أكدت تركيا أن عمليتها العسكرية البرية في شمال سوريا قد تنطلق في أي لحظة، في وقت قالت فيه «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» إنها تريد تحذيراً أميركياً «أقوى» كي توقف تركيا عمليتها المرتقبة في شمال سوريا.
وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، إن العملية العسكرية قد تنطلق في أي لحظة، وإنه يمكن تنفيذها بطرق عدة، مشدداً على أن أنقرة هي التي ستحدد موعدها وطريقة تنفيذها دون أخذ إذن من أحد. وأضاف كالين، في مقابلة تلفزيونية الثلاثاء، أن «تركيا لا تأخذ إذناً من أي جهة لمعالجة مخاوفها الأمنية، ولا تخضع للمساءلة من أي كان... العملية يمكن أن تكون غداً أو الأسبوع المقبل، أو في أي لحظة، ويمكن أن تنفّذ بأشكال مختلفة، وستستمر العمليات في المستقبل كما كانت في السابق، والعمليات التركية من شأنها المحافظة على وحدة الأراضي السورية».
وعن رد فعل النظام السوري على نية الحكومة التركية بدء عملية عسكرية جديدة في سوريا، قال كالين: «لو لم نقم بالعمليات العسكرية الثلاث السابقة (درع الفرات، وغصن الزيتون، ونبع السلام)، لما كانت سوريا تتمتع بوحدة أراضيها الآن». ولفت إلى أن تركيا تتحاور مع حلفائها والدول المجاورة بشأن العملية العسكرية المحتملة، إلا إن ذلك لا يعني أنهم يطلبون الإذن من أحد للشروع فيها، مضيفاً: «على المستوى الدولي؛ يقول الأميركيون إنهم غير مرتاحين، والروس كذلك أيضاً، وغيرهم يقولون شيئاً آخر... ربما هم فعلاً غير مرتاحين، ويمكن لهم أن يعبّروا عن مواقفهم، إلا إن هذا لا يؤثر بأي شكل من الأشكال على خطواتنا التي ننوي اتخاذها، وعبّرنا لهم عن هذا بوضوح».
وذكر المتحدث التركي أن بلاده أبلغت الجميع بعمليتها العسكرية الجوية «المخلب - السيف» التي أطلقتها تركيا ليل 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي في شمال سوريا والعراق، مضيفاً: «في العملية الجوية الأخيرة، أخبرنا الجميع بأننا سنقوم بعملية عسكرية في إطار الشرعية الدولية بحسب (المادة 51) من اتفاقية الأمم المتحدة». وقال إن بلاده طالبت مراراً بإبعاد «وحدات حماية الشعب» الكردية (القوة الأساسية في «قسد») عن الحدود السورية - التركية مسافة 30 كيلومتراً.
التقارب مع النظام
في غضون ذلك، أشار كالين إلى المحادثات الجارية بين النظام السوري والحكومة التركية، وقال: «تجري بالفعل محادثات على مستوى المخابرات بين البلدين، ويجب خلق أرضية واضحة لذلك». وأوضح أن رئيس المخابرات التركية يناقش مع نظيره السوري الموضوعات المتعلقة بـ«احتياجاتنا الأمنية». وأضاف أنه لا يوجد موعد محدد للقاء الرئيسين التركي والسوري أكان قبل الانتخابات التركية (منتصف العام المقبل) أم بعدها، مشدداً على أن اللقاءات الجارية بين أجهزة المخابرات يجب رفعها لمستويات مختلفة. وتابع: «الحوار مستمر لتقليل التهديدات التي تتعرض لها تركيا من التنظيمات الإرهابية؛ على رأسها (حزب العمال الكردستاني)... نعم لا توجد خصومة دائمة في السياسة؛ لكن من أجل إعادة تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، يجب تحضير الأسس الصحيحة اللازمة، فهناك قضايا مهمة يجب التوافق على حلها، كاللاجئين، ومحاربة الإرهاب، ووضع الدستور السوري الجديد».
مطالب تركية
إلى ذلك، تحدثت تقارير ومصادر عن أن تركيا عرضت مطالب لوقف عمليتها في شمال سوريا خلال مباحثات مع موسكو. وتضمنت هذه المطالب انسحاب «قوات سوريا الديمقراطية» من منبج وعين العرب (كوباني) وتل رفعت (في ريف حلب)، وذلك خلال مهلة زمنية محدودة، وإلا فإن تركيا ستنفذ عملية عسكرية تشمل المدن الثلاث. ونقلت وسائل إعلام تركية عن مصادر مطلعة، الثلاثاء، أن تركيا اشترطت أيضاً عودة مؤسسات النظام السوري بدل الإدارة الذاتية الكردية إلى مواقع سيطرة «قسد»، مشيرة إلى أن الجانب الروسي يقوم بمفاوضات مع «قسد» والنظام لتنفيذ شروط تركيا لمنع العملية العسكرية.
ووفق وسائل الإعلام التركية؛ وجّه قائد القوات الروسية في سوريا تحذيراً أخيراً إلى «قسد» بشأن العملية العسكرية التركية المرتقبة في مناطق شمال سوريا، خلال اجتماع جمع الطرفين، الأحد الماضي، في الحسكة. وأشارت التقارير التركية إلى أن طائرات حربية تقل قائد القوات الروسية في سوريا ألكسندر تشايكو برفقة مستشارين وقادة عسكريين روس هبطت في مطار القامشلي، حيث عقد اجتماع مع قائد «قسد»، مظلوم عبدي، بمقر إقامته في استراحة تعدّ إحدى القواعد الأميركية في محافظة الحسكة.
وذكرت أن قائد القوات الروسية كان واضحاً مع عبدي وأخبره خلال اللقاء أن تركيا مصرّة على القيام بعملية برية شمال سوريا، وأن موسكو غير قادرة على وقف هذه العملية من دون منح تركيا ضمانات أمنية حقيقية. وأضافت؛ نقلاً عن مصادر وصفتها بـ«المطلعة»، أن روسيا تشترط على «قسد» سحب كامل قواتها ومؤسساتها من مناطق عين العرب (كوباني) ومنبج وتل رفعت وتسليم المنطقة للقوات الروسية وعودة جيش النظام إليها، وأن العرض الروسي هو الأخير، وأن روسيا لن تستطع وقف الهجوم في حال بدء العملية التركية.
في المقابل؛ عرضت «قسد» على روسيا زيادة عدد القوات الروسية وقوات النظام ونقاطها على طول الشريط الحدودي مع تركيا، والحفاظ على وجود المؤسسات المدنية والأجهزة الأمنية التابعة للإدارة الذاتية. وشددت على التزامها باتفاقية وقف التصعيد مع تركيا وحفظ الاستقرار في المنطقة. وأشارت المصادر إلى انتهاء الاجتماع بين الطرفين من دون التوصل لاتفاق، مع تأكيد من جانب «قسد» على رفض خيار الانسحاب من هذه المناطق.
«قسد» تخشى الغزو
وأكد قائد «قسد»، مظلوم عبدي، في تصريحات الثلاثاء، أنه لا يزال يخشى «غزواً برياً تركياً». وقال عبدي لـ«رويترز»، عبر الهاتف من سوريا، إن هناك تعزيزات على الحدود وداخل سوريا في مناطق تسيطر عليها الفصائل المتحالفة مع تركيا. وأشار إلى أنه تلقى تأكيدات «واضحة» من كل من واشنطن وموسكو بأنهما تعارضان غزواً برياً تركياً، لكنه أوضح أنه يريد شيئاً ملموساً أكثر لكبح أنقرة. ومضى يقول: «ما زلنا قلقين. نحتاج إلى بيانات أقوى وأكثر صلابة لوقف تركيا... لقد أعلنت تركيا عن نيتها وهي تستطلع الآن الأمور. تتوقف بداية وقوع غزو على كيفية تحليلها مواقف الدول الأخرى».
وقال عبدي إن قواته لم يُطلب منها الانسحاب من أي مناطق أخرى، وإنها سترفض إذا طُلب منها ذلك، مضيفاً أن انشغال الوسطاء الرئيسيين في هذا الاتفاق بحرب موسكو في أوكرانيا يجعل من المتعذر تنفيذه بشكل ملائم. وقال: «الكل مشغول. كان للحرب الروسية - الأوكرانية تأثير سلبي على التزامات هذه الدول في هذه المنطقة».
من جهتها، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن عبدي قوله إنه أكد على الجانب الروسي (بعد لقاء يوم السبت مع الجنرال ألكسندر تشايكو في مطار القامشلي العسكري) «ضرورة إيقاف الهجمات التركية»، مضيفاً أن «ما هو واضح حتى الآن أن الأتراك مصرون على شن العملية البرية». وحذر عبدي بأنه في حال نفذت تركيا تهديداتها؛ «فإننا سنكون مضطرين إلى توسيع دائرة الحرب» لتشمل كامل الحدود السورية، مضيفاً: «بالنسبة إلينا، ستكون معركة وجود».
ورداً على سؤال حول موافقة قواته على عودة المؤسسات الحكومية إلى المناطق المهددة، قال عبدي إن «ذلك مرتبط بالتوصل إلى حل سياسي مع حكومة دمشق».
موقف أميركي
في الوقت ذاته، جدد منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، تأكيده على حق تركيا في الدفاع عن نفسها ضد التهديدات الإرهابية.