الجيش الإسرائيلي يقتل عاملاً فلسطينياً «بلا تصريح» عند الجدار الفاصل

العمال يدفعون أثماناً باهظة وتل أبيب تستخدمهم ورقة سياسية أمنية

عمال فلسطينيون يدخلون إسرائيل من معبر إيريز شمال قطاع غزة في مارس (أ.ب)
عمال فلسطينيون يدخلون إسرائيل من معبر إيريز شمال قطاع غزة في مارس (أ.ب)
TT

الجيش الإسرائيلي يقتل عاملاً فلسطينياً «بلا تصريح» عند الجدار الفاصل

عمال فلسطينيون يدخلون إسرائيل من معبر إيريز شمال قطاع غزة في مارس (أ.ب)
عمال فلسطينيون يدخلون إسرائيل من معبر إيريز شمال قطاع غزة في مارس (أ.ب)

قتل الجيش الإسرائيلي أمس عاملا فلسطينيا لا يحمل تصريح العمل الخاص بالعمال، على جدار الفصل جنوب قلقيلية وهو يحاول العبور إلى إسرائيل من أجل الحصول على لقمة عيشه وعائلته، بعدما غيرت إسرائيل سياستها تجاه عبور أهل الضفة الغربية إليها.
وأعلنت وزارة الصحة، أن العامل نبيل أحمد غانم، من سكان نابلس، (53 عاما)، قضى برصاص الاحتلال أثناء محاولته الدخول عبر بوابة «جلجولية» في وقت متأخر أمس وجثمانه كان ما زال مع الجانب الإسرائيلي بعد أن توفي في مستشفى «مئير» في كفار سابا في الداخل.
في نفس الوقت، كانت القوات الإسرائيلية تصيب عاملين آخرين قرب بلدة إذنا قضاء الخليل جنوبا، عند فتحة في الجدار الفاصل كذلك. وقال الجيش الإسرائيلي بأنه قواته تستهدف كل مشتبه بمحاولة التسلل عبر الجدار. ونقلت (رويترز) عن الجيش الإسرائيلي، أن «جنوده رصدوا بالقرب من مدينة قلقيلية مشتبها به ألحق أضراراً بالسياج الأمني وحاول العبور إلى إسرائيل. وأضاف أن الجنود فتحوا النار وأن الواقعة قيد التحقيق».
ويترجم هذا سياسة إسرائيلية جديدة تجاه عبور الفلسطينيين إلى إسرائيل، وهي سياسة تتسم أكثر بالعقابية ردا على تنفيذ فلسطينيين عمليات في مدن إسرائيلية بعدما مروا عبر ثغرات في الجدار الفاصل بين الضفة وإسرائيل وهو جدار إسمنتي مسلح بالعادة، أو شائك مراقب بعناية. وقررت إسرائيل منذ بداية أبريل (نيسان) الماضي، إغلاق الفتحات وزجت بجنود إلى نقاط التماس، وراحت تلاحق كل شخص يحاول العبور، رغم أن الأغلبية الساحقة التي تسلك هذا الطريق هم العمال الذين يغامرون بحياتهم من أجل لقمة العيش.
ويقول الاتحاد العام لعمال فلسطين إن حوالي 165 ألف فلسطيني يحملون تصاريح يدخلون إسرائيل يوميا للعمل، لكن كل أسبوع يعبر آلاف آخرين بشكل غير قانوني، وغالبا ما يتجنبون نقاط التفتيش من خلال الثغرات الموجودة في الجدار الأمني. ولا يوجد عدد دقيق لأولئك الذين لا يحملون أي تصاريح ويقدرون بآلاف ويصلون إلى إسرائيل عبر عمليات تهريب منظمة ومكلفة.
وعمليات التهريب هذه لوحدها قصة أخرى، طالما دفع العمال أثمانا غالية لها. ويدفع العمال مبالغ كبيرة من أجل العبور في سيارات يهودية لمهربين أو في صهاريج أحيانا، وينامون في ورش بناء وثلاجات في أماكن عملهم لتجنب التسلل يوميا وتجنب اعتقالهم في الداخل وأحيانا يموتون في الطرق.
واتهمت الحكومة الفلسطينية، إسرائيل، بانتهاج سياسة الإرهاب المنظم تجاه العمال، وقالت بأن جنود الاحتلال وعناصر الإرهاب المنتشرين في عموم الضفة الغربية المحتلة وحدود قطاع غزة الذين تحولوا إلى آلات متحركة للقتل، يتعاملون مع أي فلسطيني كهدف للرماية في ميدان التدريب. وقالت وزارة الخارجية الفلسطينية إن إطلاق النار اليوم الأحد «إعدام ميداني».
يذكر أن العمال الذين يحملون تصاريح، آمنون أكثر على حياتهم، لكن مقابل طريق مذلة إلى حد كبير. ويوميا يصطف عشرات آلاف العمال الفلسطينيين في طابور طويل في جنح الظلام ولعدة ساعات يوميا، عند بوابات حديدية في الضفة الغربية تفصلهم عن إسرائيل، في انتظار سماح الجنود الإسرائيليين لهم بالدخول إلى إسرائيل، وتبدأ الرحلة الشاقة لعشرات الآلاف العمال، مع منتصف الليل، إذ يغادرون منازلهم مبكرا على أمل أن يحصلوا على دور متقدم، ومنهم من يكمل نومه عند الحاجز.
ولم تجد منظمة «محسوم ووتش» الإسرائيلية (كلمة محسوم تعني حاجزا بالعبرية)، مصطلحا أفضل من «سوق عصري للعبيد»، لتصف المعابر في الضفة عندما يمر منها العمال صباح كل يوم. ورغم كل هذا الإذلال، يعتبر هؤلاء العمال الأكثر حظا، قياسا بالذين لم يحصلوا على التصاريح وعليهم التسلل إلى إسرائيل من أجل العمل.
وتستخدم إسرائيل قضية العمال في خدمة أهداف سياسية وأمنية كذلك. والأسبوع الماضي قررت زيادة عدد تصاريح العمل في إسرائيل للفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية بمقدار 20 ألفا، لدفع فكرة الاقتصاد بدل السلام، وتخفيف حدة التوتر الأمني. كما قررت رفع حصة العمال في غزة بمقدار 2000 قبل أن تعود وتلغي القرار.
وصادق وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس بعد إطلاق صاروخ من القطاع يوم السبت، على تجميد قراراه بزيادة حصة تصاريح العمل والتجارة للفلسطينيين الذين يعيشون في قطاع غزة. وقالت وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، بأن حماس تتحمل المسؤولية.
وكانت وزارة الدفاع قد صادقت على خطة مبدئية لرفع عدد تصاريح غزة إلى 20 ألفا، وهي زيادة دراماتيكية وغير مسبوقة. ففي نهاية عام 2021، كان لدى 7 آلاف فلسطيني فقط تصاريح للعمل أو التجارة في إسرائيل. ودافع مسؤولون في الجيش عن الخطوة بقولهم، إن السماح لمزيد من سكان غزة بالعمل في إسرائيل، سيضخ دخلا تشتد الحاجة إليه في الجيب الساحلي الفقير بينما تشجع الخطوة على الاستقرار أيضاً.
ويحصل العامل الفلسطيني في غزة، على متوسط أجر يومي يبلغ 60 شيكلا (17.35 دولار)، في حين قد يصل الأجر اليومي للقليلين الذين يسمح لهم بدخول إسرائيل، إلى 400 شيكل (115.66 دولار) في اليوم، بحسب تقرير لـ«تايمز أوف إسرائيل». وعلى مدار عقود طولية منذ انطلقت الانتفاضة الأولى عام 1987 فشلت كل المحاولات التي جربتها منظمة التحرير، في ثني هؤلاء العمال عن العمل في إسرائيل ومستوطناتها، بسبب أنهم (أي العمال) يربطون ذلك مباشرة بلقمة العيش لا بالوضع السياسي.
ولاحقا فشلت السلطة بعد حملة أطلقتها عام 2010 في ثني العمال عن العمل في المستوطنات الإسرائيلية. وظل الفلسطينيون يساهمون في بناء المشاريع في إسرائيل بما في ذلك المستوطنات التي يحاربونها ليل نهار.


مقالات ذات صلة

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

المشرق العربي اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

في اليوم الثاني لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، التقى وفداً من الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، بحضور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وأكد رئيسي، خلال اللقاء الذي عقد في القصر الرئاسي السوري أمس (الخميس)، أن بلاده «تعتبر دائماً القضية الفلسطينية أولوية في سياستها الخارجية». وأكد أن «المقاومة هي السبيل الوحيد لتقدم العالم الإسلامي ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، وأن «المبادرة، اليوم، في أيدي المجاهدين والمقاتلين الفلسطينيين في ساحة المواجهة».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي «مستعربون» بزي نسائي تسللوا إلى قلب نابلس لقتل 3 فلسطينيين

«مستعربون» بزي نسائي تسللوا إلى قلب نابلس لقتل 3 فلسطينيين

قتلت إسرائيل 3 فلسطينيين في الضفة الغربية، الخميس، بعد حصار منزل تحصنوا داخله في نابلس شمال الضفة الغربية، قالت إنهم يقفون خلف تنفيذ عملية في منطقة الأغوار بداية الشهر الماضي، قتل فيها 3 إسرائيليات، إضافة لقتل فتاة على حاجز عسكري قرب نابلس زعم أنها طعنت إسرائيلياً في المكان. وهاجم الجيش الإسرائيلي حارة الياسمينة في البلدة القديمة في نابلس صباحاً، بعد أن تسلل «مستعربون» إلى المكان، تنكروا بزي نساء، وحاصروا منزلاً هناك، قبل أن تندلع اشتباكات عنيفة في المكان انتهت بإطلاق الجنود صواريخ محمولة تجاه المنزل، في تكتيك يُعرف باسم «طنجرة الضغط» لإجبار المتحصنين على الخروج، أو لضمان مقتلهم. وأعلنت وزارة

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي مشروع قانون إسرائيلي يتيح لعوائل القتلى مقاضاة السلطة واقتطاع أموال منها

مشروع قانون إسرائيلي يتيح لعوائل القتلى مقاضاة السلطة واقتطاع أموال منها

في وقت اقتطعت فيه الحكومة الإسرائيلية، أموالاً إضافية من العوائد المالية الضريبية التابعة للسلطة الفلسطينية، لصالح عوائل القتلى الإسرائيليين في عمليات فلسطينية، دفع الكنيست نحو مشروع جديد يتيح لهذه العائلات مقاضاة السلطة ورفع دعاوى في المحاكم الإسرائيلية؛ لتعويضهم من هذه الأموال. وقالت صحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية، الخميس، إن الكنيست صادق، بالقراءة الأولى، على مشروع قانون يسمح لعوائل القتلى الإسرائيليين جراء هجمات فلسطينية رفع دعاوى لتعويضهم من أموال «المقاصة» (العوائد الضريبية) الفلسطينية. ودعم أعضاء كنيست من الائتلاف الحكومي ومن المعارضة، كذلك، المشروع الذي يتهم السلطة بأنها تشجع «الإرهاب»؛

«الشرق الأوسط» (رام الله)
المشرق العربي تأهب في إسرائيل بعد «صواريخ غزة»

تأهب في إسرائيل بعد «صواريخ غزة»

دخل الجيش الإسرائيلي في حالة تأهب وقصف بدباباته موقعاً في شرق مدينة غزة، أمس الثلاثاء، ردّاً على صواريخ أُطلقت صباحاً من القطاع بعد وفاة القيادي البارز في حركة «الجهاد» بالضفة الغربية، خضر عدنان؛ نتيجة إضرابه عن الطعام داخل سجن إسرائيلي.

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي وساطة عربية ـ أممية تعيد الهدوء إلى غزة بعد جولة قتال خاطفة

وساطة عربية ـ أممية تعيد الهدوء إلى غزة بعد جولة قتال خاطفة

صمد اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة الذي دخل حيز التنفيذ، فجر الأربعاء، منهيا بذلك جولة قصف متبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية استمرت ليلة واحدة (أقل من 24 ساعة)، في «مخاطرة محسوبة» بدأتها الفصائل ردا على وفاة القيادي في «الجهاد الإسلامي» خضر عدنان في السجون الإسرائيلية يوم الثلاثاء، بعد إضراب استمر 87 يوما. وقالت مصادر فلسطينية في الفصائل لـ«الشرق الأوسط»، إن وساطة مصرية قطرية وعبر الأمم المتحدة نجحت في وضع حد لجولة القتال الحالية.

كفاح زبون (رام الله)

المشهد الأخير لحرب إسرائيل على لبنان: تصعيد لرسم «صورة النصر»

TT

المشهد الأخير لحرب إسرائيل على لبنان: تصعيد لرسم «صورة النصر»

صورة للدخان الناجم عن 20 غارة إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
صورة للدخان الناجم عن 20 غارة إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)

يتسابق كل من «حزب الله» وإسرائيل لرسم صورة الانتصار أمام جمهوره في الساعات الأخيرة للحرب، فيحاول الطرفان تحقيق المكاسب العسكرية والمعنوية أمام جمهوره قبل ساعات من إعلان وقف إطلاق النار المتوقع، ليبقى السؤال؛ لمن ستكون الطلقة الأخيرة في هذه الحرب التي أوقعت آلاف القتلى والجرحى في لبنان ودمّرت آلاف المنازل وهجّرت أكثر من مليون نازح، معظمهم لا يعرف الوجهة التي سيسلكها بعد وقف آلة الحرب؟!

وكانت الحرب بين إسرائيل و«حزب الله»، التي أعلنها الأخير تحت عنوان «إسناد غزة» في 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 قد اتخذت منحى تصعيدياً في 23 سبتمبر (أيلول) 2024 بقرار من تل أبيب، لتتوسع وتشمل كل الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، أي بشكل أساسي المناطق المحسوبة على «حزب الله» والطائفة الشيعية، واستمرت بالوتيرة نفسها لمدة أكثر من شهرين، قبل أن يبدأ العمل جدياً على وقف إطلاق النار قبل نحو أسبوعين.

تصعيد متدرج وساعات صعبة على اللبنانيين

ومع بدء ملامح التوافق على الحلّ الذي يرتكز بشكل أساسي على قرار مجلس الأمن 1701، رفع الطرفان راية التصعيد في المشهد الأخير للحرب مستفيدين من الساعات الأخيرة «لتحقيق الإنجازات» العسكرية والسياسية.

ومنذ بدء الحديث عن تقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار، شهدت المواجهات تصعيداً غير مسبوق، بحيث ارتكبت إسرائيل مجزرة في منطقة البسطة القريبة من وسط بيروت، صباح السبت، أدت إلى مقتل 29 شخصاً، وكانت المواجهات أكثر حدّة يوم الأحد بإطلاق «حزب الله» أكثر من 300 صاروخ باتجاه مستوطنات الشمال حيث سُجل سقوط جرحى، ووصل منها إلى تل أبيب، معيداً بذلك تفعيل معادلة «تل أبيب مقابل بيروت»، في موازاة الغارات والقصف المتنقل بين الجنوب والبقاع والضاحية التي تعرضت ليلاً لزنار نار عبر استهدافها بأكثر من 11 غارة، ما أدى إلى دمار هائل في المباني.

كذلك، شهدت بلدة الخيام ليلة عنيفة، في استمرارٍ لمحاولة التوغل الإسرائيلية وتفخيخ الجيش للمنازل والأحياء.

وفيما استمر التصعيد يوم الاثنين بارتكاب إسرائيل عدداً من المجازر في البقاع والجنوب، عاش اللبنانيون ساعات صعبة على وقع المعلومات التي تشير إلى تحديد موعد وقف إطلاق النار، وشنّت سلسلة غارات على الضاحية الجنوبية بعد إصدار أوامر إخلاء هي الأكبر من نوعها منذ بداية الحرب ، بحيث طال زنار نار 20 مبنى في الحدث وحارة حريك والغبيري وبرج البراجنة، وقال الجيش الإسرائيلي إنه نفّذ 20 هدفاً إرهابياً خلال 120 ثانية.

 

الدخان يغطي سماء الضاحية الجنوبية لبيروت التي استهدفت الثلاثاء بأكثر من 20 غارة (رويترز)

وفي الجنوب، حيث تدور مواجهات شرسة في محاولة الجيش الإسرائيلي التوغل إلى بلدة الخيام، نشر المتحدث باسمه صوراً لجنود قال إنها عند «نهر الليطاني»، وأشارت المعلومات إلى أن الجنود وصلوا إلى مجرى النهر من دير ميماس، التي دخلوا إليها قبل أيام .

وعلى وقع هذا التصعيد، بدأ الطرفان بترويج فكرة «الانتصار» أمام جمهورهما، فـ«حزب الله» ربط «التقدم في اتصالات وقف إطلاق النار بالصواريخ التي أطلقها السبت على تل أبيب ومستوطنات الشمال»، فيما يقول المسؤولون الإسرائيليون، في «رسالة طمأنة» لسكان الشمال الذين يتخوفون من وجود «حزب الله» على الحدود، إن الدولة العبرية ستتصرف بحزم عند أي خرق، مثل إعادة تسلح الحزب.

 

تحقيق آخر الأهداف لـ«إعلان النصر»

ويربط أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية، الدكتور عماد سلامة، التصعيد العسكري من قبل إسرائيل بالإسراع بتحقيق الأهداف المؤجلة قبل الإعلان عن وقف إطلاق النار، فيما يحاول «حزب الله» عبر إطلاق الصواريخ أن يثبت أن قدراته العسكرية لا تزال قوية وأنه لم يهزم.

ويقول سلامة لـ«الشرق الأوسط»: «في اللحظات الأخيرة قبل وقف إطلاق النار، يسعى كل طرف إلى إعلان النصر كوسيلة أساسية لتسويق التسوية كمكسب، وليس كتنازل أو هزيمة، وهو يهدف إلى تعزيز شرعية الاتفاق أمام القواعد الشعبية والبيئة السياسية لكل طرف، ومحاولة جس النبض المحلي لقياس ردود الفعل وحجم المعارضة المحتملة»، مضيفاً: «هذه الديناميكية تجعل من إعلان النصر أداة تكتيكية لتهيئة الساحة الداخلية والتعامل مع أي تطورات في اللحظات الأخيرة قبل اتخاذ القرار النهائي بشأن وقف الحرب».

من هنا، يرى سلامة أن «هذا الأمر يعكس حاجة كل طرف لتعزيز مواقعه داخلياً ولجم الانتقادات والحفاظ على التأييد السياسي»، موضحاً: «بالنسبة لإسرائيل، يمكنها اعتبار إنجازاتها سبباً لإعلان النصر، حيث حققت أهدافاً عسكرية استراتيجية. منها تدمير البنية التحتية العسكرية لـ(حزب الله)، واغتيال قياداته البارزة، ومنعه من الوجود الفاعل على الحدود مع إسرائيل. كما تمكنت من فصل المسار اللبناني عن القضية الفلسطينية، وإعادة المستوطنين إلى مناطقهم الشمالية بأمان، ما يشير إلى تحقيق كامل أهداف حملتها العسكرية بنجاح. هذا الإعلان يعزز موقف الحكومة الإسرائيلية أمام المعارضة الداخلية ويظهر قوة الردع الإسرائيلية».

أما بالنسبة لـ«حزب الله»، فيقول سلامة: «سيصرّ على أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها، حيث لم تتمكن من تدمير قوته العسكرية بالكامل أو وقف الهجمات الصاروخية والمسيرات. كما سيؤكد الحزب أنه نجح في التصدي لأي توغل إسرائيلي في الجنوب، وأجبر إسرائيل على التراجع دون تحقيق أهدافها السياسية أو العسكرية»، مضيفاً: «بالنسبة لـ(حزب الله)، هذا الإعلان ضروري لترسيخ شرعيته أمام بيئته الحاضنة ومؤيديه، وللردّ على الانتقادات التي قد تطوله نتيجة الخسائر التي تكبدها خلال المواجهة»، ويؤكد: «في النهاية، إعلان النصر لكلا الطرفين يعكس أهمية تأطير الأحداث بما يخدم مواقفهما الداخلية والدولية».

الساعات والأيام الأخيرة لحرب «تموز 2006»

يبدو من الواضح أن سيناريو حرب «تموز 2006» يتكرر اليوم، حيث إنه قبيل أيام وساعات من اتفاق وقف إطلاق النار، صعّدت تل أبيب من عملياتها العسكرية، وأطلقت قبل يومين عملية برية حملت عنوان «تغيير اتجاه 11»، وتوغّل الجيش الإسرائيلي عبر إنزال جوي في بلدة الغندورية بقضاء بنت جبيل مقتحماً وادي الحجير، ومنها إلى منطقة جويا (شرق صور)، ما أدى إلى مواجهة شرسة من قبل «حزب الله». وأشارت المعلومات إلى تدمير الحزب 25 دبابة إسرائيلية، إضافة إلى سقوط عدد من الجرحى في صفوف العسكريين.

كذلك، عمدت إسرائيل إلى رمي القنابل العنقودية قبل انتهاء الحرب بيومين فقط بشكل عشوائي، على أهداف غير محددة، ما حال دون القدرة على الحصول على خرائط دقيقة لإزالتها.

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بأن الطائرات الحربية الإسرائيلية رمت أكثر من 5 ملايين قنبلة، أدت حتى عام 2020 إلى مقتل نحو 58 مواطناً، وجرح نحو 400 آخرين، أصيب كثير منهم بإعاقات وعمليات بتر لأقدامهم، وغالبيتهم فقدوا عيونهم وهم من المزارعين والرعاة.

وفي الساعات الأخيرة لإعلان وقف إطلاق النار، تكثّف القصف الجوي ليشمل بلدات عدة في الجنوب، مستهدفاً مباني وأحياء سكنية، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، فيما أمطرت المقاتلات الحربية الضاحية الجنوبية بوابل من الغارات حيث استهدفت ما يعرف بمجمع الإمام حسن السكني، المؤلف من 8 مبانٍ، بأكثر من 20 غارة خلال أقل من دقيقتين، ما أدى إلى مقتل عائلات بأكملها.

في المقابل، أطلق «حزب الله» صواريخه باتجاه شمال إسرائيل، مستهدفاً عدداً من المستوطنات، منها حيفا وكريات شمونة ومسكاف عام.