القانون الانتخابي الجديد في تونس يخلّف جدلاً سياسياً حاداً

قلّص عدد النواب ومنع عناصر الجيش والأمن من المشاركة في التصويت واشترط تزكية 400 ناخب لكل مرشح

جانب من إعلان نتائج الاستفتاء على الدستور الجديد في تونس في يوليو الماضي (إ.ب.أ)
جانب من إعلان نتائج الاستفتاء على الدستور الجديد في تونس في يوليو الماضي (إ.ب.أ)
TT

القانون الانتخابي الجديد في تونس يخلّف جدلاً سياسياً حاداً

جانب من إعلان نتائج الاستفتاء على الدستور الجديد في تونس في يوليو الماضي (إ.ب.أ)
جانب من إعلان نتائج الاستفتاء على الدستور الجديد في تونس في يوليو الماضي (إ.ب.أ)

قوبل القانون الانتخابي الجديد المعلن عنه في تونس بردود فعل متباينة بلورتها مواقف لشخصيات سياسية معارضة وأخرى داعمة للمسار السياسي الذي ينهجه الرئيس قيس سعيد. ففي حين اعتبر بعض الأطراف أن القانون الجديد سيؤسس لمشهد سياسي مختلف عن السائد وسيطوي صفحة الأحزاب السياسية بمفهومها التقليدي، أكدت أطراف أخرى أن هذا النظام الانتخابي يقوي «شوكة الأفراد» نظراً لأن الاقتراع سيكون على أفراد وليس على قوائم انتخابية كما كان الحال في المحطات الانتخابية السابقة في تونس منذ سنة 2011.
وقلص القانون الانتخابي الجديد عدد أعضاء البرلمان الذي سينبثق عن الانتخابات البرلمانية المقررة يوم 17 ديسمبر (كانون الأول) المقبل من 217 نائباً إلى 161 نائباً، ورفع عدد الدوائر الانتخابية إلى 161 دائرة موزعة بين 151 داخل تونس و10 دوائر خارجها، بعدما كان العدد سابقاً في حدود 33 دائرة انتخابية من بينها ست دوائر انتخابية في الخارج.
كما تضمن هذا القانون عدداً من شروط الترشح من أهمها شرط تزكية 400 ناخب لكل مرشح، واستخراج بطاقة السوابق العدلية، والقيام بالواجب الجبائي، إلى جانب استثناء العاملين في عدد من القطاعات المهنية من الترشح إلا بعد سنة من مغادرتهم لنشاطهم المهني. وقد منع المرسوم الجديد العسكريين وأعوان قوات الأمن الداخلي من التسجيل في سجل الناخبين والتصويت.
ولا يحق، وفق القانون الانتخابي الجديد، لأعضاء الحكومة ورؤساء الدواوين، والقضاة، ورؤساء البعثات والمراكز الدبلوماسية والقنصلية، والولاة، والمعتمدين الأول، والكتاب العامين للولايات (المحافظات)، والمعتمدين والعمد (وهم ممثلو الحكومة في المناطق المحلية)، والأئمة، ورؤساء الهياكل والجمعيات الرياضية، الترشح لعضوية البرلمان الجديد إلا بعد مرور سنة من انتهاء وظائفهم.
وفي هذا الشأن، قال المنجي الحرباوي، القيادي في «حركة نداء تونس» التي أسسها الباجي قائد السبسي، إن القانون الانتخابي الجديد يؤكد النهج الذي سار عليه الرئيس سعيد في تعامله مع المشهد السياسي حيث تم «إفراغ الساحة من الساسة والسياسيين والقضاء على كل الأجسام الوسيطة، رغم أن هذا الأمر لم يكن من مطالب 25 يوليو (تموز) 2021»، في إشارة إلى الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها رئيس الجمهورية في ذلك التاريخ وجمد فيها عمل البرلمان (قبل حله لاحقاً) وأقال الحكومة السابقة وعين مكانها أخرى جديدة.
واعتبر الحرباوي أن القانون الانتخابي الجديد «أحبط كل الأطراف السياسية التي أيدت ووقفت إلى جانب مسار التصحيح» الذي أعلنه الرئيس قيس سعيد قبل نحو سنة، وعبر عن خشيته من «عودة المنظومة السياسية القديمة» ممثلة في حركة «النهضة» ومؤيديها، علاوة على استعمال «المال الفاسد» للوصول إلى عضوية البرلمان الجديد.
وفي السياق ذاته، اعتبر زهير حمدي رئيس حزب «التيار الشعبي» المؤيد لـ«مسار 25 يوليو»، في تصريح إعلامي، أن القانون الانتخابي الجديد «إيجابي في عمومه، فنظام الاقتراع على الأفراد في دورتين سيمكن أوسع قاعدة شعبية ممكنة من الوصول إلى مراكز القرار ويتجنب هدر الأصوات ويؤمن كتلاً برلمانية قادرة على الحكم وأخرى على المعارضة». لكنه كشف، في الوقت ذاته، عن عدد من الإشكاليات التي سيطرحها القانون الجديد وهي تتمثل في طريقة تقسيم بعض الدوائر الانتخابية وتخفيض عدد نواب بعض الولايات، إضافة إلى صعوبة الحصول على 400 تزكية من أشخاص يمكن معرفة إمضائهم، على رغم أن هذا الشرط «يضمن جدية الترشح».
وينص القانون الانتخابي على أن يكون نصف المزكين للمرشحين للبرلمان التونسي الجديد من الإناث والنصف الثاني من الذكور، على ألا يقل عدد المزكين من الشباب دون سن الـ35 عن 25 في المائة، كما لا يجوز للناخب أن يزكي أكثر من مرشح واحد.
وتوعد الفصل 161 من المرسوم الرئاسي للانتخابات بعقوبات متعددة ضد كل من يقدم عطايا للناخبين سواء أكانت عطايا نقدية أو عينية من أجل التأثير عليهم. وأقر تغريم من يقوم بذلك بمبلغ يتراوح بين ألفين وخمسة آلاف دينار تونسي، والسجن بين سنتين وخمس سنوات. وتسري العقوبة على كل من حمل الناخبين على الامتناع عن التصويت سواء كان ذلك قبل الاقتراع أو أثناءه أو بعده. وبإمكان المحكمة أن تقضي بفقدان المرشح المخالف لحق الترشح لعضوية البرلمان مدى الحياة وحرمان الناخب المستفيد من العطايا من المشاركة في الانتخابات طيلة 10 سنوات.
أما سالم لبيض، القيادي في «حركة الشعب» المؤيدة لـ«مسار 25 يوليو»، فقد انتقد القانون الانتخابي الجديد، مؤكداً أنه ألغى 56 مقعداً برلمانياً في «غفلة صريحة عن التطورات الديمغرافية» في تونس، مشيراً إلى أن النائب البرلماني الواحد كان يمثل نحو 60 ألف ساكن وبات الآن يمثل 75 ألف ساكن، معتبراً أن الهدف من القانون الجديد هو تشكيل برلمان تونسي «خالٍ من السياسة والسياسيين والأحزاب والمتحزبين ومن كل أشكال التعددية السياسية والمنافسة بين الأحزاب والبرامج». ورأى لبيض أن مطالبة كل مرشح ببرنامج عمل وتزكية من 400 شخص تمثل «عبثاً مقنناً» سيعيد إحياء النعرات القبلية والعودة إلى العروش العائلية للحصول على التزكيات المطلوبة.
من ناحيته، قال محمد التليلي المنصري، المتحدث باسم هيئة الانتخابات، إنها تلقت أول من أمس (الخميس) مشروع المرسوم الرئاسي المنظم للانتخابات، وهي بصدد درسه باعتبارها جهة استشارية يفرض القانون الأساسي المنظم لعمل الهيئة استشارتها، مؤكداً المحافظة على المواعيد الانتخابية المعلنة بدون تغيير. ولفت إلى أن الهيئة الانتخابية ستقدم قبل نهاية هذا الأسبوع إلى رئاسة الجمهورية كافة المقترحات القانونية والفنية والتقنية الخاصة بمشروع المرسوم الرئاسي المنظم للانتخابات التشريعية. وكشف عن برمجة جزء جديد للقانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء يتعلق بانتخاب أعضاء مجلس الجهات والأقاليم (سيضم نحو 80 نائباً) ووضع نص قانوني ينظم العلاقات بين المجلسين، إذ إن النظام البرلماني الذي سيعتمد في تونس سيكون نظام الغرفتين.
وكان الرئيس قيس سعيد قد شدد، لدى إشرافه على اجتماع لمجلس الوزراء، على أهمية القانون الانتخابي التي لا تقل عن أهمية الدستور. وقال سعيد: «يجب أن يكون النائب مسؤولاً أمام ناخبيه، لذلك تم التنصيص في الدستور ومشروع المرسوم على إمكانية سحب الثقة منه بطرق محددة».
ونفى رئيس الجمهورية أن يكون القانون الانتخابي الجديد «إقصائياً»، قائلاً: «الاقتراع على الأفراد ليس فيه إقصاء لأحد كما يدعي المدعون، وهو أمر موجود ومعمول به في عدة دول. يُقال إنه وضع للإقصاء... لن يكون هناك إقصاء لأي فرد كان إذا توافرت فيه الشروط الموضوعية التي ينص عليها القانون الانتخابي».
وبشأن دعوة عدد من الأحزاب السياسية، خصوصاً منها المنتمية إلى منظومة الحكم القديمة ومن بينها حركة «النهضة» ومجموعة من الأحزاب اليسارية، إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة، قال سعيد: «إن من يتحدث عن نيته في المقاطعة، فهو حر في أن يشارك وهو حر في أن لا يشارك، وإن كان هناك إقصاء فهو من الشعب والاقتراع هو الفيصل». واعتبر سعيد أن «ما يروج حول إقصاء عدد من الأحزاب هو محض ادعاء ومحض افتراء».


مقالات ذات صلة

تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على أمن الدولة»

شمال افريقيا تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على  أمن الدولة»

تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على أمن الدولة»

وجه القطب القضائي لمكافحة الإرهاب طلبا رسميا إلى رئيس الفرع الجهوي للمحامين بتونس لبدء تحقيق ضدّ المحامين بشرى بلحاج حميدة، والعيّاشي الهمّامي، وأحمد نجيب الشابي، ونور الدين البحيري، الموقوف على ذمة قضايا أخرى، وذلك في إطار التحقيقات الجارية في ملف «التآمر على أمن الدولة». وخلفت هذه الدعوة ردود فعل متباينة حول الهدف منها، خاصة أن معظم التحقيقات التي انطلقت منذ فبراير (شباط) الماضي، لم تفض إلى اتهامات جدية. وفي هذا الشأن، قال أحمد نجيب الشابي، رئيس جبهة الخلاص الوطني المعارضة، وأحد أهم رموز النضال السياسي ضد نظام بن علي، خلال مؤتمر صحافي عقدته اليوم الجبهة، المدعومة من قبل حركة النهضة، إنّه لن

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا الرئيس التونسي يؤكد «احترام حرية التعبير»

الرئيس التونسي يؤكد «احترام حرية التعبير»

أعلنت نقابة الصحافيين التونسيين أمس رصد مزيد من الانتهاكات ضد حرية التعبير، مع تعزيز الرئيس قيس سعيد لسلطاته في الحكم، وذلك ردا على نفي الرئيس أول من أمس مصادرة كتب، وتأكيده أن «الحريات لن تهدد أبدا»، معتبرا أن الادعاءات مجرد «عمليات لتشويه تونس». وكان سحب كتاب «فرانكشتاين تونس» للروائي كمال الرياحي من معرض تونس الدولي للكتاب قد أثار جدلا واسعا في تونس، وسط مخاوف من التضييق على حرية الإبداع. لكن الرئيس سعيد فند ذلك خلال زيارة إلى مكتبة الكتاب بشارع الحبيب بورقيبة وسط تونس العاصمة قائلا: «يقولون إن الكتاب تم منعه، لكنه يباع في مكتبة الكتاب في تونس...

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

بعد مصادقة البرلمان التونسي المنبثق عن انتخابات 2022، وما رافقها من جدل وقضايا خلافية، أبرزها اتهام أعضاء البرلمان بصياغة فصول قانونية تعزز مصالحهم الشخصية، وسعي البرلمانيين لامتلاك الحصانة البرلمانية لما تؤمِّنه لهم من صلاحيات، إضافة إلى الاستحواذ على صلاحيات مجلس الجهات والأقاليم (الغرفة النيابية الثانية)، وإسقاط صلاحية مراقبة العمل الحكومي، يسعى 154 نائباً لتشكيل كتل برلمانية بهدف خلق توازنات سياسية جديدة داخل البرلمان الذي يرأسه إبراهيم بودربالة، خلفاً للبرلمان المنحل الذي كان يرأسه راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة». ومن المنتظر حسب النظام الداخلي لعمل البرلمان الجديد، تشكيل كتل برلمانية قبل

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا تونس: الشركاء الأجانب أصدقاؤنا... لكن الاستقرار خط أحمر

تونس: الشركاء الأجانب أصدقاؤنا... لكن الاستقرار خط أحمر

أكد وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج نبيل عمار أمس، الاثنين، أنه لا مجال لإرساء ديكتاتورية في تونس في الوقت الحالي، مشيراً إلى أن التونسيين «لن ينتظروا أي شخص أو شريك للدفاع عن حرياتهم»، وفق ما جاء في تقرير لـ«وكالة أنباء العالم العربي». وأشار التقرير إلى أن عمار أبلغ «وكالة تونس أفريقيا للأنباء» الرسمية قائلاً: «إذا اعتبروا أنهم مهددون، فسوف يخرجون إلى الشوارع بإرادتهم الحرة للدفاع عن تلك الحريات». وتتهم المعارضة الرئيس التونسي قيس سعيد بوضع مشروع للحكم الفردي، وهدم مسار الانتقال الديمقراطي بعد أن أقر إجراءات استثنائية في 25 يوليو (تموز) 2021 من بينها حل البرلمان.

المنجي السعيداني (تونس)

الرئيس المصري يؤكد أهمية الحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقبال جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي (الصفحة الرسمية للمتحدث باسم الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقبال جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي (الصفحة الرسمية للمتحدث باسم الرئاسة المصرية)
TT

الرئيس المصري يؤكد أهمية الحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقبال جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي (الصفحة الرسمية للمتحدث باسم الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقبال جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي (الصفحة الرسمية للمتحدث باسم الرئاسة المصرية)

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اليوم السبت، الأهمية القصوى للحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها وأمن شعبها، جاء ذلك خلال استقبال السيسي، اليوم، جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي، وبريت ماكغورك منسق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجلس الأمن القومي الأميركي، بحضور الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج، وحسن رشاد رئيس المخابرات العامة، والسفيرة الأميركية بالقاهرة هيرو مصطفى جارج.

وصرح المتحدث باسم الرئاسة المصرية محمد الشناوي، في بيان نشره على صفحة الرئاسة بموقع «فيسبوك»، بأن اللقاء تناول مستجدات الأوضاع الإقليمية، واستعرض جهود الجانبين للتوصل إلى اتفاق لوقف لإطلاق النار وتبادل المحتجزين في غزة، إذ شدد الرئيس المصري على أهمية التحرك العاجل لإنفاذ المساعدات الإنسانية إلى القطاع، خصوصاً مع دخول فصل الشتاء، وتم التأكيد على حل الدولتين باعتباره الضمان الأساسي لتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.

وأضاف المتحدث أن اللقاء تناول كذلك استعراض تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، وسبل المحافظة عليه، باعتباره نواة لجهود التهدئة الإقليمية، وكذا تطورات الوضع في سوريا. وأوضح المتحدث أنه تم التأكيد خلال اللقاء على عمق العلاقات الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة، وحرص البلدين على مواصلة تعزيزها بما يخدم مصالحهما المشتركة.