أنقرة ترفض طلب واشنطن إلغاء العملية البرية... وروسيا تفاوض «قسد» على الانسحاب

«الأمن القومي» التركي ناقش بحضور إردوغان التفاصيل المحتملة في شمال سوريا

إردوغان مترئساً اجتماع مجلس الأمن القومي التركي (وكالة الأناضول)
إردوغان مترئساً اجتماع مجلس الأمن القومي التركي (وكالة الأناضول)
TT

أنقرة ترفض طلب واشنطن إلغاء العملية البرية... وروسيا تفاوض «قسد» على الانسحاب

إردوغان مترئساً اجتماع مجلس الأمن القومي التركي (وكالة الأناضول)
إردوغان مترئساً اجتماع مجلس الأمن القومي التركي (وكالة الأناضول)

بينما ناقش «مجلس الأمن القومي التركي» في اجتماعه برئاسة الرئيس رجب طيب إردوغان التطورات في شمال سوريا والعملية العسكرية البرية التي تم الإعداد لها ضد مواقع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال سوريا... أكدت أنقرة أنها طلبت من الولايات المتحدة «الوفاء بالتزاماتها بموجب التفاهمات» المتعلقة بشمال سوريا؛ رداً على طلب الأخيرة، عدم القيام بالعملية العسكرية المحتملة.
وفي الوقت ذاته، تواصلت المفاوضات بين روسيا و«قسد» من أجل التخلي عن بعض مناطق سيطرتها وإحلال قوات من النظام السوري محلها، في محاولة لإقناع تركيا بالتراجع عن خيار العمل العسكري.
وشهد اجتماع «مجلس الأمن القومي» التركي، الخميس، تناولاً للتطورات الإقليمية والدولية ومكافحة الإرهاب، والعمليات العسكرية في شمالي سوريا والعراق، والعملية البرية المحتمل القيام بها ضد «قسد» في شمال سوريا، والتي أتم الجيش التركي مع فصائل «الجيش الوطني السوري» الموالي لأنقرة، الاستعدادات الخاصة بها، إلى جانب النتائج التي أسفرت عنها عملية «المخلب – السيف» الجوية، التي أطلقتها القوات التركية في شمالي سوريا والعراق ليل 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على خلفية التفجير الإرهابي الذي وقع في شارع الاستقلال بمنطقة تقسيم في إسطنبول في 13 من الشهر ذاته، وخلّف 6 قتلى و81 مصاباً، والذي نسبته السلطات إلى «حزب العمال الكردستاني» و«وحدات الشعب الكردية».
تباين تركي أميركي
وقبل الاجتماع، أقر وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، بأن واشنطن «طلبت إعادة دراسة العملية العسكرية المحتملة ضد الإرهاب شمال سوريا، وأن تركيا طلبت في المقابل الوفاء بالتعهدات المقدمة لها».
وأكد «أن الجيش التركي يواصل بكل حزم وتصميم، كفاحه ضد الإرهاب بهدف ضمان أمن شعبه وحدود بلاده في إطار المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على الحق المشروع في الدفاع عن النفس، وبما يتوافق مع احترام وحدة تراب وسيادة جيرانها». وأضاف أن «وحدات حماية الشعب الكردية»، أكبر مكونات «قسد»، زادت من «استفزازاتها وهجماتها بهدف زعزعة السلام والاستقرار» في شمال سوريا.
وكانت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، أعلنت أن وزير الدفاع لويد أوستن، أبلغ نظيره التركي في اتصال هاتفي، ليل الأربعاء-الخميس، «معارضة واشنطن القوية» لعملية عسكرية تركية جديدة في سوريا، معبراً عن قلقه «من تصاعد التوتر في المنطقة».
وقالت الوزارة، في بيان، إن أوستن «عبر أيضاً عن قلقه من تصاعد الوضع في شمال سوريا وتركيا، بما في ذلك الضربات الجوية في الآونة الأخيرة التي هدد بعضها على نحو مباشر سلامة الأفراد الأميركيين العاملين مع شركاء محليين في سوريا لهزيمة داعش، ودعا إلى خفض التصعيد، وعبّر عن معارضة البنتاغون القوية لعملية عسكرية تركية جديدة في سوريا».
من جانبها، قالت وزارة الدفاع التركية، في بيان، إن أكار بحث مع أوستن «قضايا الدفاع والأمن الثنائية والإقليمية، وأبلغه بأن تركيا تقوم بعمليات مكافحة الإرهاب من أجل ضمان أمن شعبها وحدودها، في إطار حقوقها في الدفاع عن النفس النابعة من المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. وشدد على أن التعاون والتضامن في مكافحة الإرهاب سيسهمان في إحلال السلام والأمن الإقليميين والعالميين، وأن تركيا مستعدة للتعاون في مكافحة داعش وجميع التنظيمات الإرهابية الأخرى».
وأضاف البيان أن «أكار أبلغ نظيره الأميركي بأن الهدف الوحيد للعمليات العسكرية التركية هو الإرهابيون، وأن إلحاق الأذى بقوات التحالف أو المدنيين أمر غير وارد على الإطلاق».
والتقى أكار المبعوث الأميركي الخاص السابق إلى سوريا، جيمس جيفري، في العاصمة أنقرة الخميس، وجرى بحث التطورات في سوريا.
وسبق أن وقعت تركيا والولايات المتحدة مذكرة تفاهم في أنقرة في 19 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، لوقف عملية «نبع السلام» العسكرية التي أطلقتها تركيا ضد مواقع «قسد» في التاسع من ذلك الشهر. كما وقعت تفاهماً مماثلاً في سوتشي مع روسيا في 22 من الشهر ذاته. وتضمن التفاهمان تعهدات من جانب الولايات المتحدة وروسيا بإبعاد الوحدات الكردية عن حدود تركيا لمسافة 30 كيلومتراً.
وتتهم أنقرة الولايات المتحدة «بعدم الوفاء بالتزاماتها» بموجب التفاهم المشار إليه، وتفاهم سابق بشأن إخراج الوحدات الكردية من منبج. كما تتهم روسيا «بعدم الوفاء بتعهداتها بموجب تفاهم سوتشي إلا أن موسكو تقول من جانبها إن أنقرة هي التي لم تف أيضاً بتعهداتها، وتطالبها بعدم القيام بعمليات عسكرية من شأنها زعزعة الاستقرار في المنطقة».
روسيا و«قسد»
وخيم الهدوء الحذر في عموم مناطق شمال وشرق سوريا، الخميس، مع استمرار المفاوضات التي تجري في ريف الرقة الغربي بين القوات الروسية و«قسد» بشأن منطقة منبج وعين العرب (كوباني)، التي تعد إلى جانب تل رفعت أهدافاً محتملة للعملية العسكرية التركية المرتقبة.
وبحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، طالبت روسيا بانسحاب القوات القتالية لـ«قسد» من مركز المدينة، مع زيادة انتشار قوى الأمن الداخلي (الأسايش) في المراكز، وإبقاء وجود قوات النظام في محيط المنطقتين مع القوات الروسية.
وقطعت القوات التركية حالة الهدوء بقصفها، ليل الأربعاء-الخميس، العديد من القرى شمال وشرق سوريا، ضمن مناطق وأرياف حلب والحسكة والرقة، حيث استهدف القصف المدفعي قرية ربيعات ومحيط بلدة أبو راسين شمال غربي الحسكة، وقرى بير كيتك وخربة البقر وعريضة وكورحسن وبيرزنار بريف تل أبيض الغربي شمال الرقة، وقرى كوران وخربيسان تحتاني بريف عين العرب (كوباني) الشرقي، بريف حلب الشرقي، إضافة لقرية بينه التابعة لناحية شيراوا في عفرين بريف حلب الشمالي.
ورفض الجانب التركي تسيير دورية مشتركة مع القوات الروسية في ناحية الدرباسية في الحسكة، الخميس، حيث وصلت 4 عربات عسكرية روسية إلى معبر شيريك غرب الدرباسية لتسيير دورية عسكرية مشتركة مع القوات التركية، في إطار تفاهم سوتشي، وانتظر الجنود الروس نحو ساعتين قدوم العناصر التركية، ثم عادوا أدراجهم إلى مطار القامشلي، بعد أن ترجل جنود أتراك إلى موقع انتظار القوات الروسية، وأبلغوهم أنهم لن يسيروا الدورية.
وكانت الدورية المشتركة الأخيرة بين الجانبين جرت في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي قبل يومين من إطلاق تركيا عملية «المخلب-السيف».
استمرار التعزيزات
وتواصل في الوقت نفسه، تدفق التعزيزات العسكرية من أطراف مختلفة على مناطق سيطرة «قسد». وأرسلت القوات الروسية تعزيزات عسكرية في محافظة حلب، تعد الأولى في المنطقة، منذ أن شنت تركيا عمليتها الجوية مع التهديد بتنفيذ عملية برية في منبج وتل رفعت وعين العرب (كوباني).
وأفاد سكان في تل رفعت بوصول تعزيزات عسكرية روسية إلى المدينة ومحيطها، وأن القوات الروسية وضعت حاجزاً جديداً عند خط تماس يفصل بين مناطق سيطرة «قسد»، وتلك الواقعة تحت سيطرة تركيا والفصائل السورية الموالية لها.
وبدوره، أفاد «المرصد السوري» عن قيام القوات الروسية بتعزيز وجودها في «مطار منغ» العسكري المجاور، الذي تسيطر عليه قوات النظام الحكومية، مرجحاً أن يكون الهدف من تلك التعزيزات هو وقف أو تأخير العملية التركية المحتملة.
كما أفاد المرصد بوصول تعزيزات روسية أيضاً إلى محيط مدينة عين العربي (كوباني) الحدودية مع تركيا، فيما قال مسؤول أمني في المدينة لـ«الصحافة الفرنسية» إن القوات الروسية سيرت دورية منفردة في المنطقة رفقة مروحية، بعد أن أوقفت الدوريات المشتركة مع القوات التركية وألغت دورية كانت مقررة قبل 3 أيام.
وتنتشر قوات روسية في مناطق سيطرة الأكراد القريبة من الحدود التركية بموجب تفاهم سوتشي في 2019. وكانت «قسد» طالبت، الأسبوع الماضي، روسيا وأميركا بالتدخل لمنع تركيا من تنفيذ تهديداتها بشن هجوم بري جديد ضد مناطق سيطرتها. في الوقت ذاته، استقدمت قوات النظام تعزيزات عسكرية، مؤلفة من 5 باصات محملة بعناصر تابعة لها، اتجهت نحو مواقع عسكرية في عين عيسى بريف الرقة الشمالي، على خلفية التصعيد التركي. وسبق أن استقدمت قوات النظام، في 26 نوفمبر الماضي، تعزيزات عسكرية ضخمة، ضمّت 20 آلية على الأقل من دبابات وناقلات جند ومدافع ومواد لوجستية وسيارات مرفقة برشاشات ثقيلة، دخلت مدينة عين العرب (كوباني) وانتشرت في نقاط غرب المدينة.
في الوقت ذاته، أفاد «المرصد السوري» بدخول قوافل متتالية تابعة للتحالف الدولي للحرب على «داعش» بقيادة الولايات المتحدة، خلال الساعات الثماني والأربعين، إلى شمال وشرق سوريا قادمة من معبر الوليد الحدودي مع إقليم كردستان العراق، تضم أسلحة ومعدات عسكرية ولوجستية. وأحصى المرصد أكثر من 240 شاحنة، تحمل على متنها مدافع وأسلحة رشاشة ثقيلة ومعدات عسكرية وذخائر وصناديق مغلقة، بالإضافة إلى صهاريج وقود، توجهت إلى قواعد التحالف الدولي المنتشرة في محافظة الحسكة.
وفي 29 نوفمبر الماضي، وصلت قافلة تابعة للتحالف الدولي إلى مناطق شمال وشرق سوريا ضمت نحو 40 شاحنة تحمل ذخائر ومواد لوجستية، إضافة إلى صهاريج وقوة حماية ومدرعات برادلي، ودخلت كلها إلى القاعدة الأميركية في تل بيدر بريف الحسكة، وكانت هي القافلة الثالثة خلال أقل من 10 أيام.
عملية ضد داعش
إلى ذلك، أعلنت المخابرات التركية أنها ألقت بالتنسيق مع «الجيش الوطني السوري»، الموالي لأنقرة، القبض على 5 إرهابيين من تنظيم «داعش»، بينهم شخص يعرف بمسؤول منطقة «نبع السلام».
وذكرت وكالة «الأناضول»، الخميس، أن المخابرات قبضت على 5 إرهابيين بينهم محمد خالد علي الملقب بـ«أبو سيف تدمري» مسؤول منطقة نبع السلام، إضافة إلى محمد صالح الملقب بـ«أبو عمر كوراني»، وخالد محمد عيسى الحلو الملقب بـ«أبو إسلام سالو»، وعلي حسين علي الملقب بـ«أبو حسن شامي»، وشادي العلي الملقب بـ«أبو حمزة».


مقالات ذات صلة

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي الأردن يوسّع مشاورات «عودة سوريا»

الأردن يوسّع مشاورات «عودة سوريا»

أطلق الأردن سلسلة اتصالات مع دول عربية غداة استضافته اجتماعاً لبحث مسألة احتمالات عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ومشاركتها في القمة المقبلة المقرر عقدها في المملكة العربية السعودية هذا الشهر. وقالت مصادر أردنية لـ«الشرق الأوسط»، إن اجتماع عمّان التشاوري الذي عُقد (الاثنين) بحضور وزراء خارجية مصر والسعودية والعراق والأردن وسوريا، ناقش احتمالات التصويت على قرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية ضمن أنظمة الجامعة وآليات اعتماد القرارات فيها. وفي حين أن قرار عودة سوريا إلى الجامعة ليس مقتصراً على الاجتماعات التشاورية التي يعقدها وزراء خارجية مصر والسعودية والعراق والأردن، فإن المصادر لا تستبعد اتفاق

شؤون إقليمية الأسد ورئيسي يتفقان على «تعاون استراتيجي طويل الأمد»

الأسد ورئيسي يتفقان على «تعاون استراتيجي طويل الأمد»

بدأ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أمس (الأربعاء) زيارة لدمشق تدوم يومين واستهلها بجولة محادثات مع نظيره السوري بشار الأسد تناولت تعزيز العلاقات المتينة أصلاً بين البلدين. وفيما تحدث رئيسي عن «انتصارات كبيرة» حققتها سوريا، أشار الأسد إلى أن إيران وقفت إلى جانب الحكومة السورية مثلما وقفت هذه الأخيرة إلى جانب إيران في حرب السنوات الثماني مع إيران في ثمانينات القرن الماضي. ووقع الأسد ورئيسي في نهاية محادثاتهما أمس «مذكرة تفاهم لخطة التعاون الاستراتيجي الشامل الطويل الأمد». وزيارة رئيسي لدمشق هي الأولى التي يقوم بها رئيس إيراني منذ 13 سنة عندما زارها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.