المنشقون في جنوب سوريا... بين العفو والملاحقات

إحدى أسواق حلب (أ.ف.ب)
إحدى أسواق حلب (أ.ف.ب)
TT

المنشقون في جنوب سوريا... بين العفو والملاحقات

إحدى أسواق حلب (أ.ف.ب)
إحدى أسواق حلب (أ.ف.ب)

أمهل مرسوم العفو الأخير، الصادر أول من أول من أمس برقم 24 لعام 2022، من أسماهم «المتوارون عن الأنظار والفارون» من الخدمة الإلزامية والاحتياطية ثلاثة أشهر لتسليم أنفسهم وتسوية أوضاعهم، أي عودتهم الطوعية إلى الخدمة العسكرية الإلزامية التي فروا منها قبل سنوات. وهذا العفو هو الخامس خلال عامين، والثالث في العام الحالي، على الرغم من أن مضمونه وتوقيته جاءا لأهداف سياسية بحتة؛ أولها إيهام المجتمع الدولي بتهيئة بيئة قانونية مناسبة لعودة اللاجئين، والثاني تخفيف الاحتقان في مناطق سيطرته نتيجة الحالة المعيشية المتردية، وإلهاء المواطنين في البحث عن تفاصيله للوصول إلى معتقليهم.
إلا أن عدداً كبيراً من شباب درعا المنشقين والمتغيبين عن الخدمة الإلزامية يواجهون في كل مرة يصدر فيها عفو مشابه للعفو الصادر مؤخراً، الحيرة نفسها والسؤال نفسه والبحث لاختيار القرار الصحيح، إما بالعودة إلى قطعهم العسكرية مستغلين مرسوم العفو، وإما البقاء في البلدات والقرى ومتابعة حياتهم داخلها. وبدأت عمليات الانشقاق والفرار من الخدمة العسكرية منذ ما يقارب عشر سنوات. محمود من ريف درعا عاد من قطعته العسكرية إلى بيته في عام 2012 ليرى ما يحدث بعينه، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «عدت في إجازة إلى البيت أحمل ما زرعه الجيش فينا من وجود مؤامرة دولية هدفها سوريا، وعندما شاهدت بأم عيني ما يحدث بقيت إلى جانب أهلي ولم أعد إلى القطعة العسكرية».
هذه القصة لمحمود هي قصة أغلب المنشقين مع تفاوت بسيط، واليوم يقف محمود أمام حيرة كبيرة بين عودته إلى القطعة العسكرية أو البقاء في بلدته، قائلاً: «في مراسيم العفو السابقة كان قراري ثابتاً لن أعود، أما اليوم فالعمر يتقدم بي ولا أستطيع الاستمرار جالساً في البيت ومحاصراً في بلدتي. أفكر جدياً بالعودة إلى قطعتي لعلي أنهي هذا الأمر كي أتفرغ لسفري وحياتي، فأنا الآن لا أستطيع الحصول على أوراق جواز السفر، ولا أملك المبلغ المطلوب لتهريبي خارج البلاد».
في مراسيم العفو السابقة ثمة شباب من المحافظة عادوا إلى قطعهم لكنهم أعادوا الفرار مرة أخرى، وهم الآن لديهم رأي ثابت. ويقول علي: «عدت إلى قطعتي العسكرية خلال مهلة مرسوم العفو السابق بضغط من والدي، لكنني تفاجأت حين عودتي بنقلي من الفرقة الخامسة إلى منطقة بريف حماة الشمالي، وهي منطقة ساخنة وتعتبر خطاً فصلاً مع قوات المعارضة. ومع الأيام تبين لي بأننا هناك متروكون لمصيرنا، وأنهم يضعوننا في مناطق ساخنة لفقدانهم الثقة بتصرفاتنا بعد انشقاقنا الأول، وعندما حصلت على إجازة قررت الانشقاق ولم أعد». وعن المرسوم الأخير يقول علي: «حتى لو صدر ألف مرسوم عفو فلن أعود. لقد عشت الموت هناك مئات المرات ولا أستطيع تكرار التجربة، فمجرد التفكر يجعلني أختنق، بمجرد أنني أرى الموت في اليوم الواحد مرات ومرات في تلك المنطقة».
وثمة من رأى في مرسوم العفو مناسبة ليعمل بشكل حر أكبر، ويتنقل بين البلدات والمدن بهدف العمل. ضرار منشق ويعمل في حرفة الدهان يقول لنا: «أنا الآن أفكر جدياً في العودة، ولكن لهدف مختلف، فعملي الآن جيد ويتوسع في ورش جديدة في كل مكان، لقد اتصلت بالضابط المسؤول عني قبل انشقاقي ووعدني بالتفييش، ونحن الآن في صدد الاتفاق على المبلغ فقط». والتفييش مصطلح يدل على العسكري الإلزامي الذي يترك مكان خدمته ويعود إلى بيته دون عقوبة أو غياب بشرط دفع مبلغ مالي للضابط المسؤول عنه ليغطي غيابه. اللافت في حديث ضرار هو المبلغ اللازم للتفييش «يتحدد حسب المكان، فهناك مواقع تحتاج للتفييش فيها إلى مليون ليرة سورية وهي المناطق الساخنة، وهناك أخرى يتحدد المبلغ فيها بـ300 ألف ليرة. ما يحدد القيمة هو المكان ومدى صعوبته وخطورته».
محمد، منشق آخر قال لنا: «أنا أنهيت خدمتي الإلزامية ودخلت في خدمة الاحتياط لكن الأمر قد طال كثيراً، لقد بقيت مدة تتجاوز ست سنوات دون أمل بالتسريح ومثلي كثيرون. لم أستطع الاستمرار، أحسست أن سنوات حياتي تضيع من أجل لا شيء؛ لذا قررت الانشقاق والعودة إلى البلدة». وعن مرسوم العفو قال: «أعود في حالة واحدة وهي أن يتم تحديد مدة زمنية للخدمة الاحتياطية مع الإلزامية، وليست مفتوحة كما هو الحال الآن، فالوضع الراهن يمكن أن يبقيك عسكرياً لمدة عشر سنوات أو أكثر، وهذا ما يخاف منه معظم الشباب».


مقالات ذات صلة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إنَّه «لا يعلم ما إذا كانت سوريا ستعود إلى الجامعة العربية أم لا»، وإنَّه «لم يتسلَّم بصفته أميناً عاماً للجامعة أي خطابات تفيد بعقد اجتماع استثنائي لمناقشة الأمر».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«الصحة العالمية» تحذّر من «نقص حادّ» في المواد الأساسية بشمال قطاع غزة

منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
TT

«الصحة العالمية» تحذّر من «نقص حادّ» في المواد الأساسية بشمال قطاع غزة

منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)

حذّرت منظمة الصحة العالمية، اليوم الخميس، من أنّ قطاع غزة، ولا سيّما شطره الشمالي، يعاني نقصاً حادّاً في الأدوية والأغذية والوقود والمأوى، مطالبة إسرائيل بالسماح بدخول مزيد من المساعدات إليه، وتسهيل العمليات الإنسانية فيه.

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، وصفت المنظمة الأممية الوضع على الأرض بأنه «كارثي».

وقال المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس إنه عندما اندلعت الحرب في غزة، قبل أكثر من عام في أعقاب الهجوم غير المسبوق الذي شنّته حركة «حماس» على جنوب إسرائيل، في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لجأ تقريباً جميع الذين نزحوا بسبب النزاع إلى مبان عامة أو أقاموا لدى أقارب لهم.

وأضاف، في مؤتمر صحافي بمقرّ المنظمة في جنيف: «الآن، يعيش 90 في المائة منهم في خيم».

وأوضح أن «هذا الأمر يجعلهم عرضة لأمراض الجهاز التنفّسي وغيرها، في حين يتوقّع أن يؤدّي الطقس البارد والأمطار والفيضانات إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية».

وحذّر تيدروس من أن الوضع مروِّع بشكل خاص في شمال غزة، حيث بدأ الجيش الإسرائيلي عملية واسعة، مطلع أكتوبر الماضي.

وكان تقريرٌ أُعِدّ بدعم من الأمم المتّحدة قد حذّر، في وقت سابق من هذا الشهر، من أن شبح المجاعة يخيّم على شمال قطاع غزة؛ حيث اشتدّ القصف والمعارك، وتوقّف وصول المساعدات الغذائية بصورة تامة تقريباً.

وقام فريق من منظمة الصحة العالمية وشركائها، هذا الأسبوع، بزيارة إلى شمال قطاع غزة استمرّت ثلاثة أيام، وجالَ خلالها على أكثر من 12 مرفقاً صحياً.

وقال تيدروس إن الفريق رأى «عدداً كبيراً من مرضى الصدمات، وعدداً متزايداً من المصابين بأمراض مزمنة الذين يحتاجون إلى العلاج». وأضاف: «هناك نقص حادّ في الأدوية الأساسية».

ولفت المدير العام إلى أن منظمته «تفعل كلّ ما في وسعها - كلّ ما تسمح لنا إسرائيل بفعله - لتقديم الخدمات الصحية والإمدادات».

من جهته، قال ريك بيبركورن، ممثّل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية، للصحافيين، إنّه من أصل 22 مهمّة إلى شمال قطاع غزة، قدّمت طلبات بشأنها، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، جرى تسهيل تسع مهام فقط.

وأضاف أنّه من المقرّر أن تُجرى، السبت، مهمّة إلى المستشفيين الوحيدين، اللذين ما زالا يعملان «بالحد الأدنى» في شمال قطاع غزة؛ وهما مستشفى كمال عدوان ومستشفى العودة، معرباً عن أمله في ألا تحدث عرقلة لهذه المهمة.

وقال بيبركورن إنّ هذين المستشفيين «بحاجة إلى كل شيء»، ويعانيان بالخصوص نقصاً شديداً في الوقود، محذراً من أنّه «دون وقود لا توجد عمليات إنسانية على الإطلاق».

وفي الجانب الإيجابي، قال بيبركورن إنّ منظمة الصحة العالمية سهّلت، هذا الأسبوع، إخلاء 17 مريضاً من قطاع غزة إلى الأردن، يُفترض أن يتوجه 12 منهم إلى الولايات المتحدة لتلقّي العلاج.

وأوضح أن هؤلاء المرضى هم من بين نحو 300 مريض تمكنوا من مغادرة القطاع منذ أن أغلقت إسرائيل معبر رفح الحدودي الرئيسي في مطلع مايو (أيار) الماضي.

لكنّ نحو 12 ألف مريض ما زالوا ينتظرون، في القطاع، إجلاءهم لأسباب طبية، وفقاً لبيبركورن الذي طالب بتوفير ممرات آمنة لإخراج المرضى من القطاع.

وقال: «إذا استمررنا على هذا المنوال، فسوف نكون مشغولين، طوال السنوات العشر المقبلة».