في تجاهل واضح للاعتراضات الإقليمية والدولية، وقعت تركيا وحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها في ليبيا، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، اتفاقيتين لتعزيز التعاون الأمني والعسكري في إطار تنفيذ مذكرة التفاهم الموقعة بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ورئيس حكومة الوفاق الوطني السابقة فائز السراج في إسطنبول في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 في مجالي التعاون العسكري والأمني.
ووقع وزير الدفاع التركي خلوصي أكار مع الدبيبة، بصفته وزير الدفاع، في إسطنبول مساء أول من أمس، اتفاقيتين تنص الأولى على رفع كفاءة قدرات الطيران الحربي في ليبيا بالاستعانة بالخبرات التركية، فيما تتضمن الثانية بروتوكولات تنفيذية لمذكرة التفاهم في مجال التعاون الأمني والعسكري الموقعة في 2019.
وبحث أكار مع الدبيبة قضايا دفاعية وأمنية، وفي مقدمتها التعاون في مجالي التدريب العسكري والصناعات الدفاعية، خلال اجتماع عقد على هامش معرض الصناعات الدفاعية والطيران في إسطنبول، بحضور رئيس هيئة أركان الجيش التركي يشار غولار، وقائد القوات الجوية حسن كوتشوك يوز، وقائد الأركان في القوات التابعة لحكومة طرابلس محمد الحداد.
وقال أكار خلال اللقاء إن هدف تركيا يتمثل في «الإسهام في تشكيل ليبيا التي تعيش بسلام واستقرار، وتضمن وحدة ترابها ووحدتها السياسية». مشددا على أن بلاده مصممة على مواصلة أنشطة التدريب والمساعدة والاستشارات العسكرية لدعم الليبيين، معتبرا أن تركيا «ليست قوة أجنبية في ليبيا». وبحسب بيان لحكومة الدبيبة فقد أعرب أكار في كلمة له خلال الحفل الافتتاحي عن سعادته بالتعاون مع وزارة الدفاع الليبية، وتطوير العلاقة بين البلدين في مجال التدريب وبناء المؤسسة العسكرية.
وقالت حكومة الوحدة، عبر الناطق باسمها محمد حمودة، إن «بروتوكول تنظيم التعاون العسكري بين وزارتي الدفاع للبلدين يستهدف تنظيم التعاون لمواد مذكرة التفاهم للتعاون الأمني والعسكري المبرمة في عام 2019». وأوضح حمودة أنه نص على «تشكيل لجنة الدفاع العليا للتعاون الليبي - التركي، ولجنة التعاون العسكرية وكيفية عملها ومهامها وتكوين وحداتها، بالإضافة إلى تحديد مجالات التعاون بين البلدين، وكذا تبادل التدريب والاستشارات والخبرات والمعلومات من أجل مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وأمن الحدود ودعم القطاعات العسكرية بالمعدات والأجهزة المتطورة، والدعم في مجال الخدمات الطبية العسكرية ورسم الخرائط».
كما كشف حمودة عن التوقيع على بروتوكول يُعنى بتدريبات الطيران الحديثة، وتحديد المبادئ والمسؤوليات المتعلقة بتدريبات الطيران، وأيضاً الضوابط والشروط والالتزامات الواقعة على الطرفين، والمتعلقة بمترشحي ومنتسبي هذه التدريبات، واشتمل أيضا على ملحق لبرامج تدريبات الطيران، مثل التدريب على الطائرات النفاثة والنقل والمروحيات.
ولم يصدر على الفور أي تعليق رسمي من فتحي باشاغا رئيس حكومة الاستقرار الموازية، بشأن هذه التطورات، التي تجاهلها أيضا خالد المشري رئيس مجلس الدولة.
وجاء توقيع الاتفاقيتين بعد ثلاثة أسابيع من توقيع وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، مع نظيرته الليبية نجلاء المنقوش في طرابلس، مذكرة تفاهم تسمح بالتنقيب المشترك بين تركيا وطرابلس عن الموارد الهيدروكربونية (النفط والغاز الطبيعي) قبالة سواحل ليبيا في البحر المتوسط وداخل أراضيها، وذلك تنفيذا لمذكرة التفاهم في مجال تعيين مناطق الصلاحية، وترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، التي وقعها إردوغان والسراج في إسطنبول في سنة 2019 مع مذكرة التفاهم في مجال التعاون الأمني والعسكري.
وأثارت مذكرة التفاهم الأخيرة التي وقعت في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، خلال زيارة لوفد تركي رفيع ضم وزراء الخارجية والدفاع والطاقة والموارد الطبيعية، ومسؤولين بالرئاسة التركية إلى طرابلس، ردود فعل غاضبة داخل ليبيا من جانب مجلس النواب وحكومة فتحي باشاغا المكلفة من جانبه، وعدد كبير من أعضاء مجلس الدولة، فضلا عن اعتراض مصر واليونان والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على توقيع حكومة الدبيبة هذه المذكرة، إذ لا يحق لها توقيع أي مذكرات تفاهم أو اتفاقيات بعد أن انتهت ولايتها في 24 ديسمبر (كانون الأول) 2021 بموجب خريطة الطريق الصادرة عن ملتقى الحوار السياسي الليبي.
ورأى مراقبون في توقيع الاتفاقيتين الجديدتين تجاهلا من أنقرة وطرابلس لمختلف الاعتراضات الداخلية في ليبيا، وكذلك الإقليمية والدولية، ورسالة من تركيا بأنها ستستمر في تقديم الدعم لحكومة الدبيبة في مواجهة حكومة باشاغا المدعومة من البرلمان في شرق ليبيا، وترسيخا للوجود العسكري التركي في ليبيا، الذي بدأ مع توقيع مذكرة التفاهم في 2019 التي لم يعترف بها مجلس النواب الليبي، ولم يناقشها أو يصادق عليها حتى الآن.
وبموجب مذكرة التفاهم أرسلت تركيا في مطلع العام 2020 آلافا من قواتها إلى جانب الآلاف من المرتزقة السوريين من الفصائل الموالية لها في سوريا، وأنشأت قواعد برية وبحرية وجوية في غرب ليبيا. وتتمسك بأن وجودها هناك جاء بناء على طلب من الحكومة الشرعية في ليبيا.
كما جاء توقيع الاتفاقيتين الأمنية والعسكرية في الوقت، الذي تستضيف فيه تركيا جولة جديدة من المشاورات بين الأطراف الليبية لبحث الخلافات، التي ظهرت عقب الاتفاق بين رئيسي مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري حول ملف المناصب السيادية.
ويوجد في إسطنبول، إلى جانب الدبيبة والوفد المرافق له، كل من رئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب فتحي باشاغا ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، فيما رجحت مصادر ليبية أن أنقرة ستسعى إلى تهدئة الأجواء بين المشري والدبيبة، بعد التراشق الذي حدث بينهما في الأيام الأخيرة.
تركيا توقع اتفاقيتين للتعاون العسكري والأمني مع حكومة الدبيبة
رئيسا «الاستقرار» و«الدولة» تجاهلا التطورات
تركيا توقع اتفاقيتين للتعاون العسكري والأمني مع حكومة الدبيبة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة