الصعق الفكري وتاريخ المستقبل!

ينظر العالم  إلى فكرة الإنسان المعزز تكنولوجياً من زاويتين متقابلتين (إ.ب.أ)
ينظر العالم إلى فكرة الإنسان المعزز تكنولوجياً من زاويتين متقابلتين (إ.ب.أ)
TT

الصعق الفكري وتاريخ المستقبل!

ينظر العالم  إلى فكرة الإنسان المعزز تكنولوجياً من زاويتين متقابلتين (إ.ب.أ)
ينظر العالم إلى فكرة الإنسان المعزز تكنولوجياً من زاويتين متقابلتين (إ.ب.أ)

نعم... لدينا حلم قديم ومتجدد دوماً، في أن نكون شيئاً آخر غير ما نحن عليه.
ولعل هذا هو أحد أسباب جاذبية الحركات العابرة للإنسانية اليوم، لا سيما حركة «ما بعد الإنسانية»، التي تلقي اهتماماً كبيراً على المستوى الشعبي والنخب الفكرية والعلمية ورجال المال والأعمال في مناطق مختلفة من العالم**. ومع ذلك، فإن ردود الفعل على توجهاتها وأهدافها تتدرج من التفاؤل المبهج إلى التشاؤم البائس.
على حين تبنت أغلب اليوتوبيات والآيديولوجيات في القرون السابقة فكرة «الإنسان الجديد»، وطرحت رؤى مبتكرة لما اعتبرته نوعاً أفضل وأكثر أخلاقية وسعادة للإنسانية، عبر وسائل سياسية واجتماعية، فإن حركة «ما بعد الإنسانية» في القرن الحادي والعشرين تعتمد أساساً على «تحسين» وتعزيز الطبيعة البشرية باستخدام آليات جديدة مثل «تقنية الجينات» والأدوية الذكية وزراعة الأعضاء والروبوتات ودمج الإنسان مع الآلة، فقد يصبح الكومبيوتر في غضون سنوات قليلة «بديلاً للوعي الإنساني، أو كامتداد له»، حسب معظم المنظرين المتفائلين اليوم.
وينظر العالم إلى فكرة الإنسان المعزز تكنولوجياً، من زاويتين متقابلتين: الأولى ترفض الفكرة من الأساس وتراها كابوساً مثيراً للفزع؛ لأنه «لا يوجد أفضل من الإنسان الحالي الذي عليه الارتقاء نحو إنسانيته».
والرؤية الأخرى تؤكد أنها أمر واقع لا فكاك منه. صحيح أن الإنسان الحالي ما زال يحتفظ بهويته الإنسانية «الخالصة» وقيمه الأخلاقية التقليدية، ولكنه يوشك على التحرك باتجاه الإنسان المعزز، من خلال التدخل الجيني والطب الحيوي والأجهزة القابلة للارتداء بهدف تعزيز قدراته الجسدية والعقلية.
(2)
السؤال الذي طرحه فرنسيس فوكوياما في مقاله «ما بعد الإنسانية»، في مجلة «السياسة الخارجية» عام 2004، هو الأهم حتى الآن؛ لأنه لامس الجدار المكهرب لمخاوف المستقبل، بقوله «إذا بدأنا في تحويل أنفسنا إلى شيء أعلى، فما هي الحقوق التي ستدعيها (وتمتلكها) هذه الكائنات المعززة، مقارنة بأولئك الذين تخلفوا عن الركب؟».
مقال فوكوياما - ربما - جاء رداً على ما أثير حول ورقة بحثية عام 2001 لأبرز رواد حركة ما بعد الإنسانية، الفيلسوف السويدي نيك بوستروم (14 صفحة) بعنوان «هل نحيا في محاكاة كومبيوتر؟»، وكانت أشبه بـ«الصعق الفكري» الذي نبّه الأذهان إلى أن «العقل الإنساني» يشبه قصيدة الشعر، سواء كتبت على الرق أو الحجر أو الورق، فإنها تحمل نفس المعنى، فما الذي يمنع مع التطور الهائل لقوة الكومبيوتر والذكاء الصناعي والمعلوماتية وعلم الأعصاب وفلسفة العقل*** من محاكاة «خريطة الدماغ الإنساني بالكامل» وتحميلها في أدمغة صناعية؟ إذ يأمل العلماء في تطوير وسيلة مبتكرة لنقل الوعي الإنساني إلى صورة ثلاثية الأبعاد، عبر تحميل الدماغ على جهاز كومبيوتر، قبل عام 2045. (تعرف بمبادرة 2045).
وإذا قُدّر لهذه المبادرة النجاح، فهل من الممكن أن يتواصل مع «أدمغتنا الصناعية» الأحفاد المعززون في المستقبل، بوسائل إلكترونية حديثة، لتحقيق نوع من الخبرة و«الحكمة الجماعية»، تفوق الحكمة الإنسانية الحالية، وتعلو عليها؟
(3)
أغلب رواد حركة ما بعد الإنسانية، يرون أن الإنسان في حالته البيولوجية الراهنة، هو في مرحلة مبكرة نسبياً من تحوله التطوري. وبالتالي، فإنه قابل للتحسين (التعزيز)، بل والاستبدال التدريجي أيضاً، ليصبح كائناً تكنولوجياً يجمع في جوفه بين ما هو طبيعي وما هو تكنولوجي. وفقاً لهذه النظرة «اليوتوبية» المتفائلة، فإن الألم والتعاسة وحتى الموت هي حالات قاصرة، الوقت كفيل بتجاوزها.
لكن نقاد هذه الحركة يجمعون على أننا: لا نعرف بعد ماهية هذا التعزيز المزعوم، فضلاً عن حدوده. فما الذي يعنيه كونك أطول عمراً وأقوى بدنياً وأذكى عقلياً، طالما لا يتوافر لدينا المعيار الذي نقيس عليه؟
وعلى سبيل المثال، لدينا حالياً النموذج الطبيعي الذي نتبعه لعلاج ما قد تلف في جسم الإنسان. فقد نعيد الذراع المكسورة استناداً إلى ذراع طبيعية سليمة تعمل بكفاءة. وقس على ذلك بقية أعضاء الإنسان؛ لأن الطبيعة توفر لنا – من باطنها - النموذج الأساسي لحدود التعزيز الطبيعي.
أضف إلى ذلك أننا لا نعرف من أين يستمد الإنسان الجديد المعزز «أخلاقياته»؟
إن «عدم اليقين» بشأن فوائد وأضرار «التعزيز» هو أهم ملامح خريطة ما بعد الإنسانية «النقدية» اليوم، وتتخذ ثلاثة مسارات: الأول، متسامح يرى أن تكون هناك قيود قليلة على التعزيز، ويقدم حججاً قوية للفوائد المحتملة (لا سيما صحة الإنسان ورفاهيته). الثاني يرى أن تكون هناك قيود أكثر ويسوق حججاً دينية وغير دينية حول الكرامة الإنسانية. والثالث لا يقف ضد التعزيز من حيث المبدأ، لكنه يطرح بعض المخاوف، منها أن «التعزيز» لن يكون متاحاً للجميع وبالتساوي على كوكب الأرض، وبالتالي قد يسير في عكس الاتجاه الذي يهدف إليه أنصاره، بمعنى أن «التعزيز» قد يعزز (فقط!) التفاوت والظلم والصراع بين الأفراد والطبقات والشعوب.
من جهة ثانية، فإن «التعزيز» قد يغير فهمنا الإنساني حول ما اصطلح عليه حول «الاجتهاد والسعي» والتميز والازدهار، فماذا يعني أن تكون متميزاً في المستقبل؟ وهي إشكالية تمس سلوك الأفراد والممارسات الاجتماعية والعلاقات الدولية بالمثل، لا سيما أن من يملك مصادر «التعزيز» وإمكانياته سوف يملك مصادر القوة!
(4)
أول من تنبه إلى أن «المشكلات التكنولوجية الجديدة في حاجة إلى معالجة أنثروبولوجية فلسفية جديدة»، كان الفيلسوف الروسي نقولاي بيريائف (وُلد في كييف في أوكرانيا عام 1874). لكن الاستجابة لهذه الشذرة تأخرت 85 عاماً، حيث صدر في مايو (أيار) الماضي 2022 كتاب مهم حول «الإنسان الأعلى»**** للباحثة الألمانية آنا بوزبو،
وهو أول دراسة فلسفية تهدف إلى تطوير نهج جديد لأنثروبولوجيا التكنولوجيا، حيث تشارك مع شخصيات بارزة في هذا المجال، أمثال نيك بوستروم، وديفيد بيرس، وناتاشا فيتا مور، وغيرهم.
ترى بوزيو، أن حركة ما بعد الإنسانية تحوي تناقضاً يصعب حله «رؤية اختزالية للإنسان» (ص - 227)، و«فهم مزدوج للطبيعة الإنسانية» (ص 229)، وكلاهما يمنح الأولوية للدماغ والعمليات المعرفية على التكوين الطبيعي للإنسان؛ لذا تنظر الحركة إلى الجسد الإنساني على أنه قابل للاستبدال عن طريق التكنولوجيا.
لكن اختزال الأشخاص وتجاربهم الجسدية والعقلية يجعل منهم مجرد أدوات تقوم بعمليات آلية لمعالجة المعلومات، وبهذه الطريقة تصبح المعلومات هي «العامل الرئيسي» (ص - 264). ولأنها تقصي الأشخاص الطبيعيين «الحقيقيين» خارج مجالها، وتمنح الأولوية للتكنولوجيا على حساب المشاعر والعواطف الإنسانية فإنها تتناقض مع أهدافها المعلنة، وهي «تحرير الإنسان من قيوده الطبيعية».
إن حركة ما بعد الإنسانية – حسب بوزيو - لا تطرح أي موقف أساسي «يؤكد إنسانية الإنسان» (ص - 227)، وبالتالي لا تساهم في تقديم «تصور متماسك، دينامي وطليعي للإنسان في المستقبل» (ص - 348).
(5)
سواء كانت حركة ما بعد الإنسانية مجرد أضغاث أحلام أو إحدى حقائق الغد، علينا الاستعداد للتعامل معها؛ لأننا نواجه إشكالية غير مسبوقة، حيث لا يدور الصراع بين العلم والدين، أو الفلسفة واللاهوت، وإنما يدور أساساً بين العلماء أنفسهم والفلاسفة وأقرانهم، ووسط اللاهوتيين على تنوعهم.
الأهم هو أن «المال» ونظرية المعرفة في وادي السيلكون أصبحت – للمرة الأولى - لاعباً جديداً في هذا المضمار.
الملاحظة الثانية، حتى الآن يتحدث الجميع بعضهم عن بعض، وليس بعضهم مع بعض، لكنها مسألة وقت، وربما كانت هذه فرصة لنا، بأن ننخرط (ونشتبك) مبكراً مع هذه الإشكالية الزاحفة على تخومنا؟ لا أن نكتفي بالمتابعة فقط، أو نتقمص دور اللاعب الجالس على دكة الاحتياط الذي ينتقد فريقه دون أن يؤثر في نتيجة المباراة!
لا تنقصنا الإرادة السياسية الواعية ولا الشباب الطموح المتمكن من أدواته علمياً ولا المال ورواد الأعمال، فضلاً عن أساتذة الجامعات ومراكز الأبحاث، وأعني تحديداً المملكة العربية السعودية.
كيف نجتذب هذا الزخم العالمي باتجاهنا؟.. كيف نصبح أحد مراكز صناعة المستقبل في الشرق الأوسط؟
- باحث مصري
** «وول ستريت» و«وادي السيلكون» ورواد الأعمال (من ديمتري إيتسكوف الروسي إلى الأميركي إيلون موسك)، مروراً بأغلب رواد الأعمال في العالم، مهتمون بمسألة دمج الدماغ الإنساني بالكومبيوتر، ناهيك بالاستثمارات الضخمة: مختبرات وأبحاث واستشارات علمية، وصناعات جديدة في مجال الأدوية الذكية والمعززات المعرفية.
وقدّر أحد التقارير المنشورة في يونيو (حزيران) 2022 القيمة العالمية لأحد المنشطات الذهنية في عام 2026 بمبلغ 6.61 مليار دولار (سعر التقرير المكون من 175 صفحة،
يبدأ من 4000 دولار أميركي!).
*** وداعاً ديكارت، كوسمولوجيا جديدة للعقل الإنساني، المؤلف: كيث ديفلين، ترجمة: د. عصام عبد الله، الناشر: كتاب المجلة العربية (1)، المملكة العربية السعودية 1435هـ – 2014م.
•****Über - Menschen: Philosophische Auseinandersetzung mit der Anthropologie des Transhumanismus (Edition Moderne Postmoderne، by Anna Puzio، Publisher، ‎ Transcript; 1st edition
(May 2022).


مقالات ذات صلة

لماذا علينا أن نسامح الآخرين؟

تحقيقات وقضايا لماذا علينا أن نسامح الآخرين؟

لماذا علينا أن نسامح الآخرين؟

بعد ظهر أحد أيام ربيع عام 1985 في مدينة غاري بولاية إنديانا، الولايات المتحدة الأميركية، قتلت فتاة تبلغ من العمر خمسة عشر عاماً امرأة مسنّة بعد أن اقتحمت منزلها. مدينة غاري لها تاريخ طويل من التوترات العرقية بين السكان البيض والسود، وحيث إن الفتاة، واسمها بولا كوبر، كانت سوداء البشرة والضحية، روث بيلك (77 سنة)، من العرق الأبيض، سارعت الصحافة المحلية لتغطية الحادثة لصب الزيت على النار وفسرت الجريمة على أنها ذات بعد عرقي. لكن الشرطة قالت حينها، إن الجريمة حدثت بدافع السرقة، وإن ثلاث فتيات أخريات شاركن في ارتكاب الجريمة، إلا أن الفتيات الأخريات قلن إن بولا كانت زعيمة العصابة.

تحقيقات وقضايا الصوم... قاسم مشترك للضمير الإنساني

الصوم... قاسم مشترك للضمير الإنساني

يكاد يكون الصوم الشعيرة التعبدية الوحيدة في مختلف الأديان والمعتقدات ذات الالتصاق الوثيق بالضمير الإنساني؛ إذ لاحظ باحثون في تاريخ الحضارات القديمة أن ظاهرة الصوم كانت حاضرة بقوة لدى مختلف الشعوب. وتُجمِع معظم الأديان والثقافات على اعتبار الصوم فرصة للتجدّد الروحي والبدني. فقد كان الصوم عبادة يتبارك بها البشر قبل الذهاب إلى الحروب، ولدى بعض الحضارات ممارسة جماعية لاتقاء الكوارث والمجاعات. شعوب أخرى حوّلته طقساً للإعلان عن بلوغ أفرادها اليافعين سن الرشد.

أحمد الفاضل
تحقيقات وقضايا هل يجوز أن تتحوّل الحقيقة إلى موضوع حواريّ؟

هل يجوز أن تتحوّل الحقيقة إلى موضوع حواريّ؟

لا ريب في أنّ أشدّ ما يهزّ الوجدان الإنسانيّ، في بُعدَيه الفرديّ والجماعيّ، أن يجري تناولُ الحقيقة الذاتيّة على لسان الآخرين، وإخضاعُها لمقتضيات البحث والنقد والاعتراض والتقويم. ما من أحدٍ يرغب في أن يرى حقيقته تتحوّل إلى مادّةٍ حرّةٍ من موادّ المباحثة المفتوحة. ذلك أنّ الإنسان يحبّ ذاتَه في حقيقته، أي في مجموع التصوّرات والرؤى والأفكار والاقتناعات التي تستوطن قاعَ وعيه الجوّانيّ.

باسيل عون (مشير)
تحقيقات وقضايا مجموعة احتجاجية تطلق على نفسها «بقيادة الحمير» تصب طلاء أصفر على طريق في لندن 23 فبراير الماضي (رويترز)

هل يجب أن نقبل ما يقوله الآخرون في امتداح هويّتهم؟

غالباً ما نسمع الناس يمتدحون ما هم عليه، سواءٌ على مستوى هويّتهم الفرديّة أو على مستوى هويّتهم الجماعيّة. لذلك نادراً ما وقعتُ على إنسانٍ يعيد النظر في هويّته الذاتيّة الفرديّة والجماعيّة. ذلك أنّ منطق الأمور يقتضي أن يَنعم الإنسانُ بما فُطر ونشأ عليه، وبما انخرط فيه والتزمه، وبما اكتسبه من عناصر الانتماء الذاتيّ. فضلاً عن ذلك، تذهب بعض العلوم الإنسانيّة، لا سيّما علوم النفس، مذهباً قصيّاً فتوصي بامتداح الأنا حتّى يستقيم إقبالُ الإنسان على ذاته، إذ من الضروريّ أن نتصالح وذواتنا حتّى نستمرّ في الحياة.

باسيل عون (مشير)
تحقيقات وقضايا أناس يشاهدون انطلاق مركبة «سبيس إكس» إلى الفضاء في 27 فبراير الماضي (رويترز)

عن «الإنتروبيا» والجدل والتسبيح

من نقطة «مُفرَدة» أولى، لا «أين» فيها ولا «متى»، فيها كل الزمان وكل المكان وكل الطاقة، مدمجين بنظام لا عبث فيه ولا خلل. كانت البداية، ومنها كانت كل البدايات، ينبعث من عِقالِ المفردة الأولى وتراتبيتها الصارمة فوضى كبيرة في انفجار كبير. ومن تلك الفوضى ينبت الزمكان وتنبعث الطاقة وتتخلق المادة، منها كان الكون بأجرامه ومخلوقاته، بل وكانت الأكوان وأجرامها ومجراتها ومخلوقاتها. فكأن قصة الكون وقصتنا معه، «هي أن تراتبية ونظاماً مكثفاً مدمجاً.


كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
TT

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».

كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.

صبغة شامية

خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».

طوابير أمام أحد المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».

بين «العشق» و«القلق»

رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.

حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.

ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.

مجلس النواب المصري وافق على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين (الشرق الأوسط)

تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.

جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».

ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.

لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.

دعوات مقاطعة

تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».

حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.

وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.

وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».

في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».

الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».

زحام لافت على مطعم سوري بشارع فيصل بالجيزة (الشرق الأوسط)

ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».

كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».

ترحيب مشروط

كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».

ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.

مصريون طالبوا بمقاطعة المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».

وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.

على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».

استثمارات متنوعة

يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».

ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».

ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.

وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».

وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.

و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».

«حملات موجهة»

انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».

رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».

وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».

السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية في مصر (الشرق الأوسط)

وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».

ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».

لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».

«استثمارات متنامية»

ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».

وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.

ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.

لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».

مطعم سوري في وسط البلد (الشرق الأوسط)

حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».

فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».

بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».

وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.