أوبرا «توراندو» لبوتشيني: لا أحد ينام في الصين

آخر مؤلفات الموسيقار الإيطالي تفتح معرض ميلانو الدولي

من مسرحية «توراندو» وهي آخر مؤلفات الموسيقار الإيطالي الكبير جاكومو بوتشيني التي عرضت في افتتاح معرض ميلانو الدولي بإيطاليا «إكسبو 2015»
من مسرحية «توراندو» وهي آخر مؤلفات الموسيقار الإيطالي الكبير جاكومو بوتشيني التي عرضت في افتتاح معرض ميلانو الدولي بإيطاليا «إكسبو 2015»
TT

أوبرا «توراندو» لبوتشيني: لا أحد ينام في الصين

من مسرحية «توراندو» وهي آخر مؤلفات الموسيقار الإيطالي الكبير جاكومو بوتشيني التي عرضت في افتتاح معرض ميلانو الدولي بإيطاليا «إكسبو 2015»
من مسرحية «توراندو» وهي آخر مؤلفات الموسيقار الإيطالي الكبير جاكومو بوتشيني التي عرضت في افتتاح معرض ميلانو الدولي بإيطاليا «إكسبو 2015»

ثلاثة أسئلة صعبة إذا كان الجواب عليها صحيحا فالجائزة هي يد ابنة إمبراطور الصين أما إذا كانت خاطئة فعقابها الموت المحتم. هذه هي فكرة المسرحية الغنائية الشهيرة «توراندو» وهي آخر مؤلفات الموسيقار الإيطالي الكبير جاكومو بوتشيني التي تم اختيارها عند افتتاح معرض ميلانو الدولي بشمال إيطاليا «إكسبو 2015» بحضور رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي وضيوف الشرف في دار أوبرا لاسكالا العريقة في ميلانو، وشاهدها 600 ألف متفرج على شاشة التلفزيون الإيطالي الرسمي.
أمضى الجمهور سهرة لا يمكن نسيانها خلال شهر مايو (أيار) في لاسكالا المبنية منذ عام 1776 لمشاهدة العرض الحي لهذه الأوبرا التي برع فيها في الماضي المغني الإيطالي المشهور الراحل لوتشيانو بافاروتي ورأينا إنتاجا جديدا من إخراج ألماني قام به نيكولاس لينهوف وصمم مناظره ريموند باور فقدما حكاية غريبة في جو صيني يدور في المخيلة وعرضا سجنا أحمر اللون مصفحا بالمسامير الكبيرة كمعقل للتعذيب تشرف عليه الأميرة توراندو وتقيم عدالتها على أساس الإعدام بينما يضع زبانيتها بينغ وبانغ وبونغ أقنعة من فينيسيا (البندقية) موطن ماركو بولو الرحالة الإيطالي إلى الصين.
لماذا تلجأ توراندو إلى سفك الدماء لمن يفشل في الإجابة على أسئلتها العسيرة؟ تقول إنها تنتقم بذلك لما جرى من اغتصاب إحدى جداتها قبل مئات السنين، لكن الأمير الفارسي كالاف (ويقدمونه أحيانا في إنتاج مختلف على أنه أمير من التتر) ينجح في الإجابة الصحيحة على الألغاز المحيرة بشجاعته وجرأته، فالأسئلة ثلاثة والموت واحد. تسأله توراندو أمام آلاف المواطنين الخائفين في بكين لأنهم شاهدوا عشرات الطامحين قبله وقد أعدموا دون رحمة:
- في عتمة الليل يتنقل الشبح. العالم كله يدعو إليه والكل يتوسل إليه لكن الشبح يختفي مع حلول الفجر ليولد في القلوب فيحيا طوال الليل ويلقى حتفه في النهار؟
- يجيب كالاف دون تردد: الأمل.
- تطرح توراندو السؤال الثاني:
- يبدو كالنار المشتعلة لكنه ليس بالنار. إنه مثل الحمى يتصف بالانفعال والاندفاع. إذا فقدته ستبرد وإذا قاتلت به التهب؟
- يفكر كالاف قليلا ثم يجيب: الدم.
- تغضب توراندو ثم تطلب الإجابة على السؤال الأخير وهي تنظر إليه شزرا:
- الجليد الذي يحترق ويطفئ أمنيتك ويجمدك.. في رغبتك إلى الحرية ربما يستعبدك أو قد يجعلك ملكا؟
- يحتار كالاف في الإجابة ثم يلم شمله ويصيح: توراندو
ثلاث أجوبة صحيحة من شخص لا يعرف أحد اسمه أو أصله. تحاول توراندو التنصل من وعدها وترفض الزواج من هذا «الغريب الذكي».
يحذرها كالاف من الإخلال بالتزامها إنما يقترح عليها فرصة للخروج من المأزق، فإذا عرفت اسمه قبل الفجر سيعفيها من وعدها ويقبل بالموت.
تقبل توراندو التحدي ساخطة وتطلب من جواسيسها التحري فورا عن هوية هذا الشخص الذي يغني الأغنية المعروفة «لا أحد ينام» (نيسون دورما بالإيطالية). حين يقبضون على رفيقته ليو التي ترفض البوح باسمه وتفضل التضحية بحياتها على خيانته يسألونها: ما هو سر قوتها وتحملها للتعذيب فتجيب: الحب. ترضخ توراندو بعد ذلك وحين يخبرها كالاف باسمه ثم يقبلها تنهار أمامه وتقبل الاقتران به.
توفي بوتشيني عام 1924 قبل إتمام المشهد الأخير من الأوبرا الحافلة بالأنغام الصينية والجو الشرقي، وقاد الأوركسترا في عرضها الأول ذلك العام في دار أوبرا لاسكالا بميلانو القائد الأسطوري ارتورو توسكانيني وتوقف عن العزف بعد وفاة ليو في الأوبرا احتراما لذكرى غياب بوتشيني بعد موته وطلب بعدها من الموسيقار فرانكو ألفانو إتمام القسم الأخير المتبقي في الأوبرا ليراه المشاهدون في العروض التالية، لكننا نرى في العرض الحالي نسخة جديدة للمشهد الأخير أكملها الموسيقار الإيطالي من المرموقين في نخبة الطليعة بأساليبهم الجديدة وهو الراحل لوتشيانو بريو الذي توفي في روما قبل 12 سنة.
يشتهر بوتشيني في أوبراته الأخرى مثل «البوهيميون» و«توسكا» و«مدام بترفلاي» التي تدور أحداثها في اليابان بالأغاني التي تبقى في الذاكرة لحلاوة أنغامها وتعبيرها العاطفي المركز، ويذكر البعض حادثا طريفا جرى في أوبرا فيينا منذ سنوات أثناء عرض أوبرا توسكا حين طعنت المغنية السوبرانو الروسية غالينا فيشنيفسكايا قائد الشرطة في روما فوقع مضرجا بدمائه لكنها في حماستها ارتطمت بشمعدان للشموع فسقطت شمعة على رأسها وبدأت في إحراق شعرها المستعار مما اضطر المغني المفروض أنه قتل للقيام وإطفاء النار الذي أثار فزع غالينا التي لم تعرف سبب عودة الروح إليه فصارت تصرخ مما دفع الجمهور للضحك بدل البكاء.
طار صيت بوتشيني في إيطاليا التي كانت تبحث عن خليفة للموسيقار العملاق جيوسيبي فيردي مؤلف أوبرا «عايدة». كان بوتشيني بطيئا في عمله وذواقة في الأكل ويحب السفر وقيادة السيارات السريعة مثل سيارة فيراري ويصاحب الجميلات، وجرى انتخابه عضوا في مجلس الشيوخ تقديرا لمقدرته الفنية. ويصنف إلى جوار روسيني وفيردي كأكثر المؤلفين الموسيقيين شعبية وخاصة أوبرا «البوهيميون» التي يتكرر عرضها مرارا في دور الأوبرا في العالم مثل أوبرا «كارمن» لبيزيه.
رأينا في هذا العرض الناجح تأثير الموسيقار فاغنر وديبوسي على طريقة بوتشيني في أواخر حياته في التأليف الموسيقي والانسياب المستمر في الألحان العاطفية العذبة، وكانت قيادة ريكاردو شايي للفرقة الموسيقية بطريقته الدراماتيكية المثيرة رائعة كعهده دوما فهو من كبار قادة الأوركسترا الإيطاليين في العالم وأصبح قائد أوركسترا دار أوبرا لاسكالا منذ أوائل العام الحالي وكان يقود أهم الفرق الموسيقية الكلاسيكية في ألمانيا وهولندا في السابق. أما الأداء المميز فكان لمغنية السوبرانو السويدية نينا ستيمه التي قامت بدور توراندو ببراعة ملحوظة فهي تتمتع بصوت مذهل وتبرع في غناء موسيقى فاغنر، وكذلك زميلتها الإيطالية ماريا اغريستا الشابة التي أبدعت بدور ليو وحازت على التصفيق المتواصل، أما الكسندر أنطونينكو من لاتفيا فكان أداؤه جيدا ومقنعا بدور كالاف لكنه لا يرتقي إلى موهبة بافاروتي الصوتية.
مغزى هذه المسرحية الغنائية الجميلة رغم خشونتها هو انتصار الإنسانية، والإنتاج الحالي يعرض لنا نفسية الأميرة توراندو بشكل امرأتين لا واحدة فهي تتخفى وراء القسوة لكنها تتحرر بمساعدة الأمير كالاف الذي يضيء لها طريق الحب فيعطيها السكين لتقتله في المشهد الأخير لكن حبها له وإعجابها به يكبلان يديها فتنتهي القصة بزواجهما وفتح أبواب السجن.
لا ندري كيف تمكنت نينا ستيمه من المحافظة على توازنها بالتاج الصيني المزخرف الذي وضعوه على رأسها وكاد أن يقع أرضا وهي تشكر الجمهور على تصفيقه الحار وعينها على التاج. أثبتت أنها ملكة في الغناء وأكثر من أميرة في التمثيل والأداء.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.