ذكريات مع «عراب الطائف» الراحل حسين الحسيني: لا يمكن أن نطلق الحرية لكل منا أن يأخذ ما يعجبه من الاتفاق

كان يرى أن رئيس الجمهورية هو رئيس جميع السلطات وليس السلطة التنفيذية وحدها

الرئيس رينيه معوض يقسم اليمين بعد انتخابه أول رئيس للجمهورية بعد اتفاق الطائف وإلى جانبه الرئيس حسين الحسيني (غيتي)
الرئيس رينيه معوض يقسم اليمين بعد انتخابه أول رئيس للجمهورية بعد اتفاق الطائف وإلى جانبه الرئيس حسين الحسيني (غيتي)
TT

ذكريات مع «عراب الطائف» الراحل حسين الحسيني: لا يمكن أن نطلق الحرية لكل منا أن يأخذ ما يعجبه من الاتفاق

الرئيس رينيه معوض يقسم اليمين بعد انتخابه أول رئيس للجمهورية بعد اتفاق الطائف وإلى جانبه الرئيس حسين الحسيني (غيتي)
الرئيس رينيه معوض يقسم اليمين بعد انتخابه أول رئيس للجمهورية بعد اتفاق الطائف وإلى جانبه الرئيس حسين الحسيني (غيتي)

لم يوصف الرئيس حسين الحسيني عبثاً بأنه «عراب اتفاق الطائف». هو الذي اعتبر نفسه مؤتمناً على هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين النواب اللبنانيين بوساطة ورعاية سعوديتين في مدينة الطائف وتم إقراره في 22 - 10 - 1989. وانتقد كثيرون حسين الحسيني على رفضه المتكرر الإفراج عن المداولات التي جرت بين النواب والنقاشات التي أفضت إلى تعديل عدد من المواد في الدستور اللبناني بعد إقرار وثيقة الوفاق الوطني في الطائف.
لكن الحسيني كان يعتبر نفسه الأب الروحي لتلك المداولات، وصاحب الفضل الأكبر في رعاية نقاشات النواب وتوصلهم إلى ذلك الاتفاق.
وإذا كان السياسيون والكتاب يقومون عادة بإهداء كتبهم ومذكراتهم إلى زوارهم وضيوفهم، فإن «الهدية»، التي قدمها لي الرئيس حسن الحسيني وحملت توقيعه، عندما ذهبت للقائه بعد أكثر من عشر سنوات على إقرار «اتفاق الطائف»، كانت نسخة من وثيقة الوفاق الوطني التي أقرت في الطائف.

وثيقة الوفاق الوطني اللبناني مع «إهداء» الرئيس الحسيني (الشرق الأوسط)

حصل ذلك اللقاء في شقة كان يقيم فيها الحسيني لا تبعد كثيراً عن مقر رئاسة مجلس النواب الحالي في منطقة عين التينة في بيروت، وهو المقر الذي بادر الحسيني إلى قرار تشييده، ليكون مماثلاً لمقر رئيس الجمهورية في قصر بعبدا ومقر رئيس مجلس الوزراء في السراي الحكومي في وسط بيروت، لكن لم يتح للحسيني الإقامة فيه إذ إن ولايته الرئاسية على مجلس النواب استمرت من 1984 إلى 1992. قبل اكتمال «قصر عين التينة»، الذي يشغله الرئيس نبيه بري منذ ذلك الحين. وقليلون يذكرون اليوم أن الحسيني كان من المشاركين في تأسيس حركة «أمل» التي يرأسها الرئيس بري اليوم، وكان في ذلك الوقت (1973) إلى جانب الإمام موسى الصدر الذي «اختفى» في ليبيا في آخر أغسطس (آب) 1978.
كان السؤال الوحيد في ذهني، بل أكاد أقول الطلب الوحيد من الرئيس الحسيني هو الحصول على نصوص النقاشات النيابية التي جرت في الطائف، والتي كنت أعرف أنه يعتبرها أثمن ما يملك. رفض بإلحاح، رغم الوساطات التي استخدمتُها لإقناعه خلال تلك الزيارة. اعتبر أن مداولات النواب أصبحت ملكاً للتاريخ، وأنه لا حاجة لنبش تلك الدفاتر وفتح الجروح القيمة، وأكد أن المهم الآن هو تطبيق الاتفاق كما تم التوصل إليه، والبناء على أنه أنقذ البلد من مخاطر التقسيم، وجنّبه استمرار موجات القتل والتهجير والحروب الأهلية.
حاولت الالتفاف على الموضوع، وسألته عما يقال من أن اتفاق الطائف لم يطبق بكل بنوده؟
أجابني: «كل الدول تقول إن الحل في لبنان هو بتطبيق اتفاق الطائف نصاً وروحاً. ولا بد من القول إن لكل طرف في لبنان وجهة نظر مختلفة حول الاتفاق. ولكن عندما التزمنا باتفاق الطائف فهو التزام كامل بصرف النظر عما يعجبنا أو لا يعجبنا فيه. ولا يمكن أن نطلق الحرية لكل منا أن يأخذ الذي لا يعجبه فقط. فعندما يقال الطائف، فذلك يعني الدستور وهو واجب التطبيق، ومن يعطل مسيرة الوفاق الوطني ويتحمل المسؤولية. وفي الوقت نفسه هناك أمور كثيرة أرى أن الوقت لم يحن لكشفها».
حدثني الرئيس الحسيني عن تعديل يمكن القول إنه الأهم الذي حصل بنتيجة اتفاق الطائف، وهو نقل صلاحيات رئيس الجمهورية، التي كانت صلاحيات واسعة في الدستور السابق، إلى مجلس الوزراء. في ذلك اللقاء كانت المعارضة لذلك التعديل واسعة، وخصوصاً من جانب فريق الرئيس ميشال عون، وهو الفريق الذي ظل يطالب باستعادة صلاحيات رئيس الجمهورية، التي «سُلبت» منه، كما يقول المتقدون، وانتهى الأمر بعون وفريقه إلى الالتفاف على «خسارة الصلاحيات» بالمطالبة برئيس قوي في طائفته، بحيث يساعد تمثيله القوي لأبناء طائفته (المسيحية) على فرض قراره على الآخرين.
كان الرئيس الحسيني يرفض بوضوح فكرة تمتع الطوائف بصلاحيات في مؤسسات الدولة، ويعتبر أن الصلاحيات يمارسها السياسيون بصفتهم مسؤولين عن وطن، وليس كممثلين لطوائف. وتحدث بإسهاب عن موضوع صلاحيات رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء كما أقرت في اتفاق الطائف. قال: «عندما عملنا على نقل السلطة من رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء، كان ذلك بقصد تحقيق المؤسسة وليس بقصد نقل السلطة من رئيس الجمهورية إلى رئيس مجلس الوزراء». وبالطبع هناك اشتباه حول إمكانية اتخاذ مجلس الوزراء قرارات منافية لسياسة الحكومة كما أعلنها رئيس مجلس الوزراء. وحول هذا الأمر نقول قطعاً إن كيان مجلس الوزراء مرهون ببقاء رئيس مجلس الوزراء. فعند استقالة الرئيس لا تبقى هناك حكومة. وعلينا أن نميز بين مجلس الوزراء والحكومة. وليس من قبيل الصدف أن يقول النص الدستوري إن رئيس مجلس الوزراء هو رئيس الحكومة. فالحكومة عندما تمثل أمام مجلس النواب فهي حكومة وليست مجلس وزراء. وعندما تجتمع في مقر خاص لمجلس الوزراء تصبح مجلساً للوزراء.
سألته عن اختلاف الصلاحيات بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء؟ فقال: «في مجلس الوزراء أعطي رئيس الجمهورية حق ترؤس المجلس ساعة يشاء، دون أن يكون له حق التصويت. وهنا تتم عملية المشاركة في القرار. أما في العملية التنفيذية فليست هناك مشاركة بل مسؤولية. وكل وزير يتحمل مسؤولية وزارته ورئيس مجلس الوزراء هو المسؤول عن الحكومة أمام مجلس النواب، ولذلك أعطي رئيس الوزراء صلاحية التنسيق بين الوزراء وإعطائهم التوجيهات اللازمة من أجل تنفيذ السياسة العامة التي رسمها مجلس الوزراء وهو المسؤول عنها أمام مجلس النواب».
وسألت الحسيني عن الجدل حول حصر حق دعوة مجلس الوزراء للاجتماع برئيس مجلس الوزراء وليس برئيس الجمهورية؟ فقال: «هذا صحيح قطعاً، فرئيس الحكومة هو الذي يضع جدول الأعمال وهو الرئيس الأساسي لمجلس الوزراء، وهذا لا خلاف عليه ولكن رئيس الجمهورية هو رئيس جميع السلطات». وهذا أيضاً يبدو أنه غير واضح في ذهن البعض. فهو ليس رئيساً للسلطة التنفيذية فحسب.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

«المرصد السوري»: قوة إسرائيلية تعتقل سوريين في ريف القنيطرة

قوات إسرائيلية تغلق طريقاً في الجولان السوري المحتل (إ.ب.أ)
قوات إسرائيلية تغلق طريقاً في الجولان السوري المحتل (إ.ب.أ)
TT

«المرصد السوري»: قوة إسرائيلية تعتقل سوريين في ريف القنيطرة

قوات إسرائيلية تغلق طريقاً في الجولان السوري المحتل (إ.ب.أ)
قوات إسرائيلية تغلق طريقاً في الجولان السوري المحتل (إ.ب.أ)

أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن قوة إسرائيلية توغَّلت داخل الأراضي السورية واعتقلت شابين من ريف القنيطرة الأوسط، أثناء وجودهما قرب الشريط الحدودي، واقتادتهما إلى داخل الجولان المحتل، من دون ورود معلومات عن مصيرهما.

وتكرَّرت الاعتداءات الإسرائيلية منذ مطلع العام الحالي بشكل كبير بحق مدنيين سوريين ضمن المناطق الواقعة على الشريط الحدودي مع الجولان، من خلال توغل جنود داخل الأراضي السورية واعتقال أشخاص وإطلاق النار.

اقرأ أيضاً