الاضطهاد» بحسب ما قاله لـ«الشرق الأوسط».

السقاف، وهو أحد المبعدين من اليمن، أكد أن قوات تتبع الحوثيين مدججة بالسلاح اقتادت 17 بهائيا إلى جهة مجهولة بعد أن دهمت اجتماعا سلميا لهم في أحد منازل أفراد الطائفة؛ حيث كانوا يناقشون ما يخص مشاركة المجتمع البهائي في خلق بيئة نابضة بالحياة لكل اليمنيين وتشكيل هيئات ترعى الاحتياجات الروحانية والمادية لمجتمعهم.

وقال: «الهجوم هو مواصلة لنهج الاضطهاد الممنهج الذي يمارسه الحوثيون ضد البهائيين منذ أواخر سنة 2014 وحتى الآن، ومحاولاتهم المستمرة لمسح الهوية الثقافية والاجتماعية للبهائيين بوصفهم من مكونات المجتمع اليمني». وأضاف أن الجماعة الحوثية مستمرة في مداهمة المنازل وترويع العوائل والأطفال وإطلاق النار على المنازل، والتهديد الصريح بالقتل والتصفية الجسدية وبث الرعب بين النساء والأطفال.

عضو مكتب الشؤون العامة للبهائيين نادر السقاف (يمين) مع حامد بن حيدرة في لقاء سابق (تويتر)

ووصف السقاف الخطوة الحوثية بأنها «انتهاك واضح لحرية المعتقد بموجب المواثيق الدولية، والحق في التجمع وإدارة الشؤون الدينية والمجتمعية». وأكد أن الهجوم إضافة لمنهجية الاضطهاد الذي يصر عليه الحوثيون، وشاهد إضافي على أنهم مستمرون في محاولات إخفاء صوت ووجود البهائيين الاجتماعي عبر المضايقات المستمرة وحملات المتابعة وملاحقة الأفراد وتضييق سبل العيش عليهم، على أمل انكماش البهائيين وإخفاء هويتهم.

ويشير عضو مكتب الشؤون العامة للبهائيين إلى تعرض أفراد الطائفة لأصناف مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي إضافة لنفيهم من وطنهم، ويؤكد أن هناك عشرات وربما مئات من أفراد الطائفة يعانون بصورة شبه يومية من مستويات مختلفة من الاضطهاد ومنها مصادرة أموالهم دون وجه حق وبصورة مخالفة للقانون، وقطع أرزاقهم، والتسبب في تسريح البعض الآخر من وظائفهم، وإغلاق مؤسسات مرخصة وسرقة ممتلكاتها والمضايقات المالية وتجميد التعاملات المصرفية للبهائيين ومن يتعاملون معهم.

تنديد حكومي

إلى جانب الغضب الحقوقي من خطوة الميليشيات الانقلابية والمطالبة بتدخل دولي لإنقاذ الطائفة البهائية من الاضطهاد الحوثي، نددت الحكومة اليمنية بهذه الواقعة من البطش، ووصفتها بـ«العمل المخزي والجبان» بحسب ما قاله لـ«الشرق الأوسط» وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني.

وقال الإرياني إن عملية دهم الاجتماع من قبل الحوثيين واختطاف 17 بهائيا «عمل مخز وجبان يندرج ضمن الاضطهاد الذي تمارسه الميليشيا بحق الأقليات الدينية وعلى رأسها الطائفة البهائية منذ انقلابها على الدولة، في انتهاك واضح وصريح لحرية الدين والمعتقد والحق في التنظيم والتجمع وممارسة الشعائر الدينية التي تقرها القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية».

وأضاف الإرياني «هذه الجريمة تأتي لتؤكد مضي ميليشيا الحوثي بتوجيه وإيعاز إيراني، في نهج التصعيد والاستهداف والإرهاب الممنهج للأقليات الدينية، واضطهاد أتباعها على خلفية معتقداتهم؛ حيث تعرض أتباع تلك الأقليات لسلسلة من الجرائم والانتهاكات تنوعت بين مداهمة المنازل وترويع الأسر والخطف والاعتقال التعسفي بتهم ملفقة، والتعذيب النفسي والجسدي، والإخفاء والنفي القسري، وإخضاعهم لمحاكمات خارج إطار القانون، ومصادرة ونهب ممتلكاتهم واقتحام ومصادرة مقراتهم، والتحريض العلني عليهم عبر بث خطاب الكراهية ومحاولة النيل من النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي».

وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني التقى مجموعة من البهائيين في لوكسمبورغ (إعلام رسمي)

واستغرب وزير الإعلام اليمني مما وصفه بـ«استمرار صمت المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومنظمات وهيئات حقوق الإنسان على هذه الجرائم»، وطالبها بالقيام «بمسؤولياتها في الضغط على ميليشيا الحوثي لوقف ممارساتها العنصرية ضد الأقليات الدينية».

كما طالب الوزير اليمني بـ«وقف كل أشكال الملاحقات والتضييق والتمييز على خلفية المعتقد، باعتبارها انتهاكا صارخا للقوانين والمواثيق الدولية، وفي مقدمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وملاحقة ومحاسبة المتورطين فيها من قيادات وعناصر الميليشيا».


مقالات ذات صلة

الحكومة اليمنية ترحب ببيان السعودية إزاء التطورات الأخيرة في حضرموت والمهرة

الخليج منظر عام للعاصمة اليمنية المؤقتة عدن (رويترز)

الحكومة اليمنية ترحب ببيان السعودية إزاء التطورات الأخيرة في حضرموت والمهرة

رحّبت الحكومة اليمنية بالبيان الصادر، الخميس، عن وزارة الخارجية السعودية، وما تضمّنه من موقف إزاء التطورات الأخيرة في محافظتي حضرموت والمهرة.

«الشرق الأوسط» (عدن)
الخليج السعودية تحث «الانتقالي» اليمني على الانسحاب من حضرموت والمهرة «بشكل عاجل»

السعودية تحث «الانتقالي» اليمني على الانسحاب من حضرموت والمهرة «بشكل عاجل»

شددت الخارجية على أن «الجهود لا تزال متواصلة لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه»، معربة عن أمل المملكة في تغليب المصلحة العامة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج جانب من المشاركين في مشاورات مسقط بشأن المحتجزين والأسرى اليمنيين (إكس)

السعودية تُرحب بـ«اتفاق مسقط» لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن

رحبت السعودية بالاتفاق الذي وُقّع عليه في مسقط لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن، وعدته خطوةً مهمةً تُسهم في تخفيف المعاناة الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج أسرى يلوِّحون بأيديهم لدى وصولهم إلى مطار صنعاء في عملية تبادل سابقة (أرشيفية- رويترز)

أطراف النزاع في اليمن يتفقون على تبادل 2900 محتجز

أكد مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، أن أطراف النزاع في اليمن اختتمت، الثلاثاء، اجتماعاً استمر 11 يوماً في سلطنة عمان.

«الشرق الأوسط» (مسقط)
العالم العربي الجماعة الحوثية أظهرت تحدياً لمختلف القوى الدولية رغم ما تعرضت له من هجمات (أ.ب)

عقوبات قاصرة... الحوثيون يُعيدون رسم خريطة التهديد

رغم تجديد العقوبات الدولية عليهم، يُعزز الحوثيون قدراتهم العسكرية ويحولون التهديد المحلي إلى خطر إقليمي على الملاحة والأمن الدوليين مع تحالفاتهم العابرة للحدود.

وضاح الجليل (عدن)

العليمي يطلب تدخل تحالف دعم الشرعية عسكرياً لحماية حضرموت

العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
TT

العليمي يطلب تدخل تحالف دعم الشرعية عسكرياً لحماية حضرموت

العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)

توالت التطورات الميدانية والسياسية في المحافظات الشرقية من اليمن، على وقع التصعيد العسكري الذي ينفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، ما دفع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى طلب تحالف دعم الشرعية في اليمن للتدخل عسكرياً لحماية حضرموت.

وتقول مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط» إن المجلس الانتقالي الداعي للانفصال عن شمال اليمن يستغل الظروف الناجمة عن وساطة التهدئة السعودية - الإماراتية للتوسع عسكرياً، على الرغم من أن الوساطة مستمرة، وهدفها إنهاء الصراع سلماً من خلال انسحاب قوات المجلس الانتقالي من حضرموت والمهرة، وعودتها إلى معسكراتها خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطة المحلية.

وفي هذا السياق، صرّح مصدر مسؤول في الحكومة اليمنية أن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، القائد الأعلى للقوات المسلحة، رشاد العليمي، أُطلع، إلى جانب عدد من أعضاء المجلس وأعضاء مجلس الدفاع الوطني، على مجمل الأوضاع في محافظة حضرموت، بما في ذلك العمليات العسكرية التي وصفها بـ«العدائية» التي نفذها المجلس الانتقالي خلال الساعات الأخيرة، وما رافقتها من انتهاكات جسيمة بحق المدنيين.

العليمي طلب تدخلاً عسكرياً من تحالف دعم الشرعية لحماية حضرموت (سبأ)

واعتبر المصدر أن هذا التصعيد، المستمر منذ مطلع الشهر الحالي، يمثل خرقاً صريحاً لمرجعيات المرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض، فضلاً عن كونه تقويضاً مباشراً لجهود الوساطة التي تقودها السعودية والإمارات، بالتنسيق مع المجتمع الدولي، بهدف خفض التصعيد وانسحاب قوات المجلس الانتقالي من محافظتي حضرموت والمهرة.

وبناءً على هذه التطورات، تقدم العليمي - وفق المصدر الحكومي - بطلب رسمي إلى قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن، لاتخاذ كافة التدابير العسكرية اللازمة لحماية المدنيين في محافظة حضرموت، ومساندة القوات المسلحة اليمنية في فرض التهدئة، وحماية جهود الوساطة السعودية - الإماراتية، مجدداً دعوته لقيادة المجلس الانتقالي إلى تغليب المصلحة العامة ووحدة الصف، والامتناع عن مزيد من التصعيد غير المبرر.

المجلس الانتقالي الجنوبي اتخذ إجراءات عسكرية أحادية في حضرموت والمهرة (إ.ب.أ)

وفي السياق ذاته، قالت المصادر الرسمية اليمنية إن العليمي رأس اجتماعاً طارئاً لمجلس الدفاع الوطني، بحضور 3 من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، ورئيسي مجلسي النواب والشورى، ورئيس الحكومة، وقيادات عسكرية وأمنية، إلى جانب محافظ حضرموت، لمناقشة تداعيات الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي، وانعكاساتها الخطيرة على الأمن الوطني والإقليمي.

واطلع الاجتماع - بحسب الإعلام الرسمي - على تقارير ميدانية بشأن الانتهاكات التي طالت المدنيين في حضرموت والمهرة، وصولاً إلى الهجمات الأخيرة في وادي نحب، التي عدّها المجلس «مخالفة صريحة» لجهود التهدئة، وتمرداً على مؤسسات الدولة الشرعية.

وأكّد مجلس الدفاع الوطني دعمه الكامل للوساطة التي تقودها السعودية، مشدداً على ضرورة عودة قوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطات المحلية، وفق ترتيبات منظمة وتحت إشراف التحالف.

تحذير من العواقب

على وقع هذه التطورات، كانت السعودية أعادت رسم خطوط التهدئة شرق اليمن، عبر بيان واضح صادر عن وزارة الخارجية، شدّد على رفض التحركات العسكرية الأحادية، والمطالبة بعودة قوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة.

وأكدت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الموقف تُرجم ميدانياً بتوجيه ضربة جوية تحذيرية في حضرموت، حملت رسالة مباشرة بعدم السماح بفرض وقائع جديدة بالقوة.

وأوضحت المصادر أن الضربة جاءت في إطار الردع الوقائي، محذرة من أن أي تصعيد إضافي سيقابل بإجراءات أكثر صرامة، في مؤشر على انتقال الرياض من سياسة الاحتواء السياسي إلى ضبط ميداني حاسم لحماية الاستقرار.

من جهته، أصدر المجلس الانتقالي بياناً حاول فيه تبرير تحركاته، معتبراً أنها جاءت استجابة لـ«دعوات شعبية»، ومعلناً انفتاحه على التنسيق مع السعودية، رغم وصفه الضربة الجوية بأنها «مستغربة».

ويرى مراقبون أن أي تنسيق محتمل لن يكون مقبولاً إقليمياً ما لم يبدأ بإنهاء التصعيد، وخروج القوات، وتسليم المعسكرات، والعودة إلى طاولة الحوار، دون فرض الأمر الواقع بالقوة.

منطق الوهم

يحذر سياسيون يمنيون من أن تعنت المجلس الانتقالي وإصراره على عسكرة حضرموت، رغم الجهود الصادقة التي تبذلها السعودية والإمارات، يلحق ضرراً فادحاً بالقضية الجنوبية العادلة نفسها، عبر اختزالها في المدرعات والنقاط العسكرية، بدل تحويلها إلى مشروع سياسي قابل للحياة.

ويستدعي هذا السلوك مقارنات إقليمية مؤلمة، أبرزها تجربة حميدتي وميليشيات الجنجويد في السودان، التي اعتمدت السلاح والإرهاب لتنفيذ أجندات خارجية، وكانت النتيجة خراب المدن وانهيار الدولة. كما يستحضر نموذج جنوب السودان، الذي وُلد من رحم الصراع المسلح، لينتهي إلى دولة منهارة وصراعات داخلية مفتوحة.

رغم إقرار اليمنيين بعدالة القضية الجنوبية فإن المجلس الانتقالي يحاول أن يستغلها للتصعيد شرقاً (أ.ب)

ويؤكد خبراء أن المجتمع الدولي لا يعترف إلا بالدول والمؤسسات، لا بالميليشيات، وأن تجربة «أرض الصومال» مثال واضح على عزلة المشاريع التي تُفرض بالقوة، مهما طال أمدها. كما أن فشل محاولات انفصال كتالونيا عن إسبانيا يبرهن أن العالم لا يشرعن الانفصال الأحادي خارج الدولة والدستور.

ويجمع محللون على أن حضرموت أكبر من أن تكون غنيمة لميليشيا مناطقية (إشارة إلى هيمنة مناطق بعينها على قرار المجلس الانتقالي)، وأعمق من أن تُدار بالعنف والسلاح، وأن أي محاولة لجرّها إلى الفوضى تمثل جريمة بحق مكاسب الجنوب وفرصه السياسية.

ويرى مراقبون أن عسكرة حضرموت خطوة غير عقلانية، تعكس إصراراً على فرض الأمر الواقع بأدوات الترهيب ذاتها، التي يدّعي المجلس الانتقالي محاربتها، في تحدٍّ صريح لرغبات المجتمع الدولي الداعية إلى ضبط النفس، والحفاظ على استقرار الجنوب واليمن عموماً.

وكان البيان السعودي شدّد على أن معالجة القضية الجنوبية العادلة لا تكون عبر القوة، بل من خلال حوار سياسي شامل، ضمن المرجعيات المتفق عليها، وفي مقدمتها اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة، بما يحفظ وحدة اليمن ومركزه القانوني، ويمنع انزلاق المحافظات الشرقية إلى مسار يهدد جهود السلام.


تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
TT

تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)

تتواصل جهود الوسطاء للدفع بالمرحلة الثانية في اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط مخاوف وتحذيرات مصرية، من عرقلة ذلك المسار المرتقب أن يدخل حيز التنفيذ بعد أقل من أسبوع في يناير (كانون الثاني) المقبل.

ذلك الموقف المصري، الرافض لتجزئة الإعمار أو تقسيم قطاع غزة أو وضع شروط إسرائيلية بشأن قوات الاستقرار في القطاع، يحمل رسائل مهمة للضغط على إسرائيل قبل لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وفق تقديرات خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، وتوقعوا أن تضغط واشنطن لبدء المرحلة الثانية في ضوء تلك الرسائل المصرية.

وأعلن وزير الخارجية الألماني، يوهان فاديفول، في تصريحات، الجمعة، أن ألمانيا لن تشارك في المستقبل المنظور في قوة دولية للاستقرار في غزة ضمن خطة السلام الخاصة بالقطاع المتوقع أن تنتشر الشهر المقبل.

هذه الخطوة تعزز مخاوف مصرية، تحدث بها رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، متهماً نتنياهو بأنه «يحاول إعادة صياغة المرحلة الثانية وحصرها في مطلب نزع سلاح المقاومة، وهو ما لا ينص عليه الاتفاق، وتدركه الولايات المتحدة جيداً»، مشيراً إلى مساعٍ إسرائيلية لإقحام قوة حفظ الاستقرار في أدوار لا تتعلق بتكليفها، مثل نزع السلاح، وهو أمر لن توافق عليه الدول المشاركة.

وأكد رشوان، الخميس، وفق ما أوردت قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، أن «محاولات نتنياهو قد تؤدي إلى تأجيل أو إبطاء التنفيذ، لكنها لن تنجح في إيقاف المرحلة الثانية»، مشيراً إلى أن «نتنياهو يسعى بكل السبل لتجنب الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ودفع واشنطن إلى مواجهة مع طهران، بما قد يعيد إشعال غزة ويُفشل المرحلة الثانية من الاتفاق».

والخميس، نقل موقع «واي نت» الإخباري الإسرائيلي عن مصدر عسكري قوله إن نتنياهو سيُطلع ترمب على معلومات استخباراتية عن خطر الصواريخ الباليستية الإيرانية خلال اجتماعهما المرتقب قبل نهاية العام الحالي، لافتاً إلى أن بلاده قد تضطر لمواجهة إيران إذا لم تتوصل أميركا لاتفاق يكبح جماح برنامج الصواريخ الباليستية - الإيرانية.

أمين عام «مركز الفارابى للدراسات السياسية»، الدكتور مختار غباشي، قال إن التصريحات المصرية واضحة وصريحة، وتحمل رسائل للكيان الإسرائيلي وواشنطن قبل الزيارة المرتقبة، مؤكداً أن الغضب المصري عندما يصل لهذه المرحلة من الرسائل المباشرة، تضع واشنطن في حساباتها الوصول لنقطة تقارب بين القاهرة وتل أبيب.

وأكد المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن التصريحات المصرية تحمل في طياتها رسائل ومخاوف حقيقية من ترسيخ إسرائيلي للوضع القائم من منظور أمني وليس سياسياً، على أمل أن تتحرك واشنطن بجدية لوضع نهاية له.

منازل مدمرة في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ولا يتوقف الموقف المصري عند مجرد المخاوف، بل يحمل تحذيرات واضحة، وقال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، الخميس، في مقابلة مع التلفزيون المصري، إن «هناك خطين أحمرين في غزة، الخط الأحمر الأول يتمثل في عدم الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، هذا مستحيل، المنطقتان تشكلان وحدة واحدة لا تتجزأ للدولة الفلسطينية القادمة، والخط الأحمر الثاني عدم تقسيم قطاع غزة».

وأضاف أن «الكلام اللغو الذي يقال عن وجود تقسيم القطاع إلى مناطق حمراء وخضراء أو أن الأماكن التي تقع تحت سيطرة إسرائيل مباشرة تأكل وتشرب وترى إعماراً، بينما الـ90 في المائة من الفلسطينيين الموجودين في الغرب تحت دعاوى أن (حماس) موجودة لا يأكلون ولا يشربون، هذا عبث ولن يتم ولن يتم التوافق عليه».

وفي ضوء ذلك، شدد مختار غباشي على أن مصر عندما تعلن خطوطاً حمراء، فهذا حد فاصل، وثمة مخالفات على أرض الواقع غير مقبولة، للقاهرة، مشيراً إلى أن القاهرة تتعمد هذه الرسائل في هذا التوقيت على أمل أن تعزز مسار الوسطاء نحو بدء المرحلة الثانية قريباً، خاصة أنه «إذا أرادت واشنطن فعلت ما تريد، خصوصاً إن كان الأمر يتعلق بضغط على الكيان لوقف مساراته المعرقلة للاتفاق».

وذكرت صحيفة «إسرائيل اليوم»، الخميس، أن لقاء نتنياهو وترمب المرتقب سيختتم ببيان عن التقدم المحرز نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة.

وأكد رشوان أن جميع الشواهد تؤكد أن الإدارة الأميركية حسمت موقفها من بدء المرحلة الثانية مطلع يناير المقبل، لافتاً إلى أن استقبال ترمب لرئيس الوزراء الإسرائيلي في 29 ديسمبر الحالي يرجح أن يكون إشارة الانطلاق الفعلية للمرحلة الثانية دون لبس.

ويتوقع نزار نزال أن يحاول نتنياهو في مقابلة ترمب، تمرير سردية بقاء إسرائيل في الخط الأصفر وتقسيم غزة وبدء الإعمار في الجزء الذي يقع تحت سيطرتها، موضحاً: «لكن الرسائل المصرية التحذيرية خطوة استباقية لتفادي أي عراقيل جديدة أو تناغم أميركي إسرائيلي يعطل مسار الاتفاق».


ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
TT

ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)

فيما أعاد البيان الصادر عن وزارة الخارجية السعودية رسم المسار المطلوب للتهدئة، شرق اليمن، إذ شدد على وقف التحركات العسكرية الأحادية، مع المطالبة بعودة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي إلى مواقعها السابقة خارج حضرموت والمهرة، أكدت الرياض موقفها ميدانياً عبر توجيه ضربة جوية تحذيرية، وفق ما أكدته مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط».

وأوضحت المصادر أن الضربة جاءت لإيصال رسالة مفادها عدم السماح بفرض وقائع جديدة بالقوة أو تجاوز الأطر المؤسسية التي تحكم الملف الأمني في المحافظات الشرقية، محذرةً من أن أي تصعيد إضافي سيقابل بإجراءات أشد صرامة.

الخارجية السعودية كانت وصفت تحركات «الانتقالي» بأنها أحادية وأضرت بمسار التهدئة، داعيةً إلى خروج عاجل ومنظم للقوات وتسليم المعسكرات تحت إشراف التحالف وبالتنسيق مع مجلس القيادة الرئاسي والسلطات المحلية.

من جهته، أصدر المجلس الانتقالي الجنوبي بياناً، الجمعة، حاول فيه تبرير تحركاته العسكرية، معتبراً أنها جاءت استجابةً لـ«دعوات شعبية جنوبية» لمواجهة التهديدات الإرهابية وقطع خطوط تهريب الحوثيين.

وأكد «الانتقالي»، في بيانه، أنه منفتح على أي تنسيق أو ترتيبات مع السعودية، معتبراً الضربة الجوية «قصفاً مستغرباً» لا يخدم مسارات التفاهم.

وقال مراقبون لـ«الشرق الأوسط» إن التنسيق والترتيبات سيكون مرحباً بهما من قبل السعودية إذا كانت تصب في إنهاء التصعيد وخروج قوات «الانتقالي الجنوبي» واستلام قوات «درع الوطن» الجنوبية والسلطة المحلية المعسكرات والأمن في محافظتي حضرموت والمهرة. والجلوس للتشاور والحوار من دون الحاجة لاستخدام القوة.

ويتوقع مراقبون أن تؤدي الضربة التحذيرية إلى توصيل رسالة واضحة بأن الرياض قد تضطر للانتقال من سياسة الاحتواء الهادئ إلى فرض خطوط حمر لمنع أي تصعيد بالقوة.

وتشير مصادر «الشرق الأوسط» إلى أن أي تسوية مستقبلية ستقوم على عودة الأوضاع إلى ما قبل التصعيد، مدخلاً أساسياً للحفاظ على وحدة الصف اليمني، ومنع انزلاق المحافظات الشرقية إلى مسار يهدد جهود السلام.

كان البيان السعودي أكد على دعم الرياض الكامل لوحدة اليمن وأمنه واستقراره، مشدداً على أن معالجة القضية الجنوبية العادلة لا تتم عبر القوة، بل من خلال حوار سياسي شامل، ضمن المرجعيات المتفق عليها، وفي مقدمتها اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة.

وكشف البيان عن تنسيق سعودي - إماراتي لإرسال فريق عسكري مشترك إلى عدن، لوضع آلية لإعادة انتشار القوات ومنع تكرار التصعيد، في خطوة عدها مراقبون انتقالاً من التحذير السياسي إلى الضبط التنفيذي الميداني.