غابرييلا ميسترال وروميليو أوريتا: حب يائس ظل يكبر من وراء ظهر الموت

عشقته بجنون وكتبت أعذب الهدهدات للطفل الذي تمنت أن تنجبه منه

غابرييلا ميسترال (غيتي)
غابرييلا ميسترال (غيتي)
TT

غابرييلا ميسترال وروميليو أوريتا: حب يائس ظل يكبر من وراء ظهر الموت

غابرييلا ميسترال (غيتي)
غابرييلا ميسترال (غيتي)

«حين التقيت به في دربٍ ريفي
لم تكن المياه قد افترقت عن أحلامها بعد
مضى في طريقه متعَباً وآخذاً معه عينيّ
لم تكن أزهار المنثور وهي تودّعه
أكثر جلالاً وارتفاعاً
وظلّ قلبي العاشق يخفق كالراية في الريح
لا جراح في جسدي
غير أن وجهي كان يتغطى بالدموع»
لم يكن هذا النص الذي كتبته غابرييلا ميسترال في مطالع القرن الفائت، سوى واحد من نصوص كثيرة مماثلة، أرّخت الشاعرة التشيلية من خلالها لقصة الحب المؤثرة التي ربطتها بروميليو أوريتا، الموظف البسيط في شركة السكك الحديدية التشيلية. وإذا كانت قليلة ومتفرقة، المصادر التي يمكن للمرء الاستعانة بها لتتبع تفاصيل هذه العلاقة واستجلاء ما اكتنفها من غموض، فإن ما أخفاه الواقع المعيش أظهره الشعر بكامل قوته وسطوعه، ووضعنا بوصفنا قراء فضوليين في صورة ذلك الحب النادر الذي ينافس في جيشانه واحتدامه الروحيين، نماذج الحب العليا التي عرفها العالم منذ أقدم العصور، أو تلك التي اختبرها الصوفيون في علاقتهم بالخالق، بوصفه صورة للجمال الأسمى.
ولدت لوسيلا غودوا ألكاياغا في مدينة بيكوينا التشيلية عام 1889، لأب ينتمي إلى إحدى السلالات الباسكية، ويعمل في سلك التدريس، هو خوان خيرونيمو بيانوبيا، وأم ذات أصول هندية، هي بيترونيلا الكاياغا. ولعل هذا التمازج السلالي العريق في دماء الطفلة هو الذي غذى في داخلها بذرة الشعر، وألهب مخيلتها بنيرانه الفائرة.
أما الحادثة المبكرة التي أسست لمسار حياتها المأساوي، فقد تمثلت بترك أبيها المنزل العائلي دون سابق إنذار، تاركاً طفلته ابنة الأعوام الثلاثة تتربى في عهدة الأم، وتتلقى بالكثير من المشقة والتصميم دراستها الابتدائية والثانوية. لكن اللافت في الأمر أن لوسيلا المفطورة على الرقة والطباع الوادعة، لم تتحدث عن أبيها بالسوء، ولم تنقل عنه سوى أنه قبل تركه البيت أنشأ لها حديقة وارفة كانت تتخاطب بين جنباتها مع الطيور والأزهار. كما روت عنه تعلقه بالشعر ونظمه العديد من القصائد التي أيقظت في داخلها «العاطفة الشعرية». أما اسم غابرييلا ميسترال الذي وقّعت به قصائدها وأعمالها كافة، فهو مزيج من اسمي الشاعر الإيطالي غابرييل دينينزيو والفرنسي فريدريك ميسترال، اللذين أعجبت بهما الشاعرة، وارتأت أن تكرمهما على هذا النحو.
وإذا كان تميز ميسترال في مجال التربية والتعليم قد جعلها تشغل مناصب ومهمات تربوية مهمة في بلادها، وتتلقى دعوات عدة للإفادة من أساليبها التربوية المبتكرة في الولايات المتحدة والمكسيك وبورتوريكو، فإن شهرتها كشاعرة دفعت بسلطات بلادها إلى إلحاقها بالسلكين القنصلي والدبلوماسي، لتتنقل بين العديد من أقطار العالم وعواصمه.
ورغم كل ما عرفته مسيرتها من نجاحات وإخفاقات، فإن حب غابرييلا لروميليو أوريتا، الذي التقته أثناء فترة التدريس في لاكانتيرا، كان الحدث الأهم الذي ترك في داخلها أبلغ الندوب، ونقطة الارتكاز الأبرز التي تحلقت من حولها حياتها وشعرها اللاحقان. صحيح أنها كانت قد أغرمت في الخامسة عشرة من عمرها ببيديلا بيتيدا، الرجل الثري والوسيم الذي يكبرها بعشرين عاماً، وظلت تراسله لسنة ونصف سنة من الزمن، إلا أنها سرعان ما اكتشفت أن ما عاشته آنذاك، لم يعدُ كونه نوعاً من الأعراض العاطفية المتوهمة لسن المراهقة، التي انطفأ أوارها في وقت قصير.
ولم تكد تمر شهور قليلة على انتهاء علاقتها ببيتيدا، حتى التقت ميسترال بروميليو، الذي وقعت في حبه منذ لحظات اللقاء الأولى، وشعرت بأنه الكائن الألصق بتصوراتها المثلى عن فتى أحلامها المتخيل، والرجل الذي خفق له قلبها في الصميم. وقد بدت الشاعرة في كتابتها عنه، وكأنها تمشي على الخيط بين الثمل الروحي الطهراني، والانتشاء الحسي بالحب. كما أن فرحها الكرنفالي بالرجل بالمعشوق ظل يخالطه على الدوام قلق غامض من فقدانه، وهو ما يظهر جلياً في قصيدتها «أرق» التي تقول فيها:
أريد أن أتبسم في الطرقات كلها
وأن أثق بالناس جميعاً ما دمتَ قد جئتَ إلي
غير أنني تعلمت أن أخاف حتى في أحلامي
وأتساءل: أأنت هنا؟ ألم تذهب؟
لكن الأقدار الشائكة للشاعرة الرومانسية الهشة، ما لبثت أن وضعتها أمام صدمتين متعاقبتين؛ تمثلت الأولى في انصراف حبيبها عنها وزواجه من امرأة أخرى، فيما تمثلت الثانية، وهي الأفدح والأشد مرارة، في لجوء أوريتا إلى الانتحار، إثر اتهامه باختلاس أموال الشركة التي يعمل بها. وفيما ذهبت بعض الروايات إلى أن روميليو أخذ المال لمساعدة أحد أصدقائه المعوزين، ثم دفعه عجزه عن تسديده إلى الانتحار بفعل التهم القاسية التي وُجهت إليه، فإن رحيله المفجع بدا أشبه بالصاعق العصبي والنفسي الذي فجر مكنونات قلب الشاعرة، فتحولت قصائدها إلى مرثية لا نهائية لحبها المتواري في غيابة التراب:
أنت سمعتَ ينبوعي وقد جرت سيوله أجراساً ذات رنين
وتعرف أن خوفي أمام الرؤية المرعبة
لم يكن نزوة جامحة
فلا تحجب وجهك عني وتحرمني نعمة الضوء
لا تصمت بحقّ الإله
فالليل يتطلع إليّ من كل جهة بعيونٍ مجنونة
لم يبق معي غير عينيك
لكن، واحسرتاه، لقد أغلقتهما الثلوج
وإثر صدور مجموعتها الثانية «سوناتات الموت» عام 1914، مُنحت ميسترال جائزة الأدب التشيلي عام 1914. وحين هرع الكثيرون للقاء معلمة القرية الفائزة، كانت ميسترال تكلف من ينوب عنها لحضور المناسبة، لأنها كما قيل لم تجد في خزانتها سوى بذلة واحدة، لا تليق بالحفل المعد لتسلمها أرفع جائزة أدبية في تاريخ البلاد.
وقد كتب الناقد التشيلي فرانسيسكو دونوسو آنذاك بأن غابرييلا بحثت عن الشعر في لجج نفسها العميقة وأهدته للعالم على شكل صلوات. وإذا كانت الصدفة المجردة هي التي وفرت لميسترال سبل اللقاء بالطالب المولع بالشعر نفتالي رييس، الذي سيستعير لنفسه فيما بعد اسم بابلو نيرودا، فإن ما أوصل الأولى إلى جائزة «نوبل» عام 1945، والثاني إلى الجائزة نفسها بعد ذلك بربع قرن، لم يكن المصادفات بالتأكيد، بل اتكاء كل منهما على موهبة نادرة، وبحثهما المشترك عن الكنوز المختزنة في تربة بلادهما الأم. كما أن كره غابرييلا للاستبداد ووفاءها للحرية، هما اللذان دفعاها إلى مؤازرة نيرودا لدى نفيه السياسي إلى إيطاليا، حيث كانت قد عينت في تلك الفترة قنصلاً لبلادها هناك.
منقسمةً على نفسها راحت غابرييلا ميسترال تكتب بلا هوادة للموت تارةً، وللحياة تارة أخرى. فلقد بدا الموت أشبه بالقاتل المتسلسل الذي أزهق أرواح كل من أحاط بها من الأهل والأحبة والأصدقاء. فبالإضافة إلى انتحار روميليو، حب حياتها الأثير، خسرت في أوقات مختلفة أباها وأمها، ومن ثم صديقها النمساوي ستيفان زفايغ، الهارب من البطش الهتلري إلى البرازيل، والذي أقدم مع زوجته على الانتحار. لكن أكثر ما آلمها كان الرحيل المأساوي لابن أخيها خوان ميغيل، الذي عمدت إلى تبنّيه كما لو كان الطفل المستحيل الذي حلمت أن يهبها إياه روميليو أوريتا، حتى إذا بلغ الثمانية عشرة من عمره دفعه شعور داهم باليأس إلى الانتحار بواسطة جرعة من الزرنيخ، عام 1943.
لقد اكتشفت ميسترال، متماهية مع المنظور المريمي للعالم، أن معنى الحياة الحقة لا يتمثل بالحصول على الحب والامتلاك الأناني للأشياء، بقدر ما يوفره البذل والإيثار والعطاء غير المحدود. لذلك كتبت في إحدى قصائدها النثرية «أنا لم أر من قبل طلعة الأرض الأصيلة، الأرض التي تشبه امرأة تحمل طفلاً على يديها. أنا أعرف فكرة الأمومة في الأشياء. فالجبل الذي يتطلع إلى هو أمٌّ أيضاً». وحيث كانت تتحول يوماً بعد يوم إلى كائن من حب خالص، راحت غابرييلا تناغي من خلال طفلها المتخيل كل البراعم القابلة للتفتح على أديم الطفولة الكونية:
هادئاً يرقد الطفل
والطريقُ ساكنٌ تماماً
الضبابُ يغمر الوهاد
وقد توارى القصرُ الأزرق
وانطرح الهدوءُ على الوادي النائم
كراحة اليدِ فوق الجبين
وأنا أترنمُ بلطفٍ وأهزّ طفلي
وقد أرقدتْ ترنيمتي هذه الأرضَ المكدودةَ كلّها
ولشدة تعلقها بالأطفال أوصت غابرييلا، قبيل رحيلها متأثرة بسرطان البنكرياس عام 1957، أن تُستخدم الأموال الآتية من مبيعات كتبها، في مساعدة أطفال مونتيغراندي، المدينة التي احتضنت في الآن ذاته سريرها الأول ومثواها الأخير.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

اكتشاف نوع جديد من النمل الأبيض يُشبه حوت موبي ديك

يتميز هذا النوع من النمل الأبيض برأسه الطويل وفكوك سفلية مخفية (رودولف شيفران - زوكيز)
يتميز هذا النوع من النمل الأبيض برأسه الطويل وفكوك سفلية مخفية (رودولف شيفران - زوكيز)
TT

اكتشاف نوع جديد من النمل الأبيض يُشبه حوت موبي ديك

يتميز هذا النوع من النمل الأبيض برأسه الطويل وفكوك سفلية مخفية (رودولف شيفران - زوكيز)
يتميز هذا النوع من النمل الأبيض برأسه الطويل وفكوك سفلية مخفية (رودولف شيفران - زوكيز)

في أعالي إحدى الغابات المطيرة في أميركا الجنوبية، أذهل نوع جديد من النمل الأبيض صغير الحجم فريقاً من العلماء الدوليين بملامحه التي تُشبه ملامح الحيتان.

ووفق الفريق البحثي الذي قاده عالم من جامعة فلوريدا الأميركية، يشبه هذا النوع الجديد من النمل الأبيض حوت العنبر الشهير في رواية هيرمان ملفيل الكلاسيكية «موبي ديك»، ومن هنا جاء اسمه: «كريبتوترمس موبيديكي».

وحسب الدراسة المنشورة في مجلة «زوكيز» (ZooKeys)، يتميّز هذا النوع برأس طويل وفكوك سفليّة مخفيّة.

وقال رودولف شيفران، أستاذ علم الحشرات في معهد جامعة فلوريدا لعلوم الأغذية والزراعة المتخصص في تصنيف الكائنات الحية: «هذا النمل الأبيض لا يشبه أي شيء رأيناه من قبل». وأضاف في بيان نُشر الجمعة: «كانت العيّنة مميزة إلى حدٍّ دفع فريق علماء الحشرات الدوليين إلى الاعتقاد بأنهم أمام جنس جديد تماماً».

كيف حصل هذا النوع على اسمه؟

قال شيفران: «يشبه المنظر الجانبي للبروز الأمامي ورأسه الممدود رأسَ حوت العنبر، وفي كلا الكائنين يحجب الرأس الفك السفلي».

وأوضح: «تقع عين الحوت وقرون استشعار النمل الأبيض في موقع متقارب وفق تكوين كل منهما. وبعد أن لاحظتُ هذا التشابه، رأى زملائي أن الاسم مناسب بشكل لافت».

يُضيف هذا الاكتشاف نوعاً جديداً إلى قائمة نمل «كريبتوترمس» في أميركا الجنوبية، ليصل عدد أنواع هذا النمل إلى 16 نوعاً. ويُظهر تحليل شجرة العائلة الجينية أن «كريبتوترمس موبيديكي» وثيق الصلة بأنواع أخرى في المناطق الاستوائية الجديدة، موجودة في كولومبيا، وترينيداد، وجمهورية الدومينيكان، مما يمنح العلماء دليلاً جديداً على القصة التطورية لهذا الجنس المنتشر عالمياً على مساحة واسعة من الأرض.

ووجد الباحثون المستعمرة المكتشفة داخل شجرة شبه ميتة، على ارتفاع نحو 8 أمتار من أرضية الغابة.

ووفق نتائج الدراسة، يُبرز تشريح هذا النوع الجديد وغير المعتاد مدى تنوّع تطوّر النمل الأبيض، والمفاجآت التي لا تزال تخبئها النظم البيئية الاستوائية.

وقال شيفران: «يُبرز اكتشاف هذا النوع الجديد والمميّز، العدد الهائل من الكائنات الحية التي لم تُكتشف بعد على كوكبنا».

ويُعدّ هذا الاكتشاف، بالنسبة للعلماء، انتصاراً للتنوّع البيولوجي؛ إذ يضيف كل نوع جديد إلى الفهم العلمي للحياة على الأرض، خصوصاً في مجموعة صغيرة نسبياً مثل النمل الأبيض، التي لا يتجاوز عدد أنواعها 3 آلاف نوع حول العالم.


محمد عبده يفتح خزائن الذاكرة على مسرح الرياض

محمد عبده يقدّم اختيارات لم يسمعها الجمهور منذ سنوات (روتانا)
محمد عبده يقدّم اختيارات لم يسمعها الجمهور منذ سنوات (روتانا)
TT

محمد عبده يفتح خزائن الذاكرة على مسرح الرياض

محمد عبده يقدّم اختيارات لم يسمعها الجمهور منذ سنوات (روتانا)
محمد عبده يقدّم اختيارات لم يسمعها الجمهور منذ سنوات (روتانا)

منح فنان العرب محمد عبده، الجمعة، شتاء العاصمة السعودية الرياض الدفء، في ليلة طربية ساحرة امتدَّت حتى ساعات الصباح الأولى من يوم السبت، وسط حضور جماهيري كبير من محبيه وعشّاقه من السعودية والعالم العربي.

واكتظَّ المسرح الذي يحمل اسمه في المجمع الترفيهي «بوليفارد سيتي» في حيّ حطين بالرياض بالحضور، في حين تابع آلاف المشاهدين الحفل عبر نقله المباشر على قنوات فضائية ومنصات رقمية.

وفي ثاني حفلاته بـ«موسم الرياض» 2025، وبجلسة شعبية طال انتظارها بعد أيام من التمارين والتحضيرات وساعات من الإبداع، التي تقدّمها الهيئة العامة للترفيه» في السعودية، وبإشراف مباشر من ‏رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه المستشار تركي آل الشيخ، وبتنظيم من «روتانا»، قدَّم محمد عبده لعشّاق الفن الأصيل أمسية استثنائية بعنوان «جلسة شعبيات فنان العرب»، استعرض فيها على العود عدداً من الاختيارات التي نالت إعجاب الحضور، وسط إشادات متواصلة بنوعية الأغنيات المُختارة نظير ندرة طرح عدد منها مسرحيّاً، أو استحضار بعضها بعد سنوات من المرة الأخيرة التي قدّمها.

محمد عبده يطلّ بسهرة مختلفة تُعيد جمهور الرياض إلى بداياته (روتانا)

وأضيفت هذه الأمسية إلى مسيرة محمد عبده العريقة الممتدة لأكثر من 5 عقود، مزج فيها بين الإحساس العالي وروعة الألحان والأداء المميّز الذي أسر قلوب الملايين، وسط حضور متناغم مع الفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو هاني فرحات.

«أهلاً هلا بك يا دَوى كل علّه» مروراً بـ«يا حبيب الروح» التي يؤديها الفنان السعودي الكبير للمرة الأولى على المسرح، و«أوحشتنا يا حبيب» قبل «لي 3 أيام ما جاني خبر»، ثم «أنا وخلي كل دار وطنّا»، إلى «كنت مانيب ناوي أقرب الحب لله»، وغيرها من الخيارات النادرة والاستثنائية، عاش جمهور «فنان العرب» ليلة لا تُنسى في الرياض، وخلف الشاشات.

وامتدَّت الأمسية نحو 4 ساعات، استمرَّ خلالها الفنان في نثر إبداعاته وسط استمتاع الحضور، ثم تخلّلته استراحة امتدت نحو نصف ساعة، قبل أن يعاود عبده الوصلة الثانية من الخيارات الفنية الشعبية التي انتظرها الحضور الكبير، ويختمها بأداء الأغنية الوطنية الخالدة «فوق هام السحب» من كلمات الراحل الأمير بدر بن عبد المحسن وألحان «فنان العرب».

الفنان محمد عبده والمايسترو هاني فرحات في ختام الأمسية (روتانا)

وجاءت هذه الأمسية إثر الإقبال الكبير الذي شهده حفل «فنان العرب» ضمن «موسم الرياض» في 28 من الشهر الماضي، بعد نفاد التذاكر في وقت مبكر جداً من موعد الحفل، ليعلن رئيس «الهيئة العامة للترفيه» في السعودية، المستشار تركي آل الشيخ، عن تنظيم حفل جديد للفنان محمد عبده، الجمعة 5 ديسمبر (كانون الأول)، وذلك عبر حسابه الشخصي على منصة «إكس»، حيث نشر بوستر الحفل وعلّق: «عشانكم».

ويواصل الموسم الترفيهي الأضخم إقليمياً وعالمياً «موسم الرياض 2025»، الذي بات إحدى أهم المنصّات الفنية في العالم، تنظيم الحفلات الغنائية ضمن سلسلة من الفعاليات الموسيقية الكبرى.

ومن المقرّر أن يطلّ عبده مجدّداً على جمهوره، في 18 ديسمبر، على خشبة مسرح «صدى الوادي» في موسم الدرعية.


«البحر الأحمر السينمائي» يحتفي بأم كلثوم في الذكرى الـ50 لرحيلها

أم كلثوم في مشهد من فيلم «عايدة» (مهرجان البحر الأحمر)
أم كلثوم في مشهد من فيلم «عايدة» (مهرجان البحر الأحمر)
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يحتفي بأم كلثوم في الذكرى الـ50 لرحيلها

أم كلثوم في مشهد من فيلم «عايدة» (مهرجان البحر الأحمر)
أم كلثوم في مشهد من فيلم «عايدة» (مهرجان البحر الأحمر)

يواصل مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» في دورته الـ5 ترميم أفلام مصرية قديمة وإعادتها إلى الحياة بنسخ جديدة صالحة للعرض وفق أحدث التقنيات. وفي إطار الاحتفال بمرور 50 عاماً على رحيل سيدة الغناء العربي، أم كلثوم، اختار المهرجان ترميم فيلمَين من بطولتها، هما «نشيد الأمل» (1937) و«عايدة» (1942)، وكلاهما من إخراج أحمد بدرخان.

وعرض المهرجان، الجمعة، فيلم «نشيد الأمل» في «متحف طارق عبد الحكيم» بالحديقة الثقافية في منطقة جدة التاريخية، في حين قُدّم فيلم «عايدة» في مدينة الثقافة، بعد ترميمهما ضمن اتفاقية بين المهرجان ومدينة الإنتاج الإعلامي في مصر، وبمشاركة قناة «إيه آر تي» المالكة لحقوق الفيلمَين.

وقدّمت مريم عبد الله، عضو لجنة اختيار الأفلام العربية في المهرجان، فيلم «عايدة»، مشيرة إلى أن «مهرجان البحر الأحمر دأب في كل دورة على ترميم أفلام مصرية عدّة لتُعرَض للمرة الأولى بنسخ مُرمَّمة بتقنية (4 k) عالية الجودة عبر الشاشة الكبيرة، وتزامناً مع الذكرى الـ50 لوفاة أم كلثوم التي شاركت في بطولة 6 أفلام، فإن اللجنة الفنية اختارت هذين الفيلمين تحديداً لهذه المناسبة».

من جهتها، رحّبت أسماء السراج، المديرة التجارية لقنوات «إيه آر تي»، بالحضور، موجّهة شكرها للمهرجان على اهتمامه بترميم الأفلام المصرية. في حين قالت المهندسة ندى حسام الدين، مسؤولة الترميم بمدينة الإنتاج الإعلامي، إن فيلم «عايدة» شكَّل «حالة خاصة»، موضحة أن عملية ترميمه كانت «ملحمة حقيقية»، إذ «لم يُرمَّم الفيلم فحسب، بل كان علينا أيضاً إنقاذ (النيغاتيف) من التحلل. هناك أجزاء ستبدو مختلفةً لأنها استُنقذت قبل أن تتحلَّل تماماً، كما بُذل جهد كبير في ترميم الصوت، كونه فيلماً غنائياً، وخضع لعملية ترميم رقمية دقيقة للحفاظ على قيمته التاريخية». وأشادت بدور المهرجان في حماية التراث السينمائي.

ملصق عرض الفيلمين المُرمَّمين لأم كلثوم بالمهرجان (مهرجان البحر الأحمر)

وجاء عرض «عايدة» العام الحالي متزامناً أيضاً مع مرور 83 عاماً على عرضه الأول في 28 ديسمبر (كانون الأول) عام 1942 في سينما «استوديو مصر» بالقاهرة، وهو من إنتاج الاستوديو نفسه. ويشارك في بطولته، إلى جانب أم كلثوم، كل من المطرب إبراهيم حمودة، وسليمان نجيب، وعباس فارس، وماري منيب، وعبد الوارث عسر الذي كتب السيناريو بمشاركة فتحي نشاطي وعباس يونس.

يقدّم الفيلم مزيجاً آسراً من الرومانسية والقضايا الاجتماعية والتألق الموسيقي، وتتمحور قصته حول «عايدة» الطالبة في مرحلة «البكالوريا» (أم كلثوم) التي تتمتع بموهبة غنائية منذ طفولتها. وبعد وفاة والدها المزارع البسيط، تدعوها أسرة الباشا الذي كان والدها يعمل لديه للإقامة في القصر كي لا تبقى وحيدة. تلتحق عايدة بمعهد الموسيقى الداخلي للبنات، فيتعلق بها سامي نجل الباشا الذي يهوى الموسيقى أيضاً رغم رفض والده، كما يرفض زواجه منها؛ بسبب الفوارق الطبقية. لكن موقفه يتغيَّر بعد حضوره عرضاً موسيقياً تقدمه عايدة، لينتصر الحب في النهاية على تلك الفوارق.

وكعادة الأفلام التي تعكس روح زمنها، يُظهِر الفيلم شوارع القاهرة الهادئة في أربعينات القرن الماضي، وموديلات السيارات، والتقاليد الاجتماعية، والأزياء الكلاسيكية، إضافة إلى أغنيات الحب التي جمعت أم كلثوم بإبراهيم حمودة، مع إبراز تطور شخصية أم كلثوم وأدائها الغنائي.

وشهد الفيلم حضوراً لافتاً من جمهور المهرجان والجمهور السعودي، رغم ازدحام جدول العروض بأفلام عالمية وعربية حديثة الإنتاج. ويُفسر أنطوان خليفة، مدير البرامج العربية وكلاسيكيات الأفلام في المهرجان، هذا الإقبال بقوله: «هذه أفلام لم تُعرَض سابقاً في صالات كبيرة، ولم يشاهدها أغلب الجمهور السعودي من قبل، كما أنها تُقدَّم بتقنيات حديثة». وأضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن عرض الفيلمين «لن يقتصر على المهرجان، بل سيستمر خلال احتفاليات عدّة تقام على مدار العام في مدن سعودية مختلفة»، موضحاً أن «المهرجان لا يشتري حقوق عرض هذه الأفلام، بل يحصل من الجهات المالكة على موافقتها لعرضها في المهرجان والاحتفاليات».

ويؤكد خليفة أن المهرجان، منذ دورته الأولى، يولي اهتماماً خاصاً بترميم الأفلام المصرية، حيث بلغ عدد ما رُمِّم حتى اليوم 22 فيلماً على مدى 5 سنوات.

ملصق فيلم «نشيد الأمل» (مهرجان البحر الأحمر)

ويشير إلى أن اختيار الأفلام المُرمَّمة يرتبط غالباً بمناسبات محددة، موضحاً: «أفلام يوسف شاهين رُمِّمت جميعها في فرنسا، لكننا اكتشفنا أن فيلم (الاختيار) لم يُرمَّم، فقمنا بذلك. كما ارتبط الترميم بتكريم شخصيات مصرية مثل الفنانة منى زكي في الدورة الماضية، حيث طلبت عرض فيلم (شفيقة ومتولي)، فرمَّمناه، وكذلك فيلم (اضحك الصورة تطلع حلوة) في إطار تكريمها. أما فيلم (خلي بالك من زوزو)، فجرى ترميمه بمناسبة مرور 50 عاماً على إنتاجه. واخترنا العام الحالي فيلمَي (نشيد الأمل) و(عايدة) في ذكرى مرور نصف قرن على رحيل أم كلثوم».

ويقدم برنامج «كنوز البحر الأحمر» في دورته الـ5 عروضاً مميزة لعدد من كلاسيكيات السينما العالمية، بينها 3 أفلام قصيرة صامتة: «المهاجر» لشارلي شابلن، و«ليبرتي» للوريل وهاردي، و«أسبوع واحد» لباستر كيتون، مع عزف موسيقي حي يقدمه المؤلف البريطاني نيل براند المتخصص في الموسيقى التصويرية. كما يتضمَّن البرنامج عرض فيلم الإثارة «مسحور» لألفريد هيتشكوك، وفيلم «الأزرق الكبير» الملحمي للمخرج لوك بيسون.