حنان الشيخ: ربطتني علاقة حب بإحسان عبد القدوس وأنسي الحاج كان صخرة في حياتي

روايتها الجديدة «عين الطاووس» ترصد منزلقات المهاجرين الشباب

حنان الشيخ
حنان الشيخ
TT

حنان الشيخ: ربطتني علاقة حب بإحسان عبد القدوس وأنسي الحاج كان صخرة في حياتي

حنان الشيخ
حنان الشيخ

تتعدد مواضيع روايات الأديبة اللبنانية حنان الشيخ، ويبقى أسلوبها الرشيق وجملتها السريعة القصيرة، وميلها للطرافة، من أساسيات نصوصها، التي تقرأ دون ملل. «عين الطاووس» الصادرة مؤخراً عن «دار الآداب»، تستمد روحها من لبنان، كما «حكاية زهرة» و«إنها لندن يا عزيزي» و«حكايتي شرح يطول» وروايات أخرى للشيخ، لكن أحداثها هذه المرة تجري في ألمانيا والجنوب الفرنسي، وأبطالها لاجئون يكدون، يجوعون ويسكنون مجمعات سكنية فقيرة، وقليلاً ما يشعرون بالحنين.
تطل «عين الطاووس» على أزمات المهاجرين، وصعوبات الاندماج ومأساة العنصرية في فرنسا، كما في لبنان، من خلال شخصياتها الرئيسية الثلاث الأم ياسمين، وابنها ناجي، وابن أخيها النصف سنغالي ريكا. عن شخصية ريكا، تقول حنان الشيخ لـ«الشرق الأوسط»، «هي شخصية مستوحاة من ابن أخ لي نصفه أفريقي، تربى في بيتنا منذ كان عمره أربع سنوات. كنا نستغرب سلوكياته، ولا نعرف كيف نفسرها، ولا نفهم أنه يتعرض لمضايقات وتنمر، وأنه يعيش بعيداً عن بيئته الأولى وعن أمه». في هذه الرواية استوحت الشيخ أيضاً من شخصية ابن أخت لها فنان، دائم التنقل بين الأماكن ولا يجد له مستقراً. «الشخصيات الروائية لا تنسخ الواقع كما هو لكنها تستعير منه وتبني».

كتبت حنان الشيخ كثيراً عن الاغتراب الذي عاشته باكراً، ثم كتبت للمسرح، «لكن الآن، باتت هجرة الشباب كثيفة وفظيعة. يتركون بلدانهم، يريدون أن يتحرروا منها، وكأنهم يولدون من جديد».
كلام يعيد حنان الشيخ إلى شبابها. «كان عمري 18 عاماً، يوم قررت أن أترك بيتنا. استأجرت يومها سكناً في بيروت، عند (الشابات المسيحيات)، كان هذا في منطقة عين المريسة، لأنني لا أريد أن أسمع كلمة (لا) من أحد. هذا السكن كان يأوي من يأتون قادمين من القرى، مقابل مبلغ بسيط. وسعيت لأن أعمل في الصحافة».
مصر وعلاقتي بإحسان عبد القدوس

يومها لم تشعر أنها ابتعدت بشكل كافٍ، فقررت الذهاب إلى القاهرة، وبقيت منذ عام 1963 وحتى سنة 1967، «أكملت التوجيهية، ولما كانت علاماتي متواضعة قبلت بجامعة في أسيوط. لم يرق لي ذلك دخلت (أميركان كوليدج) بدل أن أنهي دراستي الجامعية، كتبت روايتي (انتحار رجل ميت)، وأتيت بها إلى لبنان، وتحديداً إلى (دار النهار)». ساعدها أنسي الحاج الذي سيكون له دور كبير. «أنسي كان صخرة في حياتي».
لكن مرحلة مصر لم تمر عابرة. ارتبطت حنان الشيخ بقصة حب مع الأديب المصري إحسان عبد القدوس. تصف ذلك الحب بأنه «كان حقيقياً، فيه الكثير من اللهفة، ودام ما يقارب السنتين ونصف السنة». تقول إن عبد القدوس «كان من الصنف الذي لا يستقر على حال، لذا انتهت تلك العلاقة بعد مدة، لكنني استفدت منه كثيراً وتعلمت. رأيت كم كان يستغرق وقتاً كي ينجز ما يكتب، يصبح كله في عالم آخر. كنت أراقبه وأفرح حين أرى أن الكتابة يمكنها أن تفعل بالشخص ما أراه على إحسان عبد القدوس».
قبل أن يتوفى عبد القدوس بسنة واحدة، وكان مريضاً، ذهبت حنان الشيخ لزيارته. «استقبلتني زوجته، وهي سيدة لطيفة، كانت تعرف الكثير عنه. أثناء زيارتي كان المعجبات يتصلن، وتقول لهن، عنده صديقته حنان الشيخ من لبنان، جاءت تزوره، وهي ليست مثلكن، هي لا تريد منه شيئاً».

طفولة بلا أم

كانت حنان الشيخ طفلة في الرابعة عشرة حين بدأت تكتب خواطرها، ولا تنشرها، إلى أن تمكنت من النشر في الصفحة الطلابية لجريدة «النهار». «ذات مرة كنت أحمل (سطيلة) الطعام ذاهبة لأوصلها إلى أبي بالسوق في بيروت، لمحت أنسي الحاج. عرفته طبعاً، كان مشهوراً. كان الوحيد في لبنان الذي عنده ذقن صغيرة (تضحك) لحقت به وقلت له: أنا حنان الشيخ التي تكتب عندك. قال لي: شاطرة لازم تكملي». التحقت الشيخ بالكلية الأميركية في صيدا وبقيت تكتب من هناك وترسل لـ«النهار» كتاباتها. «أردت أن أترك البيت لأن أمي تركتنا وأنا في السادسة، وزوجة أبي كانت متوحشة معنا».
حين برز اسم ليلى بعلبكي، وبدأت صورها تنتشر، وكتابها «أنا أحيا» يحكى عنه، تأثرت حنان وصارت تنزل إلى المكتبة، وتتظاهر كأنها تريد أن تشتري كتباً، لتسترق النظر إلى كم صفحة من الكتاب الذي تريد قراءته. «من يرغب في الوصول إلى هدف، لا أحد يستطيع منعه من بلوغ ذلك».
«في الصيف كنت أحمل الطعام إلى والدي في دكانه بسوق سرسق. أنزل من بيتنا في رأس النبع إلى ساحة البرج وسوق سرسق، أجتاز سوق الذهب وسوق الخضار، أجد نفسي طوال الطريق وحيدة. أفعل أشياء مجنونة، أطلب من بائع الخضار أن يعطني خيارة، أكذب، أقول له إني يتيمة، فيصدقني».

أنسي الحاج الداعم الأكبر

اللقاء الثاني بأنسي كان «وأنا أضع مقالتي عند السنترال، مدخل جريدة (النهار). قال لي: حين تمرين على (النهار)، اطلبيني لتسلميني ما تكتبين، فأتيت مرة أخرى ودخلت إلى مكتبه. كان يشجع الذين يكتبون». بعد أن عادت من مصر ورحلتها التعليمية هناك وبيدها روايتها الأولى «رجعت إلى (النهار) وطلبت عملاً. هكذا توظفت في المقسم 19، هو عمل إداري، نتلقى شكاوى القراء، ونحاول التواصل مع المعنيين لحلها».
بعدها كتبت في «النهار» و«ملحق النهار» و«الحسناء». ثم أصبح لها برنامج على «تلفزيون لبنان» اسمه «لقاء». في هذا البرنامج استضافت نساء مؤثرات، مثل أم كامل الأسعد ومي موسى وأول دكتورة لبنانية هي سنية حبوب وليلى البستاني. كما أنها اشتغلت في الإذاعة. حين تتذكر تلك الفترة، تقول «اشتغلت في مجالات عديدة، وعندي أرشيف مهم، وأود لو أكتب عن هذه التجارب. عملت كل هذا مع أني لم أكن قوية التركيز، كنت أشرد كثيراً، لكنني بالتأكيد كنت أتحلى بجرأة كبيرة». حين صدرت جريدة «المحرر» قبل سفرها إلى مصر، «قلت لنفسي أريد أن أكتب عن أول قصة حب في حياة شخصيات سياسية مهمة، خصوصاً مجيد أرسلان. التقيت عدة شخصيات وتحدثوا عن حبهم الأول. كنت أرى في الصحافة دنيا واسعة. أحب القصص والحكايات. هذا كان بالنسبة لي فضولاً شخصياً أكثر منه مهنة».
«وحين قال لي أنسي الحاج: (شاطرة يا بنت، كيف بتفكري؟) قلت له: أقراكم جميعكم».
بعد زواجها من فؤاد المعلوف سافرت معه إلى السعودية. «هناك استرجعت حياتي وطفولتي وأبي الذي كان متديناً. كتبت روايتي (فرس الشيطان) عن تلك الفترة المبكرة من حياتي. وهي كانت روايتي الثانية، وتفاجأت أن غالي شكري وغيره من النقاد، وصفوها بأنها مختلفة عن روايات الكاتبات الأخريات».

الكتابة من لندن

حين بدأت الحرب اللبنانية عام 1975 كان أولادها لا يزالون صغاراً. ابنتها سبعة شهور، وابنها سنتان. «بعد توقف عن الكتابة، بسبب الانتقال إلى لندن فكرت بأنني تركت بلدي لأعيش حياة طبيعية ومستقرة، فلماذا لا أكتب؟ هكذا تشجعت وكتبت (حكاية زهرة)».
هكذا ولدت الرواية التي ستصبح الأشهر لحنان الشيخ «كتبتها تحت تأثير غل وغضب من الحرب. بدأتها مباشرة بعبارة (وقفنا خلف الباب نرتجف). وهذا ما عشناه فعلاً. كتبتها عن الخوف الذي أصابنا حين اندلعت المعارك، وأخذنا نحتمي من القذائف».
في «عين الطاووس» تبرز تيمة الأم، لكنها ليست أماً مهيضة، ضعيفة، مهمومة، بل أم تبحث عن ذاتها، تلحق بحبيبها إلى فرنسا، يمكنها أن تغلق هاتفها، لتصم أذنها عن شكوى ابنها الذي تركته بلا مصروف ليشتري طعاماً فيلجأ لسرقة الأكل. «بسبب الهجرة الكثيفة، وغياب الأب عن البيت في كثير من الحالات، بدا لي الموضوع مهماً. حين انتقلنا للعيش في لندن، وكان أولادي صغاراً، بقي زوجي يعمل في السعودية، وكنا نراه أربعة أشهر في السنة خلال الصيف. بسبب الهجرة وغياب الأب، تصبح الأم هي الوطن والمربية. كثيرون من المحيطات بي ربين أولادهن بمفردهن».
كان أمراً طبيعياً بالنسبة لحنان الشيخ أن تكتب روايتها «عين الطاووس» عن اللاجئين المهاجرين، وهي تراهم حولها في لندن، أو حين تسافر. فجنوب فرنسا الذي تدور فيه الرواية تعرفه جيداً. «البناية التي تجري فيها الأحداث، زرتها كثيراً. كانت تسكن في هذا المبنى امرأة تونسية أذهب لأزورها. يوم دخلت شقتها أول مرة، قلت: هنا سيعيش ناجي وريكا وأمهم ياسمين». في ذلك المجمع السكني تعرفت حنان الشيخ عن قرب على معاناة اللاجئين على أجواء المراقبة الدائمة التي يتعرضون لها، وعلامات الاستفهام التي تدور حولهم. «أبحث دائماً عن موضوع جديد ومختلف عن الذي كتبته من قبل. إثارة الفضول جزء من العمل الأدبي».
تعتبر حنان الشيخ أن مسرحية «صاحبة الدار شهرزاد» التي كتبتها مقتبسة عن «ألف ليلة وليلة» لم تحظ بالنجاح الكافي، وضاع مشاهدها بين اللغتين العربية والإنجليزية.

زواج جمعه إليوت

حين تزوجت حنان من المهندس فؤاد المعلوف ما جمعهما هو الأدب: «كان فؤاد يحب إليوت كثيراً. هكذا أحببنا بعضنا من خلال الكتابة والشعر الإنجليزي. التقينا في لبنان وكان فؤاد صديقاً للفنان العراقي وضاح فارس. أعجبني فيه أنه لم يكن معنياً بشكلي فقط، كما الآخرين، وإنما بمهاراتي. هو الوحيد الذي اهتم بهذه الناحية، وكنا نتحدث كثيراً عن الأدب والشعر».
لم يكن زواجاً دون معوقات. من دينين وبيئتين مختلفين. «إحداهن لم تتمالك نفسها، وقالت لوالدة زوجي: لازم ابنك يتزوج ابنة عائلة. هؤلاء هم أصلاً جلب على بيروت، وكأننا في نظرها مهجرون. ولم يردعها أن يأتيها الجواب بأن عليها أن تحترم ما فعلته البنت التي تتحدث عنها وما اشتغلته وما أنجزته».
تتذكر حنان الشيخ والدتها بامتنان كبير، لأنها أجبرتها على الإصغاء إليها، وتدوين حكايتها في كتابها «روايتي شرح يطول». «كانت تسأل لماذا أهتم بشخصيات نسائية أكتب عنها وأحاورها ولا أهتم بقصتها. هل لأنهن يتحدرن من عائلات كبيرة؟ قبل أن تمرض، قالت لي: حان الوقت لأن تستمعي لي. أعترف بأنني لم أكن قد سامحتها، لأنها تركتنا صغاراً وأحبت وتزوجت رجلاً آخر غير أبي. كنت أعرف أنها أجبرت على الزواج الأول، ولم تتمكن من الاستمرار لكنني لم أسامح. لكنني بعد أن سمعتها، غيرت رأيي. كانت توقظني ليلاً، يرن هاتفي، لتخبرني أنها تذكرت جديداً وتريد أن تخبرني به قبل أن تنسى».
من «انتحار رجل ميت» التي كتبتها تلميذة في مصر إلى «عين الطاووس» ثلاث عشرة رواية، ورحلة إنسانية غنية بالمغامرات والمكابدات لأديبة كتبت وكأنها تعيش، وعاشت كأنها تكتب.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
TT

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا، فتلامس بصدقها الآخرين، مؤكداً في حواره مع «الشرق الأوسط» أن الفيلم يروي جانباً من طفولته، وأن فكرة توقف الزمن التي طرحها عبر أحداثه هي فكرة سومرية بامتياز، قائلاً إنه «يشعر بالامتنان لمهرجان البحر الأحمر الذي دعم الفيلم في البداية، ومن ثَمّ اختاره ليشارك بالمسابقة، وهو تقدير أسعده كثيراً، وجاء فوز الفيلم بجائزة السيناريو ليتوج كل ذلك، لافتاً إلى أنه يكتب أفلامه لأنه لم يقرأ سيناريو كتبه غيره يستفزه مخرجاً».

بوستر الفيلم يتصدره الصبي آدم (الشركة المنتجة)

ويُعدّ الفيلم إنتاجاً مشتركاً بين كل من العراق وهولندا والسعودية، وهو من بطولة عدد كبير من الممثلين العراقيين من بينهم، عزام أحمد علي، وعبد الجبار حسن، وآلاء نجم، وعلي الكرخي، وأسامة عزام.

تنطلق أحداث فيلم «أناشيد آدم» عام 1946 حين يموت الجد، وفي ظل أوامر الأب الصارمة، يُجبر الصبي «آدم» شقيقه الأصغر «علي» لحضور غُسل جثمان جدهما، حيث تؤثر رؤية الجثة بشكل عميق على «آدم» الذي يقول إنه لا يريد أن يكبر، ومنذ تلك اللحظة يتوقف «آدم» عن التّقدم في السن ويقف عند 12 عاماً، بينما يكبر كل من حوله، ويُشيع أهل القرية أن لعنة قد حلت على الصبي، لكن «إيمان» ابنة عمه، وصديق «آدم» المقرب «انكي» يريان وحدهما أن «آدم» يحظى بنعمة كبيرة؛ إذ حافظ على نقاء الطفل وبراءته داخله، ويتحوّل هذا الصبي إلى شاهدٍ على المتغيرات التي وقعت في العراق؛ إذ إن الفيلم يرصد 8 عقود من الزمان صاخبة بالأحداث والوقائع.

وقال المخرج عُدي رشيد إن فوز الفيلم بجائزة السيناريو مثّل له فرحة كبيرة، كما أن اختياره لمسابقة «البحر الأحمر» في حد ذاته تقدير يعتز به، يضاف إلى تقديره لدعم «صندوق البحر الأحمر» للفيلم، ولولا ذلك ما استكمل العمل، معبراً عن سعادته باستضافة مدينة جدة التاريخية القديمة للمهرجان.

يطرح الفيلم فكرة خيالية عن «توقف الزمن»، وعن جذور هذه الفكرة يقول رشيد إنها رافدية سومرية بامتياز، ولا تخلو من تأثير فرعوني، مضيفاً أن الفيلم بمنزلة «بحث شخصي منه ما بين طفولته وهو ينظر إلى أبيه، ثم وهو كبير ينظر إلى ابنته، متسائلاً: أين تكمن الحقيقة؟».

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

ويعترف المخرج العراقي بأن سنوات طفولة البطل تلامس سنوات طفولته الشخصية، وأنه عرف صدمة الموت مثله، حسبما يروي: «كان عمري 9 سنوات حين توفي جدي الذي كنت مقرباً منه ومتعلقاً به ونعيش في منزل واحد، وحين رحل بقي ليلة كاملة في فراشه، وبقيت بجواره، وكأنه في حالة نوم عميق، وكانت هذه أول علاقة مباشرة لي مع الموت»، مشيراً إلى أن «الأفلام تعكس قدراً من ذواتنا، فيصل صدقها إلى الآخرين ليشعروا بها ويتفاعلوا معها».

اعتاد رشيد على أن يكتب أفلامه، ويبرّر تمسكه بذلك قائلاً: «لأنني لم أقرأ نصاً كتبه غيري يستفز المخرج داخلي، ربما أكون لست محظوظاً رغم انفتاحي على ذلك».

يبحث عُدي رشيد عند اختيار أبطاله عن الموهبة أولاً مثلما يقول: «أستكشف بعدها مدى استعداد الممثل لفهم ما يجب أن يفعله، وقدر صدقه مع نفسه، أيضاً وجود كيمياء بيني وبينه وقدر من التواصل والتفاهم»، ويضرب المثل بعزام الذي يؤدي شخصية «آدم» بإتقان لافت: «حين التقيته بدأنا نتدرب وندرس ونحكي عبر حوارات عدة، حتى قبل التصوير بدقائق كنت أُغير من حوار الفيلم؛ لأن هناك أفكاراً تطرأ فجأة قد يوحي بها المكان».

صُوّر الفيلم في 36 يوماً بغرب العراق بعد تحضيرٍ استمر نحو عام، واختار المخرج تصويره في محافظة الأنبار وضواحي مدينة هيت التي يخترقها نهر الفرات، بعدما تأكد من تفَهم أهلها لفكرة التصوير.

لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)

وأخرج رشيد فيلمه الروائي الطويل الأول «غير صالح»، وكان أول فيلم يجري تصويره خلال الاحتلال الأميركي للعراق، ومن ثَمّ فيلم «كرنتينة» عام 2010، وقد هاجر بعدها للولايات المتحدة الأميركية.

يُتابع عُدي رشيد السينما العراقية ويرى أنها تقطع خطوات جيدة ومواهب لافتة وتستعيد مكانتها، وأن أفلاماً مهمة تنطلق منها، لكن المشكلة كما يقول في عزوف الجمهور عن ارتياد السينما مكتفياً بالتلفزيون، وهي مشكلة كبيرة، مؤكداً أنه «يبحث عن الجهة التي يمكن أن تتبناه توزيعياً ليعرض فيلمه في بلاده».