الحوثيون يطلقون أيادي ملاك المساكن لمضاعفة الإيجارات

TT

الحوثيون يطلقون أيادي ملاك المساكن لمضاعفة الإيجارات

ظهر الصحافي اليمني المعروف محمد عبد العزيز، خلف القضبان بأمر من القاضي الذي ألزمه بإخلاء الشقة التي يستأجرها، وترميمها، ودفع ما عليه من متأخرات، وعجزه عن ذلك بسبب قطع الحوثيين راتبه. شكل ذلك المشهد ما عدَّه يمنيون إعلاناً عن تزييف آلة الدعاية الحوثية حول الانتصار للفقراء، ومنع أي زيادة في إيجار المساكن، أو طرد السكان في حال تخلفهم عن السداد بسبب توقف رواتبهم.
يقول محمود وهو موظف في إحدى الشركات الكبيرة، إنه وبعد خمسة أشهر من البحث حصل على شقة للإيجار في صنعاء، لكنه فوجئ بأن المالك يريد منه ضميناً تجارياً بأنه قادر على دفع الإيجار الشهري بعد أن عجز الموظفون الحكوميون عن دفع إيجارات المنازل التي يسكنون بها وقيام الملاك بطردهم بأوامر قضائية.
وحسب ما أكده محمود (الذي فضل الاكتفاء باسمه الأول)، فإن وجود ضمانة تجارية بدفع الإيجار أصبح شرطاً لتأجير المنازل، بعد أن تمت مضاعفة الإيجارات إلى الضعفين وازدحام المحاكم بالآلاف من دعاوى إخلاء المساكن. ويوضح في حديثه لـ«الشرق الأوسط» كيف تم طرده من الشقة التي كان يسكنها وأسرته منذ عشرة أعوام، على الرغم من أنه رضخ لقرار المؤجرة برفع الإيجار من ثلاثين ألفاً إلى 90 ألف ريال في الشهر (ما يعادل 150 دولاراً)، في حين أن راتبه من الشركة يساوي 250 دولاراً فقط.
يضيف أن مالكة المنزل لم تكتف بمضاعفة مبلغ الإيجار، بل عادت لتطلب منه دفع عشرين ألف ريال (حوالي 20 دولاراً) شهرياً قيمة استهلاك للمياه، مع أن جيرانه يدفعون نصف هذا المبلغ، ولهذا قرر البحث عن شقة أخرى بمبلغ الإيجار نفسه، لكن كان المطلوب منه البحث عن صديق أو قريب يمتلك سجلاً تجارياً كي يضمن بأنه سيدفع الإيجار الشهري، وفي حال تأخره سيتولى الضامن الدفع بدلاً عنه، وهو شرط لم يسبق أن عرفه السكان في اليمن على الإطلاق.
أما «رضوان»، وهو اسم مستعار لصحافي يقيم في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية، فيقول لـ«الشرق الأوسط»، إنه رغم حملة الدعاية التي نفذتها الميليشيات بخصوص أنها أصدرت توجيهات حاسمة إلى المحافظات وإدارات الأمن بمنع أي زيادة في إيجارات المساكن ومنع إخراج أي مستأجر، وقيامها بتوزيع نسخ من هذه التوجيهات، إلا أن السكان أفاقوا على واقع مغاير، حيث امتلأت المحاكم بالدعاوى ضد المستأجرين وأصدر القضاة أوامر ملزمة وسريعة للمستأجرين بإخلاء تلك المساكن فوراً، وألزموهم بإصلاحها أو دفع مبالغ مقابل ذلك.
وحسب رواية الصحافي اليمني، فإن الناس باتت على قناعة أن الحوثيين حلفاء للتجار وأصحاب الأموال، وكل ما يهمهم هو الحصول على جبايات أو رُشى من الملاك، أما الموظفون والبسطاء فقد تركوهم فريسة سهلة للجشع، حيث ضاعف الملاك الإيجارات مرتين خلال سنة واحدة، وأصبح الحصول على شقة في صنعاء ضرباً من المستحيل، حيث ارتفعت الإيجارات من 50 - 70 دولاراً ووصلت إلى 250 دولاراً، وإلى جانب الضمانة التجارية أصبح المستأجر مطالباً بدفع إيجار ثلاثة إلى أربعة أشهر مقدماً.
من جهته، يقول إسماعيل عبد الله، وهو معلم راتبه مقطوع منذ 2016، إنه اضطر إلى أخذ أسرته إلى ريف محافظة إب، لأنه لم يعد قادراً على دفع إيجار المنزل المتواضع الذي كان يسكنه في حي الصافية وسط صنعاء، وقبل أن يتم رفع الإيجار ليصبح أكثر من راتبه في حال تم صرفه.
ويؤكد أنه عمل في إحدى المدارس الخاصة، لكن الراتب كان قليلاً لم يزد على المائة دولار، وإيجار المسكن ارتفع من 40 دولاراً إلى 80 دولاراً، لهذا انتقل إلى الريف، حيث عاد للعمل في زراعة وبيع نبتة «القات» لتوفير المتطلبات اليومية لأسرته.
ويضيف: «كل الكلام الذي صدر عن الحوثيين بشأن منع زيادة الإيجار، ومنع ارتفاع الأسعار، اتضح أنه للاستهلاك الإعلامي فقط، بينما الأمور تذهب باتجاه آخر إذ لم نعتد في اليمن أن يطلب منك دفع إيجار ثلاثة أشهر مقدماً، ولم نعرف أن مالكاً يطلب ضمانة تجارية بأن تدفع الإيجار ولم نعرف في اليمن مثل هذا الفقر والجوع في مقابل ثراء فاحش لمجموعات من العاملين من الحوثيين».
وللدلالة على زيف ما يروج له الحوثيون، يقول أحد سكان مدينة الحديدة، إن فاتورة استهلاك الكهرباء عن شهر مايو (أيار) لأحد أقاربه في مدينة عدن التي تتخذها الحكومة عاصمة مؤقتة للبلاد بلغت 4.518 ريالاً عن 512 كيلوواط، وبالسعر الرسمي السابق الذي كان يطبق في مدينة الحديدة قبل الانقلاب، في حين أنه لو استهلك الكمية نفسها حالياً في ظل سلطة ميليشيات الحوثي فإنه مطالب بدفع أكثر من 128 ألف ريال، أي أن الكلفة ارتفعت بأكثر من2000 في المائة، والأمر كذلك فيما يخص أسعار وقود السيارات والغاز المنزلي والسلع الغذائية التي تباع بأكثر مما هي عليه في مناطق سيطرة الحكومة.


مقالات ذات صلة

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

العالم العربي جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

تتزايد أعداد القتلى من قيادات الجماعة الحوثية الذين يجري تشييعهم دون الإشارة إلى أماكن سقوطهم، بالتوازي مع مقتل مشرفين حوثيين على أيدي السكان.

وضاح الجليل (عدن)
أوروبا مدنيون يرتدون زياً عسكرياً يشاركون في تدريب عسكري من قبل جنود أوكرانيين في كييف (أ.ف.ب)

تقرير: بمساعدة الحوثيين... روسيا تجند يمنيين للقتال في أوكرانيا

أفاد تقرير صحافي أن روسيا تقوم بتجنيد رجال من اليمن لإرسالهم إلى الجبهة في أوكرانيا بمساعدة من الحوثيين في اليمن.

«الشرق الأوسط» (لندن )
العالم العربي مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

فرضت الجماعة الحوثية إتاوات جديدة على الكسارات وناقلات حصى الخرسانة المسلحة، وأقدمت على ابتزاز ملاكها، واتخاذ إجراءات تعسفية؛ ما تَسَبَّب بالإضرار بقطاع البناء.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
تحليل إخباري الجماعة الحوثية استقبلت انتخاب ترمب بوعيد باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل (غيتي)

تحليل إخباري ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

ينتظر اليمنيون حدوث تغييرات في السياسات الأميركية تجاه بلادهم في ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وعود يمنية بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية

وعد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات، ضمن خمسة محاور رئيسة، وفي مقدمها إصلاح نظام التقاعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.