مشاورات الفصائل الفلسطينية بالقاهرة «أحادية»... وتقتصر على «الجهاد» و«حماس»

مصادر: مصر أبلغت إسرائيل «تحذيرات واضحة» بشأن «خطورة الموقف»

الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال استقباله رئيسي جهازي المخابرات المصرية والأردنية قبل أيام في رام الله (وفا)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال استقباله رئيسي جهازي المخابرات المصرية والأردنية قبل أيام في رام الله (وفا)
TT

مشاورات الفصائل الفلسطينية بالقاهرة «أحادية»... وتقتصر على «الجهاد» و«حماس»

الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال استقباله رئيسي جهازي المخابرات المصرية والأردنية قبل أيام في رام الله (وفا)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال استقباله رئيسي جهازي المخابرات المصرية والأردنية قبل أيام في رام الله (وفا)

كشفت مصادر مصرية مطلعة أن اللقاءات التي تستضيفها القاهرة حالياً للفصائل الفلسطينية «ستقتصر في المرحلة الحالية على حركتي الجهاد وحماس، ولن تمتد إلى فصائل أخرى»، لافتة إلى أن المحادثات التي ستجريها الفصائل الفلسطينية مع المسؤولين المصريين «ستكون أحادية»، بحيث تجرى المشاورات أولاً مع وفد حركة «الجهاد»، تليها المشاورات مع وفد حركة «حماس»، عقب اكتمال وصول قيادات الحركة برئاسة رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية.
وتوقعت المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، شريطة عدم الكشف عن هويتها، أن «يكتمل وصول أعضاء وفد حماس خلال أربعة أو خمسة أيام»، تنطلق بعدها مباشرة مشاورات مكثفة من أجل «تثبيت التهدئة في الأراضي المحتلة، وضمان عدم انفلات الأوضاع الميدانية في ظل التصعيد الراهن».
وتأتي المشاورات التي تستضيفها القاهرة، في ظل تصعيد ميداني تسبب في مقتل ما لا يقل عن 35 فلسطينياً برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية منذ بداية العام الحالي، ومقتل 7 أشخاص في عملية إطلاق نار نفذها فلسطيني خارج كنيس يهودي بالقدس في 27 يناير (كانون الثاني) الماضي، وذلك بعد يوم واحد على أكبر مداهمة للجيش الإسرائيلي للضفة الغربية منذ عام 2000، خلفت 10 شهداء فلسطينيين.
وأوضحت المصادر المقربة من لقاءات الفصائل، أن وفد حركة «الجهاد» برئاسة الأمين العام للحركة زياد النخالة، أجرى السبت، محادثات مطولة مع مسؤولين أمنيين مصريين رفيعي المستوى، بعد التئام كامل لوفد «الجهاد»؛ سواء القادمين من بيروت، أو العناصر التي وصلت إلى مصر من قطاع غزة عبر معبر رفح البري.
ولفتت المصادر إلى أن «هناك اتصالات مفتوحة بين المسؤولين المصريين وقيادات حركة (فتح) والسلطة الفلسطينية»، وأنه «من غير المتوقع دعوة فصائل أخرى، وفي مقدمتها حركة (فتح) في الوقت الراهن، إلا إذا استدعت الضرورة ذلك».
وأشارت المصادر إلى أن «القاهرة لن تطرح رؤية حالياً»، وأن هدفها الأول من استضافة هذه المشاورات «الاستماع أكثر» إلى مطالب الفصائل الفاعلة في قطاع غزة، وأن القاهرة «تسابق الزمن لضمان عدم امتداد التصعيد إلى جبهة جديدة، بما يمنح سلطات الاحتلال الإسرائيلي مبرراً لاستهداف القطاع».
وشهد عام 2022 سقوط أكبر عدد من الضحايا في الضفة الغربية منذ نهاية الانتفاضة الثانية (2000 - 2005)، حسب الأمم المتحدة.
ونجحت مصر في السنوات الأخيرة أكثر من مرة، في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين قوات الاحتلال الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية بغزة، كان آخرها في أغسطس (آب) من العام الماضي، وكذلك في ديسمبر (كانون الأول) 2021.
وأوضحت المصادر أنه سيتم إطلاع الفصائل على نتائج الزيارة التي قام بها وفد أمني مصري إلى تل أبيب مؤخراً، وأشارت إلى أن المسؤولين الإسرائيليين «طلبوا خلال تلك الزيارة ضمانات بعدم إطلاق صواريخ من قطاع غزة»، وأنها «تتخوف بشكل واضح من انخراط حركة الجهاد في بعض الهجمات الأخيرة على المستوطنات الإسرائيلية».
وأطلق مسلحون فلسطينيون مطلع الشهر الحالي، قذيفة صاروخية من قطاع غزة على جنوب إسرائيل، جرى اعتراضها من قبل نظام القبة الحديدية الدفاعي، بحسب مصادر أمنية فلسطينية وإسرائيلية متطابقة، فيما لم يعلن أي من الفصائل المسؤولية عن الإطلاق.
وأشارت المصادر إلى أن الأفكار التي طرحها وفد حركة «الجهاد» خلال اللقاء مع المسؤولين المصريين، السبت، تركزت على «ضرورة الحصول على ضمانات إسرائيلية واضحة بشأن التهدئة، وعدم تكرار الزيارات الاستفزازية للمسجد الأقصى، أو اقتحام المناطق الفلسطينية على نحو ما جرى في مخيم جنين، إضافة إلى ضمانات بشأن توفير معاملة جيدة للأسرى الفلسطينيين بسجون الاحتلال، وتوسيع نطاق عمل الصيادين الفلسطينيين في قطاع غزة، وعودة دخول العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل، وإعادة الفتح الدوري للمعابر التي تسيطر عليها إسرائيل».
وتوقعت المصادر ألا تختلف مطالب حركة «حماس» كثيراً عما طرحته حركة «الجهاد»، إلا أنها رأت أن «حماس» ستركز على «ضرورة تثبيت الهدنة القائمة واستمرار التيسيرات التي تحصل عليها حالياً، إضافة إلى التزامها بمسؤولية الأمن في القطاع».
وأضافت المصادر أن الوفد الأمني المصري الذي زار تل أبيب قبل ساعات من انطلاق مشاورات الفصائل الفلسطينية في القاهرة، «أبلغ المسؤولين الإسرائيليين رسالة تحذيرية واضحة بشأن خطورة الموقف على الجانب الفلسطيني، وطالب الحكومة الإسرائيلية بعدم الانسياق وراء مساعي بعض الشخصيات المتشددة لإشعال مواجهة مفتوحة مع الفلسطينيين».
من جانبه، يرى الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن مشاورات الفصائل الفلسطينية التي تستضيفها القاهرة حالياً «تعتمد على خبرة مصرية متراكمة في هذا الملف توظفها من أجل المصلحة الفلسطينية والعربية».
وأضاف فهمي لـ«الشرق الأوسط»، أن مصر لديها مصداقية كبيرة لدى مختلف أطراف القضية، سواء لدى السلطة الفلسطينية والفصائل المختلفة، أو لدى الحكومة الإسرائيلية، فضلاً عن الدعم الكبير والثقة التي تحظى بها تحركاتها في هذا الملف من جانب الإدارة الأميركية، التي «تعول على القاهرة في نزع فتيل الأزمة».
وتابع فهمي أن التحركات المصرية الأخيرة تضمنت تنسيقاً رفيع المستوى مع الجانب الأردني، خصوصاً في ضوء زيارة مديري الاستخبارات بالبلدين إلى الضفة الغربية، والتنسيقات الأمنية والسياسية على مختلف الأصعدة.
وحول رؤيته لبنود التهدئة المنتظرة أن تنتهي إليها مشاورات الفصائل، أوضح فهمي أن الجانب الفلسطيني يسعى إلى وقف تصعيد السلطات الإسرائيلية، سواء عبر الانتهاكات في الأماكن المقدسة، أو الاقتحامات للقرى والمخيمات الفلسطينية، إضافة إلى وقف أي مخططات للاستيطان في الأراضي الفلسطينية، لافتاً إلى أن ثمة تجاوباً من الحكومة الإسرائيلية مع الضغوط الأميركية والمصرية مؤخراً بوقف هدم قرية «الخان الأحمر» التي يمكن أن يؤدي مضي الحكومة الإسرائيلية في أعمال هدمها إلى إشعال الموقف برمته.
في السياق ذاته، ثمّن الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، الاستشراف المصري للأزمة قبل التصعيد الأخير، لافتاً إلى استضافة القاهرة مؤخراً مجموعة من اللقاءات التنسيقية، سواء القمة الثلاثية المصرية - الأردنية - الفلسطينية، أو لقاءات مسؤولي الأجهزة الأمنية في الدول الثلاث، إضافة إلى المشاورات مع الولايات المتحدة، وهو ما يعكس برأيه «إدراك مصر للقضية الفلسطينية باعتبارها (قضية أمن قومي) بالنسبة لها».
وأشار الرقب في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن المشاورات بين الفصائل الفلسطينية والسلطات المصرية «تستهدف ضمان عدم انجرار قطاع غزة إلى مواجهة مع قوات الاحتلال»، مشيراً إلى أن مصر «تخشى من إقحام غزة في حرب بالوكالة لا يدفع ثمنها سوى الشعب الفلسطيني الأعزل».
وتابع أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أن هناك مصلحة فلسطينية دائمة في التهدئة، خصوصاً في ظل تعسف سلطات الاحتلال، والإدراك لمدى تعطش بعض قيادات الحكومة الإسرائيلية الحالية لافتعال الأزمات، مضيفاً أن إسرائيل أيضاً تريد «تهدئة جبهة غزة وضمان عدم إطلاق صواريخ من جانبها»، وبالتالي «يبقى الأمر رهناً بمدى التزام الحكومة الإسرائيلية بضمانات التهدئة».


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


تقرير: «الدعم السريع» السودانية أخفت أدلة على فظائع في الفاشر

عناصر من «قوات الدعم السريع» (رويترز - أرشيفية)
عناصر من «قوات الدعم السريع» (رويترز - أرشيفية)
TT

تقرير: «الدعم السريع» السودانية أخفت أدلة على فظائع في الفاشر

عناصر من «قوات الدعم السريع» (رويترز - أرشيفية)
عناصر من «قوات الدعم السريع» (رويترز - أرشيفية)

كشف تقرير جديد عن أن «قوات الدعم السريع» السودانية دمرت وأخفت أدلة على عمليات قتل جماعي ارتكبتها بعد اجتياحها مدينة الفاشر بإقليم دارفور غرب البلاد.

وقال مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة «ييل» الأميركية، الذي يستخدم صوراً للأقمار الاصطناعية لرصد الفظائع منذ بدء الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، الثلاثاء، إن هذه الأخيرة «دمرت وأخفت أدلة على عمليات القتل الجماعي واسعة النطاق التي ارتكبتها» في عاصمة ولاية شمال دارفور، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

أثارت سيطرة «قوات الدعم السريع» العنيفة على آخر معاقل الجيش في إقليم دارفور في أكتوبر (تشرين الأول)، غضباً دولياً، بسبب تقارير تحدثت عن عمليات إعدام خارج إطار القضاء واغتصاب ممنهج واحتجاز جماعي.

وأكد مختبر الأبحاث الإنسانية أنه حدد في أعقاب سيطرة «الدعم السريع» على المدينة 150 أثراً تتطابق مع رفات بشرية.

تتطابق عشرات من هذه الآثار مع تقارير عن عمليات الإعدام، وتتطابق عشرات أخرى مع تقارير تفيد بأن «قوات الدعم السريع» قتلت مدنيين في أثناء فرارهم.

وأضاف المختبر أنه في غضون شهر، اختفى نحو 60 من تلك الآثار، فيما ظهرت ثماني مناطق حفر قرب مواقع القتل الجماعي لا تتوافق مع ممارسات الدفن المدنية.

وخلص التقرير إلى أن «عمليات قتل جماعي وتخلص من الجثث على نطاق واسع ومنهجي قد حدثت»، مقدِّراً عدد القتلى في المدينة بعشرات الآلاف.

وطالبت منظمات إغاثة والأمم المتحدة مراراً بالوصول الآمن إلى الفاشر، حيث لا تزال الاتصالات مقطوعة ويُقدَّر عدد الناجين المحاصرين بعشرات الآلاف، وكثير منهم محتجزون لدى «قوات الدعم السريع».


حكومة نيالا تنفي التنسيق مع حكومة بورتسودان على تأمين حقول «هجليج»

حقول «هجليج» السودانية النفطية (متداولة)
حقول «هجليج» السودانية النفطية (متداولة)
TT

حكومة نيالا تنفي التنسيق مع حكومة بورتسودان على تأمين حقول «هجليج»

حقول «هجليج» السودانية النفطية (متداولة)
حقول «هجليج» السودانية النفطية (متداولة)

أبقى أطراف اتفاق حماية حقول النفط الثلاثي في حقول «هجليج» السودانية تفاصيل ترتيبات تأمين الحقول والمنشآت، التي أعقبت سيطرة «قوات الدعم السريع» على المنطقة، سريةً، وذلك على الرغم من إعلان جوبا رسمياً دخول قوات من جيش دفاع جنوب السودان إلى المنطقة.

وعلى الرغم من التكتم الرسمي على التعامل مع عائدات عبور نفط جنوب السودان، فقد تم تداول تقارير خبراء ومعلومات، عن تقاسمها بين حكومتي بورتسودان ونيالا، لكن حكومة «تأسيس» الموالية لـ«الدعم السريع» نفت ذلك بشدة، وقطعت بعدم وجود تفاهمات «ثلاثية» من حيث المبدأ، في حين اكتفت بورتسودان بالصمت.

جانب من أشغال الصيانة في حقول «هجليج» السودانية (متداولة)

وقال الخبير والمحلل الأميركي المختص بشؤون أفريقيا والسودان، كاميرون هدسون، في تغريدة على حسابه بمنصة «إكس» إن «قوات الدعم السريع» ستجني وفقاً لاتفاق تقاسم العائدات عند مستويات الإنتاج النفطي الحالية، نحو 200 ألف دولار يومياً، أو 6 ملايين دولار شهرياً، بعد سيطرتها على حقول «هجليج»، وهو مبلغ كبير، يكفي لدفع رواتب مقاتليها واستدامة هجومها.

وأيّد رأي هدسون الصحافي الاستقصائي المستقل، إياد حسين، في تعليق على تغريدته، بقوله إن الأطراف الثلاثة اتفقوا على رسم قدره 11 دولاراً أميركياً عن كل برميل نفط، تحصل بموجبه الحكومة الموالية للجيش، التي تتخذ من بورتسودان الساحلية عاصمة مؤقتة، على 7 دولارات، في حين تحصل حكومة «تأسيس» الموالية لـ«قوات الدعم السريع» وتتخذ من نيالا عاصمة، على 4 دولارات عن البرميل الواحد.

بيد أن المتحدث باسم تحالف السودان التأسيسي (تأسيس) بالحكومة المدعومة من «قوات الدعم السريع»، الدكتور علاء الدين عوض نقد، قطع بعدم صحة مزاعم هدسون، ونفى وجود أي مفاوضات ثلاثية من حيث المبدأ، قائلاً: «لن تكون هناك مفاوضات ثلاثية مطلقاً».

صورة تبين حجم القصف الذي نفذه الجيش على حقل «هجليج» بعد سيطرة «الدعم السريع» عليه (متداولة)

وأوضح نقد في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن حكومته أبرمت تفاهمات مع دولة جنوب السودان فقط من أجل حفظ حقوق المواطنين الجنوبيين، بقوله: «من قبل كنا نحمي مصفاة الجيلي، ومحطات الضخ لحفظ حق إخوتنا الجنوبيين، لكن (جيش الإخوان) ضرب هذه المواقع بالكيميائي، وضرب برجي شركتي (النيل للبترول) و(بترو دار) والمبنى الرئيسي لوزارة الطاقة والنفط».

واشترط نقد لاستئناف عمليات الإنتاج والتصدير توفّر الأمن في المنطقة، وحمّل مسؤولية توقف الإنتاج والمعالجة والتصدير إلى الجيش السوداني، الذي قصفت مسيّراته المنطقة بعد استيلاء «الدعم السريع» عليها، بقوله: «قصفت المسيّرات منطقة هجليج في اليوم الثاني بعد التحرير، فأوقفت كل شيء».

وكان رئيس هيئة أركان جيش جمهورية جنوب السودان، الجنرال بول نانغ، قد أعلن عقب دخول قواته إلى هجليج الأسبوع الماضي عن اتفاق ثلاثي بين رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، ورئيس «مجلس السيادة» السوداني وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، ورئيس حكومة «تأسيس» وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو، قضى بدخول جيش دفاع شعب جنوب السودان إلى هجليج لحماية وتأمين المنشآت النفطية.

وتراجع إنتاج نفط جنوب السودان خلال فترة الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» من نحو 150 ألف برميل إلى 65 ألفاً يومياً، في حين تراجع النفط المنتج في السودان إلى أقل من 20 ألف برميل يومياً، كما توقفت عمليات المعالجة والتصدير تماماً بعد سيطرة «قوات الدعم السريع» على «هجليج»، وبهذا الخصوص قال نقد: «يتم الآن ضخ المياه في الأنبوب، حتى لا يتعطل».

وقبل انفصال جنوب السودان، ووفق تقارير البنك الدولي، كان السودان ينتج نحو 490 ألف برميل يومياً، لكنه خسر 75 في المائة من هذا الإنتاج، الذي ذهب إلى الدولة الوليدة (جنوب السودان)، وأصبح يعتمد على تعويض جزئي من رسوم العبور والمعالجة، المقدّرة بنحو 15 دولاراً للبرميل، إلى جانب إنتاج متراجع من حقوله، خصوصاً في «هجليج».

لحظة دخول قوات جنوب السودان الحقل (متداولة)

ويُصدَّر نفط جنوب السودان عبر منظومة خطوط أنابيب سودانية إلى ميناء بشائر على ساحل البحر الأحمر، قرب مدينة بورتسودان، وتتكون هذه المنظومة من مسارين هما «بحر دار» و«قريتر نايل»، بطول يزيد على 1500 كيلومتر، وتنتهي عند ساحل البحر الأحمر.

وبموجب اتفاقات أبرمت عقب الانفصال، اتفق البلدان على تحديد رسوم نقل نفط دولة جنوب السودان «المغلقة»، التي لا تملك سواحل بحرية، عبر خط الأنابيب السوداني، إضافة إلى رسوم معالجته، وتعويضات عن خسائر السودان الناجمة عن فقدانه الحصةَ الأكبر من النفط.

لكن خلال الحرب المستمرة منذ أبريل (نيسان) 2023، وقعت أعطال نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية وندرة وقود تشغيل محطات المعالجة (الديزل)، ما أدّى إلى تراجع أو توقفات مؤقتة لصادرات نفط جنوب السودان التي يعتمد اقتصادها «كلياً» على النفط.

وكانت شركة البترول الوطنية الصينية (CNPC) قد أنهت استثماراتها النفطية في السودان، بعد 30 عاماً من الشراكة، ونقلت المهندسين والفنيين والعمال إلى دولة جنوب السودان، وعزت قرارها إلى التدهور الأمني، الذي تشهده المنطقة، وذلك قبل سيطرة «الدعم السريع» على «هجليج».


مرضى «الضمور» للتظاهر ضد «الوحدة» الليبية

وقفة احتجاجية بالكراسي المتحركة لمرضى ضمور العضلات في طرابلس (رابطة ضمور العضلات)
وقفة احتجاجية بالكراسي المتحركة لمرضى ضمور العضلات في طرابلس (رابطة ضمور العضلات)
TT

مرضى «الضمور» للتظاهر ضد «الوحدة» الليبية

وقفة احتجاجية بالكراسي المتحركة لمرضى ضمور العضلات في طرابلس (رابطة ضمور العضلات)
وقفة احتجاجية بالكراسي المتحركة لمرضى ضمور العضلات في طرابلس (رابطة ضمور العضلات)

وصل غضب مرضى ضمور العضلات في ليبيا إلى ذروته، عقب تسجيل 3 وفيات خلال أسبوعين فقط، بينهم طفلان.

ويتهم هؤلاء المرضى حكومة «الوحدة» المؤقتة، بقيادة عبد الحميد الدبيبة، بالتقصير في توفير الرعاية الصحية الأساسية، عادّين أنها «تنفق ببذخ على مهرجانات وفعاليات عامة». وسلّط محمد أبو غميقة، رئيس رابطة «مرضى ضمور العضلات»، الضوء على ما وصفه بأنه «غضب هادر بلغ ذروته على وقع هذه الوفيات»، في ظل «تجاهل حكومي يبدو متعمداً لمعاناتهم». محذراً من أن «قطار الموت ينتظر عشرات المصابين في ليبيا»، ومشيراً إلى أن هناك عائلات تضم أكثر من مريض، ما يعكس حجم المأساة داخل الأسرة الواحدة.

وأضاف أبو غميقة موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «بعض المرضى كانوا على اتصال مباشر بالمسؤولين للحصول على أجهزة تنفس، لكن الموت كان أسرع من وصول الوعود»، كما حدث مع حالة المريضة فيروز محمد العبار من مدينة شحات (شرق)، التي توفيت عن عمر 39 عاماً.

صبي ليبي مصاب بضمور العضلات (رابطة ضمور العضلات)

وفي بلد يعاني انقسامات سياسية وأمنية مزمنة، شملت وفيات هذا الشهر مرضى الضمور العضلي، إلى جانب حالة فيروز، كلاً من الطفل محمد عبد الهادي أبو زليليعة البالغ شهرين فقط، والطفل محمد إبراهيم شلابي (13 عاماً)، اللذين توفيا في طرابلس بعد مضاعفات صحية.

ووفق بيانات الرابطة، توفي نحو 160 مريضاً منذ أغسطس (آب) 2021، معظمهم بسبب نقص الرعاية الطبية الأساسية، فيما ينتظر 28 طفلاً حالياً الحصول على الحقنة الجينية «زولجنسما» التي قد تنقذ حياتهم.

ومنذ مطلع العام، اتخذت حكومة «الوحدة الوطنية» سلسلة من الإجراءات لتخفيف معاناة مرضى الإعاقة، تضمنت تنظيم دعم ذوي الإعاقة، وتحديد الفئات المستحقة للمعاشات، بالإضافة إلى إطلاق برنامج لعلاج ضمور العضلات، يشمل إنشاء معامل جينية.

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أعلن جهاز «دعم وتطوير الخدمات العلاجية» نقل 6 أطفال إلى أبوظبي لاستكمال علاجهم، إضافة إلى تخصيص موازنات لعشر حالات جديدة، مع استمرار برامج العلاج الطبيعي، فيما أطلقت الهيئة العامة لصندوق التضامن الاجتماعي المرحلة الرابعة من حملة لتوفير الأجهزة الطبية التعويضية للمرضى.

طفلة مصابة بضمور العضلات في وقفة احتجاجية أمام مقر مجلس الوزراء بطرابلس (رابطة ضمور العضلات)

غير أن رابطة «مرضى ضمور العضلات» تواصل تنظيم احتجاجاتها، وترى أن هذه «الإجراءات لا تستجيب لاحتياجاتهم المادية والطبيبة على نحو كامل»، علماً بأنها نظمت نحو 22 وقفة أمام مقر رئاسة الوزراء في طرابلس خلال السنوات الماضية.

ويشير أبو غميقة إلى أن المرضى يعتزمون تنظيم وقفة احتجاجية جديدة منتصف الأسبوع المقبل، مبدياً دهشته من «الإنفاق الحكومي السخي على فعاليات واحتفالات، مثل مهرجان (أيام طرابلس الإعلامية)، مقابل التباطؤ في توفير حقنة أو جهاز تنفس لمريض».

وفي هذا السياق، يروي عادل الديب، المدير السابق لـ«المركز الوطني لتطوير النظام الصحي» التابع لحكومة طرابلس، تجربته مع ملف هذا المرض خلال توليه منصبه. ويوضح أنه قدّم لوزير الصحة السابق في حكومة الدبيبة اقتراحاً بإنشاء مركز طبي متكامل لرعاية مرضى ضمور العضلات، يهدف إلى تقديم خدمات العلاج الطبيعي والتأهيل النفسي، إلى جانب دعم حكومي لتأهيل منازل المرضى لتناسب احتياجاتهم، لكن «هذه الاقتراحات لم تلق أي استجابة».

ويُعد ضمور العضلات من الأمراض النادرة، وينجم عن طفرات وراثية تؤدي إلى فقدان النسيج العضلي تدريجياً، ما يسبب ضعف الحركة وفقدانها كلياً.

وتشمل الأنواع الشائعة في ليبيا الضمور الشوكي، ودوشين، وبيكر، والحزام الطرفي، والكتفي، حسب الأطباء المحليين.

وقفة احتجاجية بالكراسي المتحركة لمصابي ضمور العضلات في طرابلس (رابطة ضمور العضلات)

وتوثق رابطة «مرضى ضمور العضلات» 739 حالة من أصل نحو 1600 مريض على مستوى ليبيا، يعيش بعضهم في مناطق نائية تفتقر إلى الخدمات الطبية والدعم.

وفي قراءة سياسية للأزمة، يرى المحلل السياسي خالد الحجازي أن «معاناة المرضى ليست مجرد أزمة صحية طارئة، بل مأساة تعكس سوء إدارة الموارد، واختلال منظومة الأولويات، خصوصاً في قطاعي الصحة والتعليم».

ويقول الحجازي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «استمرار هذا الواقع يزيد من فجوة الثقة بين المواطنين والدولة، ويحوّل المعاناة الإنسانية إلى أزمة طويلة الأمد نتيجة سوء الإدارة، وتغليب الحسابات السياسية والمالية على كرامة الإنسان وحقه في الحياة».

ومع استمرار هذه الظروف، يواجه مرضى ضمور العضلات في ليبيا مصيراً صعباً، حيث تتقاطع الأزمات الصحية مع أزمة إدارة الموارد والثقة بالمؤسسات، ما يجعل حياتهم اليومية معركة للبقاء في مواجهة نقص الخدمات والاهتمام الرسمي، وسط وعود حكومية متكررة لم تتحقق بعد.