لبنان: حراك مالي جديد يستهدف تصويب خطة التعافي الحكومية

اعتماد أرقام سلامة كوثيقة لتحديد مسؤوليات الخسائر

صف طويل لشراء الخبز أمام أحد الأفران في بيروت أمس (إ.ب.أ)
صف طويل لشراء الخبز أمام أحد الأفران في بيروت أمس (إ.ب.أ)
TT

لبنان: حراك مالي جديد يستهدف تصويب خطة التعافي الحكومية

صف طويل لشراء الخبز أمام أحد الأفران في بيروت أمس (إ.ب.أ)
صف طويل لشراء الخبز أمام أحد الأفران في بيروت أمس (إ.ب.أ)

لاقت التصريحات الأخيرة لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة أصداء إيجابية في الأوساط المصرفية والمالية، عقب توتر فرضه تباعد المواقف بين السلطة النقدية والقطاع المالي على خلفية المقاربات والمقترحات الواردة في خطة التعافي التي أقرتها الحكومة منتصف الشهر الماضي.
وأكد مسؤول مصرفي كبير لـ«الشرق الأوسط»، أن إقرار سلامة، ولو بالاستنتاج المبني على معطيات رقمية وموثقة، بمسؤولية الدولة المباشرة عن الفجوة المالية في ميزانية البنك المركزي التي تصل إلى نحو 62 مليار دولار، «من شأنه إعادة تصويب قاعدة تحميل المسؤوليات بخلاف ما اقترحته الحكومة بشطب مبالغ من توظيفات المصارف وتحميلها مع مودعيها أعباء تغطية هذه الخسائر».
ورجح المسؤول حصول تفاعلات إيجابية في أسواق النقد والتعاملات المالية، في ظل تمديد مفاعيل التعاميم الخاصة بضمان تدفق السيولة بالدولار النقدي وبالليرة، إلى جانب التمسك بالدور المحوري للبنك المركزي في إدارة المبادلات اليومية عبر منصة «صيرفة»، علما بأن الأخيرة تعززت بتدابير تقلص من قدرات المضاربين وتجار العملات على استغلالها، ويجري ترجمتها بتراجع حجم العمليات إلى حدود 30 مليون دولار يوميا مع ثبات سعر صرف الدولار في المنصة دون 25 ألف ليرة لكل دولار.
كما أكد المسؤول المصرفي أن تحديد نقطة بدء الانهيار بقرار الحكومة السابقة بتعليق دفع مستحقات سندات الدين الدولية (اليوروبوندز)، من شأنه فتح ملف شائك وكبير يتصل بالتوصيفات المؤذية التي لحقت بالمؤسسات المالية والمصرفية، وتصنيفها بـ«الزومبي»، بينما تثبت الوقائع الميدانية أنها، وبالتعاون الوثيق مع السلطة النقدية، نجحا في إدارة التعامل مع مشكلات جسيمة بنيوياً وخدماتياً على مدار نحو 3 سنوات متواصلة من الانهيارات، ووسط عجز الدولة بكل سلطاتها عن أي دعم أو فعل مساند، ولا سيما لجهة الإهمال المتعمد لأولوية إقرار قانون تنظيم ووضع ضوابط على السحوبات والتحويلات (كابيتال كونترول)، مما ساهم بتأجيج المواجهات بين البنوك وزبائنها.
ولاحظ المسؤول، أن جمعية المصارف «معنية بإعادة تجميع أوراقها استنادا إلى إفصاحات الحاكم، وتجديد التواصل المباشر لاحقاً مع مسؤولين حكوميين ورؤساء الكتل النيابية، بهدف إرساء معادلة متوازنة لتوزيع المسؤوليات والخسائر عبر التحديد المنهجي والنهائي لحجم الفجوة المالية وضرورة الاتفاق بين الأطراف المعنية»، أي الدولة والبنك المركزي والقطاع المصرفي على كيفية توزيع أحمالها والمدى الزمني لاستيعابها، بموازاة توافق على آليات حماية المودعين من الفئات كافة، باستثناء ما يتم إقراره من اقتطاعات على كتلة الفوائد المحققة أو التحويلات التي تتضمن شبهات استغلال الأزمة.
ووفقا لتقديرات سلامة، فإن لبنان سيحتاج إلى ما بين 15 و20 مليار دولار للنهوض، وهو بحاجة لصندوق النقد، فمن خلاله سيكتسب الثقة مجدداً والممر المطلوب من لبنان، مؤكداً في المقابل، أن «مهمة ميقاتي ليست سهلة، وهو يحاول إيجاد حل نهائي لأزمة لبنان، وهدفه أن يكون لدينا اتفاق مع صندوق النقد، ولا يوجد دولة في العالم عاقبت المودعين، ونحن حافظنا على البنوك للحفاظ على أموال المودعين».
وفي حسم للجدل، عد المسؤول المصرفي الأرقام التي كشفها سلامة «وثيقة مرجعية لتحديد معالم خريطة الطريق الناجعة لخطة التعافي والنهوض التي يفترض أن يجري تأمين أوسع تفاهمات وطنية داعمة لها توطئة لإعداد صياغة نهائية جديدة تضمن المواكبة التفاعلية من قبل مجلس النواب المنوط به إقرار حزمة مشاريع قوانين تم إدراجها كشروط مسبقة في الاتفاق الأولي على مستوى موظفي الصندوق، وفي مقدمها إقرار الموازنة العامة و«الكابيتال كونترول» وتعديل قانون السرية المصرفية وإعداد قانون إعادة هيكلة الجهاز المصرفي.
ويرد في مندرجات هذه الوثيقة «أنه من الفترة الممتدة من 2010 حتى 2021 أخذ قطاع الطاقة من البنك المركزي نقدا 24 مليارا و537 مليون دولار، أما القطاع العام فأخذ 8 مليارات و320 مليون دولار، وتمويل الاستيراد للمواد المدعومة كلف 7 مليارات و572 مليون دولار، إضافة إلى الخسائر التي تكبدها مصرف لبنان من اليوروبوندز التي بلغت 7 مليارات و446 مليون دولار، أما تكلفة الفائدة على هذه الأموال المأخوذة فكانت 14 مليارا و800 مليون دولار». وبذلك تكون الدولة أخذت بموجب قوانين وخلال 10سنوات 62 مليارا و670 مليون دولار».
ويبدي المصرفيون ارتياحهم إلى تسليط سلامة الضوء على القرارات الحكومية الخاطئة التي اتخذت والتي «كانت لها عواقب علينا جميعا وعلى الثقة بالبلد»، معتبرين أنها «أدت إلى الأزمة على العملة»، فيما «من قاموا بذلك هم أنفسهم يلومون مصرف لبنان وحاكمه».
وكان سلامة أوضح أنه «عندما وقعت الأزمة في سنة 2019 لم يرتفع سعر الدولار كثيرا، وكان بإمكان اللبنانيين سحب دولاراتهم من البنوك، إلى أن قررت الحكومة اللبنانية التوقف عن دفع السندات، وهنا بدأ التضخم، وبدأ الدولار بالارتفاع»، ليستنتج: «للأسف استطاعوا خلق الفوضى، واعتقدوا أن بإمكانهم خلق نظام آخر أفضل، ولكن النتيجة كانت انهيار الاقتصاد وهجرة اللبنانيين، وألقوا باللوم علي».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

بارزاني يحذر من مخاطر الانسحاب الأميركي

مسعود بارزاني زعيم «الحزب الديمقراطي الكردستاني» (إكس)
مسعود بارزاني زعيم «الحزب الديمقراطي الكردستاني» (إكس)
TT

بارزاني يحذر من مخاطر الانسحاب الأميركي

مسعود بارزاني زعيم «الحزب الديمقراطي الكردستاني» (إكس)
مسعود بارزاني زعيم «الحزب الديمقراطي الكردستاني» (إكس)

حدد رئيس «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، مسعود بارزاني، موقف الكرد من الصراع الجاري في المنطقة بطريقة تبدو مختلفة عن خيارات القوى السياسية في بغداد، لا سيما من الحرب الدائرة في المنطقة.

وفي لقاء له مع قناة «سكاي نيوز عربية»، الثلاثاء، أكد بارزاني أن العراق «هو المتضرر في حال جره للحرب في المنطقة». وأضاف أن «العلاقة بين أربيل وبغداد جيدة، مع أن بعض الملفات العالقة لا تزال طور النقاش لحلها، من بينها حصة الإقليم من النفط».

وقال بارزاني: «ليس من مصلحتنا أي توتر مع إيران وتركيا والعلاقات طبيعية مع الطرفين»، مؤكداً أنه «لم يكن في برنامجنا أبداً توتر العلاقات مع تركيا وإيران، لكن لن نسمح لأي أحد بأن يتدخل في شؤوننا».

ولفت بارازني إلى أن «المعارضة الإيرانية الموجودة في إقليم كردستان لم تتدخل وتستمع للتعليمات، بينما (حزب العمال الكردستاني) يتدخل ولا يستمع للتعليمات».

العراق وطبول الحرب

وبشأن طبول الحرب التي تقرع في المنطقة وطريقة تعاطي العراق الرسمي والعراق الموازي المتمثل بالفصائل المسلحة الموالية لإيران، قال بارزاني إن «العراق هو المتضرر من جره للحرب الحالية في المنطقة».

ومع أن بارزاني لم يخض في تفاصيل موقف العراق من الحرب، لكنه عبَّر عن رأي كردي منسجم مع موقف الحكومة العراقية سواء على لسان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أو وزير الخارجية فؤاد حسين، لكنه انتقد صراحة «الفصائل المسلحة التي لا تزال تهدد بالرد على إسرائيل في حال تنفيذها هجوما على العراق».

وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أعلن، الأحد الماضي، خلال كلمة له بمناسبة مرور 100 عام على تأسيس الدبلوماسية العراقية أن إسرائيل باتت تبحث عما سماها «ذرائع واهية لضرب العراق»، مبيناً أنه وجَّه وزارة الخارجية للتعامل مع الأمر، وفق الأطر الدبلوماسية.

مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي والسفيرة الأميركية لدى العراق إلينا رومانسكي خلال لقاء الأحد (واع)

وكانت السفيرة الأميركية إلينا رومانسكي التي انتهت مدة عملها في العراق، قد حذرت من إمكانية أن تقوم إسرائيل باستهداف العراق قائلة: «أود أن أكون واضحة جداً من البداية. الإسرائيليون أدلوا بتحذيرات ردع على الميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، والتي تعتدي على إسرائيل».

وأضافت أن «هذه الميليشيات هي من بدأت في الاعتداء على إسرائيل، وأكون واضحة جداً لهذه النقطة وأن الإسرائيليين حذروا حكومة العراق بأن يوقفوا هذه الميليشيات من اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل».

وتابعت السفيرة بالقول: «رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة التي لا تنصاع لأوامر الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء، وأن إسرائيل أمة لها سيادتها، وستقوم بالرد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

خطر الانسحاب الأميركي

وعن موقفه من الوجود الأميركي في العراق، قال بارزاني إن «(داعش) لا يزال يشكل تهديداً جدياً، وانسحاب قوات التحالف مشكلة من دون تجهيز الجيش العراقي والبيشمركة».

ويعد موقف بارزاني أول موقف كردي بهذا الوضوح بعد سلسلة مباحثات أجرتها الحكومة العراقية طوال هذا العام مع الأميركيين بشأن إعادة تنظيم العلاقة بين العراق والولايات المتحدة الأميركية والتي تتضمن انسحاب ما تبقى من القوات الأميركية من العراق والعودة إلى اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقَّعة بين بغداد وواشنطن عام 2008.

وفي هذا السياق، يقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية الدكتور عصام فيلي لـ«الشرق الأوسط» إن «موقف بارزاني من الانسحاب الأميركي يمثل مخاوف كثير من القوى السياسية وحتى الشارع العراقي في أن يكون العراق جزءاً من ساحة حرب».

وأضاف فيلي أن «هذه الحرب لا بد أن يكون لمن يشترك فيها اصطفاف لصالح طرف ضد آخر، وهو ما يتناقض مع الدستور العراقي وتصريحات كبار مسؤوليه في أن العراق لا يمكن أن يكون ساحة للحرب في المنطقة بين قوتين وهما أميركا وإيران».

وأوضح فيلي أن «العراق لا يزال يواجه تحديات داخلية في المقدمة منها التنظيمات الإرهابية، وأن قوات التحالف الدولي تمثل ضمانة أمنية»، وأشار إلى أن «الكرد يخشون من غياب قوات التحالف؛ لأنهم يرون أن وجود بعض الأطراف المسلحة في بعض المناطق المتنازع عليها سيشكل تهديداً لهم بعد الانسحاب الأميركي».