«اتحاد منتجي النفط والغاز» يتطلع للعمل مع «أوبك» لضمان أمن الطاقة العالمي

إيمان هيل لـ «الشرق الأوسط» : منطقة الشرق الأوسط ستكون مهيمنة من حيث الإنتاج لعقود طويلة

صهاريج نفط بميناء رأس تنورة في المنطقة الشرقية بالسعودية على الخليج العربي (موقع شركة أرامكو)
صهاريج نفط بميناء رأس تنورة في المنطقة الشرقية بالسعودية على الخليج العربي (موقع شركة أرامكو)
TT

«اتحاد منتجي النفط والغاز» يتطلع للعمل مع «أوبك» لضمان أمن الطاقة العالمي

صهاريج نفط بميناء رأس تنورة في المنطقة الشرقية بالسعودية على الخليج العربي (موقع شركة أرامكو)
صهاريج نفط بميناء رأس تنورة في المنطقة الشرقية بالسعودية على الخليج العربي (موقع شركة أرامكو)

أصبح أمن الطاقة القضية الأبرز للاقتصاد العالمي منذ نحو 3 سنوات وحتى يومنا هذا، ذلك في الوقت الذي يلقي فيه العالم باللوم على الأسعار المرتفعة للنفط والغاز، ويتهم القطاع بالتسبب في ارتفاع معدلات التضخم لمستويات قياسية، الأمر الذي يتطلب أسعار فائدة عالية لكبح التضخم، وهو ما يسحب الاقتصاد العالمي نحو الركود.
وفي الوقت الذي دافعت فيه حكومات الدول المنتجة للنفط عن رؤيتها من خلال منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وحلفائها في «أوبك بلس»، وحذرت من نقص الإمدادات وتداعيات التحول السريع نحو الطاقة المتجددة، أبدى الاتحاد الدولي لمنتجي النفط والغاز، الذي يمثل الشركات الخاصة والعامة العاملة في القطاع حول العالم، موافقته مع الرؤية العامة لمنظمة «أوبك».

وقالت إيمان هيل رئيسة الاتحاد الدولي لمنتجي النفط والغاز، إن أعضاء الاتحاد يتطلعون للعمل مع «أوبك»، في كافة المجالات خلال الفترة المقبلة، والتي قد تشهد اضطرابات في الإمدادات وتذبذبات في الأسعار؛ نتيجة نقص الاستثمارات.
أوضحت هيل في حوار مع «الشرق الأوسط» خلال وجودها في القاهرة، أنه «سيكون من الجيد أن يكون بيننا تعاون مع (أوبك) من أجل المستقبل بشكل عام وأمن الطاقة بشكل خاص... لدينا قواسم مشتركة بالفعل... ونتطلع للعمل معا».
يوفر أعضاء الاتحاد الدولي لمنتجي النفط والغاز، وأبرزهم «أرامكو» السعودية و«أدنوك» الإماراتية و«غاز البصرة» العراقي، و«إيني» الإيطالية، و«بي بي» البريطانية، و«إكسون موبيل» الأميركية، و«توتال» الفرنسية، نحو 40 في المائة من الطلب العالمي على النفط والغاز. ولا تنفصل جهود الشركات العاملة في القطاع، التي يمثلها الاتحاد عن سعي منظمة «أوبك» وحلفائها الدائم للحفاظ على استقرار السوق، خصوصاً خلال الفترات التي شهدت اضطرابات في الطلب بعد تفشي وباء «كوفيد - 19». ومع عودة الطلب مرة أخرى لنفس معدلاته، نبهت «أوبك» من نقص الاستثمارات الذي لازم القطاع فترة تفشي «كورونا»، والتسريع نحو تحول الطاقة، مما نتج عنه نقص في المخزونات العالمية، وبناء عليه قررت خفض الإنتاج بنحو مليوني برميل يومياً منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2022 وحتى نهاية العام الجاري، مع مراعاة أي تغيرات في السوق.

أمن الطاقة والتحول الطاقي
في هذا الصدد، ركزت هيل على قضية أمن الطاقة العالمي في حديثها الذي امتد على مدار ساعة كاملة في أحد فنادق القاهرة، وقالت: «يعتقد الكثيرون أن قضية أمن الطاقة تهدد إجراءات التحول نحو الطاقة المتجددة... لا ينبغي ذلك، يجب أن يكون هناك نهج شامل، في المدى القريب يجب أن تكون أولويتنا هي الحصول على مزيد من الطاقة للسوق قبل التخطيط لخطواتنا التالية؛ لضمان أمن الطاقة على المدى القريب أولا، وعندما تستعيد السوق توازنها، يجب على صانعي السياسات اتخاذ القرارات بناء على العرض والطلب، مع وضع نسبة الانبعاثات الكربونية في الاعتبار».
ورفضت الربط بين الحد من الانبعاثات والابتعاد تماماً عن الوقود الأحفوري، قائلة: «يجب التركيز على الحد من الانبعاثات بدلاً من الابتعاد الآيديولوجي عن الوقود الأحفوري. سيسمح لنا ذلك بالاستفادة من موارد النفط والغاز لضمان أمن الطاقة العالمي، فمثلاً الغاز يلبي الطلب على الطاقة، وهو ينتج انبعاثات كربونية أقل».
أضافت هيل أن انتقال الطاقة سيظل قضية حاسمة بالنسبة للقطاع والصناعة في المستقبل المنظور، «ومع ذلك، يجب أن تكون الطريقة التي نتعامل بها مع هذا الموضوع المهم مستدامة ومعقولة»، مشيرة إلى أنه «لفترة طويلة جداً، تم التعبير عن تحول الطاقة على أنه الابتعاد عن الوقود الأحفوري، والذي تم تضخيمه من خلال الضغط على صناع السياسات من قبل نشطاء المناخ». وهذا قد يجعلنا عالقين عند نقطة محددة من عملية تحول الطاقة، وهذا «لا نريده... لذلك يجب أن يكون التركيز على تقليل الانبعاثات».
أكدت هيل هنا أنه «يجب أن نتبنى نهجاً شاملاً من خلال التكنولوجيا الحديثة، بل وتطويعها لتقليل الانبعاثات. فلا يزال تطوير مصادر الطاقة المتجددة أمراً بالغ الأهمية لانتقال الطاقة، ومع ذلك يجب أن يتم ذلك بطريقة تسمح لجميع الحلول التي لديها القدرة على تقليل الانبعاثات أن تلعب دوراً نشطاً».

الحرب الروسية الأوكرانية
سلط الصراع الروسي الأوكراني الضوء على أهمية أمن الطاقة للعالم أجمع، ولفت الانتباه إلى أزمة كبيرة جنباً إلى جنب مع عمليات إزالة الكربون وتحول الطاقة، قالت إيمان هيل هنا: «نحن جميعاً معنيون بصناعة النفط والغاز لدفع عملية إزالة الكربون وتحول الطاقة، ولكن لا يمكن أن يكون ذلك على حساب أمن الطاقة».
أضافت «على سبيل المثال، إذا نظرنا إلى أوروبا، فقد أوضحت الحرب الروسية أنه لا يمكنك الاعتماد بشكل مفرط على الإمداد من بلد واحد أو منطقة واحدة، مثل أوروبا التي اعتمدت بشكل مفرط على روسيا في إمدادات الطاقة».
وأشارت إلى الأصوات التي تنادي بأن نحتفظ بالوقود الأحفوري داخل الأرض، وقالت: «لا يمكن أن يدور الحديث حول الاحتفاظ بالوقود الأحفوري في الأرض، لأننا إذا لم نتمكن من تلبية الطلب على الطاقة، فسوف تنطفئ الأضواء وتعاني الدول النامية من فقر الطاقة وتتوقف المصانع... يجب أن يدور الحديث حول ما تفعله هذه الصناعة لتسريع العمل على إزالة الكربون، لذلك ننظر إلى عمليات تقليل الحرق الروتيني للوقود لخفض الانبعاثات، وهو أمر يتطلب الاستثمار في البنية التحتية. نحن ننظر إلى كفاءة الطاقة، وكيف نجعل مصانعنا ومنصاتنا تعمل بكفاءة من خلال التكنولوجيا المتطورة».
وترى رئيسة الاتحاد الدولي لمنتجي النفط والغاز، أن مستقبل انتقال الطاقة يحتاج إلى التركيز على: توفير الطاقة من خلال كفاءة استخدام الطاقة والاستخدام الأمثل للموارد. بالإضافة إلى «تحويل الوقود إلى بدائل أنظف، مثل استبدال الفحم بواسطة الغاز». فقد وفر الانتقال من الفحم إلى الغاز نحو 500 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، أي ما يعادل وضع 200 مليون مركبة كهربائية إضافية تعمل بالكهرباء الخالية من الكربون على الطريق منذ عام 2010، وأيضاً التقاط الكربون، ليس فقط أثناء استخراج مصادر الطاقة، ولكن أيضاً من القطاع الصناعي، «نحن بحاجة إلى التركيز على طاقة موثوقة وبأسعار معقولة ومستدامة».


إيمان هيل رئيسة الاتحاد الدولي لمنتجي النفط والغاز

الطاقة في الشرق الأوسط
ترى هيل أن هناك فرصة كبيرة لدول الخليج والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لسد الفجوة في الطلب على الطاقة، وسط سياسة تنويع الإمدادات بعيداً عن الغاز والنفط الروسي، التي تتبعها الدول الأوروبية، وبعض الدول الأخرى، خوفاً من العقوبات.
وقالت: «ستكون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منطقة مهيمنة من حيث الإنتاج لعقود قادمة»؛ نظرا لأن المنطقة تتمتع بإمكانيات كبيرة سواء في الطاقة التقليدية أو الطاقة المتجددة.
أضافت «تستكشف شركات النفط والغاز في الشرق الأوسط بدائل مستدامة لأساليب توليد الطاقة الحالية، وتنويع أصولها، وزيادة التمويل لتطوير التكنولوجيا المتجددة، على سبيل المثال: الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة النووية والطاقة المائية والطاقة الحيوية».
وأشارت هنا إلى مبادرة «الشرق الأوسط الأخضر»، التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، والتي تشكل أول تحالف إقليمي من نوعه يهدف لتقليل الانبعاثات الكربونية في المنطقة بأكثر من 60 في المائة، وتسعى إلى توفير فرص اقتصادية ضخمة في المنطقة. فضلا عن زراعة 50 مليار شجرة في جميع أنحاء دول المنطقة، واستعادة مساحة تعادل 200 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة. بهدف المساعدة في خفض مستويات الكربون العالمية بنسبة 2.5 في المائة، كما أشارت إلى المشاريع الحالية في أبوظبي، التي تحيد ما يصل إلى 5 ملايين طن سنوياً من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
واختتمت إيمان هيل رئيسة الاتحاد الدولي لمنتجي النفط والغاز، الذي يقع مقره الرئيسي في لندن، حديثها مع «الشرق الأوسط»، بقولها: «نتطلع لزيادة عدد أعضاء الاتحاد البالغ عددهم نحو 90 شركة خاصة وعامة، بنسبة 5 في المائة سنويا»، مشيرة إلى أن هناك مناقشات تدور حاليا مع شركات مصرية للانضمام إلى الاتحاد، أبرزها «إيجاس» و«إنبي».


مقالات ذات صلة

«الفيدرالي» الأميركي يرفع الفائدة للمرة العاشرة في تشدد تاريخي

الاقتصاد «الفيدرالي» الأميركي يرفع الفائدة للمرة العاشرة في تشدد تاريخي

«الفيدرالي» الأميركي يرفع الفائدة للمرة العاشرة في تشدد تاريخي

للمرة العاشرة منذ مارس (آذار) العام الماضي، اتجه البنك الاتحادي الفيدرالي الأميركي إلى رفع سعر الفائدة بمقدار 0.25 نقطة أساس، يوم الأربعاء، في محاولة جديدة لكبح جماح معدلات التضخم المرتفعة، التي يصارع الاتحادي الفيدرالي لخفضها إلى 2 في المائة دون نجاح ملحوظ. وأعلن مجلس الاحتياطي الاتحادي رفع سعر الفائدة الرئيسي 25 نقطة أساس إلى نطاق 5.00 و5.25 في المائة، لتستمر بذلك زيادات أسعار الفائدة منذ مارس 2022 وهي الأكثر تشدداً منذ 40 عاماً، في وقت يثير المحللون الاقتصاديون تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الزيادة ستكون آخر مرة يقوم فيها الاتحادي الفيدرالي برفع الفائدة، أم أن هناك مزيداً من الخطوات خلال الفت

هبة القدسي (واشنطن)
الاقتصاد أميركا تعرقل تقدمها في الطاقة الشمسية بـ«الرسوم الصينية»

أميركا تعرقل تقدمها في الطاقة الشمسية بـ«الرسوم الصينية»

لا تتوقف تداعيات الحرب التجارية الدائرة منذ سنوات بين الولايات المتحدة والصين عند حدود الدولتين، وإنما تؤثر على الاقتصاد العالمي ككل، وكذلك على جهود حماية البيئة ومكافحة التغير المناخي. وفي هذا السياق يقول الكاتب الأميركي مارك غونغلوف في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء إن فرض رسوم جمركية باهظة على واردات معدات الطاقة الشمسية - في الوقت الذي يسعى فيه العالم لمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري ومكافحة تضخم أسعار المستهلك وتجنب الركود الاقتصادي - أشبه بمن يخوض سباق العدو في دورة الألعاب الأوليمبية، ويربط في قدميه ثقلا يزن 20 رطلا. وفي أفضل الأحوال يمكن القول إن هذه الرسوم غير مثمرة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد الدولار يتراجع  في «ساعات الترقب»

الدولار يتراجع في «ساعات الترقب»

هبط الدولار يوم الأربعاء بعد بيانات أظهرت تراجع الوظائف الجديدة في الولايات المتحدة، فيما ترقبت الأنظار على مدار اليوم قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) الذي صدر في وقت لاحق أمس بشأن أسعار الفائدة. وأظهرت بيانات مساء الثلاثاء انخفاض الوظائف الجديدة في الولايات المتحدة للشهر الثالث على التوالي خلال مارس (آذار)، وسجلت معدلات الاستغناء عن الموظفين أعلى مستوياتها في أكثر من عامين، ما يعني تباطؤ سوق العمل، وهو ما قد يساعد الاحتياطي الفيدرالي في مكافحة التضخم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد النفط يواصل التراجع... والخام الأميركي  أقل من 70 دولاراً للبرميل

النفط يواصل التراجع... والخام الأميركي أقل من 70 دولاراً للبرميل

واصلت أسعار النفط تراجعها خلال تعاملات أمس الأربعاء، بعد هبوطها بنحو 5 في المائة في الجلسة السابقة إلى أدنى مستوى في خمسة أسابيع، فيما يترقب المستثمرون المزيد من قرارات رفع أسعار الفائدة هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد 2022 «عام الجوع»... والقادم غامض

2022 «عام الجوع»... والقادم غامض

أظهر تحليل أجرته منظمات دولية تشمل الاتحاد الأوروبي ووكالات الأمم المتحدة المختلفة أن عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع أو يشهدون أوضاعا تتسم بانعدام الأمن الغذائي ارتفع في مختلف أنحاء العالم في 2022. وتوصل التقرير الذي صدر يوم الأربعاء، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إلى أن أكثر من ربع مليار شخص عانوا من جوع شديد أو من مجاعات كارثية العام الماضي.

أحمد الغمراوي (القاهرة)

مصير قضية الرشوة المزعومة للملياردير الهندي غوتام أداني قد يتوقف على رئاسة ترمب

الملياردير الهندي غوتام أداني يتحدث خلال حفل بعد أن أكملت مجموعة «أداني» شراء ميناء حيفا في وقت سابق من يناير 2023 (رويترز)
الملياردير الهندي غوتام أداني يتحدث خلال حفل بعد أن أكملت مجموعة «أداني» شراء ميناء حيفا في وقت سابق من يناير 2023 (رويترز)
TT

مصير قضية الرشوة المزعومة للملياردير الهندي غوتام أداني قد يتوقف على رئاسة ترمب

الملياردير الهندي غوتام أداني يتحدث خلال حفل بعد أن أكملت مجموعة «أداني» شراء ميناء حيفا في وقت سابق من يناير 2023 (رويترز)
الملياردير الهندي غوتام أداني يتحدث خلال حفل بعد أن أكملت مجموعة «أداني» شراء ميناء حيفا في وقت سابق من يناير 2023 (رويترز)

تم توجيه الاتهام إلى الملياردير الهندي غوتام أداني من قبل المدعين العامين الأميريين، لدوره المزعوم في مخطط لرشوة المسؤولين الهنود بقيمة 265 مليون دولار مقابل شروط مواتية لعقود طاقة شمسية كان من المقرر أن تدر أكثر من ملياري دولار من الأرباح، مما تسبب في صدمة بجميع أنحاء تكتل الأعمال التجارية الذي يحمل اسمه.

فمن هو غوتام أداني؟

بالنسبة للعامة، غوتام أداني هو الملياردير الهندي الذي بنى تكتلاً قوياً يمتد عبر التعدين والموانئ والطاقة المتجددة. وبالنسبة لشركائه المزعومين في مخطط رشوة بمليارات الدولارات، كان يستخدم أسماء سرية بما في ذلك «نوميرو أونو».

وهو رجل أعمال من الجيل الأول رافق صعوده الهائل سلسلة من الخلافات في الداخل والخارج.

ويواجه أداني، الذي نجا من الموت بأعجوبة في عام 2008 وكان واحداً من بين كثير من الأشخاص العالقين داخل فندق تاج محل بالاس في مومباي عندما قام مسلحون بعملية قتل، مذكرة اعتقال أميركية وعقوبات جنائية بسبب تهم الاحتيال والرشوة.

وقد خسرت مجموعة شركات «أداني»، التي تتراوح بين الطاقة والمواني والسكر وفول الصويا، أكثر من 150 مليار دولار من القيمة السوقية المجمعة العام الماضي، بعد أن اتهمت مجموعة «هيندنبورغ» للأبحاث التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، مجموعته التي تحمل اسمه باستخدام الملاذات الضريبية الخارجية بشكل غير صحيح. وأنكرت المجموعة، التي استردت بعض الخسائر وتبلغ قيمتها الإجمالية الآن 141 مليار دولار، جميع هذه الادعاءات، وفق «رويترز».

وقبل أن تنخفض أسهم شركات مجموعة «أداني» العام الماضي، كان تارك الدراسة الثانوية البالغ من العمر 62 عاماً قد أصبح لفترة وجيزة أغنى شخص في العالم بعد الرئيس التنفيذي لـ«تيسلا» إيلون ماسك. ويحتل أداني الآن المرتبة الـ25 في قائمة أغنى أغنياء العالم بصافي ثروة تبلغ نحو 57.6 مليار دولار، وفقاً لمجلة «فوربس».

وفي حين تم التشكيك في مشروعات الفحم والطاقة الخاصة بالمجموعة وصفقات أخرى في بلدان مثل أستراليا وبنغلاديش، استخدم قادة المعارضة الهندية بانتظام شركة «أداني» للهجوم على حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، زاعمين محسوبيته له، بما في ذلك منح «أداني» عقد إعادة تطوير حي فقير ضخم في مومباي. وقد رفض الطرفان هذه الاتهامات.

ويوم الاثنين، عطل نواب المعارضة البرلمان الهندي للمطالبة بمناقشة مزاعم الرشوة ضد مجموعة «أداني»، بينما انخفضت أسعار سندات «أداني» الدولارية إلى أدنى مستوياتها في عام تقريباً مع قيام المستثمرين والمقرضين بتقييم القضية.

أعضاء المؤتمر الهندي للشباب يحتجون ضد الصناعي الهندي غوتام أداني مطالبين باعتقاله (إ.ب.أ)

وقد نشر رئيس حزب المؤتمر المعارض الرئيسي، ماليكارجون خارغي، على منصة «إكس»: «مع بدء جلسة البرلمان، فإن الخطوة الأولى التي يجب على الحكومة اتخاذها هي إجراء مناقشة مفصلة حول ملحمة أداني التي تنطوي على إمكانية تشويه صورة الهند على الساحة العالمية».

العلاقات بين الهند وأميركا

ويعتقد كثير من الخبراء أن مزاعم الرشوة الموجهة ضد أداني، ستترك أثراً كبيراً على العلاقات الأميركية - الهندية، ما لم يقرر الرئيس المنتخب دونالد ترمب وقف الملاحقة القضائية.

وكان أداني قال بعد فوز ترمب في الانتخابات الأميركية، على منصة «إكس»، إن الرئيس الأميركي المنتخب كان «تجسيداً للمثابرة التي لا تنكسر، والعزيمة التي لا تتزعزع، والتصميم الذي لا يلين والشجاعة للبقاء مخلصاً لمعتقداته».

وفي معرض تهنئته لترمب، قال أداني الأسبوع الماضي، إن مجموعته ستستثمر 10 مليارات دولار في مشروعات الطاقة والبنية التحتية بالولايات المتحدة، دون تقديم تفاصيل سوى أن الاستثمار يهدف إلى خلق 15 ألف وظيفة.

وقال براهما شيلاني، أستاذ الدراسات الاستراتيجية بمركز أبحاث السياسات في تصريح لـ«بلومبرغ»، إن لائحة الاتهام يُنظر إليها على أنها ذات دوافع سياسية في نيودلهي. وتوقع أيضاً أن يكون لها تأثير على التعاون بين الولايات المتحدة والهند والثقة المتبادلة بين البلدين ما لم تسقط إدارة ترمب المقبلة الملاحقة القضائية.

وأشار شيلاني إلى أن «الكثير سيعتمد على الكيفية التي ستسعى بها الإدارة الأميركية المقبلة لرسم العلاقة مع الهند».

من ناحية أخرى، يبدو أن كثيراً من الأشخاص الرئيسيين الذين رشحهم ترمب ليكونوا جزءاً من حكومته مؤيدون للهند. ففي العام الماضي، كان مستشار الأمن القومي الجديد لترمب، مايك والتز، ضيفاً على مودي في احتفالات يوم الجمهورية الهندية. وفي يوليو (تموز) الماضي، قدم ماركو روبيو، الذي اختاره ترمب لمنصب وزير الخارجية، مشروع قانون إلى مجلس الشيوخ الأميركي لتعزيز العلاقات الدفاعية مع الهند، ومعاملة الدولة الواقعة في جنوب آسيا حليفاً في حلف شمال الأطلسي مثل اليابان.

بداية حياة أداني

وُلد أداني في 24 يونيو (حزيران) 1962 في مدينة أحمد آباد بولاية غوجارات الغربية - وهي أيضاً ولاية مودي الأم - وترك الدراسة في سن 16 عاماً بعد إكماله الصف العاشر.

وأسس مجموعة «أداني» في عام 1988، وبدأ بتجارة السلع الأساسية. وقد جاء من عائلة من الطبقة المتوسطة في مجال النسيج ليكوّن ثروته، على عكس كثير من المليارديرات الآخرين الذين يرثون ثرواتهم بالوراثة.

وهو متزوج من طبيبة الأسنان بريتي أداني، ولديه ابنان هما كاران وجيت، وكلاهما يعمل في أعمال الشركة، مثل كثيرين آخرين في العائلة.

ووفقاً لشخص على دراية مباشرة بتعاملاته، فإن لديه أسلوباً «عملياً للغاية» في إدارة إمبراطوريته، وقال إنه يهدف إلى توريثها للجيل المقبل في العائلة عندما يبلغ من العمر 70 عاماً.

وصف أداني نفسه في مقابلات مع وسائل الإعلام المحلية والأجنبية بأنه شخص خجول، وعزا ارتفاع شعبيته جزئياً إلى الهجمات السياسية التي واجهها.

المستثمرون يتخارجون

أعلنت شركة النفط الفرنسية العملاقة «توتال إنرجيز» في بيان يوم الاثنين، أنها أوقفت الاستثمارات الجديدة في مجموعة «أداني» بسبب اتهامات الرشوة.

موظفة تسير أمام بث رقمي في بورصة مومباي للأوراق المالية (أ.ف.ب)

وكانت خطوة «توتال إنرجيز» أول التداعيات الكبرى من تخارج الاستثمارات من المجموعة.

وتمتلك «توتال» حصة 20 في المائة في «أداني للطاقة الخضراء»، ولديها مقعد في مجلس إدارة الشركة الهندية.

كما تمتلك «توتال» أيضاً حصة 37.4 في المائة بشركة «أداني توتال للغاز المحدودة»، بالإضافة إلى حصة 50 في المائة في 3 مشروعات مشتركة للطاقة المتجددة مع شركة «أداني للطاقة الخضراء».

ويوم الثلاثاء، أعلنت «أداني للطاقة الخضراء» أنه لا يوجد أي تعهد مالي جديد قيد المناقشة مع «توتال إنرجيز».

وأضافت في بيان للبورصة، أن بيان «توتال إنرجيز» لن يكون له أي تأثير مادي على عمليات «أداني للطاقة الخضراء» أو خطتها للنمو.

وانخفضت أسهم «أداني للطاقة الخضراء» بنسبة 7 في المائة يوم الثلاثاء، لتواصل انخفاضها بنسبة 8 في المائة بعد بيان «توتال إنرجيز».

وخسرت الشركة أكثر من 9.5 مليار دولار من قيمتها السوقية منذ توجيه الاتهامات الأميركية.