طائرات الهيدروجين... انطلاقة واعدة

تصاميم جديدة للطيران «الأخضر»

طائرة شركة «يونيفرسال هيدروجين»
طائرة شركة «يونيفرسال هيدروجين»
TT

طائرات الهيدروجين... انطلاقة واعدة

طائرة شركة «يونيفرسال هيدروجين»
طائرة شركة «يونيفرسال هيدروجين»

للوهلة الأولى، بدت «دورنيير 228» Dornier 228، الطائرة المروحية التي تضمّ 19 مقعداً، عاديّة جداً وهي تحلّق في السماء الصافية في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي. وكانت مروحتها اليسرى تدور بمحرّك كهربائي بقدرة 2 ميغاواط تشغّله خليتان من وقود الهيدروجين، (أما الجهة اليمنى فكانت تعمل بمحرّك وقود من الكيروسين المعياري). وأصبحت أكبر طائرة تعمل بالهيدروجين حتّى يومنا هذا. ووصف فال ميفتاخوف، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «زيروأفيا» الناشئة في كاليفورنيا التي رعت التحليق التجريبي الذي دام لمدّة عشر دقائق في منطقة غلوسترشير، إنجلترا، الحدث «باليوم التاريخي للطيران المستدام».
طائرات الهيدروجين
ونجحت شركة «يونيفرسال هيدروجين» في لوس أنجليس في اختبار طائرة بخمسين مقعداً تعمل بالهيدروجين أيضاً. وذلك في رحلة بداية هذا الشهر استمرت 15 دقيقة بحمولة 40 من أصل 50 راكباً. وتعد هاتان الشركتان بتسيير رحلات تجارية على متن طائرات مزوّدة بمحركات توربينية معاد تصميمها بحلول عام 2025.
من جهته، وسّع عملاق الطيران الفرنسي «إيرباص» خططه بإضافة رحلة استعراضية لطائرته «A380» في 2026، التي من المزمع أن تستخدم خلايا وقود الهيدروجين وحرق الهيدروجين مباشرة في المحرّك. وأخيراً، تعتزم شركة «رولز رويس» الدخول في مجال محرّكات الطائرات الحارقة للهيدروجين الصافي.
تلتزم صناعة الطيران، التي تتحمّل مسؤولية إنتاج 2.5 في المائة من انبعاثات الكربون العالمية، بتصفير الانبعاثات بحلول عام 2050، ولكنّ تحقيقها لهذا الهدف يتطلّب سلوك مسارات مختلفة، أبرزها الوقود المستدام، والمحرّكات الهجينة – الكهربائية، والطائرات العاملة بالبطارية - الكهرباء.
يُعدّ الهيدروجين مساراً محتملاً في هذا المجال أيضاً، سواء استُخدم لتوليد الكهرباء بواسطة خلايا الوقود أو حرقاً في المحرّكات، حيث إنه يندمج في الحالتين مع الأكسجين لتوليد بخار المياه كناتج ثانوي. وإذا نجح الهيدروجين الأخضر في تلبية حاجات تسيير الشاحنات والسفن الكبيرة، سنكون آمنين بوقود منخفض الكلفة وخالٍ من المشاكل البيئية التي تسببها البطاريات. ينطوي الطيران بواسطة الهيدروجين على تحديات متعلّقة بالتخزين والتراخيص، ولكنّ شركات الطيران تعمل اليوم على أساس البدء بتسيير رحلات بطائرات الهيدروجين بحلول العام 2035. ونقلت مجلة المهندسين الكهربائيين الأميركيين عن أماندا سيمبسون، نائبة رئيس قسم البحوث والتقنية في «إيرباص أميركا»، أنّ «الهيدروجين في طريقه إلى السماء وسنوصله إلى هناك».
وقود مضغوط وسائل
الهيدروجين هو العنصر الأكثر وفرة والأخفّ وزناً – أي أنّه أساسي في قطاع للصناعة يتحدّى الجاذبية – خصوصاً أنه ينتج ثلاثة أضعاف الطاقة التي ينتجها الوقود الآخر بالوزن نفسه. ولكنّ مشكلة الهيدروجين تكمن في الكمية؛ لأنّ نقله يتطلّب تخزينه في خزّانات ثقيلة، سواء على شكل غازٍ عالي الضغط أو على شكل سائلٍ مبرّد.
تستخدم شركة «زيروأفيا» غاز الهيدروجين المضغوط لأنّه حاصل على ترخيص للنقل على الطرقات. تتضمّن طائرتها التجريبية خليتين من وقود الهيدروجين وخزّانات تستقرّ داخل الحجرة، ولكنّ الفريق يفكّر حالياً بابتكار نظامٍ مضغوط بتعديلات بسيطة على تصميم الطائرة لتسريع الحصول على ترخيص في الولايات المتحدة وأوروبا. يشرح جايمس ماك ميكينغ، نائب رئيس الاستراتيجية في الشركة، بأنّ «الوزن الإضافي لخلايا الوقود يقلّل نطاق الطيران، ولكنّ هذا الأمر ليس بمشكلة لأنّ الطائرات الحديثة صُممت لتطير أبعد مما كانت عليه في الماضي».
وتُخطّط الشركة لإعادة تصميم طائرة أكبر حجماً، بمحركات توربينية و70 مقعداً، وضِعف نطاق الطيران لتستخدم على نطاق واسع في أوروبا بحلول 2027. تعمل الشركة اليوم على تطوير محرّكات كهربائية بقدرة 5 ميغاواط لهذه الطائرات، وتخطّط للتحوّل لاستخدام الهيدروجين السائل ذي الطاقة الأكثر كثافة لتوفير المساحة والوزن. يصف ماك ميكينغ هذا الوقود بالجديد في صناعة الطيران، لافتاً إلى أنّ الترخيص التنظيمي له قد يحتاج إلى وقتٍ أطول.

طائرة «إيرباص إيه 380»

من جهتها، تراهن شركة «يونيفرسال هيدروجين» على الهيدروجين السائل، وهي تسعى، على حدّ تعبير مؤسسها ورئيسها التنفيذي بول إيريمنكو، لتأمين شبكة نقلٍ سلسة لصناعة الطيران بالهيدروجين فور انطلاقها. تحصل الشركة على الهيدروجين الأخضر من مصدره وتحوّله سائلاً، وتضعه في خزانات ألمنيوم عازلة يمكن نقلها في العربات والقطارات والسفن. يقول إيريمنكو «نريد ترخيص هذه الخزانات من قِبل إدارة الطيران الفيدرالي بحلول 2025، أي أنّها لا يمكن أن تكون مشروعاً علمياً».
تحديات الطيران
ما هي التحديات التي تواجه طائرات الهيدروجين؟ يتوقّع إيريمنكو أن تكون كلفة الهيدروجين الأخضر موازية لكلفة الكيروسين في 2025، ولكنّ «لا يوجد أحد في هذا المجال يملك حلاً مدهشاً لطائرات الهيدروجين. الأمر يشبه قصّة البيضة والدجاجة».
في محاولة منها لإيجاد هذا الحلّ، وقّعت «يونيفرسال هيدروجين» شراكة مع «بلاغ باور»، الشركة الرائدة في صناعة خلايا الوقود، لتطوير آلافٍ من معدّات التحويل للطائرات التوربينية. تستبدل هذه المعدّات المحرّك التقليدي بحزمة من خلايا الوقود، وإلكترونيات الطاقة، ومحرّك كهربائي بقوّة 2 ميغاواط. وبينما يستخدم منافسو الشركة بطاريات كمخازن طاقة للإقلاع، يقول إيرمينكو: إن «(يونيفرسال) تستخدم خوارزميات ذكية لإدارة خلايا الوقود بطريقة تتيح لها التكثّف والاستجابة السريعة». وأضاف «نحن الأوائل في صناعة الهيدروجين. نشتري هيدروجين الآخرين، ونضعه في خزانات، ونوصله للزبائن. ولكن في البداية، علينا أن تطوّر آلة الصناعة. نحن الشركة الوحيدة التي تحتضن البيضة والدجاجة معاً».
تتفوّق خلايا الوقود على المحرّك الكبير الأساسي بفوائد عدّة، إذ إنّها تتيح للمصمم نشر محرّكات دفع أصغر حجماً على امتداد الطائرة، فتمنحه المزيد من الحريّة في التصميم. علاوة على ذلك، تتميّز هذه الفكرة بغياب الأجزاء المتحرّكة العالية الحرارة؛ ما يقلّل كلفة الصيانة. في المقابل، تعدّ المحرّكات الحارقة للهيدروجين خياراً أكثر جاذبية من خلايا الوقود الوازنة والمعقّدة في الطائرات التي تسافر لمسافات طويلة.
تدرس شركة «إيرباص» استخدام خلايا الوقود ومحركات الاحتراق في نظام «زيرو إي» في طائرتها الهيدروجينية. لهذه الغاية؛ دخلت في شراكة مع صانع خلايا وقود السيارات الألماني «إلرينغ كلينجر»، ومع «سي إف إم إنترناشيونال» لصناعة محركات الاحتراق. ولكنّ حرق الهيدروجين السائل قد يحتاج إلى تعديلات طفيفة على محركات اليوم، كاعتماد غرفة احتراق أصغر وأقفال أفضل.
تعمل «إيرباص» أيضاً على تقييم مقاربات الدفع الهجين بواسطة توربين مدعوم بمحرّك هيدروجين ومحرّك مدعوم بخلايا وقود الهيدروجين على الطائرة نفسها. وتقول سيمبسون من «إيرباص أميركا»: «بعدها، يمكننا العمل على تطوير أدائها لنتمكّن من استخدام أنظمة الدفع للإقلاع والارتفاع، ومن ثمّ إطفاء أحدها أثناء الطيران».
(النص الكامل على الموقع الإلكتروني)

لا تحصر الشركة نفسها في إعادة تصميم بسيطة للطائرات. تقول سيمبسون: إنّ «خزّانات الهيدروجين يمكن وضعها في قبّة على رأس الطائرة، أو في حجيرة تحت الأجنحة، أو في خزان كبير في خلفية الطائرة»، مضيفة أنّ «غياب الوقود السائل في الجناحين يسمح بتحسين الأجنحة بجعلها أرقّ أو أطول لخدمة الديناميكا الهوائية. يمهّد هذا الأمر الطريق لتطوير الطائرة والحصول على المزيد من الفاعلية». قد يحتاج الترخيص لطائرة مشابهة إلى سنوات؛ لذا، لا تتوقع «إيرباص» إطلاق رحلاتها التجارية قبل 2035.
يقول روبين رايدل، محلّل في شركة «ماكينزي وشركاه»: إنّ الطائرات التقليدية التي تُصنع اليوم ستكون موجودة في 2050 على اعتبار أنّها تدوم لـ25 أو 30 عاماً، لافتاً إلى أنّ أنواع الوقود المستدامة هي الخيار الأخضر الوحيد المناسب لهذه الطائرات. ويضيف، أنّ الهيدروجين قد يكون له دورٌ في هذه الحالة من خلال تقنية «الطاقة إلى السائل»، حيث يمكن مزج الهيدروجين مع ثاني أكسيد الكربون المخزّن لصناعة وقود للطيران.
وحتّى في ذلك الوقت، يعتقد رايدل، أنّ الهيدروجين سيكون على الأرجح جزءاً صغيراً من الحلّ المستدام لصناعة الطيران في 2050، مشدّداً على أنّ «الهيدروجين سيلعب دوراً أكبر بكثير بحلول عام 2070 ولكن علينا أن نبدأ العمل عليه من الآن». تشكّل الأموال التي تنفقها «إيرباص» و«بوينغ» على الهيدروجين جزءاً صغيراً من الصناعة الجوية، إلّا أنّ استثمارات شركات الطيران الكبرى في شركات الهيدروجين «تدلّ على رغبة كبيرة في الخوض بهذا المجال».
تختم سيمبسون قائلة: إنّ «الوقود الحيوي هو مجرّد خطوة أولى لأنّه يقلّل الانبعاثات فقط ولا يعالج الأضرار الأخرى. إذا كنّا نريد التقدّم نحو الطيران النظيف، علينا أن نعيد التفكير بكلّ شيء من الصفر وهذا ما تفعله شركة (زيرو إي). هذه الفرصة ليست لإحداث تغيير تطويري، بل تغيير ثوري».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر
TT

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

تلتمع «بارفيه» السمّان (وهي لحم مسحون لطير السمّان) على صحني، مقترنة بقرص من الذرة المقلية. وللوهلة الأول، يبدو هذا كنوع من طعام العشاء الفاخر الذي ستجده في العديد من المطاعم الراقية: عجينة غنية وردية مغطاة بالفلفل المخلل، وزهرة صالحة للأكل، ولمحة من الكوتيجا (الجبن المكسيكي المعتّق).

لحم طير مختبري

ولكن العرض التقليدي لهذا اللحم يحجب حقيقة أعمق، فهذه الوجبة غير تقليدية، بل وراديكالية. ومن بعض النواحي، تختلف عن أي شيء شهده العالم في أي وقت مضى.

لم تُصنع عجينة اللحم الموجودة على طبقي بالطريقة التقليدية مع كبد الإوزّ. لقد تمت زراعة اللحم من خلايا النسيج الضام لجنين السمان الياباني الذي تم حصاده منذ سنوات، وتم تحفيزه وراثياً على التكاثر إلى الأبد في المختبر. وقد قُدم لي هذا الطبق في فعالية «أسبوع المناخ» في نيويورك من قبل جو تيرنر، المدير المالي في شركة «فاو» الأسترالية الناشئة للتكنولوجيا الحيوية.

إن تسمية السمان «اللحم المستزرع في المختبرات» تعد تسمية خاطئة. فهذه النسخة الشبيهة بالهلام من السمان كانت تُزرع في مصنع حقيقي للحوم الخلوية، وهو الأول والأكبر من نوعه. وعلى وجه التحديد زرعت في خزان طوله 30 قدماً، وسعته 15 ألف لتر في مصنع «فاو» في سيدني، حيث، حتى كتابة هذه السطور، يمكن للشركة إنتاج 2000 رطل (الرطل 152 غراماً تقريباً) من السمان كل شهر.

وهذه كمية ضئيلة مقارنة بالكميات المتوفرة في مرافق اللحوم التقليدية، لكنها تمثل خطوة كبيرة إلى الأمام بالنسبة إلى التكنولوجيا التي - على مدى العقد الماضي - أسست سمعتها بالكامل تقريباً على تقديم قطع صغيرة شهية في جلسات التذوق الصحفية الفردية.

نجاحات وإخفاقات

وقد بدأت «فاو» للتو أعمالها هذه مع ما يقرب من 50 مليون دولار من تمويل شركات أخرى مثل «بلاكبيرد فينشرز»، و«بروسبيرتي 7»، و«تويوتا فينشرز» (التي رعت فاعلية أسبوع المناخ). وقامت الشركة حديثاً بتركيب مفاعل بيولوجي كبير آخر سعته 20 ألف لتر هذه المرة، أكبر بنسبة 33 في المائة من الأول. ومع تشغيل المفاعلين على الإنترنت، تُقدر الشركة أنها سوف تنتج قريباً 100 طن من السمان المستزرع كل عام.

قد يبدو كل ذلك متناقضاً مع التقارير السابقة، إذ وصف مقال استقصائي نشرته أخيرا صحيفة «نيويورك تايمز» كيف أن قطاع اللحوم المستزرعة الناشئ قد خرج عن مساره بسبب العقبات الاقتصادية والتقنية، رغم سنوات من الضجيج، وسلسلة من الموافقات التنظيمية البارزة، و3 مليارات دولار من الاستثمار.

جمعت شركة «أب سايد فودز»، ومقرها في بيركلي، بولاية كاليفورنيا، أكثر من 600 مليون دولار لتقييم نموذج لشريحة دجاج تبين أنها يمكنها أن تصنعه يدوياً فقط في أنابيب اختبار صغيرة، في حين أن محاولة شركة «إيت جاست»، ومقرها في كاليفورنيا لبناء مصنع للحوم أكبر 50 مرة من مصنع «فاو» انتهت بدعاوى قضائية ومشاكل مالية والقليل للغاية من الدجاج المستزرع.

وقد وعدت الجهات الداعمة لهذا القطاع بمحاكاة اللحوم التي نشأنا على تناولها، اللحم البقري والدجاج، من دون المعاناة التي تعرضت لها الحيوانات والطيور، ومن دون انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ولكن اليوم لم يعد هناك أي منتج متاح إلا بالكاد في هذه الصناعة. لقد حان الوقت، كما كتبتُ، للاعتراف بحقيقة أن هذا الحلم قد مات.

تطويرات غير مألوفة

كيف تستعد شركة «فاو» لشحن المنتجات بكميات كبيرة؟ بالتخلي عن المألوف واعتماد غير المألوف. إذ وبدلاً من محاولة إنتاج قطع الدجاج الصغيرة والبرغر، ركزت «فاو» على ما يمكن أن تقدمه الخزانات الفولاذية الكبيرة المليئة بالخلايا بشكل موثوق به في المدى القصير: منتجات غريبة ومميزة مخصصة لسوق السلع الفاخرة، وهي فئة جديدة من الأطعمة التي يسميها جورج بيبو الرئيس التنفيذي لشركة «فاو»: «اللحوم الغريبة».

اللحوم الغريبة هي انحراف عمّا وعدت به صناعة اللحوم الخلوية بالأساس. سيكون الأمر مكلفاً، في البداية. ابتداء من نوفمبر (تشرين الثاني)، كانت شركة «فاو» تبيع بارفيه السمان لأربعة مطاعم في سنغافورة مقابل 100 دولار للرطل. وسوف تتميز هذه اللحوم بمذاق وقوام غير موجودين في الطبيعة. وسوف تُصنع من الحيوانات التي لم يعتد الناس أكلها. فكروا في التمساح، والطاووس، وطائر الغنم، وغيرها. في العام الماضي، تصدرت «فاو» عناوين الأخبار العالمية بعد «كرات اللحم الضخمة» - وهي نموذج أولي ضخم وفريد مختلط مع خلايا الفيل والحمض النووي لحيوان الماموث الصوفي - مما أدى إلى ظهور مقطع ذائع الانتشار في برنامج «العرض الأخير» مع ستيفن كولبرت. في نهاية المطاف، تأمل «فاو» في أن يمنحها إنشاء سوق فاخرة قوية للحوم الغريبة الفرصة لخفض التكاليف تدريجياً من خلال مواصلة البحث والتطوير، رغم أنها سوف تحتاج أولاً إلى تطبيع فكرة تناول الأنواع غير التقليدية.

غرائب الأطباق

عندما أنظر إلى طبق بارفيه السمان خاصتي، يدهشني أنني لم أتناول السمان من قبل. أتناول قضمة، ويكون الطعم خفيفاً ومليئاً مثل الزبدة المخفوقة، مع ملاحظات بطعم معدني دقيق أقرنه بالكبد. إنها تمثل بداية عصر جديد غامض، عصر ستكون فيه اللحوم المستزرعة متوافرة أخيراً، ولكن ليس بالطريقة التي يتوقعها أي شخص.

* مجلة «فاست كومباني»

ـ خدمات «تريبيون ميديا»