قصص متعددة والألم واحد... سودانيون يروون ويلات الحرب

نازحون في أحد الفنادق التي خصصتها السعودية لاستقبالهم (تصوير: علي خمج)
نازحون في أحد الفنادق التي خصصتها السعودية لاستقبالهم (تصوير: علي خمج)
TT

قصص متعددة والألم واحد... سودانيون يروون ويلات الحرب

نازحون في أحد الفنادق التي خصصتها السعودية لاستقبالهم (تصوير: علي خمج)
نازحون في أحد الفنادق التي خصصتها السعودية لاستقبالهم (تصوير: علي خمج)

أنين وأوجاع مستلقية خلف الأضلع، وحشرجات تُضيق على الكلمات مسارها فتخرج في شكل تمتمات، ودمعة ساكنة في المحاجر لا تفارق أعين النازحين من السودان لمدينة جدة، وحقيبة أرهقها السفر، كل ما فيها بقايا حلم العودة للوطن الذي غدا مرهوناً بيد الجنرالات.
تلك الوجوه التي التقتها «الشرق الأوسط» أثقلها الحزن، لا العزاء أصبح ممكناً، ولا الفرح أصبح قريباً في ديار كانت بالأمس دياراً، كل شيء فيها تغير، وأصعب ما فيها فراق النفس للنفس، والخروج من الوطن عنوة، وأصعب من ذلك كما يقول نازحون «أننا لا نمتلك تاريخاً لموعد العودة، فنظل وأمنياتنا المخنوقة قابعين في مطارات العالم تمزقنا الأيام شوقاً، وباب الدار مغلق حتى إشعار آخر».
في زحمة هذا الألم وتكدسه على مساحة القلب، وجد النازحون من مختلف الأجناس والأعراق بمن فيهم السودانيون، من يجبر خواطرهم، ويواسيهم ليس بالقول فقط، بل بفعل يسبق القول، فما قدمته السعودية التي أخرجتهم من أتون الحرب بسلام، عملياً، يفوق المنظور والمأمول على حد وصفهم؛ فلا توجد دولة حركت أساطيلها وطائراتها، وأنفقت ما أنفقت لإخراج العموم من دون قيد أو شرط سوى السعودية، موضحين أن المملكة لم تكتف بذلك، بل وفرت الإقامة على أراضيها متحملة كل الأعباء مع توفير كافة الخدمات للنازحين.
وهذا ما أكده جميع من التقت معهم «الشرق الأوسط»، ومنهم موسى النعيم، (نمساوي الجنسية، سوداني الأصل) ولديه 4 من الأبناء، حين قال: «إنه وبعد مرور 13 يوماً في ظل هذه الأحداث توجهنا مباشرة إلى بورتسودان، ووجدنا كل الترحيب من السفير السعودي ومنسوبي السفارة الذين قدموا لنا كل الرعاية والاهتمام والمواساة».
والنعيم، عاش في النمسا منذ عام 1990، وعاد لموطنه الأصلي قبل أشهر على اندلاع الحرب، لقضاء العيد بين أهله وذويه، وكان مقرراً حسب حديثه العودة للنمسا بعد ذلك، إلا أن الأحداث كانت متسارعة.
ومن المشاهد المروعة التي عاينها النعيم، انتشار الجثث في الشوارع، وقال: «أمتلك منزلاً في أم درمان، وقد تعرض لإطلاق نار كثيف، وانتشرت بجواره الجثث التي ظلت أكثر من 4 أيام ملقاة في الشوارع حتى جرى انتشالها، إضافة إلى النقص الحاد للمواد الغذائية والمواد الطبية لعدة أسباب، من أبرزها رفض مُلاك تلك المنافذ فتحها خشية على حياتهم، وهذا ما زاد حجم المأساة التي يعيشها السودانيون يومياً».
ويضيف: «بعد مرور 13 يوماً من الأحداث المتتالية والمشاهد المروعة، كان لزاماً علينا التحرك نحو بورتسودان التي تبعد نحو 800 كيلومتراً عن العاصمة الخرطوم، بعد أن سمعنا عن المبادرة السعودية حول عمليات الإجلاء لكافة الراغبين في الخروج من السودان، وتوفير كل الإمكانات لعملية النقل. وهذا كان طوق النجاة.
وعلى الفور تواصلت مع السفير السعودي مباشرة، وقوات الجيش الملكي السعودي، ومنسوبي السفارة، فرحبوا بنا، وقدموا لنا كل الرعاية منذ لحظة وصولنا حتى صعودنا السفينة، حتى وصولنا إلى جدة، وهذا كان بمثابة حلم؛ أن نخرج سالمين من هذه الأحداث.
القصص لا تتشابه ولكن المعاناة واحدة، فهذه وديان فتح الرحمن البشير، التي تحمل الجنسية الأميركية، سبق أنينها ودموعها كلامها، فالتهجير الذي حدث لعائلتها قصم ظهرها: والدتها المسنة تعاني من أمراض مزمنة غادرت في اتجاه، والأب باتجاه آخر، والأخ وبقية أفراد العائلة راحوا، كلاً في اتجاه مختلف طلباً للنجاة.
وتقول وديان لـ«الشرق الأوسط»: «أنا في جدة، وهذا بفضل ما تقدمه الحكومة السعودية لكل النازحين من خدمات يصعب وصفها، إلا أن قلبي وعقلي يفكران في والدي وأهلي الذين توزعوا في كل صوب، كل ما أرجوه أن أسمع عنهم ما يطمئنني، فالحرب أثقلت كاهلنا، وهي في الساعات الأولى من اندلاعها».
وتابعت وديان: «جاءت الأحداث من غير سابق إنذار... أفقنا في الصباح على صوت الرصاص، وكان علينا التحرك مع تفاقم الوضع في الخرطوم. ولم يمض يومان على الأحداث، حتى قررنا الخروج نحو ولاية الجزيرة لبورتسودان ومنها إلى الخارج».
وعن رحلتها للخروج من الخرطوم، تقول وديان: «واجهنا الكثير من الصعاب وتغلبنا عليها، ومنها نقاط التفتيش. كانت الرحلة طويلة، ولكن كان هناك أمل مع إعلان المبادرة السعودية، وما إن وصلت لبورتسودان، حتى وجدت الترحيب من السفير السعودي وكل العاملين في السفارة، وكان مرض ابني يؤرقني، وعلى الفور قامت السفارة بتقديم الرعاية الصحية له، وتعاملوا معي كسعودية... كل الخدمات سخرت للنازحين دون استثناء».


مقالات ذات صلة

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم (الخميس)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف في السودان، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضه. وأكد الأمير فيصل بن فرحان، خلال اتصال هاتفي أجراه بغوتيريش، على استمرار السعودية في مساعيها الحميدة بالعمل على إجلاء رعايا الدول التي تقدمت بطلب مساعدة بشأن ذلك. واستعرض الجانبان أوجه التعاون بين السعودية والأمم المتحدة، كما ناقشا آخر المستجدات والتطورات الدولية، والجهود الحثيثة لتعزيز الأمن والسلم الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

38 قتيلاً جراء هجوم لـ«الدعم السريع» في غرب السودان

تصاعد الدخان جراء الصدامات بين «قوات الدعم السريع» والجيش السوداني في الخرطوم (أرشيفية - رويترز)
تصاعد الدخان جراء الصدامات بين «قوات الدعم السريع» والجيش السوداني في الخرطوم (أرشيفية - رويترز)
TT

38 قتيلاً جراء هجوم لـ«الدعم السريع» في غرب السودان

تصاعد الدخان جراء الصدامات بين «قوات الدعم السريع» والجيش السوداني في الخرطوم (أرشيفية - رويترز)
تصاعد الدخان جراء الصدامات بين «قوات الدعم السريع» والجيش السوداني في الخرطوم (أرشيفية - رويترز)

أسفر هجوم شنته «قوات الدعم السريع» السودانية بطائرة مسيّرة عن 38 قتيلاً على الأقل في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (غرب)، وفق حصيلة محدثة أعلنها ناشطون محليون اليوم (الأحد).

وأعلنت «تنسيقية لجان المقاومة - الفاشر» في بيان «ارتفاع حصيلة مجزرة حي أولاد الريف بالفاشر إلى 38 شهيداً» منذ وقوع الهجوم في وقت متأخر أمس.