تصاعد المواجهات شمال سوريا على وقع خطوات «التطبيع»

مقتل جندي تركي... وأنقرة تلوّح مجدداً بعملية عسكرية

مقاتلون سوريون في فصيل تدعمه تركيا في ريف حلب الشمالي يوم 8 يناير الحالي (أ.ف.ب)
مقاتلون سوريون في فصيل تدعمه تركيا في ريف حلب الشمالي يوم 8 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

تصاعد المواجهات شمال سوريا على وقع خطوات «التطبيع»

مقاتلون سوريون في فصيل تدعمه تركيا في ريف حلب الشمالي يوم 8 يناير الحالي (أ.ف.ب)
مقاتلون سوريون في فصيل تدعمه تركيا في ريف حلب الشمالي يوم 8 يناير الحالي (أ.ف.ب)

تصاعدت المواجهات بين القوات التركية وقوات النظام شمال سوريا، بالتوازي مع الحديث المتصاعد عن الإعداد للقاء وزراء خارجية كل من تركيا وسوريا وروسيا، في إطار المرحلة الثانية في مسار تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق والتي سيعقبها، بحسب التصريحات التركية، لقاء رؤساء الدول الثلاث.
وقتل جندي تركي، وأصيب آخرون بجروح إثر تعرض القاعدة التركية في قرية حزوان بريف الباب شرق حلب لقصف صاروخي ومدفعي مصدره مناطق انتشار قوات النظام السوري و«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في ريف حلب الشمالي. وبحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، هبطت طائرة مروحية تركية في القاعدة لنقل الجرحى إلى تركيا.
وأعلنت وزارة الدفاع التركية، السبت، أن أحد جنودها توفي، متأثراً بجروح أصيب بها، الجمعة، جراء قصف على قاعدة تركية في ريف حلب. لكنها لم تتطرق إلى مزيد من التفاصيل.
وردت القوات التركية والفصائل الموالية لها فيما يعرف بـ«الجيش الوطني السوري» بقصف بالمدفعية الثقيلة على مناطق انتشار «قسد» وقوات النظام. وطال القصف محيط مدينة تل رفعت وحربل والشيخ عيسى وعين دقنة وبيلونية والشعالة والنيربية والحصية ومزارع أم الحوش ومرعناز بريف حلب الشمالي. كما تعرضت قريتا بينه وصوغانكه التابعتان لناحية شيراوا بريف عفرين شمال حلب لقصف مدفعي تركي. كذلك قصفت القوات التركية بالمدفعية الثقيلة قرية زور مغار بريف عين العرب (كوباني) شرق حلب.
وقالت وزارة الدفاع التركية، في بيان آخر، السبت، إنه تم «تحييد» (القضاء على) 11 من عناصر «قسد»، بعدما شنوا هجمات على مناطق عمليتي «درع الفرات» و«غصن الزيتون» بريف حلب.
وتشهد محاور التماس بين القوات التركية وفصائل «الجيش الوطني السوري» الموالي لها وقوات النظام و«قسد» شمال سوريا، اشتباكات وتبادلاً للقصف وعمليات تسلل بشكل مستمر، دون أن يسفر ذلك عن أي تغيير في خريطة السيطرة بالمنطقة منذ وقف تركيا عمليتها العسكرية «نبع السلام» بمنطقة شرق الفرات في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، بموجب تفاهمين مع الولايات المتحدة وروسيا لإبعاد «قسد» عن حدودها الجنوبية لعمق 30 كيلومتراً.
- تصعيد «هيئة تحرير الشام»
وفي الوقت الذي تصاعد فيه الحديث في تركيا عن التقارب مع النظام والمضي في الاجتماعات الممهدة للقاء الرئيس رجب طيب إردوغان والرئيس بشار الأسد برعاية روسيا، لم تتوقف الاستهدافات المتبادلة، والتي كان أغلبها من جانب تركيا، حيث قتل 32 جندياً سورياً، بينهم ضباط كبار أحدهم برتبة لواء، منذ بدء التصعيد التركي على مناطق «قسد» في 19 نوفمبر الماضي، ضمن العملية العسكرية التي عُرفت بـ«المخلب - السيف»؛ على خلفية تفجير إرهابي وقع في شارع الاستقلال بمنطقة «تقسيم» في إسطنبول. وقالت السلطات التركية إن مخططي الاعتداء ومنفّذيه تلقّوا الأوامر من قياديين في «الوحدات» الكردية في عين العرب (كوباني).
في الوقت ذاته، قتل 4 عناصر من قوات النظام، وأصيب آخران جراء اشتباكات عنيفة بالأسلحة الثقيلة والرشاشات في هجوم شنته «هيئة تحرير الشام»، السبت، على مواقع للنظام على محور نحشبا بريف اللاذقية الشمالي. وأفاد «المرصد السوري» بأن «الهيئة» تسعى لاستغلال الغضب الشعبي وحالة الاستياء من التقارب بين أنقرة ودمشق، من خلال تكثيف هجماتها ضد مواقع قوات النظام على محاور عديدة في مناطق خفض التصعيد شمال غربي سوريا. وأضاف أن عناصر «لواء عثمان بن عفان» التابع لـ«الهيئة»، نفذوا هجوماً استهدف مواقع لقوات النظام على محور نحشبا، حيث وقعت اشتباكات عنيفة بين الجانبين بالأسلحة الثقيلة والرشاشات، وسط معلومات عن سقوط قتلى وجرحى.
وكثّفت «هيئة تحرير الشام» في الفترة الأخيرة عملياتها ضد قوات النظام على محاور عدة في مناطق خفض التصعيد، ما تسبب بالكثير من الخسائر البشرية.
- تلويح بعملية عسكرية
وفي إسطنبول، أكّد المسؤول في الرئاسة التركية إبراهيم كالين السبت أن شنّ عملية عسكرية برية في سوريا «ممكن في أي وقت». وقال كالين لصحافيين من وسائل إعلام أجنبية منها وكالة الصحافة الفرنسية: «نواصل دعم العملية السياسية» التي بدأت نهاية ديسمبر (كانون الأول) مع لقاء وزيرَي الدفاع التركي والسوري في موسكو. وتابع: «لكن شنّ عملية برية يبقى ممكناً في أي وقت، بناء على مستوى التهديدات الواردة».
وتحدث عن احتمال لقاء جديد بين وزيرَي دفاع تركيا وسوريا يسبق اللقاء المرتقب في منتصف فبراير (شباط) بين وزيرَي خارجية البلدين. وأضاف: «نريد الأمن على حدودنا»، مشيراً إلى وجود قوات كردية على الأراضي السورية، بحسب ما جاء في تقرير الوكالة الفرنسية. وقال أيضاً: «نحن لا نستهدف أبداً (مصالح) الدولة السورية ولا المدنيين السوريين».
لكنه لفت إلى أن الضمانات الأمنية التي وعدت بها روسيا والولايات المتحدة بعد العملية التركية الأخيرة في سوريا في العام 2019 «لم يتمّ الالتزام بها» وأن المقاتلين الأكراد لم ينسحبوا مسافة 30 كيلومتراً من الحدود كما كان موعوداً.
- ضغوط على اللاجئين
على صعيد آخر، ومع اقتراب موعد الانتخابات التركية المقررة في يونيو (حزيران) المقبل، والتي قد يجري تقديم موعدها إلى مايو (أيار)، تتصاعد حملات المعارضة التركية ضد اللاجئين السوريين عبر إطلاق الوعود بترحيلهم بشكل نهائي عقب الفوز بالانتخابات. وتعهد المرشح الرئاسي السابق والمحتمل أن يخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة أيضاً، رئيس حزب «البلد» المعارض، محرم إينجة، بترحيل اللاجئين السوريين «واحداً تلو الآخر» بعد القبض عليهم في الشوارع. وقال إينجة، خلال خطاب أمام بعض أنصاره، إنه تم منح الجنسية لآلاف اللاجئين السوريين بواسطة حكومة إردوغان، وبات بإمكانهم التصويت بالانتخابات، معتبراً أن أصواتهم ستذهب بالطبع لصالح حزب «العدالة والتنمية» الحاكم. وتابع أن البعض يطلب «ألا نتوقف أمام هذه التفاصيل، لكن نحن لم نؤسس الجمهورية التركية معهم (أي السوريين). لقد طالت فترة ضيافتهم».
ولفت إينجة، الذي انشق عن «حزب الشعب الجمهوري»، أكبر أحزاب المعارضة، وأسس حزبه الخاص، إلى أن أحزاب المعارضة ستقوم بخطوات عدة عند فوزها بالانتخابات؛ «أولاً: سيتم إغلاق الحدود، ثانياً: سنقبض عليهم واحداً تلو الآخر في الشوارع».
وسبق أن تعهد «حزب الشعب الجمهوري» بإرسال السوريين إلى بلادهم، وتوديعهم بـ«الطبل والمزمار» في غضون عامين من الفوز بالانتخابات المقبلة. وانتشرت مؤخراً لافتات أعدها الحزب في ساحات وشوارع المدن التركية، كتب عليها: «أيها العالم... جئنا لنتحداك... تركيا لن تكون مخيمك الخاص باللاجئين». كما تضمنت لافتات أخرى وعوداً انتخابية بالانسحاب من اتفاقية الهجرة وإعادة قبول اللاجئين الموقعة مع الاتحاد الأوروبي في 18 مارس (آذار) 2016، وضبط الحدود. وكتب على إحدى اللافتات: «سننسحب من الاتفاقيات الأوروبية للاجئين، سنودع اللاجئين خلال عامين... سنستعيد السيطرة على حدودنا».
وكان «حزب الشعب الجمهوري» أول من طرح فكرة إعادة العلاقات مع سوريا بالتفاهم مع الأسد من أجل إعادة اللاجئين، وتحقيق الاستقرار وحل المشاكل مع تركيا. وبدا أن ملف اللاجئين أصبح نقطة ضغط قوية في يد المعارضة ضد الرئيس رجب طيب إردوغان وحزبه.
وفي محاولة من جانب إردوغان لنزع تلك الورقة من يد المعارضة، أعلن عن خطة لإعادة أكثر من مليون لاجئ سوري إلى بلادهم. وفي خضم اللقاءات الجارية مع نظام الأسد حول تطبيع العلاقات، قال إردوغان، الأسبوع الماضي، إنه تم إعادة أكثر من نصف مليون سوري إلى بلادهم بفضل العمليات العسكرية التركية التي طهرت مناطق واسعة في شمال سوريا، وإن الفترة المقبلة ستشهد عودة المزيد من خلال الاتصالات الدبلوماسية مع سوريا.
ووصل عدد السوريين الحاصلين على بطاقة الحماية المؤقتة في تركيا (الكيملك) إلى 3 ملايين و733 ألفاً و982 شخصاً. وتضم مدينة إسطنبول وحدها أكبر عدد منهم بنحو 550 ألف لاجئ. ويعاني أغلب السوريين في تركيا أوضاعاً معيشية صعبة، في ظل ارتفاع الأسعار وتدني الأجور، وتصاعد الحملات ضدهم والرفض المجتمعي لبقائهم.
وأعلنت مديرية الهجرة التابعة لوزارة الداخلية التركية، في مطلع العام الحالي، أنه تم ترحيل 124 ألفاً و441 مهاجراً غير شرعي العام الماضي، من بينهم 58 ألفاً و758 سورياً عادوا بشكل طوعي إلى «المناطق الآمنة» التي أقامتها تركيا في شمال سوريا.
وبحسب وزارة الدفاع التركية، تركز اللقاءات والمباحثات الجارية بين تركيا والنظام السوري على عدد من القضايا؛ أهمها التعاون في مكافحة الإرهاب، والعودة الطوعية الآمنة للسوريين في تركيا إلى بلادهم، وتحقيق الاستقرار عبر التقدم في مسار الحل السياسي للأزمة السورية.


مقالات ذات صلة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إنَّه «لا يعلم ما إذا كانت سوريا ستعود إلى الجامعة العربية أم لا»، وإنَّه «لم يتسلَّم بصفته أميناً عاماً للجامعة أي خطابات تفيد بعقد اجتماع استثنائي لمناقشة الأمر».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

هل استهدفت إسرائيل إقصاء الوسطاء عن مفاوضات «هدنة غزة»؟

فلسطينيون يبكون على جثة أحد ضحايا القصف الإسرائيلي في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يبكون على جثة أحد ضحايا القصف الإسرائيلي في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

هل استهدفت إسرائيل إقصاء الوسطاء عن مفاوضات «هدنة غزة»؟

فلسطينيون يبكون على جثة أحد ضحايا القصف الإسرائيلي في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يبكون على جثة أحد ضحايا القصف الإسرائيلي في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

مساعٍ وجولات كثيرة قادتها مصر وقطر والولايات المتحدة للوساطة، بهدف إنهاء أطول حرب شهدها قطاع غزة، أسفرت عن هدنة نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، استمرت أسبوعاً واحداً؛ غير أن الجهود المتواصلة منذ ذلك الحين واجهتها إسرائيل تارة بفرض شروط أو خطط جديدة، أو توجيه اتهامات للوسيطين المصري والقطري، أو بتكذيب الحليف والوسيط الثالث الأميركي بعد لوم نادر وجهه الرئيس جو بايدن.

ويبدو أن تلك الاتهامات، التي نفتها القاهرة والدوحة وتجاهلتها واشنطن، جزء من «استراتيجية إسرائيلية» وفق ما يقدر خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، عدّوا كذلك أن تل أبيب تستهدف «تجحيم جهود الوسطاء وكبح مساعيهم لوقف إطلاق النار».

وفي حين يتوقع الخبراء أن «تستمر تلك الاستراتيجية في إطالة أمد المفاوضات لما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية»؛ فإنهم يرجحون ألا تنجح «في دفع الوسطاء؛ لا سيما المصري والقطري لأي انسحابات».

وعقب لقاء في لندن، جمع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بنظيره البريطاني ديفيد لامي، أكد البلدان الأحد، «دعم جهود الوساطة الجارية من جانب الولايات المتحدة ومصر وقطر؛ لإبرام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الأسرى».

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (يسار) مع نظيره البريطاني ديفيد لامي في لندن 10 سبتمبر الحالي (أ.ف.ب)

التأكيد الأميركي - البريطاني جاء بعد يومين من بيان عربي - إسلامي - أوروبي في مدريد، الجمعة، أعلن «الدعم الكامل لجهود الوسطاء، ورفض جميع الإجراءات التي تهدف إلى عرقلتها»، بالتزامن؛ أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، خلال اتصال هاتفي أجراه مع وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، عن «تقديره لدور وجهود الوسطاء»، معرباً عن «تطلعه للتوصل إلى هذا الاتفاق في أقرب وقت ممكن»، وفق إفادة لـ«الخارجية» المصرية.

وجاء الدعم اللافت لجهود الوسطاء ومطالبهم، لا سيما الوسيطين المصري والقطري، بعد حديث القناة 12 الإسرائيلية في 10 سبتمبر (أيلول) الحالي، عن أن «مصر وقطر تدرسان إصدار إعلان يحمل إسرائيل مسؤولية فشل المفاوضات».

وكان نتنياهو صعّد انتقاداته للقاهرة منذ أوائل سبتمبر الحالي، وزعم أنها مسؤولة عن تهريب السلاح لغزة عن طريق الأنفاق، قبل أن ترد وزارة الخارجية المصرية في 3 من الشهر ذاته، وترفض تلك الاتهامات وتعدّها «عرقلة لجهود الوساطة واتفاق الهدنة».

وجدد بدر عبد العاطي، وزير الخارجية، خلال اجتماع مدريد، رفض مصر الوجود العسكري الإسرائيلي في محور فيلادلفيا والجانب الفلسطيني من معبر رفح، وما يفرضه من انخفاض في وتيرة دخول المساعدات لقطاع غزة، مؤكداً أن «إسرائيل تقوم بتقويض جهود الوساطة».

البيان الوزاري الصادر عن اجتماع مدريد طالب المجتمع الدولي باتخاذ خطوات نشطة لتنفيذ حل الدولتين (واس)

وسبق أن نفى مصدر مصري رفيع المستوى لقناة «القاهرة الإخبارية» في 29 مايو (أيار)، تلك «الاتهامات الإسرائيلية»، ووصفها بأنها «أكاذيب» وبعدها في 13 يوليو (تموز)، دعا مصدر مصري «إسرائيل إلى عدم عرقلة المفاوضات، وطرح مبادئ جديدة تخالف ما تم الاتفاق عليه بهذا الصدد».

ولم تكن مصر وحدها المستهدفة إسرائيلياً، ففي فبراير (شباط) الماضي، رفض متحدث «الخارجية» القطري، ماجد الأنصاري، اتهامات نتنياهو للدوحة بتمويل «حماس»، ودعاه إلى «الانضباط في مسار التفاوض لإبرام صفقة، بدلاً من التركيز على إطالة أمد الصراع».

ولم يسلم الوسيط الأميركي الحليف لإسرائيل، من انتقادات نتنياهو، الذي وصف قبل أيام في مداخلة مع برنامج «فوكس نيوز»، تصريحات البيت الأبيض حول قرب التوصل إلى اتفاق هدنة بـ«الكاذبة وغير الصحيحة»، معرباً عن رفضه «الاتهامات الأميركية بعدم القيام بجهدٍ كافٍ» لاستعادة الرهائن، في إشارة إلى تصريحات في هذا الصدد من الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي طرح في 31 مايو الماضي، مقترحاً لوقف إطلاق النار من 3 مراحل.

آنذاك، عقّب منسق الاتصالات بالبيت الأبيض، جون كيربي، في مؤتمر صحافي، على ما قاله نتنياهو. ورفض الدخول في جدال علني معه، مضيفاً: «الاتصالات الأميركية مع الإسرائيليين مستمرة ونحاول حل الخلافات والتوصل إلى حل وسط».

وبرأي مستشار «مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية»، الدكتور عمرو الشوبكي، فإن «إسرائيل لا تستطيع إقصاء الوسطاء، لكن تسعى لتحجيم أدوراهم بصور مختلفة، باتهامات زائفة؛ منها تعطيل المفاوضات والقرب من (حماس)، وتهريب أسلحة لها»، لافتاً إلى أن إسرائيل لا تريد للوسطاء أن يسمعوا لكلا الطرفين وتريد أن يستمعوا لها فقط.

وباعتقاد الشوبكي، فإن البيانات في الآونة الأخيرة سواء عربياً أو دولياً بدعم مصر وقطر، رسالة لإسرائيل بأن المجتمع الدولي والدول الكبرى؛ الكل راغب في استمرار جهود الوسطاء ووقف تلك الاتهامات.

تلك الاتهامات الإسرائيلية ضمن الضغوط المتواصلة تجاه مصر وقطر، تحديداً لـ«تجحيم أدوراهما وتهرب نتنياهو من استحقاقات التوصل إلى اتفاق»، وفق تقدير الأكاديمي المصري، في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور.

ويصف السفير الفلسطيني، السابق، بركات الفرا، تلك الضغوط الإسرائيلية، بأنها ضمن «استراتيجية تهدف لتحجيم الأدوار التي تقوم بها مصر وقطر، بهدف إطالة نتنياهو أمد المفاوضات أملاً في وصول حليفه ودعمه دونالد ترمب للبيت الأبيض».

ترمب مستقبلاً نتنياهو في «بالم بيتش» يوليو الماضي (د.ب.أ)

بالمقابل، ترى الخبيرة الأميركية المختصة في الشؤون الاستراتيجية، إيرينا تسوكرمان، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «الحكومة الإسرائيلية لم تبذل أي جهد لاستبعاد مصر أو الولايات المتحدة، لكنّ هناك جهوداً مستمرة لإقصاء مصر من الوساطة من قبل مجموعة من أصحاب المصالح؛ بعضهم من الإسرائيليين اليمينيين بخلاف المعادين لمصر».

وتضيف أن «الحكومة الإسرائيلية غير راضية عن قطر بدعوى مساعدتها (حماس)، لكنها لا تستطيع إجبارها على الانسحاب دون موافقة الولايات المتحدة، التي تشيد بالدوحة، لكن إسرائيل ترى أن واشنطن هي أفضل طرف ممكن للوساطة وأقل تحيزاً ضدها، مع امتلاكها أكبر قدر من النفوذ الدولي».

مخالفاً لرأيي تسوكرمان، يعتقد المحلل المختص بالشأن الأميركي، مايكل مورغان، أن حكومة نتنياهو «عملت على إقصاء أي وساطة لوقف إطلاق النار»، مؤكداً أن دعم جهود الوسيطين مصر وقطر، مهم، خصوصاً لأهمية القاهرة الجيوستراتيجية للسلام بالمنطقة وقرب «حماس» من قطر في تسهيل أي اتفاق.

وإزاء ضغوط إسرائيلية كثيرة، لوح الوسيطان المصري والقطري، بإمكانية الانسحاب، في شهور سابقة، قبل أن تطرح التسريبات الإسرائيلية للقناة الـ12 ذلك المسار من جديد.

وكان رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، قال في أبريل (نيسان) الماضي، إن الدوحة «تقوم بعملية تقييم شامل لدور الوساطة الذي تقوم به»، إزاء استمرار الانتقادات الإسرائيلية.

ولوحت مصر أيضاً بذلك في 22 مايو 2024، عقب رفضها تقريراً نشرته «سي إن إن» الأميركية نقلاً عن مصادر أميركية وإسرائيلية، يدعي أنها غيّرت شروط صفقة وقف إطلاق النار في غزة، مؤكدة أن استمرار التشكيك «قد يدفع الجانب المصري لاتخاذ قرار بالانسحاب الكامل من الوساطة»، وفق ما ذكرته هيئة الاستعلامات المصرية آنذاك.

وقالت الهيئة إن «القاهرة لاحظت خلال الفترات الأخيرة قيام أطراف بعينها بممارسة لعبة توالي توجيه الاتهامات للوسيطين، القطري تارة ثم المصري تارة أخرى، واتهامهما بالانحياز لأحد الأطراف وإلقاء اللوم عليهما، للتسويف والتهرب من اتخاذ قرارات حاسمة بشأن صفقة وقف إطلاق النار».

بينما قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بمؤتمر صحافي الاثنين، في روسيا: «لن نتوقف عن جهودنا الدؤوبة لسرعة التوصل إلى وقف إطلاق النار بقطاع غزة، وسنواصل جهودنا بالتعاون مع الشركاء لتحقيق ذلك».

وأكدت صحيفة «الشرق» القطرية، الأحد، في افتتاحية عددها، أن «جهود قطر المكثفة لإنهاء حرب غزة خلال الوساطة المشتركة التي تقودها مع مصر والولايات المتحدة، جهود مستمرة لن تثنيها عقبات ولا عراقيل».

ولا يتوقع الشوبكي أن تغادر مصر وقطر جهود الوسطاء، باعتبارها التزاماً تجاه فلسطين لرفع المعاناة عنها، وتأكيداً لحضور إقليمي دولي مهم للبلدين، واضعاً تلك التسريبات الحديثة في إطار السجال الإعلامي، مستبعداً أن تقترب المفاوضات من اتفاق إلا بعد الانتخابات الأميركية الرئاسية «إذا استمر تعنت نتنياهو».

ويتفق كل من الفرا وأنور في أن مصر مستمرة بالوساطة، ولديها وسائل أخرى ترسل بها رسائل «تكشر بها عن أنيابها حماية لأمنها القومي»، سواء بتأجيل استقبال السفير الإسرائيلي الجديد، أو كما حدث من زيارة رئيس الأركان المصري للحدود مع غزة الفريق أحمد خليفة، في 5 سبتمبر الحالي، أو إبقاء الاتصالات على المستوى الأمني فقط.

وأيضاً لا تعتقد إيرينا تسوكرمان أن مصر أو قطر ستنسحبان من المفاوضات رغم الصعوبات، لأسباب كثيرة؛ منها النفوذ الدبلوماسي المزداد مع وجودهما بتلك الوساطة، وعدم الانسحاب أيضاً خيار يتوقعه مايكل مورغان، لاعتبارات أهمها تسهيل إتمام الاتفاق.