المونديال... متنفس لأهل درعا بعيداً عن الاغتيالات والمداهمات

مقهى يرتاده مشجعو المونديال في مدينة درعا (الشرق الأوسط)
مقهى يرتاده مشجعو المونديال في مدينة درعا (الشرق الأوسط)
TT

المونديال... متنفس لأهل درعا بعيداً عن الاغتيالات والمداهمات

مقهى يرتاده مشجعو المونديال في مدينة درعا (الشرق الأوسط)
مقهى يرتاده مشجعو المونديال في مدينة درعا (الشرق الأوسط)

تشهد الحياة اليومية في مدينة درعا في الجنوب السوري توتراً أمنياً دائماً يحمل لقاطنيها خوفاً مجهولاً من نقاط يمكن للصراع أن ينفجر فيها.
لكن الحال هذه تبدلت في عموم المحافظة، فمع انطلاق صافرة البداية لأول مباراة في المونديال، كانت درعا على موعد مع الوقت المستقطع لتصنع لنفسها بهجة ومتعة في متابعة هذا الحدث الكبير.
وخلال تجوالك في شوارع المدينة، ترى مظاهر الاحتفال والاحتفاء بهذا الإنجاز العربي الفريد، إن كان على مستوى الاستضافة أو نتائج المنتخبات العربية المشاركة.
محال كثيرة احتفت بالحدث على طريقتها؛ من وضع أعلام الدول العربية المشارِكة على واجهاتها، إلى إلصاق أيقونات المونديال على زجاجها الخارجي. وكم هائل للملصقات والأعلام على السيارات العابرة.
لقد وجد أبناء درعا في المونديال متنفساً للحياة ووقتاً قصيراً بين شوطين يرتاحون فيه من أخبار الاغتيالات والمداهمات.
الأكثر احتفاءً كانت المقاهي المنتشرة في المدينة التي تحولت فيها متابعة كأس العالم إلى فرصة للعمل واتعاش مدخولها.
يقول أحد أصحاب المقاهي في مدينة درعا لـ«الشرق الأوسط»: «انتظرنا بدء كأس العالم منذ شهور، فروّاد المقهى موسميون، وتلعب الأحداث الأمنية دوراً كبيراً في وجودهم. كما أن ارتفاع الأسعار وموجة الغلاء القاسية خفّضا أعداد الزائرين اليوميين. لكن مع بدء الحدث العالمي في دولة قطر، بدأنا باستقبال الجمهور والمشجعين، ووضعنا شاشة عملاقة وزدنا عدد موظفينا». وأضاف: «البهجة تعلو وجوه الموجودين في المكان، يضحكون ويمزحون ويتابعون بحماس شديد مباريات فرقهم المفضلة».
وتابع: «لن تسمع هنا الأحاديث التي اعتدناها في درعا عن التفجيرات والاغتيالات والخوف والغلاء. كل هذا أصبح في حكم الملغى... الحديث عنه مع بدء أي مباراة، حيث يطغى على روّاد المقهى أحاديث الفرق ونتائجها وتوقعاتهم، والكثير الكثير من المرح والضحك والتسلية والتشجيع. لقد افتقدنا هذه الأجواء منذ زمن طويل وكأننا قد نسينا السعادة أو نسيتنا».
تحولت أجواء الصخب والمتابعة والاحتفاء إلى سوق عمل يحرك المياه الراكدة للاقتصاد في المحافظة.
أحد أصحاب محل لخدمات «الساتلايت والتلفزة» قال: «لقد انتعشت تجارتي حتى قبل بدء المونديال ومعظم زبائني من الشباب. فأغلبهم يفضلون الأجواء العائلية في متابعة المباريات، فيشترون منا اشتراكات في القنوات المشفرة التي تنقل المونديال». وأضاف: «في الحقيقة، السعر مرتفع جداً بالنسبة لهم. فمعظمهم دون عمل والحالة الاقتصادية لا تساعدهم، لكننا استطعنا منحهم هذه المتعة في المتابعة عبر وسائل غير قانونية لكنها تتفق ووضعهم الاقتصادي».
إياد، وهو أحد المشجعين المتحمسين، قال: «الأجواء بشكل عام حماسية ورائعة. أرتاد المقاهي منذ بداية المونديال. أخيراً ثمة شيء يجعلنا نفرح فعلاً وننسى بعضاً من همومنا. المونديال مناسبة لأهالي درعا يطلّون من خلالها على العالم الذي نسيهم ويشاركونه حدثه الكوني الأهم». وأضاف: «ما نريده هو الاحتفال كبقية شعوب العالم، ونفتخر بالإنجازات للفريق العربية على مستوى الأداء المبشر بمستقبل أفضل للكرة العربية، وإنجاز قطر في المونديال، فلا ينقصنا في جنوب سوريا العروبة ولا الانتماء لنقف ونشجع فرقنا العربية ونفرح بالإنجاز الأهم عالمياً الذي صنعه العرب».
تصنع الجماهير العاشقة للساحرة المستديرة والمهتمة بالحدث الكروي البهجة خلال المباريات أو بعدها. فما إن تنتهي مباراة ما ويغادر الجمهور المقهى حتى تسمع صخباً وضحكاً وتحديات في الشوارع المحيطة به. تقول نهاد ربة منزل في مدينة درعا: «منذ مغادرتهم المقهى في الطرف الآخر للشارع أمام بيتي، أسمع صياح بعضهم بفرح وتحدي بعضهم للآخر بجولة جديدة لفريقه تدور فيها الدائرة عليهم». وأضافت: «أفرح لأصواتهم من كل قلبي؛ لأنني أشعر بأن متسعاً للحياة لا يزال أمام هؤلاء الشباب». وتتحسر بعدها متذكرة: «كم تمنيت لو أن أبنائي لم يغادروا إلى المهجر لكنت استمعت إليهم وإلى مجادلاتهم، ولكان البيت يمتلئ بأعلام الفرق المشاركة كل واحد يعلق علم منتخبه الذي يحب».
متابع ومشجع ولا يريد أي صفة أخرى يقول: «دعني أبتعد كثيراً عن السياسة والأوضاع الأمنية. هذا الوقت ليس لها، إنه فسحة للاستمتاع». ويتابع: «أعتقد بأننا هنا في درعا نستحق الفرح، وما زلنا قادرين كشعب على صنع البهجة، حتى وإن كانت مدتها شهراً واحداً. المهم أن نسرق من هذا الوقت الصعب والمر ساعات للنسيان والبهجة والمتعة». ويتابع ضاحكاً: «أشجع كل الفرق العربية، ومعها البرازيل، وأتمنى فوزها بالمونديال. لقد سحرت المشاهد بلعبها وتجعل من المباراة متعة حقيقية». وحين سألته أي فريق سيشجع إن خرجت البرازيل من التصفيات، قال: «دعنا لا نفكر كثيراً بالخسارة، فما خسرناه في هذه المدينة لا ينقصه خسارة البرازيل». تركته يضحك مع مجالسيه من روّاد المقهى وخرجت إلى الشارع الفارغ تماماً من الناس والمظلم تماماً لانقطاع الكهرباء التي لا تصل إلا ساعة مقابل عشر ساعات انقطاعاً.
تبدو الصبغة الخليجية العربية واضحة على المونديال بدءاً من الملاعب كاستاد البيت نموذجاً إلى التمائم التي اختارتها الدولة المستضيفة (قطر) لتمثل المونديال كتميمة «لعيب»، والتي هي عبارة عن كوفية عربية. وقد أحيا المونديال الأمل بإمكانية وجود إنجازات عربية نفخر بها، وكان الالتفاف العربي حوله وحول المنتخبات العربية المشاركة شعبياً عفوياً ولافتاً.


مقالات ذات صلة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إنَّه «لا يعلم ما إذا كانت سوريا ستعود إلى الجامعة العربية أم لا»، وإنَّه «لم يتسلَّم بصفته أميناً عاماً للجامعة أي خطابات تفيد بعقد اجتماع استثنائي لمناقشة الأمر».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«الصحة العالمية» تحذّر من «نقص حادّ» في المواد الأساسية بشمال قطاع غزة

منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
TT

«الصحة العالمية» تحذّر من «نقص حادّ» في المواد الأساسية بشمال قطاع غزة

منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)

حذّرت منظمة الصحة العالمية، اليوم الخميس، من أنّ قطاع غزة، ولا سيّما شطره الشمالي، يعاني نقصاً حادّاً في الأدوية والأغذية والوقود والمأوى، مطالبة إسرائيل بالسماح بدخول مزيد من المساعدات إليه، وتسهيل العمليات الإنسانية فيه.

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، وصفت المنظمة الأممية الوضع على الأرض بأنه «كارثي».

وقال المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس إنه عندما اندلعت الحرب في غزة، قبل أكثر من عام في أعقاب الهجوم غير المسبوق الذي شنّته حركة «حماس» على جنوب إسرائيل، في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لجأ تقريباً جميع الذين نزحوا بسبب النزاع إلى مبان عامة أو أقاموا لدى أقارب لهم.

وأضاف، في مؤتمر صحافي بمقرّ المنظمة في جنيف: «الآن، يعيش 90 في المائة منهم في خيم».

وأوضح أن «هذا الأمر يجعلهم عرضة لأمراض الجهاز التنفّسي وغيرها، في حين يتوقّع أن يؤدّي الطقس البارد والأمطار والفيضانات إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية».

وحذّر تيدروس من أن الوضع مروِّع بشكل خاص في شمال غزة، حيث بدأ الجيش الإسرائيلي عملية واسعة، مطلع أكتوبر الماضي.

وكان تقريرٌ أُعِدّ بدعم من الأمم المتّحدة قد حذّر، في وقت سابق من هذا الشهر، من أن شبح المجاعة يخيّم على شمال قطاع غزة؛ حيث اشتدّ القصف والمعارك، وتوقّف وصول المساعدات الغذائية بصورة تامة تقريباً.

وقام فريق من منظمة الصحة العالمية وشركائها، هذا الأسبوع، بزيارة إلى شمال قطاع غزة استمرّت ثلاثة أيام، وجالَ خلالها على أكثر من 12 مرفقاً صحياً.

وقال تيدروس إن الفريق رأى «عدداً كبيراً من مرضى الصدمات، وعدداً متزايداً من المصابين بأمراض مزمنة الذين يحتاجون إلى العلاج». وأضاف: «هناك نقص حادّ في الأدوية الأساسية».

ولفت المدير العام إلى أن منظمته «تفعل كلّ ما في وسعها - كلّ ما تسمح لنا إسرائيل بفعله - لتقديم الخدمات الصحية والإمدادات».

من جهته، قال ريك بيبركورن، ممثّل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية، للصحافيين، إنّه من أصل 22 مهمّة إلى شمال قطاع غزة، قدّمت طلبات بشأنها، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، جرى تسهيل تسع مهام فقط.

وأضاف أنّه من المقرّر أن تُجرى، السبت، مهمّة إلى المستشفيين الوحيدين، اللذين ما زالا يعملان «بالحد الأدنى» في شمال قطاع غزة؛ وهما مستشفى كمال عدوان ومستشفى العودة، معرباً عن أمله في ألا تحدث عرقلة لهذه المهمة.

وقال بيبركورن إنّ هذين المستشفيين «بحاجة إلى كل شيء»، ويعانيان بالخصوص نقصاً شديداً في الوقود، محذراً من أنّه «دون وقود لا توجد عمليات إنسانية على الإطلاق».

وفي الجانب الإيجابي، قال بيبركورن إنّ منظمة الصحة العالمية سهّلت، هذا الأسبوع، إخلاء 17 مريضاً من قطاع غزة إلى الأردن، يُفترض أن يتوجه 12 منهم إلى الولايات المتحدة لتلقّي العلاج.

وأوضح أن هؤلاء المرضى هم من بين نحو 300 مريض تمكنوا من مغادرة القطاع منذ أن أغلقت إسرائيل معبر رفح الحدودي الرئيسي في مطلع مايو (أيار) الماضي.

لكنّ نحو 12 ألف مريض ما زالوا ينتظرون، في القطاع، إجلاءهم لأسباب طبية، وفقاً لبيبركورن الذي طالب بتوفير ممرات آمنة لإخراج المرضى من القطاع.

وقال: «إذا استمررنا على هذا المنوال، فسوف نكون مشغولين، طوال السنوات العشر المقبلة».