«ساعات وعجائب» يستعير من الماضي لكتابة المستقبل

معرض يستكشف الفضاء وأعلى القمم ويغوص في أعماق البحار

جناح «بانيراي» وفر للزوار رحلة في أعماق البحار (خاص)
جناح «بانيراي» وفر للزوار رحلة في أعماق البحار (خاص)
TT

«ساعات وعجائب» يستعير من الماضي لكتابة المستقبل

جناح «بانيراي» وفر للزوار رحلة في أعماق البحار (خاص)
جناح «بانيراي» وفر للزوار رحلة في أعماق البحار (خاص)

«نحن لا ننتج ساعات بل نبتكرها»، مقولة صرَح بها إيف بياجيه منذ عقود، مفتخراً بإنجازات دار «بياجيه» في هذا المجال، لكنها تُعبِر عن حاضر معرض «ساعات وعجائب» اليوم بشكل بليغ، وإن كان لا بد من القول إن بعض الابتكارات التي تم عرضها كانت أقرب إلى الاختراعات منها إلى أي شيء آخر. تنافس صناعها على ضخها بكل ما هو جديد وعجيب. أمر أثلج صدور المشرفين على المعرض، الذين لم يُخفوا سعادتهم بنجاحه في حفل الختام. فقد حقق نتائج لم تكن متوقعة، بدءاً من عدد الحضور الذي تعدى الـ43 ألف زائر إلى نوع الإصدارات التي تبارت شركات الساعات في عرضها وشرحها مروراً بالمشاركين الذي ارتفع عددهم من 38 شركة ساعات في العام الماضي إلى 48.
تشعر طوال الأسبوع أن جنيف كلها تحولت إلى معمل ساعات نظراً للاحتفالات والعروض والمعارض، التي احتضنتها في أماكن متفرقة على مدى سبعة أيام. أما في «باليكسبو»، حيث يقام معرض «ساعات وعجائب» فظل العجيب والثوري هما التيمة الغالبة. من ظهور أحجام جديدة غابت عن الساحة لعقود بسبب متطلبات السوق إلى التطلع إلى اختراق الفضاء وسبر أغوار الأفلاك والرغبة في تسلق أعلى القمم أو الغوص في أعماق البحار، مروراً بالبحث عن تلك النسبة الذهبية لتحديد الجمال وقانون الجاذبية. فالكل هنا يعرف أن الجوهر الكامن في التعقيدات والوظائف المتطورة لا يكتمل دون وجه يثير شغاف القلب. «كارتييه» و«شانيل» و«هيرميس» و«فاشرون كونستانتين» و«روليكس» و«مون بلان» و«بانيراي» و«آي دبليو سي» و«بارميجياني» و«فان كليف أند أربلز» وهلم جرا من الأسماء التي رسخت أسماءها في عالم الساعات والمجوهرات منذ قرون، إلى جانب أخرى دخلت المجال في السنوات الأخيرة من باب الشغف والرغبة في الاختراع، كلهم أطلقوا إصدارات إما جديدة أو متجددة. فالعديد من الشركات العريقة عادت إلى إرثها في بداية القرن العشرين أو من السبعينات والتسعينات لتضيف إليه نتائج اكتشافاتها وبحوثها الأخيرة، وتُزينه بشكل حوَل العُلب والموانئ إلى تحف تعكس قوة حرفييها وخبرائها. بالنظر إلى عدد المشاركين في المعرض هذا العام، كان لا بد أن يجد كل واحد مبتغاه أو على الأقل ما يُحرِك فضوله ويفتح جدالات فكرية وميتافيزقية. ما تستخلصه من هذه النقاشات والجدالات أن الأمل بتعافي قطاع الساعات الفاخرة تحديداً موجود.


فما رسَخه أسبوع الساعات لعام 2023 أنه رغم التغيرات السياسية والاجتماعية التي يمر بها العالم وتبُث القلق في النفوس، يبقى الترف في مأمن. الأرقام من جهتها تؤكد هذا الأمر، إذ إن مبيعات هذا القطاع تضاعفت في عام 2022 لتصل إلى 24.8 مليار فرنك سويسري.
أسعار الساعات التي طُرحت هذا العام هي الأخرى تُؤكد هذه النظرة التفاؤلية. فقد وصل سعر بعضها إلى 20 مليون دولار كما هو الحال بالنسبة لساعة «بيليونير تايملس تريجر» من شركة «جاكوب أند كو»، فيما ظلت نسبة عالية من الإصدارات المعروضة تتباين بين الـ100 ألف و500 ألف دولار. بيد أن هذا لا يعني أن كل ما صدر من معامل هذه الشركات وبيوت المجوهرات بعيد المنال يخاطب النخبة فحسب، فقد كان هناك أيضاً وعي بضرورة استقطاب جيل صاعد من الشباب، من خلال الألوان والأفكار المرحة والشقية أو الحركات والمواد الجديدة على أمل إدخاله نادي الكبار فيما بعد. «روليكس» مثلاً طرحت ساعة جديدة، «أويستر بيربيتوال» يبدو فيها الميناء وكأنه «PUZZLE». غريبة ومثيرة، لكن لا يختلف اثنان أنها ستُذيب الجليد وتفتح أبواب الحديث كلما وقعت العين عليها.
- «مون بلان»
شركة «مون بلان» أيضاً كان لها نصيب من هذه النقاشات بفضل مجموعة «صفر أكسجين». مجموعة رياضية تتوجه للمستكشفين ومتسلقي الجبال، والجديد فيها أنها تخلو من الأكسجين تماماً، وهو ما يُعتبر سبقاً وإنجازاً. من أربعة طرازات جديدة، تبرز ساعة «مون بلان 1858 - 8000 صفر أكسجين» التي انضمت إلى مجموعة «Zero Oxygen». يخلو هيكلها من الأكسجين تماماً، الأمر الذي يساعد في إزالة التكاثف الضبابي الذي يمكن أن يحدث مع التغيرات الشديدة في درجات الحرارة على الارتفاعات، كما يمنع عملية الأكسدة. وتضيف الشركة أن مكونات الساعة لا تدوم لفترة أطول من دون أكسجين فحسب، بل تحافظ على دقة ثابتة بمرور الوقت أيضاً. ما يزيد من خصوصية هذه الساعة أنها جُهِزَت بميناءٍ بالتأثير المدخن - Sfumato باللون الرمادي الداكن، وهو تقنية إيطالية قديمة تُتيح للدّرجات اللونية والألوان بدخول الظلال تدريجياً في بعضها بعضاً، مما ينتج عنه خطوط خارجية ناعمة وتشكيلاتٍ ضبابية. لإضفاء النمط الجليدي المرتبط بها، فاستخدم صانعو الميناء تقنية «كشط الخشب» - gratté - boisé كقاعدة، لتحقيقه، وهي عملية تستغرق وقتاً أطول ثلاث مرات مما يقتضيهِ أي ميناء معياري وتتطلب أكثر من 20 خطوة منفصلة.
- {شانيل}
منذ نحو 36 عاماً قطعت دار «شانيل» على نفسها عهداً أن تظل وفية لجذورها، وأن تكتب الوقت بلغتها الأنيقة والسلسة. ففي عام 1987 أطلقت أول مجموعة ساعات لها، كانت لمساتها الراقية واضحة فيها، لكنها لم تنس أبداً أن تضخها بالتقنيات المتطورة، معتمدة على مهارة حرفييها وصناعها حتى تنافس الكبار. وبالنتيجة جاءت إصداراتها مزيجاً بين المجوهرات والساعات المعقدة.
في جنيف احتفلت بمجموعة أطلقت عليها «شانيل إنترستيلر» CHANEL INTERSTELLAR تضمنت مجموعاتها الأيقونية مثل «بروميير» PREMIERE و«بوي فراند» BOY.FRIEND و«كود كوكو» CODE COCO و«جي12» J12. وفيها التقت عوالم الخيال العلمي والفضاء والسفر عبر الزمن. كان بُعدها مستقبلياً أكثر منه عودة إلى الماضي أو حنيناً إليه، علماً بأن النجوم والأفلاك والمذنبات وكل ما يدور في السماء خيط من الخيوط التي تربط كل أقسام الدار بالمؤسِسة غابرييل شانيل. فالقصة تقول إنها منذ أن كانت طفلة تعيش في ملجأ للأيتام بعد وفاة والدتها، كانت تسهر لتراقب حركة النجوم في السماء بعيون مفتوحة وفضول حولته فيما بعد إلى إبداعات. ساعات «سبايشل تامبوريل» من مجموعة «جي 12» مثلاً من التصاميم الاستثنائية التي تلعب على الأسود والأبيض، من خلال الذهب الأبيض والماس. جمال وجهها يُخفي تعقيدات تقنية عالية، بدءاً من هيكل السيراميك شديد الصلابة إلى ميناء من الذهب الأبيض عيار 18 قيراطاً مرصّعاً بـ41 ماسة قطع باغيت.
- «آي دبليو سي شافهاوزن»
من جهتها، قدمت دار آي دبليو سي شافهاوزن إصدار توب غان «Oceana»، أول ساعة بايلوت كرونوغراف من سيراميك أكسيد الزركونيوم الأسود بقُطر يبلغ 41 مم. استلهمت السيراميك الأسود الداكن الذي استعملته فيها من الأجزاء التقنية للطائرات النفاثة الأسرع من الصوت، فضلاً عن أنها تعتبر من المواد المميزة لساعات توب غان منذ إطلاق المجموعة في عام 2007. أكثر ما يلفت النظر إليها إلى جانب موادها، لونها الذي جاء نتيجة تعاونها مع شركة RPantone وتم استلهامه من زي البحرية الأميركية، وزي الطيارين الذين يستعملونه عند قيامهم بمهام شاقة على متن حاملات الطائرات. اصطبغ كل من الكرونوغراف والميناء بالأزرق كذلك السوار المطاطي المكسو ببطانة قماشية مع تشطيب دينيم، بينما جاءت الأزرار الانضغاطية وخلفية العلبة من التيتانيوم خفيف الوزن لتكمل شخصيتها الرياضية.
- {بارميجياني فلورييه}
في جناح «بارميجياني فلورييه» لم تختلف القصة. هنا أيضاً كان الجديد: من ساعة «توندا بي إف مينيت راترابانت» - «Tonda PF Minute Rattrapante» إلى ساعة «توندا بي إف جي إم تي راترابانت روز جولد» - «TONDA PF GMT RATTRAPANTE ROSE GOLD»، التي تعود في عام 2023 بإصدار متكامل من الذهب الوردي عيار 18 قيراطاً، مزينةً بميناء بلون أزرق ميلانو يظهر عليه تضفير «غيوشيه» دقيق بنمط حبة الشعير.
تبدو الساعة متواضعةً للوهلة الأولى، مع عقربين، للساعات والدقائق يطوفان حول الميناء، ولكنها سرعان ما تكشف عن تعقيد ميكانيكي يقوم بتشغيل عقربَين متراكِبَين، أحدهما من الذهب المطلي بالروديوم والآخر من الذهب الوردي. يؤدي الضغط على الزر الضاغط الواقع عند موضِع الساعة 7 إلى أداء العقرب المصنوع من الذهب الوردي عيار 18 قيراطاً والمخصص للتوقيت المحلي لقفزةٍ مدتها ساعة واحدة كاشفاً عن العقرب الذهبي المطلي بالروديوم، الذي يعرض وقت الموطِن. بمجرد عدم الحاجة إلى معلومات الوقت المزدوج، يؤدي الضغط على الزرّ الضاغط المدمج في التاج إلى عودة العقرب إلى مكانه. تتوجه الساعة للرحّالة وعشاق السفر والمغامرات.


- {فاشرون كونستانتين}
«لي كابينوتييه ديوال مون غراند كومبليكايشن» حركة جديدة من صنع «فاشرون كونستانتين» تحتضن 11 تعقيداً، مما يجعلها من أكثر التعقيدات تطوراً في صناعة الساعات. كان الهدف المبدئي من ابتكار هذه الساعة هو تكريم القمر الأصلي. فغالباً ما يتم إنزال عرض القمر إلى الخلفية، لكنه هنا يتموضع في المُقدمة ويؤكد حضوره اللافت للنظر بفضل اللون والحجم. ونظراً لأن الفكرة كانت أيضاً تقديم رؤية للقمر الصناعي للأرض كما يظهر في نصفي الكرة الشمالي والجنوبي، فإن مؤشر طور القمر المركزي، يتميز بشاشة عرض مزدوجة تستعرض أطوار القمر المختلفة وسط الميناء وتكمله الساعات والدقائق ومؤشرات التقويم الدائم، فيما تظهر المؤشرات الفلكية على الجانب الخلفي مع توقيت اليوم الفلكي - وهو أقصر بأربع دقائق من اليوم المدني - ومع مخطط سماء يوضح موقع الأبراج في الوقت الفعلي. أما الجزء الخلفي من الساعة فيتميَز بفتحة تكشف عن التوربيون وعربة النقل المالطية على شكل صليب.
- «بانيراي»
ساعة «راديومير آنيوال كالندر»: تعقيد جديد لبانيراي من مجموعتها «راديومير» Radiomir. جديدها هنا يتمثل في تعقيد التقويم السنوي. من مؤشرات للثواني والدقائق إلى الساعات والأيام. كل هذا واضح للغاية ليساعد على قراءتها بسهولة وعلى الفور. يظهر التاريخ واليوم قرب موضع الساعة 3، من خلال فتحتين في القرص. أمّا الشهر الحالي فيظهر على قرص خارجي متحرّك، يُشار إليه بواسطة سهم ثابت عند موضع الساعة 3. مع تغيّر كلّ شهر، تتيح كامة في الآلية تحرّك القرص الخارجي على مرة واحدة، بحيث تتغيّر المعلومة على الفور. كما أنّ التغيير بين الأشهر البالغة مدتها 30 يوماً و31 يوماً يتمّ أوتوماتيكياً على مستوى الآلية. وثمّة حاجة إلى إعادة ضبطها مرّة في السنة، في نهاية شهر فبراير (شباط). ونظراً لحرص «بانيراي» على سهولة القراءة والطابع العملي، فإنّ مصححاً موجوداً على الجانب الأيسر من العلبة يسمح بتغيير اليوم، مع كلّ تحريك له، بعد ضبط الشهر والتاريخ.


مقالات ذات صلة

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

لمسات الموضة حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

مع اقتراب نهاية كل عام، تتسابق المتاجر والمحلات الكبيرة على التفنن في رسم وتزيين واجهاتها لجذب أكبر نسبة من المتسوقين إلى أحضانها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق في عقدها الثامن اختار إريك جدّته «مانيكان» تعرض تصاميمه (حساب المُصمّم على إنستغرام)

إريك ماتيو ريتر وجدّته هدى زيادة... جيلان يلتقيان على أجنحة الموضة

معاً؛ زوّدا عالم الأزياء بلمسة سبّاقة لم يشهدها العالم العربي من قبل. التناغُم بينهما لوّن عالم الموضة في لبنان بنفحة الأصالة والشباب.

فيفيان حداد (بيروت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)
الاقتصاد صورة تُظهر واجهة متجر دار الأزياء الإيطالية «فالنتينو» في وسط روما (أ.ف.ب)

للمرة الأولى منذ الركود العظيم... توقعات بانخفاض مبيعات السلع الفاخرة عالمياً

من المتوقع أن تنخفض مبيعات السلع الفاخرة الشخصية عالمياً في عام 2025 لأول مرة منذ الركود العظيم، وفقاً لدراسة استشارية من شركة «بين».

«الشرق الأوسط» (روما)
لمسات الموضة في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

قامت ميلانيا بالخطوة الأولى بدبلوماسية ناعمة بإعلانها أنها امرأة مستقلة ولها آراء خاصة قد تتعارض مع سياسات زوجها مثل رأيها في حق المرأة في الإجهاض وغير ذلك

جميلة حلفيشي (لندن)

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)
حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)
TT

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)
حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)

مع اقتراب نهاية كل عام، تتسابق المتاجر والمحلات الكبيرة على التفنن في رسم وتزيين واجهاتها لجذب أكبر نسبة من المتسوقين إلى أحضانها. بيوت الأزياء الكبيرة هي الأخرى تتسابق على حجز مكان رئيسي لها على هذه الواجهات لتسليط الضوء عليها وعلى إبداعاتها. فما لا يختلف عليه اثنان أن هذه الواجهات والزينة، بما في ذلك الأنوار التي تُزين الشوارع والساحات، تعد نقطة جذب سياحي تعتمد عليه لندن كل سنة. عادةً ما تبدأ الحجوزات قبل فترة طويلة.

وبما أن محلات «هارودز» معلمة ووجهة سياحية، فإن فرصة العرض فيها لا تقدر بثمن، وبالتالي فهي لا تمنح الفرصة لأيٍّ كان لاحتلال واجهاتها. لكنَّ «لورو بيانا» ليست أياً كان؛ فهي من أهم بيوت الأزياء العالمية حالياً. تصاميمها المترفة تجذب النظر وتحفز حركة البيع في الوقت ذاته، بدليل أنها من بين بيوت أزياء تعد على أصابع اليد الواحدة لا تزال تحقق الأرباح رغم الأزمة التي ألمَت بكثير من الأسماء الشهيرة.

احتلت «لورو بيانا» كل واجهات محلات «هارودز» بمناسبة الأعياد والاحتفالات (لورو بيانا)

هذا العام، أُتيحت لها الفرصة لتجعل 36 نافذة عرض في «هارودز» ملكها الخاص. لم يكن الأمر سهلاً. بدأت العمل عليه منذ أكثر من عام تقريباً ليأتي بصورة تسلط الضوء على تاريخها وإرثها وأيضاً مهارات حرفييها بشكل جيد، وهو ما مثَّلته «ورشة العجائب» Workshop of Wonders. فكرتُها استعراضُ خبراتهم في غزْل الصوف وأساليبهن الخاصة في المزج بين الحرفية والفن. هنا سيستمتع الناظر بقصة تُسرد من زاوية مدهشة تتبع رحلتهم، من المراعي و طرق عيش الخرفان والغزلان الخرفان وكيفية الحصول على المواد الخام وصولاً إلى المنتج النهائي.

ورشة العجائب

تتميز بديكورات متحرّكة ميكانيكية تُجسّد فكرة مسرح الدمى من خلال الآليات التي تحركها وراء الكواليس. أغلبها من الخشب لتعزيز الطابع اليدوي التقليدي. فهذه الورشة تعكس فكرة مفادها أنّ الطبيعة نفسها ورشة من الجمال والتفرد والكمال.

الجنود المجهولون أو الحرفيون أخذوا نصيبهم من الاحتفال باستعراض مهاراتهم أمام الضيوف (لورو بيانا)

تأتي التصاميم هنا مستوحاة من روح عشرينات القرن الماضي، وهي الحقبة التي أبصرت فيها الدار النور، ممّا يعزز الشعور بالعراقة من خلال استخدام القوام الخشبي والألوان الدافئة الممزوجة بلمسات من الذهب المطفي. تملأ المشهد، دمى مرسومة ومحاطة بسحب من الصوف المنسوج يدوياً. هنا أيضاً يُكشف الستار عن مجتمعات الحرفيين الماهرين Masters of Fibers والأماكن الساحرة حول العالم، حيث يعيش الماعز، والألباكا، وحيوان الأيل، والغزال. هنا كل شيء يتأرجح بين الواقع والخيال،

وخلال هذه الفترة، ستفتتح الدار متجرَين جديدَين في «هارودز»؛ الأوّل مخصّص لأزياء الصغار، والآخر للديكور المنزلي، إلى جانب منتجات وتصاميم حصرية تحتفي بتاريخ الدار وبموسم الأعياد.

الواجهة والنوافذ

الجميل في تصميم الواجهات أن التركيز لم يقتصر على عرض تصاميمها بشكل يُغري المتسوقين، بقدر ما جرى التركيز على أخذهم في رحلة ممتعة إلى أماكن بعيدة، لتُعرفهم من أين تُستورد الألياف النادرة قبل أن تتحول إلى رزمٍ قطنية ثم إلى أقمشة فاخرة، يُزيِن بعضها شجرة عيد ميلاد بارتفاع 17 متراً .

... وطبعاً لا تكتمل الإطلالات من دون حقائب تعكس اهتمام الدار بالتفاصيل (لورو بيانا)

صُممت كل نافذة بدقة لتحاكي تحفة فنية تروي مرحلة من تاريخ «لورو بيانا» وقصةً نجمُها الرئيسي أليافٌ وأنسجة خفيفة على شكل رزم تتحرك على حزام ناقل، لتتحوّل إلى قماش من خلال آلية مذهلة، وفي النهاية تتّخذ شكل شجرة عيد ميلاد بطول 17 متراً مزينة بالأقمشة وحلة العيد الفريدة.

نوافذ أخرى، تسرد فصولاً تتناول مواقع ومجتمعات «الحرفيين الماهرين» Masters of Fibers من منغوليا وأستراليا وجبال الأنديز وما بعدها، وصولاً إلى إيطاليا حيث يتم تحويل الألياف والمواد الخام إلى قطع لا تقدر بثمن.

منها ما يحكي قصص صوف الفيكونيا، ونسيج بيبي كشمير، وصوف الملوك وقماش «بيكورا نيراPecora Nera® وغيرها. النوافذ المخصّصة لـصوف الملوك مثلا تركز على عملية البحث عن أفضل المراعي الخضراء لخراف المارينو، وهي عملية تعود بنا إلى أواخر القرن الثامن عشر، حين وصل القبطان جيمز كوك إلى نيوزيلندا وأستراليا، حاملاً معه خراف المارينو لأول مرة. لدهشة الجميع، وجدت هذه الخراف مكانها المثالي، حيث حظيت بعناية مكثفة على يد المربّين المحليين ومنحتهم هذه الخراف بدورها أجود أنواع الصوف في العالم. أمّا نافذة Pecora Nera® فتروي رؤية وإبداع المزارعة النيوزيلندية فيونا غاردنر التي ركّزت على الخراف ذات اللون الداكن تحديداً. صوفها الثمين يتحوّل إلى ألياف طبيعية لا تحتاج إلى صبغات.

قطع حصرية لـ«هارودز»

احتفالاً بالذكرى المئوية للدار وأسلوبها المتميز بالفخامة الهادئة، تم طرح مجموعة جاهزة للرجال والنساء، حصرياً في «هارودز». كان من الطبيعي أن تستمد إيحاءاتها من الأناقة البريطانية الكلاسيكية مطعَّمة بلمسات مستوحاة من الفروسية وأنماط المربعات، إضافةً إلى اللون الأخضر الأيقوني الخاص بـ«هارودز» و ألوان أخرى مستوحاة من أجواء العيد، مثل الأحمر والأبيض.

لم تستسهل «لورو بيانا» عملية تزيين 36 نافذة وكانت النتيجة مرآة لتاريخها وإرثها (لورو بيانا)

الإطلالات المسائية للمرأة في المقابل تتميز بفساتين طويلة من الحرير المطرّز يدوياً وفساتين محبوكة بقصات عمودية، إلى جانب قمصان ناعمة مصنوعة هي الأخرى من الحرير تم تنسيقها مع سراويل واسعة بسيطة بعيدة عن التكلّف. تضيف أحذية الباليه المسطحة المصنوعة من المخمل الأسود، والصنادل ذات الكعب العالي المطرزة بزهور الشوك الذهبية، لمسة نهائية راقية.

من جهته يتألق رجل «لورو بيانا» في كل المناسبات الرسمية والاحتفالات الموسمية، بفضل التشكيلة الواسعة من البدلات الرسمية.

متجران مؤقتان

سيجد زائر «هارودز» كل ما يطمح إليه من أزياء أو إكسسوارات مصنوعة من أجود أنواع الألياف (لورو بيانا)

بهذه المناسبة خصصت الدار متجرَين مؤقّتَين من وحي الأعياد. الأول في الباب 6، ويشمل عناصر مستوحاة من ورش العمل والأقمشة المطرّزة. تتوسطه طاولة عمل من الجلد مضاءة بمصباح علوي، بالإضافة إلى عجلة صناعية كبيرة تعرض المنتجات الجلدية والإكسسوارات. يمكن للزوّار هنا العثور على تشكيلة حصرية من ربطات العنق والقبّعات المصنوعة من الكشمير الفاخر للأطفال، والصوف، وقماش التويل الحريري بألوان هادئة أو مزيّنة بزخارف تحمل رموز الدب وزهرة الشوك وغيرها. أما للمنزل، فتتوفر تماثيل خشبية للماعز والألباكا، بالإضافة إلى نسخ محشوة منها على قواعد خشبية. وقد جرى تخصيص زاوية خاصة لإدخال اللمسات الشخصية على وشاح Grande Unita الأيقوني، حيث يمكن للعملاء تطريز الأحرف الأولى من أسمائهم.

استلهمت الدار الإيطالية كثيراً من التصاميم من الأجواء البريطانية العريقة... من الأشكال والقطع إلى الألوان (لورو بيانا)

أما المتجر الثاني بباب 9، فخُصّص لفنّ تقديم الهدايا وتجربة حصرية يمكن حجزها لمزيد من المتعة. تبدأ بتعريف الضيوف بعالم الحرف اليدوية، من خلال أشجار الأعياد المغلّفة بالصوف والكشمير، وحيوانات محشوة على شكل الماعز، والألباكا، وحيوان الأيل، والغزال، بالإضافة إلى رؤوس أقلام على شكل حيوانات. وتتجلّى بهجة موسم الأعياد في كرة الثلج المصنوعة من الخشب والزجاج التي تضم ماعز الكشمير محاطاً بحبّات الثلج المتطايرة. يستضيف هذا المتجر أيضاً ورشة عمل تُتيح للضيوف اختبار مهاراتهم في الحرف اليدوية أو تعلّم كيفية صنع زينة العيد وتغليف نماذج خشبية بالصوف.

تستمر فعاليّات Workshop of Wonders حتّى الثاني من يناير (كانون الثاني) 2025، وتُشكّل جزءاً مهماً وأساسياً من احتفالات الدار بعيدها المئة حول العالم، وبذكرى تأسيسها عام 1924 على يد بييترو لورو بيانا.