ميقاتي يطلب وقف «تجاوزات» قاضية محسوبة على «الوطني الحر»

منع الأجهزة الأمنية اللبنانية من تنفيذ إجراءاتها ضد بعض المصارف

الرئيس نجيب ميقاتي مترئساً اجتماعاً أمنياً الأسبوع الماضي في السراي الحكومي (دالاتي ونهرا)
الرئيس نجيب ميقاتي مترئساً اجتماعاً أمنياً الأسبوع الماضي في السراي الحكومي (دالاتي ونهرا)
TT

ميقاتي يطلب وقف «تجاوزات» قاضية محسوبة على «الوطني الحر»

الرئيس نجيب ميقاتي مترئساً اجتماعاً أمنياً الأسبوع الماضي في السراي الحكومي (دالاتي ونهرا)
الرئيس نجيب ميقاتي مترئساً اجتماعاً أمنياً الأسبوع الماضي في السراي الحكومي (دالاتي ونهرا)

بعدما أخفقت المراجع القضائية في وقف «الحرب» التي تشنّها المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون على عدد من المصارف، والتي أدخلت القطاع المصرفي بإضراب مفتوح، ولم تفلح القرارات والتعاميم التي صدرت عن مجلس القضاء الأعلى وعن النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات بفرملة اندفاعة هذه القاضية، استدعى الأمر معالجة من خارج أروقة قصر العدل. ووجّه أمس رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي كتاباً إلى وزير الداخلية بسام المولوي، طلب بموجبه «الإيعاز إلى الأجهزة الأمنية بوحداتها كافة، عدم تنفيذ أي إشارة تصدر عن القاضية عون لأنها تشكل تجاوزاً لحدّ السلطة». وأكد مصدر حكومي لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذه الخطوة ستستتبع بتعميم يصدره النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، ينظّم من خلاله آلية الادعاء على المصارف والأطر القانونية لملاحقتها».
وأشار رئيس الحكومة في كتابه إلى أن القاضية عون «تتجاهل جميع دعاوى الردّ المقدمة ضدها وكذلك طلبات مداعاة الدولة عن أخطائها، وتضع الجميع بمن فيهم الأجهزة الأمنية أمام خيارين، إما مجاراتها بمخالفة القانون ما يجعل الأجهزة شريكة في المخالفة ويعرّضها للمسؤولية القانونية، وإما التخلف عن تنفيذ إشارات صادرة عن القضاء ما يشكل أيضاً مخالفة قانونية ويعرضها للمسؤولية». وطلب ميقاتي من المولوي «اتخاذ ما يلزم من تدابير وإجراءات تجيزها القوانين والأنظمة المرعية الإجراء في سبيل تطبيق أحكام القانون ومنع تجاوزه والحفاظ على حسن سير العدالة».
وصدر عن ميقاتي توضيح أكد فيه، أنه «لم ولن يتدخل في عمل القضاء، بل انطلق في بيانه من كتب وردته وتتضمن عرضاً مفصلاً لمخالفات منسوبة لبعض القضاة»، وطلب من وزير الداخلية «اتخاذ ما يلزم من تدابير وإجراءات تُجيزها القوانين والأنظمة المرعية الإجراء في سبيل تطبيق أحكام القانون والمنع من تجاوزه والمحافظة على حُسن سير العدالة».
ويأتي كتاب ميقاتي بعد يوم على الاجتماع الذي ضمّ وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري الخوري ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبّود والنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، استجابة لطلب رئيس الحكومة الذي كلّف وزير العدل إيجاد حلّ لتفرّد القاضية عون بإجراءات ملاحقة المصارف بدعاوى يقدمها أشخاص ليسوا أصحاب صفة، وبدا لافتاً أن لقاء الخوري بالقاضيين عبود وعويدات لم يأتِ بنتيجة، بدليل استمرار المدعية العامة في جبل لبنان باستدعاءاتها لأصحاب ومديري المصارف والادعاء عليهم كما حصل مع «بنك سوسيتيه جنرال» وصاحبه أنطوان الصحناوي، وكذلك مصادرة «داتا المعلومات» العائدة لبعض المصارف وإقفالها بالشمع الأحمر كما حصل مع «بنك بيروت» قبل يومين.
ورغم أن الاجتماع في وزارة العدل استتبع باجتماعات متلاحقة بين عبود وعويدات، فإن المعالجات القضائية لم تفض إلى حلّ، وأوضح مصدر قضائي مواكب لهذه الاجتماعات، أن «الأمور ما زالت قيد البحث، لكن حتى الآن لم تتوفر صيغة قانونية توقف قرارات القاضي عون أو تصححها». وإذ لفت إلى أن إجراءات القاضية المذكورة «ليست كلّها مخالفة للقانون، إنما هناك بعض المحطات التي تقفز فوقها، مثل رفضها تبلغ دعاوى الردّ أو مداعاة الدولة عن أخطائها»، أكد المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أن المسؤولين في السلطة القضائية «ما زالوا يبحثون عن مخارج لهذه الأزمة، لكن المؤسف أن مجلس القضاء الذي تقع عليه مسؤولية المعالجة غير قادر على الاجتماع، بسبب خلافات أعضائه على جدول أعماله».
وعن الطروحات التي تتحدث عن إمكانية إعلان عدم أهلية القاضية عون، أشار المصدر القضائي إلى أن هذا الأمر «رهن ما تتخذه هيئة التفتيش القضائي والمجلس التأديبي للقضاة». وقال «رغم أن القاضية عون تخضع للتحقيق أمام هاتين الهيئتين، فإنها لم توقف تحقيقاتها»، مذكراً بأن القاضي عويدات «سبق وأصدر تعميماً كفّ يد هذه القاضية عن التحقيق بالملفات المالية، إلّا أنها لم تمتثل، وأقصى ما يمكن فعله هو إحالتها على المجلس التأديبي وحتى الآن لم يصدر أي قرار بحقها».
من جهته، قال الوكيل القانوني لجمعية المصارف اللبنانية المحامي أكرم عازوري لـ«الشرق الأوسط»، إن «الخلل الحاصل في التعاطي مع المصارف تصبح معالجته من مسؤولية مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل والسلطة السياسية». وأضاف «بصفتي وكيلاً لجمعية المصارف من حقي أن أنتقد أي قرار قضائي يعتريه الخلل من دون الإساءة إلى القاضي الذي اتخذه، ونحن نمارس الاعتراض عليه وفق الأصول القانونية، وإذا لم تعط هذه الطعون نتائجها نصبح أمام مشكلة كبيرة».
وعن الأجواء الإيجابية التي تحدث عنها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وتوقعاته بفك إضراب المصارف خلال 48 ساعة، أوضح المحامي عازوري، أنه «إذا تمكن الرئيس ميقاتي من معالجة الخلل القانوني في التعاطي مع المصارف، فإن الإضراب سيتوقف خلال 48 دقيقة لا أكثر، والأمور رهن المعالجة الموعودة».
وتم رصد ارتياح صريح لدى كبار المصرفيين كون الإجراءات المتخذة من قبل رئيس الحكومة ووزير الداخلية عالجت مباشرة موضوع الحماية الأمنية لما كانوا يعتبرونه تعسفاً في بعض الممارسات القضائية. وصنف المصرفيون التطور الجديد كخطوة أساسية في الاتجاه الصحيح والمطلوب.
وكانت جمعية المصارف أصدرت بياناً وصفت فيه ممارسات القاضية عون ضد المصارف بـ«الاعتباطية»، وأسفت لـ«قبول دعاوى من أشخاص غير مودعين لدى المصارف وتقديمها إلى قضاة معينين غير مختصين لا نوعياً ولا مكانياً، إلّا لأن هؤلاء القضاة لديهم مواقف معادية للمصارف». وذكّرت بأن بعض القضاة «يرفضون تبلغ طلبات ردّهم ودعاوى مداعاة الدولة عن أعمالهم».
ويتوقع الدعوة اليوم إلى عقد الجمعية العمومية للمصارف بصفتها صاحبة القرار، مع وجود توجه جامع يقضي بأن ترد المصارف بإيجابية على الإجراءات الحكومية الموعودة، تكرسها بتحديد موعد فك الإضراب، على أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل الإضراب، وذلك بدءاً من مطلع الأسبوع المقبل، وربما من يوم غد (الجمعة).


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

«بطل» شاطئ بوندي مصدر فخر لأهالي قريته في سوريا

أحمد الأحمد الرجل الذي تصدّى لأحد مهاجمي شاطئ بوندي ونزع سلاحه وهو يتحدث إلى رئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز كريس مينز (أ.ف.ب)
أحمد الأحمد الرجل الذي تصدّى لأحد مهاجمي شاطئ بوندي ونزع سلاحه وهو يتحدث إلى رئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز كريس مينز (أ.ف.ب)
TT

«بطل» شاطئ بوندي مصدر فخر لأهالي قريته في سوريا

أحمد الأحمد الرجل الذي تصدّى لأحد مهاجمي شاطئ بوندي ونزع سلاحه وهو يتحدث إلى رئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز كريس مينز (أ.ف.ب)
أحمد الأحمد الرجل الذي تصدّى لأحد مهاجمي شاطئ بوندي ونزع سلاحه وهو يتحدث إلى رئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز كريس مينز (أ.ف.ب)

في شمال غربي سوريا، يعبّر سكان النيرب عن فخرهم بشجاعة ابن قريتهم أحمد الأحمد، «بطل» شاطئ بونداي الذي تمكّن من وقف أعنف هجوم تشهده أستراليا منذ عقود، عندما جرَّد أحدَ المهاجمين من سلاحه.

وقتَل مسلّحان، هما أب وابنه، 15 شخصاً وأصابوا 42 آخرين، عندما أطلقا النار على المحتفلين بعيد حانوكا اليهودي على الشاطئ الشهير، مساء الأحد، في هجوم قالت السلطات إنه «مدفوع بآيديولوجية (تنظيم الدولة الإسلامية)».

في قرية النيرب، الواقعة بمحافظة إدلب، قال المزارع محمّد الأحمد (60 عاماً)، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، اليوم الثلاثاء: «كنت أتصفح هاتفي، ومرّ أمامي مقطع فيديو، خُيِّل لي أنني أرى ابن شقيقي، فاتصلتُ بأبيه وأكد لي أن أحمد هو مَن أخذ السلاح».

وأوضح الرجل أن «هذه الحادثة أحدثت ضجة عالمية، فهو من سوريا ومسلم ولم يكن لديه أي دافع لفعل ذلك سوى الشهامة والبطولة والمروءة... هذا العمل فخر لنا وفخر لسوريا».

تصدَّر اسم أحمد وسائل الإعلام في أستراليا وحول العالم، بعدما ظهر في مقطع فيديو وهو يتنقل بين سيارات متوقفة ليصل إلى أحد المهاجمين من الخلف وينتزع سلاحه، قبل أن يصاب برشقات أطلقها المهاجم الثاني.

أحمد الأحمد الرجل الذي تصدّى لأحد مهاجمي شاطئ بوندي ونزع سلاحه وهو يتحدث إلى رئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز كريس مينز (أ.ف.ب)

وأشاد رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي بما فعله أحمد، عندما تفقّده، الثلاثاء، في المستشفى. وقال إن «شجاعته هي مصدر إلهام لجميع الأستراليين».

ووفقاً لعمه، سافر أحمد، وهو أب لطفلتين، من النيرب إلى أستراليا عام 2007، حيث عمل في البناء قبل أن يفتتح محلاً لبيع الفواكه والخضر في سيدني. ومنذ أكثر من شهرين، سافر والداه من النيرب لزيارته وما زالا هناك.

ترك أحمد خلفه منزلاً مهجوراً بلا نوافد أو أبواب، وقد تصدّع سقفه جراء القصف، وفق ما عاين مصوِّر لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

«رجل شجاع»

في غرفة متواضعة بالقرية التي طالها القصف مراراً خلال سنوات النزاع السوري الطويلة، تُردد جدّة أحمد المُسنّة بصوت منخفض: «الله يرضى عليه ويوفّقه»، متحدثة بصوت خافت عن اشتياقها له.

وفي شوارع القرية التي بدأ بعض سكانها إعادة إعمار منازلهم التي هدمتها الحرب، تُسمَع سيرة أحمد على كل لسان، والجميع يتمنى له الشفاء العاجل.

وقال عبد الرحمن المحمد (30 عاماً)، لـ«الوكالة الفرنسية»، بينما كان يعمل في محله لإصلاح إطارات السيارات: «نحن نفتخر بما قام به أحمد، ابن قريتنا، إنه مصدر فخر لنا، وما فعله عمل بطولي لا يستطيع أي أحد أن يقوم به»، مُشيداً به لأنه أنقذ «أرواحاً بريئة». وأضاف: «نسأل الله الشفاء العاجل له».

وأمام منزله، حيث عمل على فرز صناديق التفاح من إنتاج حديقته، استعاد يوسف العلي (45 عاماً) ذكرياته مع صديقه أحمد والسهرات الطويلة قبل سفره التي غلبت عليها أجواء الفرح والضحك.

وقال للوكالة: «عندما رأيته على (فيسبوك) مصاباً انزعجت كثيراً، لكنه قام بعمل بطولي».

وأضاف: «هو رجل شجاع منذ زمن وصاحب نخوة... إنه مَدعاة فخر لنا ولكل سوريا».


الشتاء القاسي يغرق غزة… ويعصف بخيام النازحين (صور)

فلسطينيون نازحون يدفعون سيارة عبر مياه الفيضانات عقب هطول أمطار غزيرة في مدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون نازحون يدفعون سيارة عبر مياه الفيضانات عقب هطول أمطار غزيرة في مدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

الشتاء القاسي يغرق غزة… ويعصف بخيام النازحين (صور)

فلسطينيون نازحون يدفعون سيارة عبر مياه الفيضانات عقب هطول أمطار غزيرة في مدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون نازحون يدفعون سيارة عبر مياه الفيضانات عقب هطول أمطار غزيرة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

شهد قطاع غزة، الثلاثاء، كارثة جديدة تزيد من معاناة سكانه النازحين، حيث أغرقت الأمطار الغزيرة أكبر مستشفى في القطاع وآلاف خيام الفلسطينيين، بينما طارت مئات أخرى نتيجة منخفض جوي عاصف يضرب المنطقة منذ مساء الاثنين.

وتأتي هذه الفيضانات بعد أيام فقط من مرور قطاع غزة بالمنخفض القطبي «بيرون»، الذي أودى بحياة 14 فلسطينياً وتسبب في تضرر وغرق نحو 53 ألف خيمة، ما يزيد الوضع الإنساني سوءاً ويضع ملايين المدنيين في مواجهة مخاطر جديدة.

فلسطينيون نازحون يسيرون عبر مياه الفيضانات عقب هطول أمطار غزيرة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

غرق أكبر مستشفى وتعطّل الخدمات الطبية

ووفق ما نقلت وسائل إعلام، فإن مياه الأمطار تسربت إلى أقسام في مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة، وخاصة قسم الاستقبال والطوارئ، ما أدى إلى تعطيل العمل فيه بشكل شبه كامل، في وقت يُعدّ فيه هذا القسم شرياناً أساسياً لإنقاذ الجرحى والمرضى في ظل استمرار العدوان وتدهور الوضع الصحي في القطاع.

رجل فلسطيني نازح يقود سيارة عبر مياه الفيضانات عقب هطول أمطار غزيرة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

وقال شهود لوكالة «شهاب» إن المياه تدفقت إلى الممرات وغرف الفحص، فيما حاول الطاقم الطبي نقل المرضى إلى أماكن أكثر أماناً داخل المستشفى، وسط انقطاع للكهرباء ونقص حاد في الإمكانات اللازمة للتعامل مع الكارثة.

عائلة فلسطينية تركب عربة وسط المطر في مدينة غزة (أ.ب)

ويُعد مجمع الشفاء أكبر مستشفيات القطاع، وقد تعرض لدمار هائل خلال حرب الإبادة الإسرائيلية، فيما عملت وزارة الصحة على ترميم بعض مبانيه خلال الشهرين الماضيين، إلا أن حجم الأضرار ونقص الإمكانات يحول دون عودة العمل فيه بصورة طبيعية، خاصة مع عرقلة دخول المستلزمات الطبية والأدوية من قبل الاحتلال.

أطفال يركضون تحت المطر أمام مخيم خيام في مدينة غزة (أ.ب)

مأساة خيام النازحين تتكرر

لم تكن أوضاع النازحين أفضل حالاً؛ إذ أدت الأمطار العاصفة إلى غرق مئات الخيام وتطاير أخرى في مختلف مناطق القطاع، خاصة في المناطق المنخفضة التي تحولت إلى برك واسعة من المياه والطين.

نازحة فلسطينية في خيمة غمرتها المياه في يوم ممطر بمدينة غزة (رويترز)

وتتكرر مأساة غرق خيام النازحين في غزة، حيث غمرت مياه الأمطار الخيام والشوارع في مناطق متفرقة، بما فيها ساحة الجندي المجهول وحي الشيخ رضوان شمال غربي المدينة.

ويواجه مئات آلاف النازحين هذا الواقع بخيام مهترئة لا تقيهم البرد ولا السيول، وسط غياب شبه تام لمستلزمات الشتاء ووسائل التدفئة.

نازح فلسطيني يسير في شارع غمرته المياه في يوم ممطر بمدينة غزة (رويترز)

وفي حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، انهار منزل يعود لعائلة أبو القمصان بعد أن أغرقت الأمطار أساساته المتضررة أصلاً بفعل القصف السابق، فيما أصيب عدد من النازحين في حي تل الهوى جنوب غربي المدينة، إثر سقوط جدار على إحدى الخيام نتيجة شدة الرياح المصاحبة للمنخفض.

يسير فلسطينيون نازحون قرب خيامهم عقب هطول أمطار غزيرة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

تحذيرات «حماس» والمجتمع الدولي

إلى ذلك، قال المتحدث باسم حركة «حماس» حازم قاسم، إن الكارثة الإنسانية تتفاقم بسبب وصول منخفض جوي جديد، مؤكداً أن خيام النازحين لا توفر أي حماية من الظروف الجوية.

فلسطينيون يسخنون الطعام بينما يحتمون من المطر في كشك لبيع الأدوات في مدينة غزة (أ.ب)

وأضاف أن التحذيرات السابقة لإدخال مواد الإيواء المناسبة لم تلقَ أي استجابة من المجتمع الدولي، الذي ظل عاجزاً عن كسر الحصار الإسرائيلي على القطاع. ودعا قاسم الوسطاء والدول الضامنة لاتفاق وقف الحرب، إلى جانب الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، للتحرك العاجل لإنقاذ سكان غزة من كارثة محققة.

طفل يستخدم دلواً ليحتمي من المطر في أثناء سيره بأحد شوارع مدينة غزة (أ.ب)

وكان مسؤولون في وزارة الصحة قد ذكروا أن الأمطار الغزيرة أدت إلى وفاة رضيعة بسبب البرد القارس، إضافة إلى غرق مئات الخيام التي تؤوي عائلات نازحة.

وأشار المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إلى وفاة 12 شخصاً أو وجودهم في عداد المفقودين، وانهيار 13 مبنى على الأقل، وغمر المياه 27 ألف خيمة.

فلسطينيون يسيرون في شارع تصطف على جانبيه مبانٍ متضررة من الحرب تحت المطر في مدينة غزة (أ.ب)

أعداد النازحين واحتياجات الخيام الجديدة

وأفادت الأمم المتحدة ومسؤولون فلسطينيون بوجود حاجة ماسة إلى 300 ألف خيمة جديدة على الأقل لنحو 1.5 مليون نازح في غزة. كما أكدت منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 4 آلاف شخص يعيشون في مناطق ساحلية عالية الخطورة، ويتأثر ألف منهم مباشرة بالأمواج العاتية القادمة من البحر.

وحذرت المنظمة الدولية للهجرة من احتمال غرق مئات الآلاف من النازحين، بسبب منع دخول مواد البناء والإيواء، كما أشارت إلى خطر تفشي الأمراض بسبب غياب الصرف الصحي وإدارة النفايات، لا سيما في المناطق المنخفضة المليئة بالأنقاض، حيث يعيش نحو 795 ألف شخص تحت خطر السيول.


غزة: خطة ترمب على المحك مع تعثر الانتقال إلى المرحلة الثانية

يركض الناس بحثاً عن مأوى بينما يتصاعد عمود من الدخان فوق الخيام في مخيم للنازحين الفلسطينيين شمال خان يونس (أ.ف.ب)
يركض الناس بحثاً عن مأوى بينما يتصاعد عمود من الدخان فوق الخيام في مخيم للنازحين الفلسطينيين شمال خان يونس (أ.ف.ب)
TT

غزة: خطة ترمب على المحك مع تعثر الانتقال إلى المرحلة الثانية

يركض الناس بحثاً عن مأوى بينما يتصاعد عمود من الدخان فوق الخيام في مخيم للنازحين الفلسطينيين شمال خان يونس (أ.ف.ب)
يركض الناس بحثاً عن مأوى بينما يتصاعد عمود من الدخان فوق الخيام في مخيم للنازحين الفلسطينيين شمال خان يونس (أ.ف.ب)

يوماً بعد يوم تزداد الشكوك في قدرة خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن قطاع غزة على الصمود في وجه التحديات، والعقبات التي يفرضها موقف كل من طرفي الصراع الرئيسين حركة «حماس»، وإسرائيل، وفق تقرير لـ«وكالة الأنباء الألمانية».

فالخطة، المؤلفة من عشرين بنداً، لم تكتمل مرحلتها الأولى حتى الآن بسبب عدم تسليم الفصائل الفلسطينية المسلحة في القطاع الجثة المتبقية من جثث الرهائن الإسرائيليين، وهو الأمر الذي تتذرع إسرائيل به، بغض النظر عن السبب وراء ذلك، وتتنصل من بعض الالتزامات التي تنص عليها الخطة في مرحلتها الأولى، فضلاً عن إصرارها على عدم الانتقال إلى المرحلة الثانية حتى تتسلم تلك الجثة.

وكان يفترض بموجب خطة ترمب أن تنتهي استحقاقات المرحلة الأولى من الاتفاق في غضون 72 ساعة من توقيعه، إلا أن الفصائل الفلسطينية تقول إنها تواجه صعوبات في العثور على تلك الجثة، أو ما تبقى منها في ظل ضعف إمكانيات البحث، وصعوبة الوضع القائم في القطاع، علماً بأنها سلمت جميع ما لديها من الرهائن الأحياء، والأموات.

وفي المقابل تشن إسرائيل ضربات شبه يومية في القطاع، وتواصل سياسة الاغتيالات بحق كوادر حركة «حماس»، وسط تبادل للاتهامات بين الجانبين بخرق اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بوساطة دولية، ورعاية أميركية.

«حماس» تفكر في التراجع عن التزامات نزع السلاح

وفي ظل عدم وجود أي مؤشرات على الانتقال إلى المرحلة الثانية، بدأ بعض قادة «حماس» مؤخراً في إطلاق تصريحات تشي بتراجع الحركة عن التزام رئيس في صلب تلك المرحلة، والمتمثل في نزع سلاحها، ما يطرح العديد من التساؤلات بشأن موقف الحركة، والأوراق التي تملكها حتى تضع الاتفاق برُمّته على المحك، لا سيما بعد تسليم الرهائن الإسرائيليين.

وعلى الجانب الآخر، تتلقف تل أبيب هذه التصريحات، وتبرزها، في محاولة منها لإلقاء كل اللوم على «حماس» في عدم إحراز تقدم على صعيد تنفيذ باقي مراحل الاتفاق، وسط تلويح بين الحين والآخر باستئناف الحرب.

ويتناغم الموقف الإسرائيلي مع انتقادات أوروبية لحركة «حماس»، حيث اعتبرت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس أن رفض الحركة نزع سلاحها «يشكل العقبة الرئيسة أمام إحراز تقدم حقيقي نحو الاستقرار في قطاع غزة».

ورأت كالاس أن أي مسار سلام جاد في القطاع «لن ينجح ما لم تعالج مسألة السلاح، باعتبارها شرطاً أساسياً للاستقرار طويل الأمد».

ضغط أميركي للحفاظ على الاتفاق

وفي سياق متصل نقلت قناة «آي 24» الإسرائيلية عن مسؤول غربي مشارك في تنفيذ الخطة تشككه البالغ، قائلاً إنه من غير الواضح ما إذا كانت «حماس» ستتخلى عن أسلحتها.

وفي معرض رده على السبب وراء عدم التخلي عن الخطة في ظل هذا الموقف من قبل «حماس»، قال المسؤول الغربي إن «موقف العديد من الدول هو دعم الخطة رغم المشكلات، لأنها لا ترى خياراً آخر. نحن والدول الغربية الأخرى نفضل عدم الانسحاب، لأننا لا نريد أن نرى إسرائيل تعود إلى القتال في غزة».

ووسط حالة عدم اليقين التي تخيم على المشهد، تواصل الولايات المتحدة أيضاً ضغوطها بغية دعم الاتفاق، والحيلولة دون انهياره.

مسلحون فلسطينيون يحرسون المكان في اليوم الذي تم فيه تسليم الرهائن المحتجزين في غزة (رويترز)

اتهامات متبادلة بين تل أبيب وواشنطن

وفي هذا السياق، نقل موقع «أكسيوس» الإخباري عن مسؤولين أميركيين اثنين قولهما إن البيت الأبيض وجه رسالة شديدة اللهجة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مؤكداً أن مقتل القيادي العسكري البارز في حركة «حماس» رائد سعد مطلع الأسبوع الجاري يمثل انتهاكاً لاتفاق وقف إطلاق النار.

وأشار الموقع إلى أن هذه الرسالة «الغاضبة» من البيت الأبيض تأتي وسط تصاعد التوترات بين إدارة ترمب وحكومة نتنياهو بشأن المرحلة الثانية من الاتفاق، وسياسة إسرائيل الإقليمية الأوسع، في إشارة لموقفها من لبنان، وسوريا.

كما كشف مسؤول أميركي رفيع المستوى أن رسالة البيت الأبيض لنتنياهو كانت: «إذا كنت تريد تدمير سمعتك، وإظهار أنك لا تلتزم بالاتفاقيات، فتفضل، لكننا لن نسمح لك بتدمير سمعة الرئيس ترمب بعد أن توسط في إبرام الاتفاق في غزة».

في المقابل كشفت مصادر إسرائيلية أن حكومة تل أبيب أبلغت إدارة ترمب بأن حركة «حماس» هي من انتهكت الاتفاق «بمهاجمة الجنود، واستئناف تهريب الأسلحة».

ونقل موقع «أكسيوس» عن مسؤول إسرائيلي أن «مقتل رائد سعد، وهو إرهابي بارز كان يعمل ليل نهار على انتهاك الاتفاق واستئناف القتال، جاء رداً على هذه الانتهاكات، وكان يهدف إلى ضمان استمرار وقف إطلاق النار».

نساء فلسطينيات يمشين بين أكوام الأنقاض والمباني المدمرة في مدينة غزة (رويترز)

التحضيرات لإطلاق قوة الاستقرار الدولية في غزة

وفي محاولة لكسر حالة الجمود، والابتعاد عن دائرة الاتهامات المتبادلة بين «حماس» وإسرائيل، تعقد القيادة المركزية في الجيش الأميركي اليوم الثلاثاء مؤتمراً في قطر بمشاركة ممثلين عن 40 دولة، معظمهم ممثلون عسكريون، بهدف بلورة قائمة الدول التي ستشارك في قوة الاستقرار الدولية المزمع نشرها في غزة، ضمن المرحلة الثانية من خطة ترمب، وفقاً لهيئة البث الإسرائيلية.

وفي التفاصيل، أشارت هيئة البث إلى أن المؤتمر سيشهد مشاركة دول أعلنت بالفعل استعدادها لإرسال قوات إلى القطاع، إلى جانب دول ما زالت مترددة في الإقدام على هذه الخطوة، إضافة لعدد من الدول الأوروبية في مقدمتها إيطاليا.

وسيناقش المؤتمر مهام تلك القوة، وما إذا كانت ستعمل بالقوة في مناطق تخضع لسيطرة «حماس» بهدف نزع سلاحها، أم في مناطق خاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي.

وفيما وصف بأنه بالغ الأهمية، تعقد جلسات هذا المؤتمر من دون مشاركة إسرائيلية مباشرة، على أن يعقد مؤتمر آخر حول الموضوع بعد نحو شهرين، وفقاً لما ذكرته هيئة البث.

ومع غياب أفق واضح للمضي قدماً في خطة ترمب، تثار الكثير من التكهنات في مواجهة مسار محفوف بالمخاطر قد يقوض جهود السلام، ويدفع المنطقة نحو دائرة العنف من جديد.